وفي الذاكرة مالا تمحه الأيام
رسالة
لم تكن قد أفاقت تماما من نومها ضحى ذلك اليوم، عندما مناهى إلى سمعها رنين هاتفها النقال الذي عادة ما تتركه في غرفة المعيشة بالدور العلوي من الفيلا .
نهضت بتثاقل لترد على الهاتف
- سيدتي أعتذر عن الإزعاج، معك مأمون رئيس قاعة المبيعات في شركة تور للسياحة والسفر
- أفندم
- أرجو من سيادتك التكرم بالمرور على مكتبنا خلال أوقات دوامنا اليوم لالتقاط رسالة تخصك لدينا.
- هل يمكنك إبلاغي بمضمون هذه الرسالة؟ على الأقل مرسلها مثلا
- نعم يا سيدتي فهي من السيد ربيع وقد وردتنا عبر مكتب سفريات يتعامل معنا في دبي بالإمارات
أخذت تفكر في ربيع هذا، فقد امضت معه الليلة الفائتة عدة ساعات على المسنجر ولم يشر أثناءها إلى مثل هذه الرسالة .
كانا قد اعتادا -في كثير من لقاءات المسنجر- على الحديث عن السفر والسياحة في مختلف بقاع الأرض.
كانت هناك نقاط التقاء عديدة بينهما ..
وتقاطع في هواياتهما بل وطباعهما أثناء السفر ..
كان خطابه على المسنجر مشوقا وهو يصف رحلاته وبخاصة تلك حفلت بأحداث ومواقف على درجة من الغرابة.
أخبرته بأنها تعشق السفر مع العائلة والأصدقاء كثيرا .. وأن الرحلات الداخلية القصيرة ولأيام محدودة فيها تجديد للهمة وبعث للنشاط وإزالة لما علق بروحها من تراكمات مسيرة الحياة اليومية ورتابتها ..
أما هو فإن كثرة أسفاره التي تتطلبها طبيعة عمله، وحتى لا تتحول هذه السفريات إلى واجبات مملة، جعلته يلجأ في كل مرة إلى تطوير الرحلة بحيث تكون السياحة والراحة والاستجمام واستكشاف الأماكن التي يزورها جزءا مهما فيها.
كان يخطط مع مضيفيه في تلك البلاد لرحلات ترويحية قلما تعرضت لأي شكل من أشكال الفشل.
انتهى حديثهما الليلة الفائتة على أمنية أن يلتقيا في رحلة إلى مكان لم يرتاده أي منهما، فقد شعرت فعلا برغبة جدية بقضاء بضعة أيام بعيدا عن جو الحياة اليومية تخصصها للمعرفة والاستكشاف.
بعد ساعات كانت حنان تلج إلى صالة المبيعات في شركة السياحة التي اتصلت بها .. استقبلها مدير الصالة بترحاب مغلف بأدب جم حيث قدم لها فنجال قهوة .. والرسالة ..
لم تبد أمام الموظف أي استعجال ينم عن لهفتها في معرفة فحوى الرسالة، فلم تقم بفضها أمامه.
غادرت المكتب بعيد فنجال القهوة المظبوط، وانطلقت صوب سيارتها التي كانت قد أوقفتها غير بعيد.
لم تستطع الانتظار أكثر من ذلك ..فبمجرد جلوسها على مقعد القيادة بالسيارة قامت بفض الغلاف ..
وشرعت في تصفحها ..
الرسالة كانت من مكتب السفريات تبلغها بأن هناك قسيمة لتغطية قيمة تذكرة سفر لها على الدرجة الأولى بالطائرة ذهابا وإيابا إلى جنيف ..
وأن هناك حجز مدفوع مقدما في أحد الفنادق الفخمة المطلة على بحيرة لوزان ..وأن سيارة ستكون بانتظارها بالمطار هناك.
الحجز المبدأي هو بعد أسبوع من الآن..
في الرسالة وجدت رقم الهتف الجوال للسيد ربيع في دبي ..
علت الحمرة وجه حنان ..
ما هذا؟!!
كيف حدث هذا؟
كيف تسنى له عمل كل ذلك بين عشية وضحاها؟!!
نحن كنا نتجاذب أطراف الحديث ليس إلا!!
نمضي الوقت على المسنجر لمجرد التسلية!!
حتى أنني لا أعرفه على الإطلاق ..وهو لم يسبق له أن شاهدني من قبل ..
كيف سمح لنفسه ان يطور هذه العلاقة –العابرة- إلى خطوة .. بل قفزة هائلة عبر القارات ..
ما العمل؟
سؤال تطاير من عينيها شررا
ما الذي يظنه بي هذا؟
أأكون قد أبديت من خلال حديثي ما أفسح له المجال لجرأة كهذه؟!
أيظن بي ............
- لا يا حنان هانم
لم يدر بخلدي وأنا أنهي معك سهرة البارحة على المسنجر سوى العمل على تحقيق هذه الأمنية المشتركة. أولم تكن أمنية مشتركة يا سيدة حنان؟
كان صوته على الهاتف غاية في الهدوء ..
لم تكن قد سمعته من قبل على هاتف ..
كل ما كان يحدث مجرد كلمات قلائل عندما يتحولان على المسنجر إلى التحادث بالصوت ..
ثم يرجعان إلى المخاطبة كتابة ..
-لكن سيدي ..كانت تلك احلام على السايبر .. أي أنها افتراضية ..لا تمت إلى الواقعبصلة..
"قالتها وهي تعض على الحروف عضا شديدا
ومن ثم .. أفلت لسانها من عقال أسنانها الصغيرة"
ثم إنني امرأة أولا وأخيرا شرقية .. تعيش في وسط يحترم الأعراف والتقاليد ..
وأظنك كذلك
- سيدتي لقد مر بخاطري كل ما تقولين ..وأكثر من ذلك ..
لكنني أردت لها أن تكون تجربة ..شيء جديد أضيفه إلى حياتي..
لا تنسي أنني لست بذلك الشاب المتهور .. الباحث عن ملاهي الحياة وملذاتها ..
تعلمين أن سني قد تجاوز كل مراحل الطيش والعبث ..
- آسفة يا سيدي ..أعتذر عن قبول الدعوة التجربة هذه ..
فهي فوق طاقة احتمالي ..ولا أظن أن مشرقية حالها كحالي ....
- مهلا مهلا سيدتي .. لا أنتظر منك قرارا اليوم
فكري بتؤدة وهدوء .. فلربما يستوعب عقلك
صورة
غير تلك التي رسمتها
للحدث
غيابيا
أقفلت الهاتف على وعد منها بلقاء آخر على المسنجر
ربما لن يكون اليوم ..