صراع ..ثقافات !
يعلنونها مدوية ...إسلامية ..إسلامية
يفتدونها بالغالى والرخيص ويبذلون من أجلها أى شىء حتى
الحنث بالقسم و إخلاف العهود !
لم يفعلوا ذلك -قطعا - عندما كان أمير المؤمنين حسنى مبارك و زبانيته بالسلطة !
هنا الطاعة كانت واجبة , والخروج كان حرام و فتنة و طنين ذباب , والمظاهرات كانت مخالفة شرعية آثم من يفعلها ,مجرم من يقترفها , مذنب من يشارك فيها
عليه لعنة من الله ورسوله والمؤمنين !!!
إسلامية وكأنها كانت كافرة أو ستكون كافرة إن كانت ديمقراطية يحى شعبها بكرامة و بحقوق !
يريدون تصوير الأمر أنه صراع بين العلمانين والليبرالين الكفرة و بين المؤمنين الأتقياء الأخيار الأطهار (حانثى الأقسام ومبدلى العهود ).
إن أمعنت النظر , لا تجد الأمر كذلك بالمرة !
كيف يحيا المسلمون فى ماليزيا أو السنغال أو تركيا أو باكستان أو أندونيسيا ؟
هل كل هؤلاء الملايين المملينة كفار ؟ لا يحبون شرع الله ويستبدلونه ؟و لا يحكمون الشريعه ؟
الأمر فى جوهره صراع بين ثقافة ( القبيلة وراعى الغنم ) وبين ثقافة ( التعددية و قبول الآخر واحترام آدميته وإنسانيته وحقوقه )
ثقافة القبيلة العربية الجاهلية المنحطة السبب الرئيسى فيما تعانيه كل الأقطار العربية من تخلف و جهل , ينظر لهم العالم بأسره
بازدراء واحتقار , يتسائل العالم
كيف لبشر أن تورث من إبن لإبيه ؟ ومن أخ لأخيه ؟
كيف لبشر أن تحكم فرديا من شخص واحد لمدد أسطورية تتجاوز عشرات السنين ؟
كيف لبشر أن تكون مستباحه لهذا الحد ؟ حرماتها و أعراضها و حريتها ؟
لا دخل للإسلام بهذا , بل جاء الإسلام ليحارب هذه الجاهلية و يمنعها و ينهيها !
يقول عز من قائل فى قرآنه الحكيم لنبيه خير الآنام
( وما أنت عليهم بمسيطر )
( وما أنت عليهم بجبار )
( وما أنت عليهم بوكيل )
( وما عليك إلا البلاغ المبين )
لكن العربى بتكوينه الحضارى والثقافى والعقائدى لا يقبل غير القبيله و شيخ القبيله .!
لا يستطيع التعايش مع أى نموذج آخر !
لا يقبل إلا أن يكون فردا فى قطيع يساق و يوجه , عليه السمع والطاعه لشيخ القبيله فهو بالتأكيد يعرف أكثر و يقدر أكثر ويعى
جيدا ما تخفيه الأمور و يملك تلك النظرة الثاقبة !
له قداسة و تبجيل و احترام ولا يخرج عن طوعه إلا المارقون الهالكون الفاسدون المفسدون !
كان وزير الخارجية الأمريكية هنرى كيسنجر مكلف بإجراء مفاوضات مع قادة أحدى الدول العربية , ولم يملك من الوقت ما يكفيه لدراسة كل شىء عن محاوره ,
فطلب من السفير الأمريكى بهذه الدولة إعطائه مفاتيح التفاوض فى ملخص سريع .
ابتسم السفير وقال له , السوق و شيخ القبيلة , اسهب له فقال :
عندما تذهب للعرب لتفاوضهم ستجد الأمر أشبه بسوق , فهذا يقسم أن ما تطلبه غير ممكن , و آخر يحاول أن يعرض عليك بضاعة أخرى غير ما جئت لتفاوض
عليها , وثالث يعدك بتسهيلات , دعك من كل هذا , وابحث عن شيخ القبيلة !
ستجده قابعا فى خيمته ينظر لك من بعيد و يبتسم , اذهب إليه و حاول أن تنال ثقته وأن تلبى مطالبه , وقتها فقط ستأخذ ما تريد من السوق .!
وطبقها كيسنجر بالفعل و حقق ما يريد فى غضون سويعات قليلة !
