دوافع الإلحاد:
ولعل أكبر سبب للإلحاد في التاريخ البشري هو الرغبة في التخلص من القيود التي تفرضها الأديان على الناس خاصة الأشخاص الذين يكرهون أية قيود مهما كان مصدرها ومهما كانت درجتها ويرغبون في الإنطلاق في حياتهم بتوجيه عقولهم وخياراتهم الشخصية .
ومن العوامل الدافعة للإلحاد لدى المراهقين والشباب الهوة العميقة بين القيم المعلنة والقيم السائدة في المجتمع , وهنا يشعر المراهق أو الشاب أن المجتمع الذي يعيش فيه مجتمعا منافقا يقول شيئا ويفعل شيئا آخر.
وقبل أن يصل الشاب إلى مرحلة الإلحاد يعيش فترة يعاني فيها من الإحباط والغضب وفقدان المعنى في كل ما حوله، ويعيش صراعا هائلا بين متناقضات عديدة في حياته لا يجد لها مخرجا من وجهة نظره إلا إنكار كل الثوابت وتحطيمها وعلى رأسها الدين لكي ينطلق متحررا من كل القيود التي تسببت في معاناته.
وبعضهم يتوجه نحو الإلحاد بحثا عن الحرية والتحرر من كل القيود، فهو يرى أن المؤسسات الدينية والمجتمع يستخدمان الدين بشكل نفعي ويوظفان السلطة الروحية لسلب حريته .
قد يكون الإلحاد رد فعل عنيف على حالات التطرف الديني السائدة في المجتمع، وكأنه تحقيق لقانون التوازن في الكون الذي يضبطه قاعدة : لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الإتجاه . وتزداد الرغبة في الإلحاد كلما كان التدين السائد في المجتمع ظاهريا أو انتهازيا أو نفعيا أو هروبيا أو تسلطيا.
بعض الملحدين يزعجه التدين الصراعي الذي يفرق البشر إلى مجموعات متصارعة ويخلق حالة من العنصرية والإستعلاء والكراهية والإقصاء والنبذ بين أصحاب الديانات المختلفة , وأن الدين يتم توظيفه سياسيا وعسكريا وبالتالي يؤدي إلى صراعات وحروب تزهق فيها الأرواح باسم الإله.
يقول علماء النفس بأن الإلحاد هو عقيدة "اللاأب" (Faith of the Fatherless) , أي أن الملحد لديه مشكلة مع الأب الأرضي (والده أو والدته أو ما يعادلهما من السلطة الأبوية أو الأمومية) , وهو يعمم صراعه مع الأب الأرضي في علاقته بالله فيرفضه ويجحده ويجاهره بالعداء . إن الإحباط وخيبة الأمل من الأب (الأرضي) إما بسبب الغياب أو سوء المعاملة أو الموت يؤدي إلى الكفر بالإله.
ولا تخلو دوافع الإلحاد من الجانب الجنسي حيث لوحظ تحرر الملحدين من كل التابوهات ومنها الجنسية والدخول في علاقات لا يحكمها سوى الرضا والقبول والتوافق الشخصي بين الطرفين، وفي اعتقادهم أنهم حرموا أنفسهم من نعمة الجنس سنوات بناءا على اعتبارات دينية وهاهم بعد أن ألحدوا تحرروا من تلك القيود وعاشوا كما يريدون ويحبون , وهذا أمر شديد الجاذبية لدى المراهقين والشباب الذين تضغط على أعصابهم احتياجات جنسية يضع المجتمع أمامها عراقيل من العادات والتقاليد تمنع إشباعها لسنوات طويلة .
لوحظت موجات من الإلحاد في العالم العربي إثر تعثرات ثورات الربيع العربي واختطافها أو إجهاضها بواسطة قوى يمينية أو يسارية أو سلطات عسكرية أو نظم قديمة فاسدة في شكل جديد , وقد جعل هذا الشباب يكفرون بقيم الحرية والكرامة الإنسانية وإمكانية تغيير مجتمعاتهم إلى الأفضل , فهم قاموا بالثورات وقدموا شهداء ثم ضاعت جهودهم هباءا , ومن هنا كفروا بكل شئ وتمردوا على كل شئ.