الكفاح في القنال بعد إلغاء معاهدة 26 أغسطس سنة 1936
بعد أن أقر البرلمان تشريعات إلغاء المعاهدة حددت الحكومة الموقف بين بريطانيا ومصر والسودان في رسالة بعث بها محمد صلاح الدين وزير الخارجية إلى السفير البريطاني في القاهرة بتاريخ 27 أكتوبر سنة 1951، قال فيها :
أتشرف بأن أبعث إلى سعادتكم نسخًا باللغة الفرنسية من التشريعات التي وافق عليها البرلمان ونشرت بالجريدة الرسمية، ومن النص التفصيلي لبيان رئيس مجلس الوزراء الذي أعلنه في مجلسي البرلمان في هذه المناسبة، والذي كان بمثابة مذكرة تفسيرية لهذه التشريعات السابقة الذكر.
ويترتب على هذه الإجراءات ألا تسري من الآن معاهدة الصداقة والتحالف بين المملكة المصرية وبريطانيا العظمى التي وقعت في لندن يوم 26 أغسطس سنة 1936،وكذلك الاتفاق الذي وقع في نفس اليوم بشأن ما تتمتع به القوات البريطانية حتى الآن من حصانات وامتيازات، فضلاً عن اتفاقيتي 19 يناير و 10 يوليه سنة 1899 بشأن إدارة السودان.
وأن إلغاء معاهدة 26 أغسطس سنة 1936، ليستتبع بالضرورة، أن تكون له نتائج من بينها انتهاء التحالف بين مصر وبريطانيا العظمى وانتهاء تخويل الأخيرة وضع قوات أيًّا كانت في منطقة السويس، ولن يكون وجود هذه القوات في مصر من الآن فصاعدًا إلا ضد إرادة الشعب والبرلمان والحكومة المصرية، وبالتالي فلا شك في أن هذا احتلال بالإكراه وغير مشروع لهذه البلاد، كما أن إلغاء اتفاقيتي 19 يناير و10 يوليه سنة 1899 ينهي النظام الإداري المؤقت الذي أقيم في السودان بمقتضى هاتين الاتفاقيتين.
وهذا الإلغاء المزدوج لمعاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899 يعيد للسودان من جديد حالته التي كان عليها قبل الاحتلال البريطاني، والتي أبطلها مجرد الاحتلال نفسه، ويترتب على ذلك أن كل تدخل من جانب الإنجليز في شئون السودان يجب أن يقف فورًا، ولن يبقى سوى الوحدة الطبيعية التي ربطت مصر والسودان من أقدم العهود.
هذا؛ وقد ترتب على إلغاء المعاهدة من ناحية الحكومة إلغاء جميع الإعفاءات المالية التي كانت ممنوحة للسلطات العسكرية البريطانية بمقتضى تلك المعاهدة، وهي تشمل الرسول الجمركية على المهمات والأسلحة والعتاد ومواد التموين وما إلى ذلك والرسوم المستحقة على مرور السفن التي كانت تعمل في خدمة القوات البريطانية، وأجور النقل والاتصالات البرقية والتليفونية الخاصة بهذه القوات.
وامتنعت الجمارك عن بذل التسهيلات الجمركية الأخرى الخاصة بأولوية المرورو التفريغ والشحن إلا بعد استيفاء جميع الإجراءات القانونية المفروضة على جميع السفن الأجنبية، وامتنعت السكك الحديدية عن أداء أي خدمة للقوات البريطانية أو نقل أي مهمات أو عتاد لها، وامتنعت الحكومة عامة عن أداء التسهيلات والخدمات التي كانت تؤيد السلطات العسكرية البريطانية، ومنها مواد التموين ومنعت وصول ضباط وأفراد القوات البريطانية إلى داخل البلاد، وحرمت دخول البلاد على الرعايا البريطانيين المدنيين الذين كانوا يعملون في خدمة القوات البريطانية القادمين من الخارج ما لم يكونوا حاملين لجوازات سفر معتمدة من السلطات القنصلية المصرية في البلاد القادمين منها، وأنهت تصاريح الإقامة للبريطانيين الذين كانت إقامتهم في البلاد لسبب الخدمة في القوات العسكرية البريطانية أو لصالحها، وألغت العمل بالتصاريح التي كانت ممنوحة من قبل بموجب المعاهدة للسلطات البريطانية ولأفرادها، ومنعت هبوط الطائرات العسكرية البريطانية بالمطارات المصرية أو تزوديها بالبيانات الجوية الفنية أو بأي نوع من التسهيلات.
