منتديات المطاريد - عرض مشاركة واحدة - شرح مبسط جداً لأزمة المال الأمريكية
عرض مشاركة واحدة
قديم 15th October 2008, 02:23 PM CCIE غير متواجد حالياً
  رقم المشاركة : 2
CCIE
Member





CCIE is on a distinguished road

افتراضي

أنا : CCIE






د. أنس بن فيصل الحجي


القصة الثانية: أزمة السيولة تقتل محروس

أصرت سلالم على أن يشتري لها زوجها تعسان سيارة جديدة. فأغلب صاحباتها اشترين سيارات جديدة على إثر الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة وتسهيل البنوك عمليات الاقتراض بشكل لم يسبق له مثيل. "أعرِف يا عزيزي أنه ليس بإمكانك شراء سيارة إضافية، ولكن تصور أن صديقتي براطم اشترت سيارة لومينا جديدة دون أي فوائد وبدفعات شهرية قدرها 240 دولارا فقط لمدة خمس سنوات. نارين اشترت سيارة رياضية بدفعات شهرية قدرها 350 دولارا ودون أي فوائد, ألا أستحق 300 دولار في الشهر؟".

بعد نحو ربع ساعة سمع تعسان زوجته تتكلم بالهاتف في الغرفة الأخرى "اشتريتم بيتاً، ألف ألف مبروك، ما قصرتم، اشتريتم البيت في الوقت المناسب، أسعار الفائدة منخفضة، والدفعات الشهرية قليلة، خيرا ما عملتم". بعد قليل عادت سلالم إلى الغرفة وتحدثت بصوت عال: "شايف، بيت "محروس"، صاحب مصنع قطع الغيار، اشتروا بيتا جديدا. البيت كبير وحلو، ودفعاته "بتجنن". أنا متأكدة أن صابرين (زوجة محروس) ستشتري أثاثاً جديداً لفرش البيت، ولم لا، فمحال "أبو بلاستيك للخشبيات" عندها عروض تقسيط مغرية". ثم تابعت وهي تبحث عن الجريدة "أنا قرأت اليوم العرض، أعتقد أنه يمكن شراء أي شيء بالتقسيط دون أي دفعات لمدة سنة، ودون أي فوائد"! ثم رفعت الجريدة من الأرض وبدأت تقلب فيها "شوف يا تعسان، هذا الإعلان، هذه غرفة سفرة قيمتها 6500 دولار، بالتقسيط دون أي دفعات في السنة الأولى".

عندما عاد تعسان إلى عمله في اليوم التالي لاحظ أن الوضع في المصنع على غير عادته، ولكنه حاول تجاهل الأمر لأنه ما زال يفكر فيما طلبته زوجته. وفجأة سمع صوت مديره يقول "كما تعلم فإن الاقتصاد تحسن في الفترة الأخيرة والطلبيات على منتجاتنا زادات بشكل كبير، لذلك قررنا فتح المصنع في عطلة نهاية الأسبوع، هل ترغب في العمل ساعات إضافية؟" لم يتردد تعسان على الإطلاق، وهز رأسه موافقاً. ثم ابتسم قائلا لنفسه "الآن أقدر على الدفعات الشهرية لسيارة زوجتي". واستطرد المدير قائلا: "نظرا للزيادة الكبيرة في الطلب على منتجاتنا، ونظرا لانخفاض أسعار الفائدة، قررنا اقتراض ثلاثة ملايين دولار لتوسيع المصنع وشراء آلات جديدة".

ذهب تعسان وزوجته إلى معارض السيارات، وبعد قضاء عدة ساعات، اتفقوا على شراء سيارة عائلية بقسط شهري قدره 330 دولارا، وهنا كانت المفاجأة: عليهم الانتظار ستة أسابيع للحصول على السيارة لأن الطلب على هذا النوع من السيارات كبير، و لا تستطيع مصانع ديترويت أن تفي بهذا الطلب. اقتنع تعسان بما قاله مدير المبيعات لأنه شاهد بأم عينه عشرات العائلات تجول في المعرض للاستفادة من عروض التقسيط الخاصة، كما أنه انتظر فترة طويلة لكي يتمكن من الحديث مع مندوب مبيعات. لم يكن هناك خيار سوى انتظار وصول السيارة بعد ستة أسابيع.

