28 إبريل , 2015 - 10:01 م
قبل أن يأخذك التساؤل لمعرفة ماهية عنوان التقرير والفضول لفهم ما سيقال هنا، أريدك أن تخلي عقلك قليلًا وتتخيل أحد أحياء القاهرة، لنقل (شبرا) مثلًا أو (مدينة نصر)، تحاصره فرق بأكملها من الجيش الأمريكي، هذه الفرق كل أربع أو خمس سنوات تدخل في حرب مع أهالي الحي، وأثناء هذه الحرب تجرب فيهم كل الأسلحة الجديدة التي تم إنتاجها في سنوات الهدنة وتسبب للأهالي المصريين إصابات مخيفة وغير قابلة للشفاء الكامل في معظمها.
إنها قصة تشبه فيلمًا مصريًّا رديئًا وخيالية بالنسبة لك، حسنًا، هذه القصة تحدث بنصها الرديء على الحدود، مع تغيير الحي القاهري الخيالي المفترض لمساحة حقيقية صغيرة من الأرض يسكنها مليون ونصف إنسان على الأقل، ولجيش آخر غير الجيش الأمريكي، تحدث القصة الحقيقية في (غزة)، وعلى يد (الجيش الإسرائيلي)!
عندما شاهد الجراح البريطاني المتقاعد الشهير (ديفيد هالبين David Halpin) – الذي زار القطاع أكثر من مرة- الكثير من الإصابات غير المألوفة قال إن ما يخشاه هو أن يكون إحداث أكبر قدر من التشويه لسكان غزة من ضمن أهداف إسرائيل الرئيسية لإنتاج أكبر قدر من الرعب على أمل أن ينقلبوا على حركة حماس ولنشر ثقافة الكراهية لها وتحميلها مسئولية ما يحدث لهم.
لنمزقهم بلا رحمــة!
تمتلك تل أبيب أحد أسوأ تواريخ الإبادة الجماعية المتعمدة بداعي اختبار الأسلحة، مثلًا بالرجوع إلى حرب الرصاص المصبوب في 2008 (“الفرقان” كما أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية) وقبلها حرب تموز في 2006 في الجنوب اللبناني، فإن جيش الاحتلال تعمد استخدام أحد أكثر أنواع الأسلحة التقليدية فتكًا فقط لتجربته؛ مما أدى لسقوط الآلاف من المدنيين بين قتلى ومصابين ممزقين.
(DIME) أو متفجرات الفلز الخامل الكثيف (بترجمتها الحرفية)، السلاح القبيح الذي ولد في معامل سلاح الجو الأمريكي للتعامل مع تأثير الانفجارات العادية واسع المساحة، احتاج الأمريكيون في العراق إلى السيطرة على مدى أي انفجار للتحكم في الأضرار غير المحسوبة مع ضمان أكبر تأثير تدميري ممكن، فكانت متفجرات الفلز المجهرية هي النتيجة!
ما يمكن قوله هنا إنه أحد أبشع ما أنتجته القريحة الأمريكية وطوره الإسرائيليون ببراعة كالعادة، قنبلة مكونة من غلاف كربوني خفيف، مع مواد متفجرة مثل الـ HMX أو الـ RDX، والأهم هو مسحوق كثيف من الجسيمات الدقيقة، هذا المسحوق مكون غالبًا من مادة التنجستن Tungsten وهي أحد الفلزات الثقيلة مع ثنائي من (نيكل & كوبلت) أو (نيكل & حديد).
عندما أراد مطورو الأسلحة في الولايات المتحدة صنع القنبلة وضعوا أمامهم تطوير سلاح فتاك في مدى مكاني قليل، مع تقليل المساحة تقل أضرار المنشآت وبالتالي تنقل الصورة في الإعلام أنهم لا يقصفون إلا أوكار الإرهابيين، لكنهم حرصوا على أن تكون قوية بما يكفى لتمزيق كل من يقع في محيط انفجارها، لذلك عندما تنفجر يتحول المسحوق الكثيف إلى شظايا مجهرية، المشكلة أن الشظايا ليست معدنية وإنما كيميائية ولذلك عندما تخترق الجسم البشري تذوب ثم تبدأ في إذابة مكان الإصابة وما حوله وتنتشر حسب كميتها؛ مما يسبب ضررًا كبيرًا لأنسجة الجسم، فضلًا عن أن التنجستن مادة سرطانية بامتياز؛ مما يسبب أضرارًا بيولوجية عنيفة للمصابين والتي أثبتت الدراسات أنهم يصابون على الأغلب بنوع نادر من سرطان الأنسجة، وهؤلاء هم الأوفر حظًّا لأن كل من هو في دائرة قطرها الانفجاري لا يموت فقط وإنما يمزق حرفيًّا ويسلخ بفعل المسحوق، أما الغلاف نفسه فقط صنع من الألياف الكربونية لكي لا يحجز جزءًا من طاقة الانفجار فتحتفظ الشظايا به مما يؤدي إلى تسارعها واختراقها للأجسام، وأيضًا لأنه عند الانفجار يتحول لغبار سام يقتل من يستنشقه على عكس الأغلفة المعدنية للقنابل!
