وفي الموضوع الثالث نناقش الهجوم المصري والوقفة التعبوية وتأثيراتها علي مجريات الحرب ، وهو موضوع شائك في حرب اكتوبر وكان دائما حاضرا في كل نقاش يتناول العلاقة بين الجبهتين المصرية والسورية ، ونجد للاسف ان بعض الاخوة كثيرا ما يربطون بين الوقفة المصرية وبين التراجع علي الجبهة السورية ، وكان دائما يتم خلط الوقفة بموضوعات اخري تشتت القارئ ، ولهذا يجب افراد للوقفة موضوع بذاته كي يتم تناولها بصورة جيدة تغطيها وتعطيها حقه من النقاش .
وبرجاء التحكم في مجري الاحداث حتي نحصر النقاش في الوقفة التعبوية دون التطرق لمعارك التطوير وهل حقق اهدافه ام لا وكل ذلك لان التطوير موضوع كبير ويجب ان يأخذ حقه في النقاش في نقطة مستقله .
عموما كي نناقش موضوع الهجوم المصري والوقفة التعبوية ونغطيها تماما فسنجد انفسنا امام النقاط التالية :
1- الهجوم المصري .
2- متي بدأت الوقفة المصرية ومتي انتهت ؟
3- لماذا تمت الوقفة التعبوية ؟
4- بدء الوقفة وموقف الجبهة السورية .
5- الوقفة التعبوية والخطة بدر .
1- الهجوم المصري .
بدأ الهجوم المصري كما كان مخططا وتم القيام بضربة جوية كبيرة علي المطارات الاسرائيلية ومواقع الدفاع الجوي ومراكز القيادة والاتصالات ، وبعد تمهيد نيراني كبير استمر لقرابة الساعة تم عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف بخسائر قليلة جدا بالنسبة للخسائر التي تم تقديرها ، حيث كان مقدرا ان تخسر القوات المصرية 10,000 جندي في عملية العبور فقط ، ولكن بفضل الله حدثت خسائر في حدود 200 جندي فقط .
وللاسف الشديد ينظر البعض الي ذلك النجاح المصري الساحق علي ان المعركة كانت سهلة واذكر وصف احد الاخوة من سوريا بان مصر لم تخض حربا حقيقية حتي يوم 14 اكتوبر ، وذلك قول للاسف خاطئ تماما ويرجع الي عدم تقدير للنجاح المصري في عملية العبور ، وما بعده ، وكأن الجيش المصري من المفترض ان يخسر دائما ، ولكن ذلك النجاح تم بفضل الله اولا وبتخطيط ممتاز ثانيا ، حيث كان تخطيط العبور يهدف الي الاعتماد علي فرق المشاة بالاساس في الهجوم والاقتحام والتشبث بالارض ، والدفاع امام الهجمات الاسرائيلية الضخمة ، وجدير بالذكر ان اسرائيل علي الجبهة المصرية شنت اربعة هجمات كبيرة علي القوات المصرية ، وليس هجوما واحدا مثلما علي الجبهة السورية ، ونجحت مصر في صد هجومين بشكل كامل ، والهجوم الثالث تم تكبيده خسائر ضخمة ولكنه نجح في الاختراق وذلك بسبب الدعم الامريكي بشكل اساسي .
ويذكر الفريق الشاذلي ان خسائر اسرائيل حتي يوم 13 كانت 600 دبابة بينما خسرت مصر في المعارك نحو 240 دبابة فقط ، وتشير بعض التقديرات الي ان العدد اكثر ويصل الي 800 دبابة اسرائيلية .
ولتوضيح صعوبة التحصينات الاسرائيلية ، نشير ان هناك موقعا في شمال خط بارليف ظل صامدا طوال المعركة ولم يسقط ابدا !!
