بين الإهمال والإجرام!
المصدر: الأهرام اليومى
بقلم: عبدالناصر سلامة
أرى، ودون تردد، أن حادث قطار دهشور، المؤلم، ليس مسئولية الحكومة وحدها، بقدر ما هو مسئولية من أرادوا أن تستمر البلاد هكذا، منفلتة، متوترة، تسودها الفوضى، ويتحكم فيها الغوغاء، وبالتأكيد لن يكون هذا الحادث هو الأخير فى ظل استمرار هذه الأوضاع.
هذه هى الحقيقة، التى يجب أن نتوقف أمامها، ولا نخشى مواجهتها، وقد كانت التصريحات، والممارسات، التى صاحبت فعاليات أمس، فيما يسمى "ذكرى أحداث محمد محمود" أهم دليل على ذلك، فتلك الأحداث باختصار كانت فى العام قبل الماضى محاولة وإصرارًا على اقتحام مقر وزارة الداخلية!، فحدث ما حدث، وبالتالى أصبحنا أمام حدث إجرامى، اعتبره البعض ذكرى وطنية!.
إلا أن هذه الذكرى كشفت عن أمرين مهمين للغاية هذا العام، أولهما: هو أن بعض القوى قد كشفت عن وجهها القبيح باستمرارها فى ممارسة العنف، واستهداف قوى الأمن، وهى لن تتراجع إلا إذا حققت أهدافها، ولم لا، والتمويل المادى مستمر، والغطاء السياسى لا يتوقف؟! والثانى: هو أن الدولة قد أظهرت عجزا غير متوقع، وذلك بتشويه أهم ميادين العاصمة، بزعم إقامة نصب تذكارى، لمن أرادوا اقتحام الوزارة، بل إطلاق أسمائهم على الشوارع، دون اللجوء فى ذلك إلى أى سلطة شعبية، تحصن مثل هذه القرارات المنفعلة وغير المدروسة، التى وجدت استهجانا، حتى من سلطات إدارية تختص بجمال المدن، والحفاظ على تراثها.
المهم أن هذا الانفلات العام، الصادر عن هذه القوى، وهذا الخضوع الشامل من السلطة الرسمية، يمثلان سببا رئيسيا فى كل نكباتنا، التى نعيشها الآن، وما حادث القطار إلا نموذج بسيط لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلا، فى حالة استمرار هذه وتلك، ومن الواضح أنهما مستمران، فلا الأولى تريد أن تتعقل، ولا الثانية تسعى إلى تحمل المسئولية كما يجب.
ولكن تبقى الكارثة، وهى أن أناسا يفقدون حياتهم يوميا، جراء اللامبالاة والإهمال، ودماء تسيل بصفة يومية ما بين أطفال ونساء وشيوخ، لا حول لهم ولا قوة، دون ذنب اقترفوه، سوى أنهم مواطنون مصريون، أوقعهم حظهم العثر فى ظل أنظمة لا تستحق هذه المواقع، وبمرور الوقت لن تستحق الاحترام، بعد أن أصبح البعض يخشى استخدام القطارات، والبعض الآخر يخشى استخدام وسائل النقل العام، بينما أصبح هناك أيضا من يخشى استخدام سيارته الخاصة، جراء الانفلات الحاصل من سطو، وخطف، وعنف!.
ما العمل إذن؟. وكيف يمكن للمواطن أن تستمر حياته فى ظل هذه الأوضاع؟، إنها الهجرة، التى أصبحت تنتهى بالموت غرقا فى عرض البحر، وإنه العنف، الذى أصبح آفة يضج منها المجتمع، وإنها الثورية، التى أصبحت مرضا فى بعض الأحيان، ووسيلة للربح السريع فى أحيان أخرى، وفى الوقت نفسه، هى ظاهرة الاكتئاب، وفقدان الثقة فى أى شىء، وكل شىء، بينما أولو الأمر يأبون الاعتراف بالفشل!.
القضية، أيها السادة، لا يمكن اختزالها فى حوادث قطارات تطل علينا بين الحين والآخر، لتذكرنا بالواقع المرير، الذى نعيشه، كما لا يمكن اختزالها فى حوادث طرق يومية، تحصد العشرات فى اليوم الواحد، وأصبحنا نتناولها، كواقع طبيعى، وإنما القضية أكبر من ذلك بكثير، حيث الفساد الذى ينخر فى أوصال الدولة، والاهتراء الذى يسود أوساط الإدارة، والتخاذل الواضح فى مواجهة مثيرى الفوضى تحت مسميات مختلفة، والغريب أنهم لا يعملون فى السر، كما لا يتكتمون أهدافهم ومآربهم، وإنما ينفثون سمومهم نهارا وجهارا، تحت سمع وبصر المسئولين.
إلا أن السؤال، الذى أصبحت العامة والخاصة على السواء تتداوله هو: من هؤلاء المسئولون؟!، ولنا أن نتصور أن هناك اختلافا فى الرأى الآن بالشارع المصرى، حول من الذى يحكم مصر؟ هل مؤسسة الرئاسة؟، أم الحكومة؟، أم المؤسسة العسكرية؟، أم الطابور الخامس؟، وبصفة شخصية، أرى أن الطابور الخامس هو الذى يحكم، إما بطريق مباشر، بحكم تغلغله فى المواقع القيادية، أو بطريق غير مباشر، وذلك بالضغط والابتزاز، وهذا هو أخطر ما يواجهنا الآن، ولذلك أستطيع تأكيد أن كارثة قطار دهشور مجرد جرس إنذار!.
التعليق: