الانحلال والانحدار
و
الشعب ينشد الثورة
اجتمع إلى مساوئ فاروق في الحكم وفي حياته الشخصية ظهور الفضائح في عهده بين أفراد عائلته وأقرب الناس إليه.
كانت هذه الفضائح موجودة من قبل، ولكن في نطاق ضيق، بحيث لم يلق الكثيرون بالهم إليها، أما في عهده فقد برزت وتفاقمت، وصارت موضع الأحاديث الخاصة والعامة، ولعل مسلك فاروق الشخصي كان مغريًا ومشجعًا لأفراد عائلته على الاستهتار وعدم المبالاة، وكان هو قدوة سيئة لهم في هذه الناحية.
ففي عهده تزوجت عدة أميرات من أجانب، وهجرن مصر، وأقمن مع أزواجهم في أوروبا وأمريكا، ومعظمهم من الأفاقين ونهازي الفرص، فساءت سمعة أسرة محمد علي بين الشعب.
ولم تحافظ والدته نازلي على السمعة الحسنة والتقاليد القويمة، وقد اتهمها فاروق بأن لها علاقة بأحمد محمد حسنين، واستبان من حديث لها أنها تزوجته زواجًا عرفيًا، وثبت أن فاروق بعد وفاة أحمد محمد حسنين ذهب إلى داره بحجة العزاء، وأخذ ينبش في أوراقه الخاصة، وانتزع ورقة تدل الملابسات على أنها هي وثيقة زواجه بنازلي.
وساءت العلاقة بين فاروق ووالدته، وسافرت إلى أوروبا في صيف سنة 1946، ولم تعد إلى مصر.
والتقت حين وصولها إلى مرسيليا بأفاق يدعى رياض غالي كان أمينًا للمحفوظات بقنصلية مصر في مرسيليا وانتدبته القنصلية ليكون في خدمة "الملكة" وليشرف على نقل حقائبها، ومن يومئذ لازمها، وصحبها إلى سويسرا فباريس فلندن فأمريكا.
ولما وصل إلى مصر نبأ هذه الصلة طلبت وزارة الخارجية من رياض غالي العودة إلى عمله في مرسيليا، فرفض الإذعان لطلب الوزارة، فأحالته إلى المعاش، فاستبقته نازلي في خدمتها، واتخذته سكرتيرًا لها، وعوضته أضعاف مرتبه.
ولما استقر بها المقام في أمريكا زوجته من ابنتها فتحية في مايو سنة 1950، وأعلن نبأ الزواج، فكانت ضجة، وكانت فضيحة.
وقد طلبت الخاصة الملكية سترًا لهذه الفضيحة الحجر على نازلي، فقضى مجلس البلاد في 31 مايو سنة 1950 بالحجر عليها وتعيين ناظر الخاصة قيمًا عليها، ونزع وصايتها على بنتها فتحية، وبطلان زواج فتحية من رياض غالي والتفريق بينهما (ولم ينفذ الحكم في شقة الأخير).
وأصدر فاروق في أول أغسطس سنة 1950 أمرًا بتجريد نازلي من لقب الملكة ومن الحقوق والمزايا التي تتعلق بهذا اللقب، ولم يفد كل ذلك في انتشال سمعة فاروق وعائلته من الحضيض الذي وصلت إليه، بل زاد في الزراية بهم جميعًا.
وبلغت الزراية أقصى مداها حين رحل فاروق إلى فرنسا فعد إصداره هذا الأمر، وأطلق لنفسه العنان في الإكباب على الشهوات والقمار، وازدادت فضائحه ذيوعًا.
الشعب ينشد الثورة
تفاقمت المساوئ والخطايا في حياة فاروق العامة والخاصة، وتزايد تيار السخط عليه، وتحول إلى بركان يوشك أن ينفجر، فجاء الجيش وأشعل البركان، ومن ثم شبت الثورة.
فالمساوئ التي عاناها الشعب من حكم فاروق، والسخط الذي كان يعتمل في النفوس ويستفز الشعور، جعل الشعب يتطلع إلى ثورة تنقذه من هذه المساوئ، ولم يكن من سبيل إلى هذا الإنقاذ إلا بخلع فاروق، لأن كل الدلائل والبينات كانت مجمعة على أنه غير قابل للإصلاح.
ففاروق كان يسير في حكمه وفي حياته الشخصية إلى الهاوية، إلى النهاية المحتومة.
كان يدفع الشعب والجيش إلى الثورة دفعًا، وبدا كأنه يتعجلها، فقامت الثورة فعلاً، ثورة 23 يوليو 1952، وأطاحت به وبعرشه وأسرته.
وقلما وُجد ملك من الملوك الذين فقدوا عروشهم من ينطبق عليه بقدر ما ينطبق على فاروق قول الشاعر :
أعطيت مُلكًا فلم تُحْسِنْ سياسَتَهُ .... كذاك من لا يسوس المُلْكَ يُخْلَعُهُ
بقلم/ عبد الرحمن الرافعي
"منقول من وكيبيديا الأخوان عن معارك القناة"
......................"
د. يحي ألشاعر