في 2008، قتلت إسرائيل بالقنابل الفلزية أكثر من 1400 فلسطيني منهم 352 طفلًا وطفلة، في 2014 تخطى العدد (رسميًّا) 2000 بينهم أكثر من 500 طفل مع إصابة عشرات الآلاف بجروح غير قابلة للشفاء التام، ما يتواتر أن إسرائيل حصلت طوال الست سنوات على الضوء الأخضر من البنتاجون لتطوير الـ Dime وتجربته كلما أمكن على مدنيين فلسطينيين للوقوف على آثاره، وهي معلومة وإن كانت غير مؤكدة بالطبع لكنها ليست بالمستغربة أو القابلة للتشكيك الكبير لو عرفنا أن أول من استخدم القنابل الفلزية هي الولايات المتحدة نفسها في العراق والأجيال الأولى من المتفجرات كانت تسلخ الجنود العراقيين أثناء الغزو في 2003!
ولماذا نكتفي بسلاح واحد؟
وجود الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة يعطي الاحتلال فرصة عظيمة لتجربة مختلف الأسلحة عليهم تحت فقاعة (الأمن القومي الإسرائيلي)؛ مما يتيح ميزة تنافسية لشركات الأسلحة الإسرائيلية لا توجد لدى أي شركات أسلحة أخرى في العالم، {التجربة علي البشر}، شيء أهل إسرائيل – التي هي في مساحة ولاية نيوجيرسي الأمريكية- أن تصبح من أكبر خمسة مصدرين للأسلحة في العالم، وأن تسود بمفردها قطاع صناعة الطائرات بدون طيار (Drones) عالميًّا!
كيف تعمل شركات الأسلحة الإسرائيلية؟
في عام 2008، استخدم جيش الاحتلال طائرات (Hermes 450) بدون طيار لضرب غزة؛ مما ساهم في وقوع آلاف القتلى والجرحى المدنيين من سكان القطاع، كانت الطائرات واعدة ومثيرة للاهتمام؛ مما ساعد الشركة المصنعة (Elbit Systems) عملاق التكنولوجيا العسكرية وصناعة الأسلحة الإسرائيلية على تسويقها وبيعها لعدد من دول العالم، ثم طورتها الشركة إلى النسخة الأكثر تقدمًا والأضخم حجمًا والأقوى تسليحًا (Hermes 900) وهي التي استخدمت في عدوان الاحتلال الأخير على غزة أواخر العام الماضي، وكانت الحرب أهم سبب لرفع مبيعات هيرميس 900 بعد رؤيتها عمليًّا وهي تضرب المدنيين في غزة وبشكل فعال!
العام الماضي وفي قلب تل أبيب وبشراكة رسمية مع سفارة الولايات المتحدة أقيم المؤتمر السنوي للأنظمة الآلية الإسرائيلية (Unmanned Systems)، أحد رعاة المؤتمر حينها كان مشروع (G-Nius) وهو مستقبل الصناعات العسكرية الدفاعية الإسرائيلية، المشروع هو نتيجة تعاون مشترك بين عملاقي الصناعات الدفاعية الإسرائيلية (Elbit Systems) و (Israel Aerospace Industries)، عبارة عن مدرعات عسكرية تسير آليًّا بلا وجود بشر بداخلها، وبفضل الحرب الماضية قامت الشركتان بتطوير المشروع بشكل كبير بعد اكتشاف عيوبه من التجربة الحية!
