التعصب المشروع
بعد أن فشلت ثورة ١٩١٩ في تحقيق أهدافها بالقضاء على الاحتلال
الإنجليزي لم يتحول هذا الفشل إلى إحباط ويأس ولكنه تحول إلى إصرار أكبر وفي
بورسعيد تلفت أهل المدينة من المصريين فوجدوا أنفسهم محاصرين بالعشرات من
الأندية الأجنبية للجاليات الأجنبية التي استحلت لنفسها الاستمتاع بكل ما هو
مصري. فقرر الوطنيون إنشاء (النادي المصري)، واختاروا له اسم (المصري)
ليؤكدوا على أنه ليس مجرد ناد يلتقي فيه الأصدقاء ويمارسون فيه الألعاب
الرياضية. بل هو نادي للوطنية وتأكيدًا لهذا المعنى اختاروا اللون الأخضر لزي
النادي وعلمه. واللون الأخضر هو لون العلم المصري قبل الثورة وقد ساهم كل
أبناء الشعب البورسعيدي في دعم النادي وتأسيسه، وكانت نشأة النادي خلال فترة
عصيبة امتدت فيها قيود المحتل لتفرض الحظر على الاجتماعات والمظاهرات
وانتشر جواسيس المحتل في كل الشوارع والمنتديات، ومن هنا فقد أصبحت أروقة
النادي المصري أفضل مكان لعقد الاجتماعات الوطنية وخاصة أثناء إجراء
المباريات الرياضية. ولقد تعصب المصريون عامة وبورسعيد خاصة لهذا النادي
الذي أصبح رمزًا للوطنية فكان الجميع يضعون أيديهم على قلوبهم إذا لعب
المصري مع أحد الأندية الأجنبية، فإذا فاز عمت الفرحة والبهجة كل النفوس. وإذا
انهزم عم الغضب والحزن الذي لا يزول إلا بانتصار يشفي الغليل على أي من تلك
الفرق الأجنبية. وأصبح النادي المصري رأس الجسر الذي يعبر عليه كل
البورسعيديين إلى آمالهم. فعندما ينتصر يوسع كل إنسان على أسرته وعندما يهزم
تعم المرارة. ومن هنا فقد كان التعصب للنادي المصري فعلاً مشروعًا وجميلاً
ونبيلاً على أساس أنه رمز وطني وجزء عزيز من تاريخ مصر
من المؤكد أن الشرارة الأولى لثورة يوليو قد اندلعت خلال حرب فلسطين
عام ١٩٤٨. ولكن الخميرة الحقيقية للثورة قد تكونت من خلال بطولات الفدائيين في
منطقة القناة. التي بدأت أولاً في الإسماعيلية، ثم انتقلت إلى بورسعيد ليشعر المحتل
بأنه يعيش وسط جحيم وليصبح مثل الورقة الذابلة التي اقتلعتها رياح ثورة يولي و.
وقد نفذ فدائيو بورسعيد العديد من العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال الموجودة
في معسكرات الإنجليز بالمدينة، وقد حققت هذه العمليات نجاحات كبيرة وبثت
الرعب والفزع في قلوب جنود الاحتلال.