وهناك مواقع عدة ظلت صامدة 3 او 4 ايام !! ولتوضيح كذلك حجم الاستعداد في الجيش المصري لتلك الحرب وبيان صعوبتها ، فقد اصيب احد القادة بازمة قلبية وتوفي علي اثرها من كثرة التدريب والاجهاد قبيل الحرب !! ( مشاوير العمر 290 )
ولتوضيح ضراوة المعارك التي حدثت علي الجبهة المصرية ، نشير فقط في يوم 8 اكتوبر ، حيث تم اسر العقيد عساف ياجوري وهو قائد ( الكتيبة ) 190 مدرعة بعد كمين محكم ، ونريد الاشارة الي ان القوات المسلحة اعلنت ان عساف ياجوري قائد ( اللواء 190 ) مدرع ، وفي الواقع فلم تكن المجموعة 190 بالاساس لواء مدرع ، ولكن كانت كتيبة مدرعة ، ولكن الغريب ان تلك الكتيبة كانت تضم قوات مدرعة تقدر اعدادها بـنحو 110 دبابة ومدفع اقتحام !!! وتم عمل كمين محكم لتلك الكتيبة الضخمة وتم بحمد الله تدمير حوالي 85 دبابة في 10 دقائق فــقــط بمعدل تدمير دبابة اسرائيلية كل 7 ثـــوان !!
والامثلة كثيرة وعديدة علي شجاعة وتضحية الجنود المصريين حيث لم تكن حربا سهلة اطلاقا .
2- متي بدأت الوقفة التعبوية ومتي انتهت ؟
في البداية يجب تحديد بدء الوقفة التعبوية بشكل محدد وطبيعيا ان يكون اليوم التالي لانتهاء المهمة المباشرة للقوات المصرية ، وعند قرائه المصادر التي تتحدث عن الحرب نجد ان الوقفة التعبوية بدأت في يوم 10 اكتوبر ، حيث كانت القوات المصرية في نهاية يوم 9 اكتوبر قد انهت تحقيق المهمة المباشرة لها ( الجمسي 366 ) .
وبالنظر لمعارك يوم 9 اكتوبر ، فسنجد انه كان هناك هجوم مضاد اسرائيلي كبير ، وقام اللواء 600 المدرع الاسرائيلي وتدعمه قوات اضافية اخري ومع المعاونة المركزة من الطيران الاسرائيلي والمدفعية بعمل هجمات مكثفة علي مواقع الفرقة 16 مشاة في القطاع الاوسط ، وتحت ثقل وتركيز الهجوم المشترك حدث اختراق للفرقة واحتل العدو نقطة رقم 57 ، وحدثت ثغرة بعمق 3 كيلومترات كاملة للمواقع الدفاعية المصرية ، الا ان في نهاية اليوم وبعد تركيز النيران المضادة للدبابات والمدفعية علي الثغرة تم اعادة السيطرة علي النقطة 57 وطرد العدو بعد معركة عنيفة وخسائر كبيرة في الفرقة 16 مشاة . ( وصف المعركة كاملة - جمال حماد 194 ) . وكذلك نجد ان الفرقة 2 مشاة قد تعرضت لعدة هجمات مضادة مدرعة ولكنها صدت جميعا .
وبالنظر لكتاب هيكل ونظرا لاحتوائه علي تقارير مواقف القتال اليومية الصادرة من الجيش ، فنجد ان وصف المعارك يوم 9 كما وصف جمال حماد ولكن باضافة هجوم من لواء اخر ، ولعلها القوات الاضافية التي اشار اليها جمال حماد بالاضافة للقوات التي هاجمت مواقع الفرقة 2 مشاة . ( هيكل 395 )
ويحدد الجمسي الوقفة التعبوية ويحدد فترتها من يوم 10 حتي يوم 13 اكتوبر ( الجمسي 381 و 391 ) ، ونري كذلك انه قد تم اصدار الاوامر للجيش رسميا بالوقفة التعبوية في يوم 10 اكتوبر ( هيكل 414 ) . وبالنسبة لنهاية الوقفة التعبوية فجدير بالذكر ان الوفد السوري جاء يوم 11 يطلب تنشيط العمليات لتخفيف الضغط علي الجبهة السورية ، وفي يوم 12 صدر قرار التطوير ليكون في فجر يوم 13 اكتوبر ، ولكن تم تأجيل القرار ليوم اخر للاستعداد فكان تطوير الهجوم في يوم 14 اكتوبر صباحا ( الجمسي 385 ).
وبناء علي ذلك فان الوقفة التعبوية في البداية مدة 3 ايام فقط (10-11-12) وتم تمديد يوم اضافي كي تكون فعليا اربعة ايام من يوم ( 10 – 13 ) .
