"البلطجي" لفظ عامّي اللهجة المصرية يقصد به المعتدي (أو من احترف الاعتداء) على نفس الغير أو عرضه أو ماله، ويسمى في كتب الفقه الإسلامي الصائل.
أنا كمسلم يعيش في مصر، إذا اعتدى علي بلطجي يريد مالي أو نفسي ماذا علي أن أفعل شرعاً وقانوناً؟
بدايةً قد يعترض البعض على مراعاة البعد القانوني، لأن الشريعة يجب أن تكون هي الحاكمة المهيمنة وحدها، وهذا كلام صحيح قطعاً، ويجب أن نسعى جميعاً إلى أن يكون واقعاً، ولكن إلى أن يحدث ذلك فإن مخالفة القانون تجعل الإنسان في مواجهة الدولة وتعرضه للعقوبات في ماله ونفسه، وهذه مفاسد شرعية قطعاً، فاعتبارنا للبعد القانوني ليس احتراماً للقانون أو تقديساً له، وإنّما هو في الحقيقة اعتبار للمفاسد الشرعية التي تنتج عن مخالفته.
إذا تقرر ذلك فسنبين بشكل مبسط وغير مخل بإذن الله، كيفية التعامل مع البلطجية المعتدين وفق الشريعة الإسلامية ثم وفق القانون المصري ثم كيفية الجمع بينهما في صورة خطة عملية قابلة للتطبيق لا تخالف الشريعة ولا تخالف القانون.
أولا: كيفية التعامل مع البلطجية وفق الشريعة:
أجمع الفقهاء على مشروعية رد اعتداء المعتدي على المال أو النفس أو العرض أو ما يسمونه هم بالصائل (ونسميه نحن بالبلطجي) بل وعلى جواز قتله إن لم يندفع شره إلا بالقتل. (انظر مجموع الفتاوى، لابن تيمية: 28/177).
وعندنا حديث عظيم للرسول صلى الله عليه وسلّم سيكون عمدتنا في هذه المسألة:
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ . فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ! أرأيتَ إن جاءَ رجلٌ يريدُ أخذَ مالي ؟ قالَ فلا تُعطِهِ مالَكَ قالَ أرأيتَ إن قاتَلَني قالَ قاتِلهُ قالَ أرأيتَ إن قتَلَني قالَ فأنتَ شهيدٌ قالَ أرأيتَ إن قَتلتُهُ ؟ قالَ " هوَ في النَّارِ " .
نستخرج من هذا الحديث ثلاث فوائد أساسية، لعل الله يجعل فيها البركة والكفاية:
١. أن المقصود الأول هو رد الاعتداء وليس القتال، لذلك قال صلى الله عليه وسلّم أولاً فلا تعطه مالك، ولم يقل قاتله مباشرة، فأي شيء يتحقق به عدم إعطاء مالك فافعله، فإن كان يتحقق ذلك بالهروب مثلاً وغلب على ظنّك النجاة، فيتعين عليك الهروب، قال الإمام النووي: "فيجب على المصول عليه (المعتدى عليه) رعاية التدريج والدفع بالأهون فالأهون (روضة الطالبين 187/10).
ويدل على ذلك رواية أخرى للحديث عن أبي هريرة في مسند الإمام أحمد ويصححها الشيخ أحمد شاكر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن عدي على مالي؟ قال فأنشد الله ! قال فإن أبوا علي؟ قال أنشد الله! قال فإن أبوا علي ؟ قال فأنشد الله! قال فإن أبوا علي ؟ قال فقاتل ! فإن قُتِلت؟ ففي الجنة. وإن قتلت؟ ففي النار. (يعني المعتدي المقتول).
فالرسول صلى الله عليه وسلّم أمره هنا بأن ينشد الله قبل المقاتلة، قال الشوكاني معلقاً على هذا الحديث في نيل الأوطار(4/250):"فيه من الفقه أن يدفع بالأسهل فالأسهل".