في الطريق إلى البيت لم تستطع سلالم كتم مشاعر الفرح التي غمرتها، وبما أن زوجها لم يلق لها بالاً وهو يقود السيارة، اتصلت بصديقتها صابرين لتخبرها بالحدث السار. لكن صابرين قاطعتها بصوت عال وسيل من الشتائم لأنها "ذهبت لشراء عفش لبيتها الجديد في ذلك المساء، وكلما اختارت شيئا قالوا لها إن عليها الانتظار شهرين على الأقل لأن الطلب كبير جدا، و كثير من الناس يحاول الاستفادة من عرض التقسيط الخاص". وحاولت سلالم تغيير الحديث فأخبرتها أن زوجها سيعمل ساعات إضافية و أنهم سيوسعون المصنع الذي يعمل فيه. على أثر ذلك قالت صابرين إن زوجها محروس وقع عقدا ضخما مع شركة سيارات يابانية انتقلت إلى "أمرستان" أخيرا لإمدادها بقطع الغيار، وأنه سيقترض 20 مليون دولار من البنك لتوسيع المصنع وشراء الآلات اللازمة. ثم أردفت "محروس متفائل أنه سيحصل على القرض بسهولة لأن الشروط السهلة ووضعه الائتماني ممتاز، ويمكنه رهن المصنع والمزرعة لتعزيز وضعه المالي، وسمعته "زي الذهب". لم تفهم "سلالم" ما قالته "صابرين" بالضبط، ولكن فهمت أنه أمر حسن، وعبرت عن سرورها لذلك.

بعد أن دخلوا البيت، جلس تعسان على كرسيه الهزاز، ضغط على الريموت، وبدأ بتقليب قنوات التلفزيون. كان وقت الأخبار، فحاول البحث عن مسلسل، إلا أنه لم يجد ما يعجبه فتوقف عند قناة إخبارية ظهرت فيها مذيعة جميلة بكامل أناقتها، ورمى الريموت على الأرض. أغمض عينيه في محاولة للتخفيف من الإعياء الذي لحق به في ذلك اليوم، متجاهلا خبر موت 250 من عمال مناجم الفحم في الصين بعد انهيار المنجم، ثم فتح عينا واحدة لينظر إلى المذيعة الجميلة وهي تقول: لدينا أخبار سارة. أعلنت حكومة أمرستان اليوم أن النمو الاقتصادي استمر في الارتفاع ليصل إلى 7 في المائة، ما يجعل هذه الفترة هي أطول فترة نمو اقتصادي في تاريخ أمرستان، ثم فتح عينيه الاثنتين عندما قالت إن معدل البطالة انخفض إلى أقل مستوى له تاريخيا وأن هناك عجزا في بعض التخصصات وفي العمالة اليدوية. لم يستطع تعسان إخفاء ابتسامته لأنه فهم الآن لماذا عرض عليه مديره أن يعمل ساعات إضافية. عندها رحبت المذيعة بالدكتور "فهيم الهارفردي" وزير المالية السابق وطلبت منه أن يعلق على الخبر. التطورات الأخيرة في حياة تعسان جعلته يصغي بكل حواسه، رغم أنه ليس له أي اهتمام بالاقتصاد أو السياسة. أكد الدكتور "فهيم" أن انخفاض أسعار الفائدة وسهولة الحصول على قروض زادت السيولة بشكل كبير وزادت إقبال المستهلكين على شراء البيوت، الأمر الذي أنعش صناعة العقار. وبما أن البيوت تريد فرشاً، ومع سهولة الحصول على قروض، انتعشت تجارة الثلاجات والسخانات والأفران والجلايات والمفروشات. كما انتعش الطلب على السيارات. بدأ قلب تعسان يخفق بشدة, فالوزير "فهيم" يتكلم عنه وعن تجربته. بدأ يحس بأن "فهيم" عبقري يجب الاستماع إليه، فمسك الريموت ورفع الصوت ليستمع إلى المزيد. "بما أن المصانع لا تستطيع على المدى القصير أن تفي بهذا الطلب الكبير فإنها تستخدم ما لديها في المخزون، ومع انخفاض المخزون لا بد من زيادة الإنتاج، فتلجأ المصانع إلى العمل ساعات إضافية، وتزداد أجور العمال والموظفين، ما يدعم قوتهم الشرائية. ونظرا لتوافر السيولة الناتجة عن سهولة الحصول على قروض سهلة ورخيصة فإن هذه المصانع تلجأ إلى البنوك للاقتراض لتوسيع عملياتها كي تفي بالطلب المتزايد. هذا التوسع يؤدي إلى نمو الاقتصاد وخلق المزيد من الوظائف".