في وقت الحرب العام الماضي قفزت أسهم Elbit في البورصة لأعلى سعر وصلت له منذ عام 2010 مع حماس حكومة الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من التعاقدات مع الشركة لشراء أسلحتها، وبعد تجربة هيرميس 900 في سماء غزة ورؤية مقدار الدمار الذي أحدثه أسطول الـ drones اشترت سويسرا النظام مقابل 280 مليون دولار، وتعاقدت البرازيل على أسطول كامل يضم هيرميس 900 وتسلمته بالفعل.
ساهمت إيلبيت أيضًا في تطوير طائرة الـ (Skylark mini-UAV) وهي طائرة صغيرة بدون طيار للمراقبة تطلق باليد، وبحسب جنرال الجيش الإسرائيلي (روي ريفتين Roy Riftin) في تصريحاته لموقع Defense News فأسطول طائرات السكاي لارك الجديد الذي تم تجربته في الحرب الماضية ساهم في توجيه المدفعية الإسرائيلية لأهدافها بشكل دقيق.
شركة أخرى وهي (IMI) {الصناعات العسكرية الإسرائيلية} الحكومية، كانت الشركة قبل حرب غزة الماضية غارقة في ديونها ووضعت الحكومة الإسرائيلية خطة لخصخصتها في 2016 مع وضع حزمة تقاعد لأي موظف بها يرغب في الرحيل مقدارها 370 ألف دولار للفرد، ثم جاءت الحرب لتفتح أبواب الجنة للشركة!
وردت الشركة بلا توقف رصاصات الـ 5.56 مليمتر مع قذائف الدبابات المفضلة لجيش الاحتلال (Hatzav ) و(Kalanit) والتي لأول مرة تم استخدامها بأحجام ضخمة، ليس هذا وحسب وإنما اختبرت الشركة أسلحة جديدة تمامًا مثل القنبلة متعددة الأغراض (MPR-500) ذات القوة التفجيرية القادرة على اختراق طبقة سمكها متر كامل من الأسمنت المسلح، بعد تجربتها على أهالي القطاع وإثبات نجاحها بتمزيقهم طبعًا وهدم بيوتهم ارتفع الطلب على القنبلة لتصل أوامر التوريد إلى 5.6 مليار شيكل (ما يساوي مليار ونصف دولار).
وجرائـم حـرب أيضًا!
من نافلة القول ذكر أن إسرائيل تستخدم بالطبع أسلحة محرمة دوليًّا بجانب أسلحتها الجديدة وتطويرها لقطاع صناعة الأسلحة بشكل فعلى في تجاربها على الفلسطينيين المدنيين في غزة.
كان رد إسرائيل على اتهامات استخدامها للـ Dime بسيطًا ويتلخص في أنه لا يقع تحت طائلة القانون الدولي لأن السلاح لم يرخص بعد، بهذه البساطة، بينما سجلت مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيليم (B’Tselem) استخدام جيش الاحتلال لنوع جديد من القذائف المسمارية التي تطلق عند اصطدامها بجسم ما وانفجارها آلافًا من السهام المعدنية الصغيرة التي تسبب إصابات مروعة لمن هم في نطاقها العشوائي والواسع بامتياز، ويمكن الرجوع لقصة فاضل شانا (Fadel Shana) أحد مصوري رويترز العام الماضي الذي قام بالمخاطرة والتقاط صورة للحظة إطلاق دبابة إسرائيلية لقذيفة مسمارية قبل أن تنفجر لتقتله أسهمها المعدنية على الفور!
أيضًا استخدام قنابل الفوسفور الأبيض، نوع من الأسلحة يستخدم لصناعة ساتر ضبابي يخفي الجنود لكن إسرائيل استخدمته مباشرة في عدد لا بأس به من المرات على القطاع، وهو مصنف كسلاح كيميائي محرم دوليًّا إن تم استهداف المدنيين مباشرة به لما يؤدي إليه من أضرار جسيمة لمن يصيبه، وهناك قذائف من نوع آخر غير معروف جربته تل أبيب العام الماضي يطلق عند انفجاره مئات الأقراص المعدنية الصغيرة والدقيقة التي تمزق مع سرعتها الانفجارية أي شيء تقابله، وهناك القنابل العنقودية بالطبع (السلاح الجحيمي الأمريكي الشهير)، وشكوك تدعمها قرائن قوية أن سلاح الجو يستخدم صواريخ برؤوس حربية تحتوي على اليورانيوم المنضب، لكن ساريت ميخائيلي المتحدثة باسم منظمة بتسيليم قالت إن هذا غير مؤكد بنسبة مائة في المائة لديهم، وقد نفت حكومة تل أبيب بالطبع لكن – ما زال الكلام على لسانها- لا يمكننا الاعتماد على نفيهم هذا، أما وزارة الصحة الفلسطينية فقد أكدت المعلومة ودعت لإجراء تحقيق دولي، بالطبع إسرائيل لم توقع على معاهدة الأسلحة التقليدية لذلك فهي خارج نطاق المحاسبة خصوصًا مع تأييد الولايات المتحدة.
