قراءة في السياسة الخارجية الإماراتية

[محمد علي عامر]

الصحف المصرية والعربية

قراءة في السياسة الخارجية الإماراتية



في محاضرة ألقاها أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية في أبو ظبي، قال:" إن دولة الإمارات نجحت في تقديم نموذج لبلد حداثي، وسطي، عاقل يسعى إلى الاستقرار والتنمية ويقدم نموذجاً ناجحاً في منطقة تندر فيها قصص النجاح والتنمية. مؤكداً أن ذلك لا يعني أن الإمارات ستتردد في اتخاذ "المواقف الشجاعة والمتقدمة" عندما تكون هناك حاجة لذلك".
وقال:"موقفنا في المشهد المصري صلب، وينحاز لشعب مصر وإرادته ومستقبله، مؤكداً أنه موقف سيقيمه التاريخ كلحظة حرجة كان لجرأة الإمارات وشجاعتها قول فصل في تحديد الاتجاه وحسم الخيار لمصلحة مصر وشعبها".

يصنف قرقاش التدخل في شؤون الدول ودعم طرف ضد طرف آخر، بأنه موقف "شجاع ومتقدم"، بل يوقن أن التاريخ سيقيم هذا الموقف لصالح دولة الإمارات. لا نختلف مع قرقاش بأن التاريخ سيحكم على موقف الإمارات الرسمي من الانقلاب في مصر، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على هذا الموقف والدور الذي سبب سقوط آلاف الضحايا وأدى لانهيار المنظومة الاجتماعية للشعب المصري، ولا نستبعد أن يكون الانقلاب سببا في تقسيم الدولة المصرية جغرافيا وديمغرافيا، بصورة يدفع ثمنها الأمن القومي الإمارايت والخليجي بصفة أساسية، والذي اعتبره قرقاش هو المحدد الرئيس في سياسة الإمارات الخارجية.

وتابع قرقاش:" إن هذا النهج شكّل انطباعاً إيجابياً كان له ثقله على سياسات الدولة وعلاقاتها الدبلوماسية مع العالم، لافتاً إلى حرص القيادة الرشيدة على عدم التسرع والابتعاد عن ردات الفعل المتسرعة".

تفيد التجربة أن الاشتباك الدبلوماسي بين دولة الإمارات وأطراف عديدة في العالم تأخذ طابعا عنيفا ومتسرعا، تتأثر بأي تصريح، وتهتز أمام أي تغريدة، وتطلق العنان لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لمهاجمة أي جهة او دولة او شخصية لا تؤيد الإمارات حتى ولو لم تعارضها، وفق مبدأ جورج بوش الابن الذي جلب الخراب لبلاده عندما قال:" من ليس معنا فهو ضدنا". وهذا هو مبدأ الدبلوماسية الإماراتية الراهنة.

وحذّر قرقاش من استغلال ما عرف بـ"الربيع العربي" وتأثيراته لمصلحة الإسلام السياسي الحزبي الهادف إلى تأسيس رؤية رجعية منغلقة. وأضاف: "في مثل هذا الموضوع الوجودي، لا يمكن لنا أن نغلّب العواطف والشعارات والأيديولوجيا على الحسابات الواقعية".

