هكذا تحدثت تحية عبد الناصر
(٣)
ليلة القبض على جمال عبد الناصر
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
هكذا تحدثت تحية عبد الناصر (٣)
ليلة القبض على جمال عبد الناصر بعد العودة من فلسطين خضع للتحقيق أمام إبراهيم عبد الهادي وتدخل رئيس الأركان لإطلاق سراحه
عندما كان جمال عبد الناصر محاصرا في الفالوجة أثناء حرب فلسطين، كانت زوجته وابنتاه هدى ومنى مهددات بالطرد من المنزل الذي استأجره في مصر الجديدة.
وبعد أن عاد جمال من الحرب اقتيد من منزله للتحقيق بمعرفة رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي ولم يتركوه إلا بتدخل جاره رئيس الأركان في ذلك الوقت عثمان باشا المهدي، وكانت التهمة حيازة أسلحة وذخيرة في منزله.
تروي السيدة تحية عبد الناصر في هذه الحلقة يومياتها أثناء غياب الزوج في حرب فلسطين وكيف التقت عبد الحكيم عامر ورأته أول مرة ليسلمها خطاباً من زوجها الذي علمت بالصدفة من الجيران أنه كان أسيراً.
اليوزباشي جمال عبد الناصر في كلية أركان حرب يقضي مدة الدراسة، والوقت شهر أيار/ مايو سنة 1948، قال: سنتخرج من الكلية خلال أيام بعد أن قُدِّمَ موعد التخرج أسبوعًا، والبدلة الرسمية سيكون عليها شارة حمراء.. وهي شارة أركان حرب توضع تحت الشارة العسكرية.. أرجو تجهيزها، فخيطتها بنفسي وكنت في غاية السعادة. وتخرّج من الكلية وأصبح اليوزباشي أركان حرب جمال عبد الناصر.. هنأته بحب وإعزاز.
بعد يومين قال لي: جهزي كل ملابسي لأني سأسافر إلى فلسطين في خلال يومين لمحاربة اليهود.. فكانت مفاجأة لي وبكيت وحزنت جدًّا.. قال: لماذا تبكين؟ فقلت له: كيف لا أبكي؟.. وكنت عندما يخرج أظل أبكي. بعد تجهيز الشنط لمحته يضع أربطة ومعدات إسعافات للجروح وكان يخفيها حتى لا أراها.
بدأت الحرب يوم 15 مايو سنة 1948، وفي يوم 16 مايو الساعة السابعة صباحًا غادر جمال البيت وأنا أبكي، وعندما خرج من الباب، وكان ينزل السلالم مسرعًا وقفت أبكي وأنظر له وهو ينزل السلالم، وكان المراسلة قد سبقه، وعربة جيب منتظرة على الباب.. وحضر أشقاؤه لتوديعه قبل سفره.
كنت مع ابنتي هدى.. (سنتان وخمسة أشهر)، ومنى.. (سنة وأربعة أشهر)، وكانت الشغالة قد سافرت إلى بلدها منذ أسبوعين. وقال لي جمال قبل سفره: يجب أن تكوني حذرة في اختيار الشغالة، والأحسن أن تكون يعرفها أخواتك.
كانت تزورني زوجة أحد الضباط، وكانت قد طلبت زيارتي بعد مولد هدى لتهنئني وهي تسكن قريبة من منزلنا، وزوجها هو حمدي عاشور.. بقي في القاهرة ولم يسافر إلى فلسطين، فكان يرسل لي المراسلة الخاص بهم لشراء ما يلزمني كل يوم.
رجع أشقاؤه إلى الإسكندرية إذ كانوا لا يزالون في الجامعة وفي وقت الامتحانات، وحضر والده لزيارتنا وبقي معي مدة حوالى شهر، وبعد ذلك كان يحضر أحد أشقائه أو اثنان منهم حيث كان وقت الإجازة.