حاولت الثورة المصرية و الثورة التونسية أن تطهر أراض عربية من هذا الفكر المنحط , وهذا الإنقياد الأعمى , وهذا الإنحطاط
الإنسانى , حاولت أن تعلى قيمة الإنسان العربى و تخرجه خارج رداء الصوف الذى يرتديه , حاولت أن تصرخ بأعلى صوت
أنت أنسان ولست غنمة تساق , فتصرف كإنسان .
كان الإنجاز رهيبا حقا , سقط بن على و سقط مبارك فى غضون أياما قليلة , لم يكن السقوط خاليا من التكلفة الباهظه , تكلف الشباب
الكثير من الدماء الزكية الطاهره و الكثير من الإصابات والعاهات لمستديمة , قدموها فداً لحريتهم وانسانيتهم و بلادهم وشعوبهم .
ثم خاضوا -ولا يزالون -حرباً ضروس ضد بقايا و فلول النظامين و المنتفعين و الراجفين والخائفين من المحاكمة بسبب فسادهم وإفسادهم .
لكن آسفا !
لم تسقط الثقافة !
لم تسقط القبيلة ولم يسقط راعى الغنم !
خرج نوع آخر من الرعاة , وقطعان أخرى لتعلنها واضحة و جلية ((قبلية ...قبلية ...رعوية...رعوية))
ألبسوا ثقافتهم المنحطة عبائة النبى محمد و ثوب عمر بن الخطاب .!
هكذا تجدهم , ملايين مملينة وتتبع فردا واحدا ,
ربما يلقبونه بالــ ( مرشد ) , وآخرون بالــ ( شيخ ) !
عليهم السمع و الطاعة و الإتباع , لا يستطيعون المناقشة ولا تبديل أوامره !
فهو لا ينطق عن الهوى !
لا يسأل أحدهم نفسه مرة واحدة , ما هذا الذى أفعله ؟
كان أحدهم بالميدان وعمرسليمان نائب الرئيس المصرى يعلن عن تعديلات دستورية , رفضها مرشده فرفضها .
عندما أعلنت نفس هذه التعديلات مرة اخرى و قبلها المرشد , قبلها بل وحشد لها بل واقتنع بها !
كان أحدهم يستمع لشيخه و هو يعلن أن المظاهرات حرام شرعا و أنها فسق وفجور و فتنة و آثم من يخرج فيها , فلم يخرج !
عندما أمره نفس هذا الشيخ بالخروج للمظاهرات وقال له أنها واجب شرعى , وأنها فرض , خرج !
هو لا يفكر ! لا يشعر بتناقض ! لا يعمل عقله أبدا !
هو أحد أفراد القطيع و عليه السمع والطاعة , إن قال شيخ القبيلة يميناً ذهب لليمين و إن قال يساراً ذهب يساراً !
أشفق على ماقدمه الشباب فى البلدين ,
كنت مؤمناً أن مصر و تونس أقرب للبشر و أقرب للإنسانية و أقرب للحضارة !
أقرب لدول العالم كله التى يحى بها البشر , كل البشر , بيض وسود وصفر , يهود و ملحدين و مسيحين و مسلمين .
أقرب لتركيا والسنغال و ماليزيا و أندونيسا -- كل هذه الدول يسكنها مسلمون لكن ليسوا عرباً ---
لكن من الواضح أن ثقافة القطيع أعتى مما نتصور , لذلك لم تشهد دولة عربية واحدة أى تجربة ديمقراطية عبر التاريخ !
مختلفون عن كل البشر !
مميزون --سلبا -- عن كل البشر !
أرى الصورة قاتمة بعض الشىء , أخشى ما أخشاه أن نكون فقط قد غيرنا الراعى لا غير , فذهبنا ببن على و مبارك
لنأتى بمن هو أسوأ و أضل سبيلا !
رغم كل شىء , سأبقى على بعض من تفائل و ثقة فى العلى القدير , الذى يعلم خائنات الأعين و ما تخفى الصدور .
فلقد رأى سبحانه إخلاصنا , و أننا لم ندخر شيئاً إلا وقدمناه , ولم نتقاعس ولم نتثاقل إلى الأرض كالمنافقين .
يعلم أننا لم نخرج إلا للحق و لم نطلب سوى الكرامة و الحرية و هى أبسط حقوقنا كبشر , وهى ما ميزنا به سبحانه عن سائر
مخلوقاته , و أننا سنقاتل حتى آخرة قطرة دم ولن نستعبد , ولن نكون ضمن أفراد قطيع يسوقه راعى مرة أخرى -مهما كلف الأمر --
فالموت أكثر شرفا و أكثر كرامة من حياة الأغنام .
https://saa7yabada7.blogspot.com/2011...g-post_29.html