منتديات المطاريد - عرض مشاركة واحدة - لا يسخر قوم من قوم - من خُطب الجمعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 6th May 2011, 02:42 PM سعد الفخم غير متواجد حالياً
  رقم المشاركة : 2
سعد الفخم
Silver Member
 





سعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond reputeسعد الفخم has a reputation beyond repute

افتراضي

أنا : سعد الفخم





الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ]
أيها الناس: كان سلفنا الصالح ـ رحمة الله تعالى عليهم ـ يتوقون عيب غيرهم وقدحهم، والسخرية بهم، والحط منهم؛ حفاظا على الأخوة، وتأليفا للقلوب، وخوفا من الإثم، وحذرا من الوقوع في عيوب أهل العيوب، وكان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من أشد الناس في ذلك حتى نقل عنه قوله (لو سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبا) وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول: ( البلاء موكل بالقول)رواهما ابن أبي شيبة.
وجاء عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:(لو رأيت رجلا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه خفت أن لا أموت حتى أرضعها) رواه ابن أبي شيبة.
واجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا الكسائي يصلي فارتج عليه في قراءة (قل يا أيها الكافرون) فلما أن سلم قال: اليزيدي قارئ أهل الكوفة يرتج عليه في (قل يا أيها الكافرون) فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا اليزيدي فارتج عليه في سورة (الحمد) فلما أن سلم قال: احفظ لسانك، لا تقول فتبتلي إن البلاء موكل بالمنطق)
وكان إبراهيم النخعي ـ رحمه الله تعالى ـ يقول:(إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله)
وقال يحيى بن جابرـ رحمه الله تعالى ـ :( ما عاب رجل رجلا قط بعيب إلا ابتلاه الله بمثل ذلك العيب) وهذا واقع مشاهد، وقد يجده الإنسان في نفسه، فيسخر من شخص في صفة اتصف بها، أو فعلة فعلها، ثم إذا هو يفعل مثل فعلته، ويتخلق بصفته التي عابها منه، أو ضحك بسببها عليه، ويكون ذلك عاجلا أو آجلا، فإن لم تصبه أصابت ولده حتى يراها فيه، وهذا جزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحدا.
إن السخرية بالناس في هذا الزمن الذي كثر فيه الانحراف قد أضحت فنا من الفنون يُسوَّق له في وسائل الإعلام فيما يسمى بفن الفكاهة أو الكوميديا، يتقمص فيه الممثلون شخصيات من يريدون السخرية بهم في هيئاتهم أو طريقة كلامهم أو أفعالهم ليضحكوا الناس في كراسي المسارح أو من وراء الشاشات عليهم.وقد يتعدى ذلك إلى السخرية بالدين وأحكامه وأهله؛ لصد الناس عنه، وتنفيرهم منه، نعوذ بالله تعالى من الضلال.
ولا تسلم الصحف والمجلات من وباء السخرية بالناس فيما يسمى بالكاريكاتير والمقالات الساخرة التي لا تخلو من غمز أشخاص ولمزهم وإضحاك الناس عليهم، ويزعم أصحاب هذه التوجهات الساخرة أنهم يفعلون ذلك من باب النقد الهادف، ومحاولة الإصلاح، ولا يدري العقلاء كيف يكون الإصلاح في السخرية بالناس؟!
وثمة أشخاص متخصصون في صنع النوادر والنكت على أقوام بالبخل أو قلة المروءة، وعلى آخرين بالجشع والطمع، وعلى غيرهم بالغباء والغفلة، وهكذا دواليك ... لا يتركون قبيلا من الناس، أو بلدا من البلدان إلا أبرزوا بعض عيوب أفراده وعمموها على جميعهم في طرائف ونكت يبثونها على العالمين. وهذا النوع من السخرية لا تكاد أرض تخلو منه، فأهل كل بقعة يخترعون النوادر على جيرانهم، ساخرين بهم، مقللين من شأنهم، وتكثر في أهل القرى والمدن الصغيرة المعاير، حتى لا يعرف الواحد باسمه أو بكنيته بل يعرف بما يعيره الناس به.
وقد يسخر بعض الناس بخدمهم وعمالهم، وقد يسخر المدرس ببعض طلابه، والمدير ببعض موظفيه، وقد تسخر الرعايا براعيها، والرؤساء بشعوبها، وقد يسخر أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وتكون سخريتهم لهم بتقليد أصواتهم، أو محاكاة ما يضحك من أفعالهم، أو إظهار معايبهم ، أو تعييرهم بقول أو فعل أو همز أو لمز أو إشارة أو إيماء أو غير ذلك، أو يسخرون بغيرهم في لسانهم أو جنسهم أو لونهم أو قبائلهم أو حِرَفهم أو عاداتهم أو صفاتهم حتى تغلب السخرية على كثير من الناس فتكون ديدنهم، ولا ينكرها عليهم غيرهم!!
وقد تُخص السخرية بمجالس وبرامج يتمتع فيها روادها ومشاهدوها بالهزء بعباد الله تعالى، والسخرية بهم، والضحك عليهم كما هو الحال في عصرنا هذا!! ومن هنا نفهم جواب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟! فقال:(الفم والفرج). وفي حديث معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال له النبي عليه الصلاة والسلام ـ :( وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) رواهما الترمذي وصححهما.
فرحم الله عبدا حفظ لسانه عن الهمز واللمز والسخرية بالناس، واشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره ( والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ولله در يحيى بن معاذ ـ رحمه الله تعالى ـ حين قال:(من سلم منه الخلق رضي عنه الرب).
وصلوا وسلموا على نبيكم....

 

 


 
رد مع اقتباس