وهذا أمر مهم يجب أن نتنبه له وأن لا نخلط بين مقام دفع الصائل ومقام جهاد الكافر في المعركة، فبينهما فرق أساسي وهو أنّك تدفع الصائل بالأسهل، أمّا مع الكافر المحارب فتبدأ بضرب الرقاب حتى أذا أكثرت فيهم القتل يأتي بعد ذلك المن أو الفداء، فتبدأ بالأصعب إلى الأسهل، فالصائل يستباح بقدر دفع شره فقط أمّا الكافر المحارب فماله غنيمة بعكس الصائل، والهروب من الصائل أوجبه بعض الفقهاء بينما الهروب من الكافر المحارب هو كبيرة من الكبائر تسمى التولي من الزحف، ولا تجوز إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة وهو ما يسمى الآن بالانسحاب التكتيكي.
ولكن يجدر بنا أن ننبه هنا على أمر مهم، هو أن مشروعية الهروب من الصائل يشترط لها أن تدفع شر الصائل فعلاً، فلا يقع شيء من المال أو الحريم في يده.
كذلك لا يجوز الهروب من الصائل ليعتدي على شخص آخر، فقد جاء في الحديث الذي حسنه ابن حجر والسيوطي والألباني: (ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمًا في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه ، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه ، إلا خذله اللهُ تعالى في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتَه ، وما من أحدٍ ينصر مسلمًا في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه ، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه ، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتَه).
وقال تعالى (وَإن طَائِفَتَانِ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإن بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ)[الحجرات: 9].
٢.الفائدة الثانية أن الرسول صلى الله عليه وسلّم لم يستفصل عن كمية المال، فلم يحدد المبلغ الذي يجب أن نمنع الصائل من أخذه ، فهذا يدل على العموم ، فلا يجوز إعطاء الصائل أي مال.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/251): "فيه دليل على أنه تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال إنسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق، وهو مذهب الجمهور.
٣.الفائدة الثالثة أنّه إذا كانت منع المال واجباً مع أن الأصل أن بذله مباح، فإن منع العرض والنفس يكون أوجب لأن الأصل فيهما أن بذلهما محرم، فهذا قياس جلي قوي، فأنت يجوز لك أن تهب مالك لأي أحد، ومع ذلك أمرك الرسول صلى الله عليه وسلّم أن تمنع منه الصائل، فكيف إذا أراد الصائل أشياء يحرم عليك التفريط فيها في أي حال، مثل حريمك أو نفسك؟
ثانياً كيفية التعامل مع البلطجية وفق القانون المصري:
التعامل مع البلطجية في القانون المصري يسمى بالدفاع الشرعي، ولا أجد أفضل من أن أنقل باختصار عن أحد أساتذة القانون، أ.د أمين مصطفى محمد، من كتاب قانون العقوبات - القسم العام (صفحة 145-149)، تعليقاً على قانون العقوبات المصري المواد من 245 إلى 251: "الدفاع الشرعي في القانون المصري هو حق يتيح للشخص استخدام القوة اللازمة والمناسبة لدرأ خطر حال، وغير مشروع، يهدد النفس أو المال بنحو قد يستحيل معه لجوء هذا الشخص إلى السلطات العامة لطلب حمايتها من ذلك الخطر. فالدفاع الشرعي هو حق يتيح للفرد في مصر أن يدافع عن نفسه في مواجهة الكافة، وذلك استثناء على القاعدة القانونية التي تحظر على الفرد أن يقيم العدالة بنفسه دون اللجوء إلى السلطات المختصة.
