25 تشرين ثاني / نوفمبر 2015. الساعة 10:11 بتوقيت القــدس.
غزة/ رام الله- إبراهيم مقبل - صفا
أثار بيان صحفي بشأن توقيع شركة "فلسطين لتوليد الطاقة" مذكرة نوايا لشراء الغاز الطبيعي من حقل "غزة مارين"، الواقع قبالة سواحل قطاع غزة، لاستغلاله في محطة توليد الطاقة الكهربائية التي ستبنيها بشمال الضفة الغربية المحتلة، حفيظة الكثيرين بغزة.
وتأسست هذه الشركة عام 2010 بموجب شراكة بين شركة فلسطين للتنمية والاستثمار المحدودة (باديكو القابضة) والتي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال منيب المصري، ومجموعة من الشركات المحلية والإقليمية، واتفقت مع سلطة الطاقة والموارد الطبيعية لبناء المحطة.
وأبدى خبراء اقتصاديون امتعاضهم من هذه الخطوة، بسبب ما قالوا إنه اختلال في التوزيع بين المحافظات، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من أزمة خانقة في التيار الكهربائي منذ أكثر من تسع سنوات.
واستذكر هؤلاء الخبراء "الإخفاق السابق"، والذي تمثل في العقد الذي وقعته الحكومة عام 1999م مع شركة "بريتش غاز" البريطانية، والذي يعطيها الحق الحصري في التنقيب عن المصادر الطبيعية بفلسطين، وما رافق ذلك من انتقادات واسعة، واتهامات بـ"الفساد".
فيما يرى مشرّعون أن غزة أولى بهذا الغاز، لأنه يخفض من قيمة الاستيراد الفلسطيني من الوقود والذي يقدر ب1.5 مليار دولار سنويًا، ويوفر فرص عمل كثيرة بالقطاع المحاصر.
واكتشفت سنة 1999 شركة "برتيش غاز" البريطانية ما يزيد عن 1,1 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي على بعد 36 كيلومترًا غرب غزة، ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية، موزعة على حقلين أكبرهما "غزة مارين"، والآخر "بوردر فيلد"، وتُقدّر القيمة السوقية للحقلين من 6-8 مليارات دولار أميركي، ولم تبدأ عملها بهما حتى اليوم.
تعديل الاتفاقية
وفي محاولة لوضع الأمور على الجادة في الاتفاق الأول، كشف رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى لوكالة "صفا" أن حكومة الوفاق الوطني أعادت التفاوض مع شركة (BG) حول العقد الموقع عام1999م.
الحكومة الفلسطينية أعادت التفاوض مع شركة (BG) البريطانية فألغت الحق الحصري باستكشاف المصادر الطبيعية وزادت نسبة صندوق الاستثمار
وتوّج الاتفاق، وفق مصطفى، بإلغاء الحق الحصري الذي كان ممنوحاً لشركة (BG) باستكشاف وتطوير أية مصادر طبيعية من البترول والغاز في كافة أنحاء فلسطين، بالإضافة إلى رفع نسبة صندوق الاستثمار الفلسطيني من 10% إلى 17.5%.
ورغم انخفاض قيمة الاستثمار الفلسطيني بالمشروع، توقع مصطفى أن تصل عوائد الحكومة الفلسطينية من إيراداته- في حال تطويره- إلى نحو61 %، وهو ما اعتبره من "النسب المرتفعة مقارنة بمثيلاتها الاقليمية والعالمية".
وكانت نسب توزيع الاستثمار بحقل "غزة مارين" وفق الاتفاق القديم؛ 60% لشركة (BG) بريتش غاز البريطانية، و30% لشركة (CCC) اتحاد المقاولين، و10% لصندوق الاستثمار الفلسطيني.
ويأتي توقيع مذكرة توريد الغاز للضفة بعد نحو خمسة أشهر، من توقيع الأردن وشركة "بريتيش غاز" البريطانية، اتفاقية لتوريد الغاز الفلسطيني إلى الأردن.
غزة أولى
الخبير الاقتصادي عمر شعبان يرى أن أحد أكثر الرسائل التي ترسلها مذكرة الغاز هي أن الوضع الكارثي في غزة ليس على حسابات النظام السياسي الفلسطيني، الذي تنامى نفوذ رأس المال فيه، مستنكرًا "تجرأ" النظام السياسي والقطاع الخاص، على أخذ غاز غزة.
شعبان: يجب أن يكون توزيع الغاز منصفًا بين المحافظات ولاسيما أن غزة تعاني منذ تسع سنوات من أزمة الكهرباء
ويستدرك شعبان في حديثه لوكالة "صفا" بقوله إن التوزيع يجب أن يكون منصفًا بين المحافظات الفلسطينية، مذكّرًا بأن "غزة تعاني من واقع كهربائي صعب لمدة تزيد عن تسع سنوات، ولم يكن هناك خطوات عملية لمعالجة هذا الوضع الصعب".
النائب بالمجلس التشريعي ورئيس اللجنة الاقتصادية عاطف عدوان يرى بأن غزة أولى بهذا الغاز، لأنه يخفض من قيمة الاستيراد الفلسطيني، وإجراء عملية "التسييل" (تحويل الغاز لسائل) على أرض غزة سيوفر الكثير من فرص العمل، بالإضافة إلى إمكانية عمل محطتي كهرباء أريحا وغزة بالغاز، مما سيوفر التكلفة التشغيلية بنحو 60%.