في أول الشهر الحالي، كشف تقرير لمنظمة (مناهضة العنف المسلح AOAV) غير الربحية البريطانية المهتمة بتوثيق انتهاكات العنف المسلح في العالم أن الجيش الإسرائيلي أطلق – على أقل تقدير- 34 ألف قذيفة غير موجهة (عشوائية) على القطاع في حرب العام الماضي بينه وبين المقاومة الفلسطينية، المعدل اليومي للقصف وصل إلى 680 قذيفة يوميًّا، أي أننا نتكلم في ضعف المعدل تقريبًا الذي كان في حرب 2008 وهو (348) قذيفة يوميًّا!
مسئولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية صرحوا أن الجيش يلتزم تمامًا بمعايير الاشتباك الآمن فيما يخص المدنيين، وهو ما ثبت عكسه في التقرير الذي أكد أن جيش الاحتلال خفض المسافة بين انفجار القذيفة وبين البيوت المأهولة بالسكان من 300 متر إلى 100 متر فقط؛ مما يعني أن القصف هو للبيوت بشكل غير مباشر وعشوائي وعنيف.
وأفيخاى أدرعي يكذب بلا توقف!
قالها أفيخاي أدرعي (المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي) في مطلع شهر مارس الماضي، أفيخاي المعروف بشكل كبير على نطاق مواقع التواصل الاجتماعي بسبب منشوراته التي دائمًا ما تثير الجدل لارتدائها قناع الود والحب، والتي هي دائمًا باللغة العربية كان في حرب الجرف الصامد العام الماضي ينشر دائمًا ما يشرح ويبرر قصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، وأن القصف هو للبؤر الإرهابية فقط، وقطعًا هذا ثبت كذبه فيما بعد بكل الأشكال الممكنة مع عدد الضحايا والمصابين الذي تعدى الخمسة عشر ألفًا على أقل تقدير
من يتابع المتحدث الرسمي يجده دائمًا وأبدًا يروج لأقاويل تتعلق بأن إسرائيل تدافع عن نفسها وتحترم حقوق الإنسان دائمًا وأبدًا، ولا تريد إلا العيش في سلام، يطالب أفيخاي دائمًا بالسلام، وهو سلام يبدو أنه مفصل على حجم إسرائيل لا أكثر، سلام تمارسه إسرائيل بطريقتها المعروفة التي وصلت لتحويل قطاع غزة بالكامل لأكبر معمل عالمي لتجربة الأسلحة الجديدة على البشر، في نفس الوقت الذي يلوم فيه أفيخاي ومن ورائه الكيان الاحتلالي الفلسطينيين على احتضانهم للمقاومة، ويلوم المقاومين على مقاومتهم لجرائم الحرب الإسرائيلية، وربما يصل للومهم على وجودهم من الأساس وإزعاج صناع الأسلحة الإسرائيلية الذين يمارسون مهمة نبيلة بالطبع.
إن كان هناك سلام له مؤيدوه والمقتنعين به فإن ما يعوقه هو إجرام إسرائيل المخالف لكل مواثيق حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، هذا السلام الذي يريده الاحتلال بشكل يسمح لهم بتحويل سكان القطاع المدنيين لفئران تجارب للأسلحة الإسرائيلية، والتي تمتد آثارها وصولًا لإفساد حياة المصاب بأي نوع منها تمامًا، وسط صمت عربي شبه كامل عما يحدث هناك وراء الحدود.
ما تفعله إسرائيل له تعريف واحد في كل القواميس العالمية، (إرهاب).
المصدر:ساسة بوست
https://klmty.net/360710-_كيف_حولت_إس..._العالم؟!.html