أيام الشدة

قام المدير بإبلاغ تعسان بأن عمله في عطلة الأسبوع سيتوقف بسبب سوء الوضع الاقتصادي وانخفاض الطلب. كان الخبر مفرحا ومزعجا في الوقت نفسه. فقد تعب من العمل المتواصل كل أيام الأسبوع خلال الشهور الماضية، وهو يحتاج إلى قسط من الراحة، ولكن إذا توقف عن العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، كيف سيدفع أقساط السيارة؟ عاد إلى البيت مهموما، ضغط على الريموت وبدأ يستمع إلى أخبار إفلاس كبار البنوك في أمرستان، بدأ يحس بالخوف، وبدأ قلبه يخفق بشدة، وهنا لاحظ أن خفقات "القلق" تشبه خفقات "الفرح" التي أحس بها في الماضي، على الكرسي نفسه، في الغرفة نفسها، وأمام التلفزيون نفسه، يا إلهي، وأمام المذيعة نفسها، وهاهو الدكتور فهيم يظهر على الشاشة مرة أخرى. وبدأ يستمع، وازداد خفقان قلبه عندما توقع الدكتور أن تقوم المصانع بتسريح آلاف العمال. ذكر ذلك لزوجته باقتضاب، حاولت الاستفسار، لكنه ذهب إلى غرفة النوم وأغلق الباب وراءه بعنف.

كالعادة، لم تجد سلالم أحدا تبوح له بهمها سوى صديقتها صابرين، فاتصلت بها. وكالعادة، ما أن بدأت تشكو لها الوضع الجديد حتى بدأت صابرين بالصراخ والشتم "أولاد الكلب، خربوا مستقبلنا، تصوري أن زوجي لا يستطيع أن يفي بالتزاماته مع الشركة اليابانية، لم يستطع الاقتراض من البنك لتوسيع المصنع وشراء الآلات. الإفلاسات الأخيرة أخافت البنوك، وهم يرفضون إقراض أي شخص، وبأي سعر، رغم أن تاريخ زوجي ناصع البياض. تصوري أنه قدم المصنع والبيت والمزرعة والتوسعة الجديدة رهناً، وجاء بضمان من الشركة اليابانية، وتوسط له أحد أعضاء مجلس الشعب، ومع ذلك رفض البنك إقراضه. أخبروه أن سياسة البنك الحالية هي عدم الإقراض والحفاظ على "الكاش". ما ذنبنا نحن؟ نحن ناس شرفاء، و لدينا الرهن الكافي للقرض، ومع ذلك رفضوا إقراضنا. استمر الحديث بين الاثنتين طويلا، في الوقت الذي استمر فيه الدكتور فهيم يشرح للمذيعة التطورات الأخيرة: عند انتشار حالات الإفلاس تتوقف البنوك عن الإقراض، مهما ارتفعت أسعار الفائدة، الأمر الذي يقلل من السيولة بشكل خطير، فتتوقف خطوط الإنتاج، حتى في الشركات ذات السمعة الحسنة. لهذا فإن على الحكومة أن تتدخل وتضخ سيولة ضخمة لتعزيز الثقة وتحريك عجلة النمو الاقتصادي. قام محروس بجهود جبارة للحصول على السيولة، وقدم مغريات كثيرة للبنوك وبعض أصدقائه الأغنياء، ولكنه عاد إلى بيته في آخر الليل خالي الوفاض. في تلك الليلة مات محروس من جلطة في الدماغ بعد أن وقع في "مصيدة السيولة".





