إنجيل التطرف
يجمع الباحثون على أن كتاب "معالم في الطريق" هو انجيل التطرف.. وعلى أساس أفكار هذا الكتاب صاغ فقهاء وأمراء الجماعات الإسلامية المتطرفة شعاراتهم وبرامجهم.. وإذ يحاول الإخوان المسلمون إعلان براءتهم من هذا الكتاب وحصر المسؤولية عنه في سيد قطب فقط وتبرير تطرف أفكار الكاتب بظروف السجن التي عاشها المؤلف، إلا أن الحقائق تدل على عكس ذلك وتفضح صلة الإخوان المسلمين ومرشدهم العام بهذا الكتاب وأفكاره المدمرة.
كان المرشد العام حسن الهضيبي وأفق على كتاب سيد قطب الذي أرسله إليه من السجن وراجعه ملزمة ملزمة وأمر بطباعته وفقاً للروايات التي جاءت في عدة كتب صدرت بعد رحيل عبدالناصر بعشرين عاماً وفي مقدمتها كتاب زينب الغزالي "ايام من حياتي".
في هذا السياق قالت زينب الغزالي في كتابها "أيام من حياتي" إن التنظيم أعيد بناؤه بصورة سرية بعد قرار حله.. وكانت بداية إعادة البناء سنة 1975م بعلم المرشد العام الهضيبي ومباركته على أن يتولاه سيد قطب، فيما أشارت اعترافات المتهمين بمؤامرة 1965م أمام المحكمة إلى أن التنظيم بدأ بجمع الأسلحة واستغل طاقات الشباب بصنع المتفجرات وإعداد خطط الاغتيالات لعدد كبير من المسؤولين وفي مقدمتهم جمال عبدالناصر.. بل إن إحدى الخلايا اهتدت بالمنهاج الدعوي للإخوان المسلمين الذي يعتبر الراديو والتلفزيون والسينما والفنون والموسيقى والنحت والتصوير أعمالاً محرمة في الإسلام ومنافية للأخلاق، ولذلك تم وضع خطط لتدمير هذه المرافق واغتيال نجوم الفن ومن ضمنهم أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ونجاة وشادية وغيرهم.
كما اقترحت الخطط اغتيال عدد من مذيعات التلفزيون ومن بينهم ليلى رستم وأماني راشد، ثم أعدت خطط لاغتيال سفراء كل من الاتحاد السوفياتي وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لخلق مشكلة بين مصر وهذه الدول. وكان تدريب الخلايا الجهادية يتم على ثلاث مراحل هي: مرحلة الإعداد الروحي، ثم الإعداد الجسدي بالمصارعة والمشي والطاعة، وأخيراً الإعداد العسكري بالتدريب على السلاح.
ومما له دلالة عميقة أن تنظيم "القاعدة" الذي يقوده "أسامة بن لادن" والدكتور "أيمن الظواهري" يتبع نفس نهج الإعداد الجهادي للإخوان المسلمين في عملياته الإرهابية، مما يدل على أن الإخوان المسلمين هم الآباء الشرعيون لكل الجماعات المتطرفة التي تفرخت وتناسخت عنهم.
جذور الإرهاب
كان لتنظيم الإخوان المسلمين أجهزته السرية، ومن بينها جهاز لجمع المعلومات الاستخبارية وآخر للاستطلاع وثالث لجلب المراسلات والأموال من الخارج ورابع لشراء السلاح وتخزينه في القاهرة بالإضافة إلى خلايا كيمائية لتصنيع وضخ المواد الناسفة والمواد الحارقة، وأخرى من المهندسين لمعاينة الأماكن التي سيتم نسفها وبيان إمكانية التنفيذ.