لم يهمني أي شيء.. وكان الذي يشغلني الحرب وأخبار جمال، وكنت أتلهف على استلام خطاب منه وأفرح جدًّا عند استلامي الخطاب، وبعد ما أقرأه أقول في نفسي: من يدري ماذا حصل بعد كتابته الخطاب؟!.. وأقلق من جديد وأجلس وحدي أحيانًا أبكي.
في خطاب بتاريخ 18 مايو:
«أرجو أن تكوني بخير مع الأنجال العزيزات أما أنا فكل شيء يدعو للاطمئنان...».
وفي خطاب بتاريخ 22 مايو سنة 1948:
«أنا في أحسن حال ولا يشغلني سوى راحتكم والاطمئنان عليكم وأرجو أن أراكم قريبا في أحسن حال...».
وفي خطاب بتاريخ 24 مايو سنة 1948:
«أكتب إليك الآن ولا يشغلني أي شيء سوى راحتكم وأرجو أن تكون شقيقتك قد أحضرت لك شغالة.. أوصيك على هدى ومنى والمحافظة الشديدة عليهما...».
وفي خطاب بتاريخ 9 يونية سنة 1948:
«إن شاء الله نجتمع قريبا في أحسن حال بعد النصر بإذن الله...».
طلب مني في خطاب أن أذهب عند أخي وحدد وقتا ليكلمني بالتلفون. ذهبت بمفردي وتركت هدى ومنى مع شقيقه وانتظرته حتى تكلم.. وسأل عن هدى ومنى وطمأنني، وقال إنه سيكلمني في الأسبوع المقبل في الميعاد نفسه.. وذهبت وكلمني وقال لي: سأكلمك كل أسبوع.
ذهبت - كما قال - وانتظرت على التلفون لكنه لم يتكلم.. ثم قال لي في خطاب إنه لم يجد فرصة ليكلمني لأنهم لا يمكثون في مكان، وقال: سأكلمك وحدد موعدا. ذهبت وانتظرت ولم يتكلم أيضًا هذه المرة. وقال في خطاب: لم أكلمك نظرا لانشغالي.
وفي خطاب بتاريخ 23/7/1948 قال:
«وحشني منزلنا جدًّا وإن شاء الله سأحضر قريبا.. وبالمناسبة، في يوم 20 رمضان سأحصل على رتبة صاغ».
وفي خطاب آخر قال لي إنه سيأخذ إجازة لمدة ثلاثة أيام.. كانت فرحتي عظيمة.. حضر وكان قد مضى على سفره ثلاثة أشهر ونصف شهر.
جرح من رصاصة أثناء الحرب
رأيت علامة جرح حديث وخياطة في صدره من الناحية اليسرى، سألته ما هذه؟ فقال: إنها لا شيء.. دي حاجة بسيطة.. وسكت. ثم وجدت في الشنطة قميصًا وفانلة ومنديلا بها دماء غزيرة فنظر وقال: إنه أصيب وهو في عربة حربية، وهذا أثر جرح من رصاصة خبطت أولا في حديد العربة الحربية الأمامي الذي لا يزيد عرضه على بضعة سنتيمترات، مما خفف الإصابة إذ انكسرت منها قطعة دخلت في صدرى.. والحمد لله بعيدة عن القلب بمسافة بسيطة، ومكثت في المستشفى أيامًا قليلة.. وأراني القطعة وقال: سأحتفظ بها والملابس المخضبة بالدماء.. حكى لي كل ذلك ببساطة. وضعتها في مكان كما هي، وكان بها خروم مكان دخول القطعة.
مكث جمال ثلاثة أيام زارنا خلالها كل أفراد العائلة، وذهبنا إلى السينما مرة وانتهت الإجازة.. وعند سفره بكيت فقال إنه سيحضر مرة كل شهر. ولقد كان يرسل لي خطابات منتظمة، وبعد شهر حضر في إجازة ثانية، وطبعًا كانت الفرحة العظيمة يوم حضوره، ومكث الأيام الثلاثة ثم رجع لفلسطين.. وكانت الإجازة يوم 14 سبتمبر وانتهت يوم 17 منه.
...
........
...
- يتبع |
|
|
|
|
|
د. يحي الشاعر