القصة الثالثة: ِشمعون يأخذ درسا في القانون

صرخ شمعون أبو الذهب، رئيس بنك "التسليف للتنمية"، في وجه كبير المحاسبين عارف الصالح: هل أنت مجنون، ما هذه الخسائر؟ كيف تسجل أن ما لدينا من أصول عقارية هو ثلاثة مليارات فقط؟ ألم ندفع 70 مليارا لشراء هذه الأصول؟ هل تريد أن تدمر البنك في ظل الأزمة الحالية؟" ثم هجم عليه ومسكه من تلابيب قميصه وهزه بعنف "قل لي، لماذا تريد أن تُدمّر سمعتي، هل تريد أن تجعلني مسخرة في أمرستان؟" وتناثرت الأوراق التي كانت في يده على الأرض.

حاول عارف، وهو رجل خمسيني عرف بنزاهته وإخلاصه، أن يلجم غضبه وهو ينظر إلى الموظفين والموظفات الذين وقفوا وراء جدار مكتبه الزجاجي ينظرون إليهما. بلع ريقه عدة مرات، حاول أن يتكلم، ولكن صوته اختفى. تراخى على الكرسي بعد أن أفلت من يد شمعون، ثم نظر إليه وقال: "إنه القانون يا شمعون". خرج شمعون من مكتب عارف وعروق رقبته تكاد تنفجر، دخل مكتبه وأغلق الباب وراءه. جلس على كرسيه وهو يرتجف، دار بكرسيه الدوار في الاتجاه المعاكس باتجاه النافذة الضخمة، وبدأ ينظر إلى المدينة بعمائرها الشاهقة، والبحر يملأ الأفق. لكم أراحه هذا المنظر من قبل. هذه محاسن العمل في الطابق التسعين.

فجأة أفاق من أحلام اليقظة، واكتشف أنه مر عليه أكثر من نصف ساعة على هذه الوضعية. أدار الكرسي، نظر إلى الأوراق المرتبة بعناية على المكتب، كبس زرا وقال مخاطبا سكرتيرته "لميس، قولي لعارف أن يأتي إلى مكتبي حالاً… ها.. آ… آ…و… وقولي له أن يجلب معه الأوراق التي كانت معي". قام بسرعة، دخل إلى حمامه الخاص، نظر في المرآة، مسح بيده على رأسه لتمسيد بعض الشعرات الناتئة، ثم عاد وجلس على كرسيه بهدوء.

دخل عارف والتوتر ظاهر على وجهه وهو يمسك الأوراق في كلتا يديه. رحب به شمعون بشكل مصطنع ثم قال بسرعة، آسف لما حصل هناك، إن مهمتي أن أحمي البنك، وهذه الخسائر غير معقولة. اجلس واشرح لي كيف وصلت إلى هذه الأرقام. ما علاقة القانون بذلك؟

اختار عارف أحد الكرسيين أمام المكتب، وضع الأوراق أمامه بشكل منحرف بحيث يستطيع هو وشمعون النظر إليها. حاول أن يفكر بما سيقول، ولكن الغضب والخوف أطارا كل الأفكار من رأسه، حاول مرة أخرى، ولكنه لم يستطع. عندها سحب شمعون الأوراق باتجاهه ثم قال: "لقد استعاد البنك ملكية 20 بيتا في مدينة سمافيل، متوسط تكلفة البيت مليون دولار، كيف تكتب هناك أن قيمتها كلها ثلاثة ملايين دولار، هكذا بشخطة قلم انخفضت قيمتها من 20 مليون دولار إلى ثلاثة ملايين دولار؟ عارف، أنت تعلم أننا مازلنا نملك هذه البيوت، كيف حصل هذا؟".