وضع التنظيم خططاً لنسف عدد من الكباري والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبنى التلفزيون وبعض مراكز البوليس ومنازل كبار ضباط الأمن والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام في جميع المرافق فيما أعدت خرائط تم ضبطها لهذه المواقع كلها، وتكليفات بحق عدد من دور السينما والمسارح والمتاحف لإحداث ذعر، ثم يتقدم التنظيم بعد ذلك إلى الحكم بغير معارضة.
قال احد قادة التنظيم المتورطين في مؤامرة عام 1965م أمام المحكمة.. "كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الفوضى والذعر، وهذا قد يؤدي إلى سقوط النظام ليقوم محله مجتمع الإسلام.. وكانت هناك أكثر من خطة لاغتيال جمال عبدالناصر واحدة منها أثناء موكبه الرسمي في القاهرة أو في الاسكندرية، وكان هناك من يراقب سير الموكب في أماكن مختلفة.. كما وضعت خطة أخرى لنسف القطار الذي يستقله عبدالناصر في طريقه إلى الاسكندرية للاحتفال بعيد الثورة، وثالثة لاغتياله في شارع الخليفة المأمون وهو في طريقه إلى بيته في منشية البكري بشمال القاهرة.
كانت الخطط معدة أيضاً لاغتيال المشير عامر ونواب رئيس الجمهورية وعدد آخر من المسؤولين.. وعندما بدأ القبض على بعض الخلايا صدرت التعليمات بالإسراع في عملية اغتيال عبدالناصر، ولكنه سافر من الاسكندرية إلى السعودية.. وكلف التنظيم إسماعيل الفيومي من حرس الرئيس ليتولى بنفسه عملية اغتياله عند عودته من جدة إلى مطار القاهرة.. وقد أثبتت صحيفة "الأهرام" بالوثائق في عددها الصادر يوم 10 ديسمبر 1965م صلة حلف بغداد بتوجيه وتمويل النشاط الإرهابي لتنظيم الإخوان المسلمين وكان سعيد رمضان ـ وهو حلقة الوصل بين قيادة التنظيم ومموليه في الخارج ـ قام بتحركات مريبة وتنقل عدة مرات بين بيروت وطهران وبعض العواصم الأوروبية وكان يسافر بجواز سفر دبلوماسي أردني كسفير متجول للمملكة الأردنية الهاشمية.
أخطر ما في الوثائق التي نشرتها صحيفة "الأهرام" أنها أثبتت كيف كانت مخابرات الحلف المركزي تنسق معلوماتها السرية باستمرار وبطريقة منظمة مع المخابرات الإسرائيلية، ومما يلفت النظر أن القيادي الإخواني سعيد رمضان أثار ضجة واسعة في زيارة قام بها لجمهورية سيلان.. وكان مضيفه فيها وزير الإسكان الذي كان قد عاد لتوه من زيارة رسمية لإسرائيل حيث أثار بعض النواب المعارضين لحكومة سيلان آنذاك ـ وبينهم الدكتور بربرا وزير المالية السابق ـ هذا الموضوع وقال أمام البرلمان إن لديه معلومات موثقة تؤكد أن سعيد رمضان يعتمد في تمويله لمركز إسلامي يديره في جنيف على عدد من المصادر، منها مصادر إيرانية وأمريكية تدفع لمركز سعيد رمضان أموالاً سخية تحت حجة "مقاومة الشيوعية".
بيان الأزهر
عقب كشف مؤامرة 1965م أصدر فضيلة الإمام الأكبر حسن مأمون شيخ الأزهر بياناً حول رأي الإسلام في مؤامرات الإخوان قال فيه: "إن منظمات الدمار استطاعت أن تشوه تعاليم الإسلام في إفهام حفنة من الناشئين أن الدعوة للإسلام تتم بالإكراه أو الإرهاب"!
ثم تساءل شيخ الأزهر قائلاً: "كيف يدعي شخص انه يخدم الإسلام ثم يستعين بأعداء الإسلام ضد المسلمين".؟!