ويتخوف عدوان من أن تقوم الجهات الفلسطينية بالاستفادة من الغاز في الضفة الغربية دون غزة، مع ترحيبه بأن تأخذ الضفة حصة منه باعتبار أننا وطن واحد.حقل غاز فلسطيني استولت عليه
رئيس صندوق الاستثمار محمد مصطفى، يؤكد أن غزة لها كامل الحق بغاز حقل "غزة مارين"، ويقول: "يجب أن تكون لهم الأولوية في الاستفادة من هذه المقدرات، وعندما يتم استخراج الغاز، فإن محطة الكهرباء بغزة ستكون أول المستفيدين إن شاء الله".
ويضيف لوكالة "صفا" "أن حكومة الوفاق تعمل على إيجاد حل دائم لمشكلة الكهرباء بغزة، من خلال تحويل محطة الكهرباء؛ لتعمل على الغاز الطبيعي"، مذكرًا بأن الحكومة تعمل على توفير الخط الناقل للغاز إلى المحطة، والبنية التحتية اللازمة لذلك.
ولم يُعرفْ من إجابات مصطفى- التي كانت مكتوبة- ما إذا كان هناك جدول زمني لإمداد محطة كهرباء غزة بالغاز، وبأي غاز سيتم تزويدها، من حقل "غزة مارين" أم من الغاز الإسرائيلي.
ليست طرفًا
وفي الوقت الذي ينفي فيه مصطفى أن يكون صندوق الاستثمار طرفًا في المذكرة الموقعة لشراء الغاز لاستخدامه في محطة الضفة، تؤكد المعلومات المتوفرة لدى "صفا" استحواذ الصندوق- الذي يرأسه مصطفى- على نسبة 40% من شركة فلسطين لتوليد الطاقة.
فيما يبين الخبير الاقتصادي شعبان أن السلطة أخفقت في إعطاء حق الامتياز للشركة البريطانية عام 1999م، كما في التعديلات الجديدة التي أجرتها الحكومة على العقد، وذلك لانخفاض نسبة الاستثمار الفلسطيني، ورأى أن "الأمر يشوبه الكثير من النواقص القانونية".
ويضيف "لم يتم إرساء المشروع بمزاد، بالإضافة إلى أن توزيع الحصص غير منصف لشعبنا"، وتساءل "لا ندري كيف تم التوزيع، وكيف تمت ترسية العطاء وبأي قيمة وبأي شروط".
ويرى النائب عدوان أن أصل الاتفاقية غير منصف، فهي لا تعطي شعبنا الحصة الطبيعية في اتفاقيات مشابهة لدول تمتلك ثروات نفطية، مضيفًا أن "غزة ليست على حسابات النظام السياسي، وهي غير واردة بالموازنة الفلسطينية لعام 2015م".
النائب عدوان: أصل الاتفاقية غير منصف لأنها لا تعطي شعبنا الحصة الطبيعية في اتفاقيات مشابهة لدول تمتلك ثروات نفطية
ويعتقد أن اتفاق حقل غاز "غزة مارين" كان متروكًا لاجتهادات الوزراء، والذين لم يكن لديهم الخبرة الكافية في ذلك الوقت.
بعيدًا عن الأضواء
ويؤكد شعبان أن التعديل الجديد للاتفاقية لا يضيف جديدًا، بل يُظهر أن الاتفاقيات تتم بشكل سري في الظلام، وبمعزل عن القنوات التشريعية والرقابية، ويقول: "هم موظفون لدى الشعب الفلسطيني، ولا يملك أحد التصرف بهذه المصادر الطبيعية بمعزل عن المجلس التشريعي".
ويرى أن هناك غياب تام لمبدأ الشفافية لدى الحكومة الفلسطينية، وخاصة في السنتين الأخيرتين، مطالبًا بتفعيل كل أدوات الرقابة، وإحداث حالة نقاش مجتمعي هادف لمعرفة الحقائق.
ويتابع "فالسلطة الفلسطينية منذ إنشائها وصلها أكثر من 25 مليار دولار، في حين أنها تعاني من أزمات مالية متلاحقة".
ويلفت إلى أن على القوى الفلسطينية دور في تتبع الثروات الطبيعية الفلسطينية، والعمل على إلغاء اتفاقية حقل "غزة مارين"، والنظر في جميع العقود الاحتكارية السابقة، ولاسيما أن القانون الدولي يسمح لكل الدول بفسخ أي عقد ظالم".
فيما رأى النائب عدوان أن المعطيات الجديدة في اتفاقية الغاز(إلغاء الحق الحصري لـ(BG)، ورفع نسبة صندوق الاستثمار)، يعني انعدامًا لمبدأ الشفافية والرقابة.
ويطالب بأن تتم الاتفاقية بشكل رسمي عبر مراجعة الدوائر المختصة بالتشريعي -الجهة المخولة بالمصادقة على هكذا اتفاقيات- وإشهارها في الإعلام والصحف الرسمية، وإطلاع قادة الرأي عليها.