مقدمة :
مادفعنى لكتابة هذا الموضوع هو كم "الجهل المركب" الذى أصاب الكثيرين مما يعتقدون أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يؤيد التغيير والحريات والديمقراطيات الناشئة فى مصر ودول الربيع العربى وبالأخص دعمهم لجماعة الإخوان المسلمين!
لقد راقبت ولفترة طويلة التغطية الإخبارية للعديد من القنوات الأجنبية الأوروبية منها أو الأمريكية أثناء مظاهرات العلمانيين الأتراك ضد أردوغان وكذلك أثناء وبعد 30 يونيو وبعد الإنقلاب العسكرى على الرئيس الشرعى فى مصر وقد تأكد لى بما لايدع مجالاً للشك أن هذا الغرب والذى يصدعنا ليلاً نهاراً بحقوق الإنسان والديمقراطية هو غرب منافق ومخادع ومجرم وبإمتياز .
الغرب والربيع العربى
- الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة نعم تريد الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن فقط لمواطنيهم لاغير، وهم من علموا الدنيا بأنه "لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، وانما وحدها المصالح هى الدائمة"
- الغرب يا سادة يريد أن تكون بلادنا ساحة لمنتجاته و لعقول شعوبناأن تظل ساحة لأفكاره فهو يشيد بنا وقتما يريد، ويغضب علينا وقتما يشاء. المهم أن يمسك بجميع خيوط اللعبة والتى بها يضمن تحقيق مصالحه.
- مصالح الغرب مع أى نظام يحقق له مايريد ومنها: عدم تهديد منابع النفط فى المحميات الأمريكية بالخليج، وأن يضمن له أمن حليفه الإستراتيجى إسرائيل هذا بالإضافة إلى المحافظة على أمن وسلامة دول جنوب المتوسط من خطر الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
تاريخ الغرب الإستعمارى ومساندته للكيان الغاصب فى فلسطين علمنا أنه لايمكن أن يكون مع الشعوب العربية يوماً ولكنه ومع تفاجئُه بالربيع العربى كان لابد له أن يركب موجة الثورات العربية ويتخلى عن أدواته فى دول هذا الربيع حتى أنه قفز هو الأخر عليها وكأنه صاحب تلك الثورات والمؤيد لها وكل هذا لكى يقترب أكثر من هذه الثورات ليقوم بتوظيفها لخدمته وخدمة مصالحهيأتى السؤال: لماذا إستخدمت الولايات المتحدة و حلفائها الـ Hard Power ضد النظام فى ليبيا بينماإستخدامت الـ Soft Power تجاه النظام فى اليمن وسوريا؟
- هل هو التخوف من تطور الأحداث المعاكسة و بروز المقاومة الداخلية لأنصار تلك الأنظمة على غرار ماحدث في ليبيا؟
- هل هو التخوف من مصير الديمقراطيات الوليدة التي قد لا تكون ليبرالية كما يشتهي الغرب، والتى قد تتحول الى نموذج إيرانى أخر "ديمقراطية دينية"؟
- هل هو عدم الوثوق أولنقل الجهل بطبيعة هؤلاء الحكام الجدد ومدى توافق سياساتهم المستقبلية مع توجهات السياسة الغربية وضمان مصالح الغرب وأمن الحليف الإسرائيلى؟
هل تعدد المجموعات والقيادات الداخلية للجماهير داخل كل بلد من بلدان الربيع العربي وصعوبة تجمعهم في كيان واحد واضح الاهداف والتوجهات السياسية والإستراتيجية هو ما قد حث الغرب على التروي في دعم مثل هذه الحركات ؟
الغرب كله يعلن عن تذمره عما يحدث في وسوريا، لكن لا أحد يجرؤ بالحديث عن التدخل العسكري هناك على غرار القرار ضد ليبيا، وهو نفس الشئ الذى حدث فى اليمن. فالكل يحذر النظام السوري من دون أن يفعل شيئاً. لقد كان موقف الغرب المتفرج على الألاف من السوريين الذين ذبحوا ومازالوا على أيدى النظام المجرم فى سوريا يمثل سقوط ورقة التوت ونقطة الذروة فى فى تعرية هؤلاء الذين يتشدقون بالحديث ليلاً نهاراً عن الحرية وحقوق الإنسان، وكل هذا من أجل عيون حليفتهم وربيبتهم المدللة إسرائيل والتى يعربد طيرانها فى السموات العربية بلا حساب وبلا ردع.