هذا من ناحية الحكومة أما من ناحية الشعب، فقد اعتبر مركز الجنود البريطانيين بعد إلغاء المعاهدة مركز غاصبين محتلين لمنطقة القنال تجب محاربتهم حتى يجلوا عن البلاد، ومن هنا بدأ الكفاح في القنال بعد إلغاء المعاهدة يتخذ طورًا جديدًا إيجابيًا.
روح الشعب
ظهر الشعب بروح عالية، وتقبل كل بذل وتضحية في سبيل الكفاح الوطني، ولبى أول ما لبى دعوة عدم التعاون مع الاحتلال ومقاومته سلبيًا وإيجابيًا، وظهر العمال الذين كانوا يشتغلون في السكك الحديدية وفي الموانئ وفي المعسكرات البريطانية بمظهر وطني رائع.
فامتنع عمال ومستخدمو السكك الحديدية عن نقل الجنود البريطانيين ومهماتهم وأخذت بريطانيا من ناحيتها تستعد لمواجهة هذا الكفاح، فبادرت بإرسال قوات حربية جديدة إلى منطقة القنال، ووصلت إلى ميناء بورسعيد يوم 13 أكتوبر بثلاث ناقلات جنود تقل قوات إنجليزية جديدة لتعزيز الحاميات البريطانية المرابطة في القنال، ونزل من الناقلات نحو ثلاث آلاف منالجنود والضباط البريطانيين. وما أن علم عمال السكة الحديدية بوصول هؤلاء الجنود وشروعهم في ركوب القطارات التي تنقلهم إلى معسكرات القنال حتى امتنعوا عن معاونتهم، ورفضوا تزويد القطار الذي أعد لهم بالماء والوقود، كما امتنعوا عن إعداده للسير، ورفض سائق القاطرة ومساعده في القطار.
ورفض سائقو وعمال القطارات الأخرى التي كانت مخصصة لنقل القوات البريطانية العمل في تلك القطارات، وترتب على ذلك وقف تسييرها، فاضطرت السلطات البريطانية إلى نقل الجنود والضباط وعائلاتهم إلى المعسكرات في سيارات ولوريات الجيش البريطاني.
ورفض عمال القطارات أيضًا نقل مهمات الجيش البريطاني، واستخدم البريطانيون سياراتهم ولورياتهم لنقلها، ولما لم تستطع السلطات البريطانية توفير السيارات واللوريات الخاصة لنقل الجنود والمهمات، اتجهت بعض ناقلات الجنود والمهمات إلى الموانئ التي كان يحتلها الإنجليز على ضفاف القنال.
وامتنع عمال الشحن والتفريغ في ثغور القنال عن تفريغ حمولة البواخر البريطانية، وفي الأيام القليلة التي أعقبت إلغاء المعاهدة ظل أكثر من سبع عشرة باخرة تهيم في القناة دون أن تستطيع الاستقرار وإنزال ما عليها من جنود وعتاد، بد أن تخلى عمال الشحن المصريون عن هذه المهمة.
وخسر البريطانيون في أسبوع واحد أكثر من مليوني جنيه نتيجة للمقاطعة التي واجههم بها عمال القنال.
"منقول من وكيبيديا الأخوان عن معارك القناة"
......................"
د. يحي ألشاعر