3- لماذا تمت الوقفة التعبوية ؟
يقول الجمسي في ( صـ 386 )، تحت عنوان "الانتظار الطويل لماذا" وهو جزء مهم جدير بالقراءة ، يشرح فيه لماذا تمت الوقفة التعبوية ، ويتحدث عن اختلاف اراء المحللين حول التخطيط وتأكيده علي وجود المرحلة الثانية ، وهو يشير كذلك الي وجود الوقفة التعبوية كخيار في الخطة ، ولكنه يصل الي رأي الفريق احمد اسماعيل حول حديثه مع هيكل حول الوقفة وكلامه عن ان الوقفة تمت بسبب اتخاذ الاحتياطات اللازمة والتأكد من تجهيز الدفاع الجوي وتنظيم القوات للتطوير .
ويلاحظ ان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث يؤكد ذلك الكلام وقد ابدي رغبته هو الاخر في تأجيل تطوير الهجوم لحين الاستعداد بشكل افضل للتطوير ، الي حين وصول قوات الدفاع الجوي الي الشرق ، وارهاق العدو بسلسلة من عمليات الصد القوية ، وتصوير محاور التقدم وضرب القوات المدافعة عن الممرات بغارات جوية ، ويقول ان تلك الاجرائات لم يتم تنفيذ معظمها بسبب الاسراع في التطوير . ( مذكرات عبد المنعم واصل صـ221 ) .
ويعرض جمال حماد رأي القيادة في الوقفة التعبوية بنفس المعني في (صـ 240 ) حيث يشير ان القيادة ارتأت ضرورة عمل الوقفة بهدف اعادة التنظيم والاستعداد لملاقاة الهجمات الاسرائيلية ، وبعد تلك المرحلة يمكن التوجه للمضايق .
وبالنظر الي رأي الاسرائيليين حول الوقفة المصرية ، فنجد انهم قد توقعوا الوقفة المصرية وتوقعوا ان يتم تطوير الهجوم في يوم 11 او 12 اكتوبر بعد وقفة تعبوية وحدوث معركة دبابات كبيرة ، بسبب اخذ المصريين للعقيدة السوفيتية وقتها ( جمال حماد 228 )
وقد علق الجمسي في نهاية كلامه ان الفريق احمد اسماعيل كان اكثر حذرا مما ينبغي ، وكان رأي الجمسي ضرورة استغلال الموقف وتطوير الهجوم بعد يوم 9 مباشرة حيث كان اجرأ القادة حول ضرورة تطوير الهجوم مبكرا واستغلال النجاح .
وقد يقول البعض ان الخطة التي تم الاتفاق عليها قبل الحرب تقضي بطوير الهجوم مبكرا لان الانتظار قد يضر بالجبهة السورية ، وذلك ينقلنا للنقطة التالية .
4- الوقفة التعبوية والموقف علي الجبهة السورية
كما قلنا ان الوقفة التعبوية بدأت من يوم 10 اكتوبر ، ولنري ماذا كان الوضع علي الجبهة السورية يوم 10 .
وكما اوضحنا من الموضوع السابق ( الهجوم السوري وتوقفه ) ومنه نري ان الهجوم السوري لاستعادة الجولان قد فشل في يوم 9 اكتوبر وساء الوضع للاسف ولم يستطع الجيش السوري صد الهجوم المضاد الاسرائيلي الذي بدأ من يوم 8 ولا حتي فك الحصار علي القوات السورية التي تم تطويقها من الكماشة الاسرائيلية . وبحلول يوم 10 نجد انه تم اقفال الكماشة علي القوات السورية وتم تدمير لوائين سوريين من الفرقة الاولي المدرعة وتم ارجاع القوات السورية وراء خط وقف اطلاق النار .
فحتي وان فرضنا ان القوات المصرية كانت ستطور هجومها يوم 10 اكتوبر ، فان التراجع علي الجبهة السورية قد بدأ من يوم 8 وخصوصا في ضربة الطيران وخسارة سوريا اعدادا كبيرة في الدروع ، ودفعت القوات الاسرائيلية القوات السورية للخلف بشدة في يوم 9 ، وذلك كله قبل الوقفة المصرية .
وعليه فان القول بان تراجع القوات السورية خلف وقف اطلاق النار في يوم 10 كان بسبب الوقفة المصرية يوم 10 يتضح انه غير منطقي بالمرة ، بكل بساطة ذلك لان الوقفة كانت في نفس اليوم الذي تراجعت فيه القوات السورية بالكامل خلف خط القوات قبل بدء القتال ( الخط البنفسجي ) .