الربيع العربي فى نظر الغرب لايشبه تحولات انظمة اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 وإن كان كانت تتوافق وتطلعات الغرب في حلحلة الأنظمة القديمة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبير، ولكنها حسب رأي الغرب حركات غير مضمونة.
الغرب والحركات الإسلامية
الولايات المتحدة، ومن ورائها أوروبا، تعلم بأن الإسلاميين فى الدول العربية أصبحوا رقماً صعباً فى المشهد السياسى، فلذلك هى لاتستطيع تجاهلهم وفى نفس الوقت هى تكرههم لأنها تعلم أن عدائهم للغرب عقائدى وليس مؤقت. ولكن فى كل الأحوال من الإفضل لها إحتوائهم حتى لا تجد نظاماً إيرانياً أخر أو تتحول بعض الفصائل الإسلامية التى قد يسد باب السياسة فى وجهها إلى فصائل جهادية، - خاصةً أن تجربة العراق وكذلك أفغانستان مازالت قائمة وماثلة للأعين - لذا لامانع لديها من التقارب مع بعض الفصائل وخاصة البرجماتية منهم وعلى رأسهم الإخوان المسلمين.
ولعلنا نتذكر حين صرحت هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية،والتى كانت تشيد بحكومة نظيف فى بداية الثورة المصرية وتقول إنها تمسك بزمام الأمور. لكن سرعان ما غيرت موقفها من الثورة والثوار عندما نجحوا، وبدأت فى التعامل مع القادة الجدد بعد أن تخلت عن تصريحاتها السابقة، والتقت بالرئيس مرسي، ثم ذهبت مباشرة الى إسرائيل وكأنها تحمل رسالة طمأنة تقول إن الرئيس مرسى مشغول بالداخل ولن يغير فى معاهدة السلام. فعلى إسرائيل أن تهدأ بالاً.
....
لقد كشفت التغطية الإعلامية المنحازة ضد أردوغان أيام أزمة "ميدان تقسيم" عورات الإتحاد الأوروبى وعلى رأسه المانيا وبينت الفجوة والتباين فى المواقف التى تفصل بين الأوروبيين وتركيا. فتركيا التى غيرت الكثير من قوانينها لتتلائم مع متطلبات الدخول فى الإتحاد الأوروبى والتى هى أفضل إقتصادياً بمراحل كثيرة من دول إنضمت بالفعل للإتحاد الأوروبى ورغم هذا ما أن قامت المظاهرات وتصدت لها الشرطة حتى قامت الدنيا ولم تقعد وطالب البعض بتأجيل مفاوضات الإنضمام للإتحاد الأوروبى مع تركيا.
لم تظهر التليفزيونات الأوروبية الحشود الكبيرة والتى خرجت مؤيدة لأردوغان وكأن تلك الدول الأوروبية وخاصة المانيا كانت تنتظر أى ذريعة لتصفية حساباتها مع أردوغان، ذلك المشاغب الذى علمهم الأدب فى كثير من المواقف وفى عقر دارهم ولم يخجل أن يقول لهم أن الإتحاد الأوروبى هو نادى مسيحى وأنتم لاتريدون لتركيا المسلمة أن تنضم له فلا تتمسحوا بحقوق الإنسان والتى تنقلبون عليها فى تعاملكم مع الأقليات المسلمة فى بلادكم !
بالمناسبة تفس التغطية المؤسفة والتى تجاهلت فيها وسائل الميديا الغربية حشود الإسلاميين على الأرض فى مصر تحدث الأن وبصورة فجة وهم فقط يبرزون مساوئ الإسلاميين لتبرير سكوتهم وتواطئهم فى عدم تسمية الأشياء بمسمياتها. ولولا بعض الصحفيين ذو الضمير والأخلاق ماسمع أحد عن "الإنقلاب العسكرى" فى مصر. إنه الغرب المنافق الذى يتشدق بالديمقراطية ويؤيد الإنقلاب العسكرى ولكن لايسميه وفى نفس الوقت يطالب بالإفراج عن الرئيس المعزول ...يالها من مراوغة ....!!!
يتبع :
هل وقفت أمريكا يوماً مع الإخوان المسلمين فى مصر ؟