كان هذا الوقت كافيا لعارف أن يلملم أشلاء الأفكار التي تناثرت في تلافيف دماغه. نظر إلى شمعون وقال: "كما تعلم فإن حكومة أمرستان غيرت القوانين المالية منذ فترة وطالبت الشركات والبنوك بأن تقدم تقاريرها المالية وفقا لمبدأ "التسعير حسب سعر السوق" وليس حسب مبدأ "القيمة العادلة" الذي كان يستخدم سابقاً". هز شمعون رأسه بشكل يوحي بأنه تذكر هذا القانون، وأنه بدأ يتفهم ما يحصل. ثم تابع عارف "وفقاً لهذا فإن علينا تسعير الأصول وفقا لسعر السوق، فإذا انخفضت أسعار العقارات التي نملكها فإن علينا أن نعكس هذا التغير في دفاترنا المحاسبية، بغض النظر عن تكلفتها أو قيمتها العادلة، وهذا يفسر خسائرنا الكبيرة.

بدأ الغضب يلوح في وجه شمعون مرة أخرى ثم قال: "وماذا سيحصل لو ارتفعت أسعار العقارات وبعنا هذه البيوت العشرين بعشرين مليوناً أو أكثر، ربما ثلاثين"، أجاب عارف بسرعة وهو يبتسم "عندها، وفقا لهذا القانون، سنسجل كل الفرق على أنه أرباح صافية"! نظر شمعون إلى عارف بتعجب، ثم شاركه الابتسام وتابع قائلا، يعني أن أغلب خسائرنا هي على الورق فقط! هل هذا يعني أن الأزمة الحالية مبالغ فيها؟".

قلب شمعون الصفحة ونظر إلى الصفحة الثانية "وماذا عن استثماراتنا في شركة "مرطان للاتصالات"، لقد استثمرنا 100 مليون، وأعطيناهم المبلغ منذ أسبوعين، ويتوقع للشركة نجاح باهر، كيف تسجل هنا هذا المبلغ خسائر؟ أجاب عارف بسرعة "إنه القانون، مرة أخرى، يا شمعون" الشركة جديدة وليس لديها أي أصول، وقيمتها السوقية صفر، لذلك فإن هذا الاستثمار يُسجّل الآن في الدفاتر المحاسبية على أنه خسائر". ردد شمعون نظره بين الأوراق وعارف ثم قال، هذا يعني أيضاً أن خسائرنا على الورق فقط، وماذا لو نجحت الشركة في الربع المقبل أو ... حتى العام المقبل، ماذا يحصل؟ تنهد عارف ثم قال "عندها سنسجل الزيادة في قيمة الشركة والاستثمارات على أنها أرباح! عندها قال شمعون بوجه صارم يوحي لعارف بأن اللقاء انتهى "إنه قانون مثير للسخرية، إنه لعبة غير معقولة، ولكنه القانون، كيف تتحول الاستثمارات إلى خسائر ثم إلى أرباح؟"؟