إن رفض أيديولوجيا ما سماه "الإسلام السياسي" هو بحد ذاته أيديولوجيا قائمة على عنف القوة المادية التي تمتلكها الأنظمة والحكومات، وأيديولوجيا الإقصاء وإنكار الآخر، وكلها أيديولوجيات تخالف الحسابات الواقعية التي أكدتها الشعوب في صناديق الانتخابات عندما أتيح لها أن تعبر عن خياراتها. لذلك تم الالتفاف على واقع الإسلام الوسطي الذي مثل قبلة الشعوب التي سئمت استفراد مجموعات معينة إما حزبية أو برابطة قرابة على مقاليد الدول وثرواتها. إن أي مجموعة تحكم في أي دولة عربية هي التي تنغلق على نفسها وتمنع الأمة أن تطرح نفسها، أو أن تطرح هي نفسها على الأمة. لذلك تنشئ أنظمة مغلقة منغلقة تحقق مصالح هذه المجموعات على حساب الأمة كلها.
إن السعة الفكرية للإسلام المعتدل ومؤيديه والمتعاطفين معه يشكلون كما هائلا من مجموع الأمة وما يمثلها. لذلك، هم الكثرة غير المنغلقة بعدد أو حدود، ولو كان الإسلام الوسطي يمتاز بالرجعية والانغلاق لما واجهتها الأنظمة ولتركتها تسقط شعبيا، ولكن هذه الأنظمة تدرك أنها هي التي ستسقط شعبيا أمام أي اختبار ديمقراطي حقيقي، لذلك فهي منغلقة ومنكفية على ذاتها.
وقال قرقاش: "أما فيما يتعلّق بالدبلوماسية العامة فالربيع العربي وخاصة تحكم الإسلام السياسي ببعض مراحله أوجد تحالفاً غريباً خلط بين قيم أراد الغرب أن يدفع بها وانتهازية أرادت أحزاب الإسلام السياسي والحزبي أن تستغلها".

دأبت دعاية كثير من المسؤولين العرب على أن تقوم بسلوك معين أو أن تكون في وضع معين، ولكنها تنفي ذلك عن نفسها، وتدعي أن خصومها هم من يقومون بذلك. فالثابت أن معظم الأنظمة العربية هي التي تتحالف مع الغرب وقيمه وتستورد كل شيء منه إلا الديمقراطية والحرية، ثم تتهم "الإسلام السياسي" بأنه حليف الغرب. والأمة كلها تعلم حجم تآمر الغرب على قضايا المسلمين والعرب، وتأييدهم لغياب الديمقراطية عن الشعوب العربية، لأنها تعتقد أن الشعوب العربية عندما تتمتع بحقوقها وحرياتها وبحياة ديمقراطية مثلى فإن هذا يعني انتهاء التبعية معها إلى الأبد، وبدء عهد علاقات الندية والاحترام واستعادة الأمة مكانتها.

لا يختلف اثنان على حجم انحراف مسار السياسية الخارجية الإماراتية في غضون العشر سنوات الماضية، وانتقالها من النقيض إلى النقيض ومن أقصى اليسار إلى اقصى اليمين. هذا التحول في السياسية الخارجية الإماراتية، ظاهر في دخول الإمارات لما يسمى محور الاعتدال الحليف لواشنطن وإسرائيل، وتدخلها لصالح أطراف عربية ضد أطراف أخرى على صعيد الدولة الواحدة، كما في الحالة الفلسطينية والمصرية والتونسية، ودعم حروب فرنسا بالمال ضد الشعب المالي، وتكدير الصفو الخليجي،...

سبب كل ذلك، شيوع انطباعات راسخة لدى قوى الأمة الحية، وبدّل الصورة الذهنية الجميلة المسالمة لدولة الإمارات إلى دولة تحارب الشعوب العربية ومشاريعها، كما يرى أصحاب هذه الانطباعات الذين يؤكدون أن هذه الانطباعات مبنية على حقائق ووقائع واعتراف مسئولين إماراتيين بدورهم هنا وهناك، كما يعترف قرقاش بدور الإمارات في مصر.

الشعب الإماراتي، لا يرضيه أن ينحدر هؤلاء المسؤولون بسمعة الدولة وصورة الشعب الإماراتي إلى هذا الانحدار، وترك سمعة الدولة مشاعا على مواقع التواصل الاجتماعي. الشاهد هنا، هو أننا نحمل السلطات الإماراتية وأدورها ومواقفها "الشجاعة والمتقدمة" وزر الصورة التي تروج حول الدولة.

إذا كانت المواقف "الشجاعة والمتقدمة" للسياسة الخارجية الإماراتية ستسيء لتاريخ وشعب دولة الإمارات بصورة تهدد مستقبلها، فلتتوقف الشجاعة والإقدام، وليعاد تعريفهما من جديد!


https://uaedetainees.com/news/onenews/1424

 

[abo_hammad]

يبدو ان كاتب المقال اماراتى و موجوع كمان ,المهم ,مقال ممتاز و تسلم ايدك.