وكذلك بالنظر للهجوم الاسرائيلي الذي بدأ في يوم 11 اكتوبر واسبابه الحقيقية ، نجد انها اسباب بعيدة كل البعد عن الوقفة المصرية ، فعند النظر للاجتماع والذي تم اتخاذ فيه قرار تطوير الهجوم والذي تم عقده في اسرائيل في ليلة 9-10 اكتوبر قبل الوقفة المصرية ، نجد انه تم التوصل لتطوير الهجوم علي سوريا بسبب استغلال النجاح المحقق علي الجبهة الشمالية ، مما يخرج سوريا من المعركة ويجعل اسرائيل تتفرغ لمصر بعدها ، وكذلك بسبب بدء وصول القوات العراقية لسوريا ووجوب السيطرة علي الموقف هناك قبل وصول تلك القوات واستقرار اوضاعها ، وكذلك بسبب ان توجيه الهجوم علي مصر وقتها لا يمكن ان يحسم الحرب بسبب قوة الدفاع المصري ، وكذلك تم الاشارة الي ان الهجوم علي سوريا يدفع برسالة تحذير شديدة الي الملك حسين حتي لا يفتح جبهة الاردن البالغة الطول مع اسرائيل . ( جمال حماد 223 )
وبتلخيص اسباب تطوير الهجوم الاسرائيلي علي سوريا يوم 11 نجد انها في الاصل بسبب فشل الهجوم السوري عموما وتراجعه وليس بسبب الوقفة المصرية !
وقد يقال كذلك ان الوقفة التعبوية جائت مخالفة للخطة كما تم الاتفاق عليها وحتي ان لم تكن لها تأثير علي الجبهة السورية فكان من الطبيعي ان يتم الالتزام الحرفي بالخطة .
وذلك ينقلنا للنقطة الرابعة وهي الوقفة التعبوية وعلاقتها بالخطة بدر.
5- الوقفة التعبوية وخطة الحرب
كي ننظر للوقفة التعبوية ومدي مطابقتها للخطة بدر ، فسنجد ان الخطة كانت كما تم الاتفاق عليها مع الجانب السوري كالتالي طبقا للاجتماع الذي تم اجراؤه في يوم 7 يونيو 73 ، فكانت الخطة علي اساس وصول القوات المصرية الي المضايق ، ووصول القوات السورية لنهر الاردن وبحيرة طبرية ، ثم بعدها يتم عمل وقفة تعبوية .
وبالنظر الي اداء القوات المصرية والسورية ومدي التزامها بالخطة.
فسنجد ان القوات المصرية لم تلتزم بالخطة بدر حرفيا ، فالقيادة المصرية رأت ضرورة عمل الوقفة التعبوية بعد العبور كي يمكن صد الهجمات الاسرائيلية المضادة ( والتي حدثت بالفعل )، وبعد ذلك يمكن تطوير الهجوم ( جمال حماد 240 ) والذي تم متأخرا وفي نفس الوقت تم اسرع مما ينبغي ولم يتم التجهيز له جيدا .
وبالنظر الي الجبهة السورية نري انها كذلك ايضا لم تلتزم بالخطة بدرحرفيا عدة مرات ، مرة في التوقف السوري يوم 7 قبل الوصول لنهر الاردن ، ومرة اخري في ترك الجسور وعدم ضربها كما كان مقررا ، ومرة اخري في عدم ضرب المطارات الاسرائيلية ، ونري ان غياب التنسيق في عمليات الحرب كان واضحا فكان الموقف علي كل جبهة هو المحرك لكل جبهة بشكل رئيسي .
فالرئيس حافظ الاسد يؤكد بنفسه علي عدم وجود تنسيق كافي بين الجبهتين ( الجمسي 392 ) فقد كانت هيئة العمليات بالقيادة الاتحادية بدون اي جدوي حقيقية ، فلم تستطع اجراء اي نوع من التنسيق او الربط بين الجبهتين في اعمال القتال ، فقد كان كل دورها ايصال الاشارات والبرقيات فقط دون التنسيق العسكري المطلوب وربط الخطط المشتركة ( جمال حماد 238 ) .
ولهذا نجد ان كل جبهة كانت تعمل منفردة دون اي تنيسق مع الجبهة الاخري ، وادي غياب التنسيق هذا الي عدم التزام في الخطة بدر لكل جبهة علي حدا .