وفي التفسير الميسر:
قال له موسى: ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَه اللائق به على حسن صنعه, ثم هدى كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه الله له.
فالله تعالى خلق كل نوع من أنواع المخلوقات وهداه إلى طريقة معيشتة وكيفية الانتفاع بما خلقه الله له.
فهدى الله الطيور لتهاجر ألاف الكيلومترات وتعود إلى العش الذي هداها الله لتأسيسه, وهدى الله الأسماك المهاجرة للسفر ألاف الكيلومترات والعودة إلى موطنها, مثل أسماك السلمون التي تهاجر من بعض انهار أمريكا إلى شواطئ أوروبا, ثم تعود إلى النهر الذي نشأت فيه وتسبح عكس اتجاه سريان النهر
لتضع بيضها وتموت فيأتي الجيل الجديد يكرر نفس الخطوات !!,.
كما هدىالله الحيوانات لكيفية الحصول على غذائها و
لطرق الصيد, وهدى الله تعالى بعض المخلوقات لحيل التخفي والمراوغة...الخ.
ذكر أحد المفكرين بعض الأمثلة على هداية الله تعالى للمخلوقات فقال
القطة تتبرز ثم لا تنصرف حتى تغطي برازها بالتراب. فكيف عرفت معنى القبح والجمال.؟!
وخلية النحل التي تحارب لآخر نحلة وتموت لآخر فرد في حربها مع الزنابير, من علمها الفداء ؟!
وأفراد النحل الشغالة حينما تختار من بين يرقات الشغالة يرقة تحولها إلى ملكة بالغذاء الملكي وتنصبها حاكمة, في حالة موت الملكة بدون وراثة. من أين عرفت دستور الحكم.؟؟
والبعوضة التي تجعل لبيضها الذي تضعه في المستنقعات أكياسا" للطفو يطفو بها على سطح الماء... من علمها قوانين أرشميدس في الطفو. ؟؟!.
ومن أين تعلمت البعوضة أن غذائها يكون من دم الإنسان, و
من أين أتت بالمادة التي تفرزها فيتوقف تجلط الدم ويستمر سائلا" حيث غرست ماصاتها ؟؟
والأشجار الصحراوية التي تجعل لبذورها أجنحة تطير بها أميالا" بعيدة بحثا" عن فرص مواتية للإنبات من علمها صناعة الأجنحة والمظلات ؟.
والحباحب التي تضيء في الليل لتجذب البعوض لتأكله. من علمها هذه الحيلة ؟ .
والزنبور الذي يغرس إبرته في المركز العصبي للحشرة الضحية فيخدرها ويشل حركتها ثم يحملها إلى عشه ويضع عليها بيضة واحدة ..حتى إذا فقست خرج الصغير فوجد أكلة طازجة جاهزة !!.
من أين تعلم هذا الزنبور الجراحة وتشريح الجهاز العصبي ؟؟
فمن أين جاءت تلك المخلوقات بعلمها ودستورها إن لم يكن ممن خلقها ؟؟.
قال تعالى:
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ [الروم : 8]
كتب الشيخ محمد الغزالي:
إن ما يصل إليه الإنسان بجهده وفكره شيء محدود القيمة بالنسبة إلى ما يقع في العالم حوله، وأذكر أنني تجولت في مصانع السكر، ورأيت الأنابيب الطافحة بالعصير، والأفران المليئة بالوقود، والآلات التي تغطى مساحة شاسعة من الأرض، لقد قلبت البصر هنا وهنالك ثم قلت : سبحان الله ! إن بطن نحلة صغيرة يؤدى هذه الوظيفة .. وظيفة صنع السكر دون كل تلك الأجهزة الدوارة والضجيج العالي !
وخيل إليّ أن المخترعات البشرية لا تعدو أن تكون إشارة ذكية إلى ما يتم في الكون بالفعل من عجائب دون وسائط معقدة وأدوات كثيرة .
إن ميلاد برتقالة على شجرة أروع من ميلاد " سيارة " من مصنع سيارات يحتل ميلاً مربعاً من سطح الأرض . ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى البدائع لأنها من صنع الله، ولو باشروا هم أنفسهم ذرة من ذلك ما انقطع لهم ادعاء ولا ضجيج.
إنني عرفت الله بالنظر الواعي إلى نفسي وإلى ما يحيط بي، وخامرني شعور بجلاله وعلوه وأنا أتابع سننه في الحياة والأحياء.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (164) سورة البقرة
حوار مع ملحد :
نختم هذا الباب بحوار ذكره الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه" طريق الإيمان".
لقد دارت بيني وبين أحد السويسريين(كان مستشاراً في وزارة التربية والتعليم في اليمن من قبل اليونسكو عام 1969م( مناقشة، ضربت له فيها أمثلة كثيرة تدل على أن الخالق عليم، فلم يقتنع حتى ضربت له مثالاً بعمل الجهاز التنفسي.
فقلت : هل ملابس رواد الفضاء الذين خرجوا إلى خارج الغلاف الهوائي كملابسنا ؟
قال : لا .
قلت : لماذا ؟!
قال : لأنه يجب أن تتناسب ملابسهم مع البيئة التي سيخرجون إليها .
قلت :هل الذين صنعوا هذه الملابس المناسبة مع البيئة التي سيخرج إليها رواد الفضاء علماء أم جهلاء ؟!
قال : علماء .
قلت له: إذا قلت لك: إن صانع ملابس رواد الفضاء إسكافي ( صانع أحذية ) في صنعاء هل ستصدق ذلك ؟!
قال : لا أقبل منك ذلك.
قلت له : وأنت عندما كنت في بطن أمك قبل الولادة ستخرج إلى عالم جديد كما يخرج رائد الفضاء إلى عالم آخر. وأنت في داخل الرحم هل كان يوجد أوكسجين تتنفسه من أنفك ورئتيك ؟!
قال : لا .
قلت : فالذي خلقك داخل بطن أمك، وخلق لك جهازاً لا تحتاج إليه وأنت في رحم أمك عليم بأنك ستخرج إلى عالم فيه أوكسجين، وأن هذا الأوكسجين يجب أن يدخل جسمك ويجب أن يطرد ثاني أكسيد الكربون، فجهزك بجهاز يدخل الهواء الصالح، ويخرج الهواء الفاسد، هل الذي فعل ذلك يعلم أم لا يعلم ؟
فسلم عند ذلك بأن خالق ذلك الجهاز لا بد أن يكون متصفاً بالعلم سبحانه وتعالى. وبعد مناقشات حول الإعجاز العلمي ومعجزات الرسول عليه الصلاة والسلام قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ًرسول الله .
[1] قذائف الحق- محمد الغزالي- ص 168-169.
[2] قذائف الحق- محمد الغزالي- ص 19-20.