إنجازات إسلامية في عهد عبدالناصر
يورد الفصل الخامس من كتاب "عبدالناصر والإخوان المسلمون" طائفة من الإنجازات الإسلامية التي تحققت في مصر أثناء عهد جمال عبدالناصر ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر أن مادة التربية الإسلامية أصبحت لأول مرة في تاريخ مصر الحديث مادة إجبارية في المدارس بينما كانت اختيارية في النظام الملكي ولا يمتحن فيها الطلاب.
- وفي عهد عبدالناصر صدر قانون بتحريم القمار ومنعه،
- وارتفع عدد المساجد الرسمية والأهلية في مصر من 11 ألف مسجد إلى 21 ألف مسجد، بمعنى أن عدد المساجد التي بنيت خلال 18 عاماً أثناء حكم عبدالناصر في مصر تساوي عدد المساجد التي بنيت في تاريخ هذا البلد منذ فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب واعتناق المصريين للإسلام.
- وصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الديني في عهد عبدالناصر حيث تم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات،
- وأقيمت مسابقات عديدة في كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم،
- وطبعت ملايين النسخ من القرآن، وأهديت إلى البلاد الإسلامية
- وأوفدت البعثات للتعريف بالإسلام في كل أفريقيا،
- كما تمت طباعة كل كتب التراث الإسلامية في مطابع الدولة طبعات شعبية لتكون في متناول الجميع،
- فيما تم تسجيل المصحف المرتل لأول مرة بأصوات كبار المقريين.
كان جمال عبدالناصر دائم الحرص على أداء الصلاة يومياً مع زملائه وموظفي مكتبه في القيادة، كما كان حريصاً أيضاً على أداء فريضة صلاة الجمعة مع المواطنين،
وأنشأ مدينة البحوث الإسلامية على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون في الأزهر بالمجان ويقيمون فيها إقامة كاملة بالمجان أيضاً، وقد زودت المدينة بكل الإمكانيات الحديثة وقفز عدد الطلاب المسلمين في الأزهر من خارج مصر إلى عشرات الأضعاف، وأقام عبدالناصر جامعة حديثة عملاقة اسماها (الأزهر) التي حافظت على الأزهر القديم،
فهل كان عبدالناصر عدو الله والإسلام كما زعم الإخوان المسلمون؟
وهل كان يمثل الثقافة الإسلامية العقيمة كما زعم احد الكتاب المنتمين إلى التنظيم السري للإخوان المسلمين في اليمن، وكأنه أراد القول زوراً وبهتاناً أن الإخوان المسلمين بمنهجهم الظلامي ورصيدهم الإرهابي وأفكارهم المتطرفة وتاريخهم الدموي يمثلون الثقافة الإسلامية الخصبة؟
كان عبدالناصر مسلماً نقي القلب والتصرفات من غير تصنع ولا افتعال أو مظهرية.. وكان متديناً في سلوكه اليومي وحياته الخاصة.. ولم يعرف عنه في حياته العائلية خروج عن الإسلام.
يعرف المصريون جيداً منجزات عبدالناصر وأعماله التي استقرت في ضمائرهم وعاشوها واقعاً ملموساً.. وعلى أساسها واصل بناء مصر الحديثة، مهما حاول الإخوان المسلمون تشويه منجزات مصر عبدالناصر تحت ستار الدين.. ومهما حاول المتاجرون باسم عبدالناصر السكوت أمام هذه الهجمة القذرة التي يتعرض لها القائد الراحل من خلال ممارسة أرخص أنواع النفاق السياسي والتحالفات الانتهازية مع أعدائه التاريخيين الحاقدين.
ويبقى القول إن عبدالناصر عاش من أجل خدمة قضايا وطنه وشعبه وأمته، وكان مع الدين في حياته الخاصة والعامة.. وضد كل ما يعادي الدين استغلالاً ونفاقاً وكذباً وقتلاً وإجراماً.
د.يحي الشاعر