والأصل أن الدفاع الشرعي أمر مطلق يستفيد منه أي شخص في مصر، كما أنه أيضًا أمر عام يتيح للمدافع أن يرتكب أية جريمة سواء تعلّقت بالنفس أو بالمال أو بغيرهما؛ حيث يجوز للمدافع أن يرتكب جرائم كالقتل أو الضرب أو الجرح أو غير ذلك من الجرائم، وذلك دفاعًا عن نفسه، كالمرأة التي تتعرّض لمحاولة اغتصاب لا تجد مفرًا منها إلا بالهروب إلى الطريق العام في حالة منافية للآداب العامة، مما ينفي عنها جريمة الفعل العلني الفاضح. وقد ورد حق الدفاع الشرعي في القانون المصري بالمواد من 245 إلى 251 من قانون العقوبات، باعتباره أحد أسباب الإباحة، حيث ذكر شروطه، وقيوده، وأثره، والحكم عند تجاوز حدوده.
-شروطه:
يشترط وجود خطر من المعتدي يبيح للمدافع التصدي له بالدفاع الشرعي، ولا بد لإباحة الوسيلة، التي يدافع بها الشخص عن نفسه، أن يكون الخطر عبارة عن جريمة يمنعها القانون.
شروط الخطر:
لا يجوز للمدافع أن يرد إلا كل ما هو خطر يمكن أن يشكل ضرر، وفي هذه الحالة لا يجوز اللجوء إلى الدفاع الشرعي إلا إذا كان الاعتداء مستمرًا؛ بحيث يكون قد بدأ ولم ينته بعد، فإذا ما انتهى الاعتداء، فإنه لا يجوز الدفاع الشرعي. ويتطلب القانون المصري أن تتوافر في الخطر ثلاثة شروط هي:
١.أن يكون الخطر غير مشروع.
٢.وأن يشكل جريمة من جرائم النفس أو المال.
٣. وأن يكون الخطر حالاً.
ثالثاً: والآن نأتي للخلاصة وهي وضع خطة عملية قابلة للتطبيق للتعامل مع اعتداءات البلطجية بطريقة لا تخالف الشريعة الإسلامية ولا تخالف القانون المصري:
إذا اعتدى عليك بلطجي يريد مالك أو عرضك لا قدّر الله فقم بالآتي:
١.حاول أن تحصل على أي شيء يكون بينة لك لإثبات واقعة الاعتداء، بأن تقوم مثلاً بالتعرف على وجوه الحاضرين ليكونوا شهودا لك على الواقعة، أو إن كان هناك أكثر من شخص، فليقم أحدهم مثلاً بتصوير الواقعة.
٢.ادرس الموقف بسرعة لتحدد إمكانية الهروب بدون أن يقع شيء في يد البلطجي وبدون أن يتمكن البلطجي من شخص آخر.
٣.ان لم يكن الهروب ممكناً ، فاثبت مكانك، واعزم على القتال حتى الموت، وتذكر أنّ حبيبك صلى الله عليه وسلّم أخبرك في أحاديث في منتهى الصحّة أنّك إن قتلت ستكون شهيداً، ولن تجد من ألم الموت إلا كما يجد أحدنا من ألم القرصة، وستغفر لك ذنوبك مع أول قطرة تخرج من دمك، وسترى مقعدك من الجنة وأنت تحتضر، وستأمن من فتنة القبر ومن عذاب القبر، وستعيش روحك في بطون طيور خضر تسرح في الجنة حيثما شئت إلى يوم القيامة، ثم تؤمن يوم الفزع الأكبر، وتلبس تاج الوقار الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها ،وتشفع في سبعين من أهلك وتزوج ثنتاً وسبعين من الحور العين.
٤.أخبر البلطجي بأنّك ستقاتل حتى الموت وانشده بالله أن ينصرف، فإن أبى فقاتله، قاصداً دفعه بأقل ما يمكن، فإن لم يندفع إلّا بالقتل فاقتله.
أسأل الله عز وجل أن يحقن دماء المسلمين ويحفظ عليهم أموالهم وأعراضهم، وأن يكفنا شر كل ذي شر بما شاء وكيف شاء، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
منقول للاهمية