في اليوم 210 من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، حلّ يوم الجمعة العظيمة بحسب رزنامة الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الشرقي. صحيح أنّ الأجواء التي ترافق عموم المسيحيين في مثل هذا اليوم تكون حزينة في العادة، نظراً إلى طبيعة المناسبة، غير أنّها أتت أكثر حزناً هذا العام في القدس المحتلة، وسط القيود الإسرائيلية المشدّدة والعدوان المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. يُذكر أنّ أجواء اليوم لم تختلف عن تلك التي سُجّلت بمناسبة الجمعة العظيمة التي أحيتها الطوائف المسيحية التي تتّبع التقويم الغربي أو الغريغوري في 29 مارس/ آذار الماضي، في اليوم 175 من الحرب القائمة.
بخلاف السنوات الماضية حين كان عدد المشاركين في مسيرة الجمعة العظيمة يصل إلى عشرات الآلاف، فقد أتى متواضعاً جداً هذا العام. ففي أزقّة البلدة القديمة من القدس، سار بضع مئات من المسيحيين وصولاً إلى كنيسة القيامة، في حين أتى انتشار عناصر الشرطة الإسرائيلية ملحوظاً. والمشاركون في الموكب الديني كانوا بمعظمهم من أبناء القدس ومن السياح الأجانب، وسط غياب شبه كلي لأبناء الضفة الغربية المحتلة الذين منعتهم إسرائيل من الوصول إلى المدينة. وقد راح هؤلاء يردّدون الترانيم وهم يشقّون طريقهم في البلدة القديمة من القدس بين حواجز الشرطة الإسرائيلية.
وأوضح المتحدّث باسم بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس الأب عيسى مصلح أنّه "بسبب ما يحدث في غزة هاشم، قرّر غبطة البطريرك في المجمع المقدس التابع للبطريركية الأرثوذكسية الرومية المقدسية أن يقتصر أسبوع الآلام على الشعائر الدينية"، وذلك في تعبير عن "احتجاج المسيحيين على ما يحدث في قطاع غزة من هدم بيوت وقتل أطفال ونساء وشيوخ". وأضاف أنّ "هذه رسالة للقاصي والداني والقريب والبعيد ولمجلس الأمن والأمم المتحدة ولأحرار العالم، بأنّنا نحن المسيحيين نتضامن مع غزة هاشم، لأنّ ما يحدث خارج عن العرف"، مضيفاً أنّ "هذه الجرائم تحدث فيما العالم يقف مكتوف الأيدي ولا يحرّك ساكناً، للأسف الشديد".
وسُجّل اليوم في القدس غياب ملحوظ للمسيحيين من الضفة الغربية المحتلة، فقد إنّهم حُرموا من المشاركة في يوم الجمعة العظيمة الذي يُعَدّ أحد الأيام المقدّسة الكبرى. وأشار الأب مصلح إلى أنّ هؤلاء "لم يحصلوا على تصاريح إسرائيلية تسمح لهم بالمرور"، مضيفاً: "ونلحظ أيضاً غياب الزوّار والحجّاج". وأوضح أنّه "في مثل هذه الأيام من كلّ عام، تُقام اجتماعات عديدة مع السلطات الإسرائيلية لإصدار تصاريح لأبناء الكنيسة الرومية الأرثوذكسية حتى يتمكّنوا من الحضور إلى كنيسة القيامة، لكنّ لا تصاريح هذا العام". وأكد أنّ "في هذا العام، القدس مدينة حزينة لتغيّب أبنائها وحجّاجها وزوّارها". وعن أسباب رفض السلطات الإسرائيلية إصدار تصاريح، قال: "تدّعي أنّ ثمّة حالة حرب".
وتتوجّه أنظار المسيحيين الذين يتّبعون التقويم الشرقي في العالم إلى القدس في مثل هذه الأيام من كلّ عام، أي في أسبوع الآلام الذي يُختتَم بسبت النور (غداً) وأحد القيامة (بعد غدٍ). لكنّ الاحتفلات صارت حزينة ومتواضعة في ظلّ الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة والانخفاض الحاد في أعداد السياح الذين يصلون إلى المدينة المحتلة. وإذ أشار الأب مصلح إلى أنّ "كلّ أنظار العالم تتّجه صوب قلب الديانة المسيحية، ألا وهي كنيسة القيامة والقبر المقدس، في عيد الفصح، قال: "نعلن وقف كلّ المسيرات و(مظاهر) البهجة وإلقاء الكلمات".
وفي كل عامّ، يُنقل "النور" من كنيسة القيامة في القدس إلى كنائس المنطقة وكنائس العالم وسط أجواء احتفالية، غير أنّ الأب مصلح أفاد بأنّ الأمر سوف يجري من دون مظاهر احتفالية غداً السبت. وتابع: "سوف يُصار إلى استقبال النور فقط أمام أبواب الكنائس في الأردن وأنحاء فلسطين وغيرها من الدول"، شارحاً أنّ "هذا هو قرار البطريرك وقد حظي بدعم الأردن وفلسطين".
في سياق متصل، بيّن المتحدّث باسم بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس أنّ تراجع أعداد السياح ألقى بظلال قاتمة على قطاع السياحة في القدس الشرقية ومدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، "فالقدس وبيت لحم تعتمدان على السياحة، لكنّ الفنادق مغلقة ومحال التحف الشرقية لا تعمل" منذ أيام الحرب الأولى. وأكمل الأب مصلح: "حتى الفرحة غابت عن وجوه أطفالنا ونسائنا وشيوخنا".
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، راحت سلطات الاحتلال تفرض قيوداً مشدّدة على دخول الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى القدس. كذلك، وبموازاة حربها على القطاع الفلسطيني المحاصر، صعّدت القوات الإسرائيلية ومستوطنون الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس، فأدّت إلى اعتقال أكثر من ثمانية آلاف و500 فلسطيني وقتل 492 آخرين وإصابة نحو أربعة آلاف و900 بجروح، بحسب ما تفيد بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
(الأناضول، العربي الجديد)
مزيد من التفاصيل