خرج عارف من المكتب وأغلق الباب وراءه بلطف. أدار شمعون كرسيه وبدأ ينظر إلى الأفق البعيد، وبدأ يفكر: يا له من قانون عجيب، بنكي يساوي يوما 40 مليارا، ويوما 200 مليار، وربما 500 مليار، ولكن الأصول نفسها والتكاليف نفسها! لا بد أن سياسيي أمرستان فقدوا عقولهم. رن جرس الهاتف بشكل مفاجئ جعله ينتفض، أدار كرسيه، حمل السماعة ليسمع لميس تقول: السيد "شرتوح أبو فضة"، رئيس بنك "الأمانة والصدق والإخلاص"، على الخط رقم 2. رفع السماعة، وبعد عبارات ترحيبية مألوفة قال السيد شرتوح إن حكومة أمرستان تجري معه تحقيقا لأن بنكه ثمّن العقارات التي يملكها بأعلى من قيمتها، رغم أنه ثمّنها بسعر السوق وفقا للقانون وليس بقيمتها العادلة. احمر وجه شمعون وقال "كيف حصل هذا، هذا غير معقول". وتابع شرتوح قوله "بما أن القانون يركز إلى "سعر السوق"، وسعر السوق يتحدد من قبل البائعين والمشترين، فإن أي أصول، بما في ذلك البيوت، لا قيمة لها إذا لم يكن هناك أي مشترين، لذلك فإن الحكومة تطالبنا بأن نثمّن البيوت التي لم يتقدم أحد لمحاولة شرائها في تقاريرنا المالية بصفر. نعم، بصفر! بيت سعره أكثر من نصف مليون دولار علينا أن نظهره كخسائر في دفاترنا! تنهد شمعون وقال "لا تهتم كثيرا، أخبرني كبير المحاسبين اليوم أنه متى تحسن السوق فإن أي ارتفاع في قيمة هذه البيوت سيسجل أرباحاً صافية"، ولكن شرتوح قاطعه بحدة "ولكني لم أتصل بك لهذا السبب، اتصلت بك لسبب آخر". اعتذر شمعون عن المقاطعة وقال تفضل، تفضل".

مرت لحظات قبل أن يبدأ شرتوح بالكلام ثم قال "كما تعلم فإن هناك مشكلة سيولة في أمرستان، وحاولنا الاقتراض من عدة بنوك ولكنهم رفضوا لأن تقريرنا المالي يوضح أننا حققنا خسائر كبيرة وفقا لقانون التسعير حسب السوق، مع أن خسائرنا، حسب القيمة العادلة للأصول، محدودة جدا، وما زلنا نملك هذه الأصول وهذه العقارات. حاولنا أن نضع البيوت رهنا، ولكن لأن القانون جعل بعضها بلا قيمة، وبعضها بأقل من قيمته بكثير، رفضت هذه البنوك إقراضنا. وها أنا أتصل بك للحديث عن إمكانية الحصول على قرض منكم".

جاء جواب شمعون سريعا وتلقائيا دون تفكير "كلنا في الهوا سوا، كلنا لدينا المشكلة نفسها، آسف لا أستطيع مساعدتك"، قال ذلك وهو يتذكر مقولة سمعها منذ زمن بعيد "إن أغلى ما تملك وقت الأزمات هو الكاش، فلا تفرط فيه مهما كانت المغريات"، ثم أردف "ولكن لماذا لا تتصل بمندوب مجلس الشعب في منطقتك وتطالبه بتغيير القانون! أعتقد أنه لو تم تغيير القانون فإن أسعار العقارات سترتفع. عندها ستوافق البنوك على أخذها رهنا مقابل القرض الذي تحتاج إليه". سمع شمعون صوت تنهيدة عميقة، ثم حشرجة، ثم سعال عنيف، ثم جاء صوت شرتوح مبحوحا "إلغاء القانون لن يغير شيئا، لأن الأزمة الحالية أزمة ثقة، وإذا أُعْطِيَتْ الحرية للشركات بأن تسعر أصولها فإن هذا سيعمق هذه الأزمة، لأنه يمكن لبعض الشركات أن تُثمّن أصولها بأعلى من قيمتها".

انتهت المكالمة، تنهد شمعون بعمق، مسك رأسه بين يديه بعد أن أحس بوجع فيه. مد يده إلى الدرج، أخرج علبة البندول، بلع أربع حبات مرة واحدة، دون ماء. أدار الكرسي، وهو يتمتم، "الحكومة هي السبب، إنه القانون يا شمعون"، ثم نظر إلى الأفق البعيد .. إلى المجهول!

خاص بموقع "العربية.نت"

https://www.alarabiya.tv/views/2008/1...04j6h8h4ap2c51

 

 


 
رد مع اقتباس