وجاء الانفجار مفاجئا للنظام وللأمريكان فى25 يناير 2011 ، وبعد أيام من الارتباك رأى الأمريكان أنها فرصة للتخلص من مبارك الذى هرم ، وأسرته المثيرة للمتاعب ، مع بقاء النظام كما هو . وهذا ماحدث وهو مانعانى منه حتى الآن .
الثورات العربية رفعت من شأن الرأى الذى يقول بضرورة التعاون مع التيار الاسلامى حتى وإن وصل للحكم ، وكانت هناك مقدمات لذلك :التعاون مع الملك المغربى للسماح بفوز حزب اسلامى بالأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة ( يوسفنى أن أقول أن رئيس وزراء المغرب استقبلنى فى بيته 3 مرات وأن وزير الخارجية المغربى صديقى ولكننى آسف لحزبهما على هذا الموقف ).
فى الجزائر كان مسموحا لبعض الأحزاب الاسلامية أن تشارك فى الحكومات التى اعقبت الانقلاب على الشرعية . فى البحرين كانت الأغلبية للأحزاب الأصولية الشيعية والسنية ولكن تم إجهاض التجربة لغلبة الشيعة المتهمين بموالاة إيران . الكويت بها ديموقراطية لا خلاف حولها طالما وضع الأمير محصنا . تركيا اعتبرت النموذج الذى يجب تعميمه ، فهى اسلامية وايضا علمانية فى نفس الوقت وأيضا عضو بالناتو وعلى علاقة مع اسرائيل ، وهذه هى المواصفات المطلوب تعميمها .
والآن دعونا نركز على مصر : انتصر الرأى الذى يقول بإمكانية السماح للاخوان المسلمين أن يصلوا إلى الحكم ، خاصة وهناك حوار طويل معهم يسمح بالإطمئنان الحذر. وعندما وصلنا لانتخابات الرئاسة ، وكانت النتيجة الحقيقية هى حصول مرسى على 51% ضغط الأمريكان لإعلان النتيجة حرصا على الاستقرار ، وإكمالا لمشوار استئناس أكبر حركة اسلامية فى الشرق الأوسط . ووافق عملاء العسكر على مضض وأضمروا أن يخربوا كل شىء على دماغ مرسى وحزبه وتياره ، وعلى دماغ الشعب كله إن تطلب الأمر ذلك !
ومن علامات ضعف وترهل القوة العظمى ألا تتمسك بسياسة واضحة ومحددة .
لقد تقلب الأمريكان بشدة منذ تولى مرسى الحكم حتى الآن ( 13شهرا ) بين موقفين لايمكن أن يتعايشا معا فى نفس الوقت : الصبر على حكم الاخوان حتى يتغربوا ، وهذا الأمر يحتاج لأكثر من عام بالتأكيد .
وكانت هناك مؤشرات ايجابية من وجهة نظر أمريكا: إستمرار التمسك بكامب ديفيد والتطبيع مع الصهاينة من خلال الكويز ، استمرار المناورات العسكرية وكل التسهيلات العسكرية للأمريكان ، الحفاظ على الاستثمارات المجحفة فى البترول ، التفاوض مع الصندوق الدولى ، ومع أوروبا الخ وفى المقابل كانت هناك أمور مقلقة : موقف مرسى من غزة أثناء العدوان عليها خاصة ، رفض مرسى مقابلة أى مسئول اسرائيلى أو حتى استقبال مكالمة هاتفية .
وحتى إذا كان من الممكن تحويل موقف الاخوان فى أمور استراتيجية فإن هذا يحتاج لأكثر من عام . فكيف خلال هذه الفترة تعمل أمريكا مع الفريق العلمانى وتقول لهم السفيرة الأمريكية التى يسبونها الآن : احشدوا 100 ألف واثبتوا فى الميادين عدة أيام وخذوا السلطة ، فأنتم بالتأكيد أحب إلى قلوبنا من الاسلاميين . ولم يكن مجرد تصريح لسفيرة ، بل كان مكر الليل والنهار فى دبى وغيرها ، وكانت الغرف السوداء التى تحيك كل المؤمرات لإسقاط حكم مرسى .
ومن البلاهة أن تتبع دولة عظمى سياستين متعارضتين فى نفس اللحظة ، بل ورأينا أمورا مشابهة ومتزامنة فى تركيا والبرازيل .مما يعكس فقدان الصبر حتى مع النموذج التركى . ولايمكن أن تدار الأمور الدولية من قبل دولة عظمى بكل هذا التضارب والإرتباك بين موقفين ، تكتيكيين حقا ، ولكنهما متعارضين .
وهذا مظهر من مظاهر تدهور أداء الدولة العظمى التى لاتزال تبحث بعد أكثر من شهر : هل ماحدث فى مصر انقلاب أم لا ؟! طبعا هى تعرف ككل أطفال العالم أن ماحدث انقلاب ، ولكنها لاتعرف أن تتخذ موقفا ، وأصبحت مثل القطار الذى يقوده سائقان من الناحيتين ، فهو إما أن ينفجر أو يتوقف تماما .
الشرح والتحليل مطلوبان لكى نصل إلى أننا نرفض كلا الموقفين الأمريكيين : نرفض محاولة احتواء الحركة الاسلامية . ونرفض التآمر ضد الحركة الاسلامية . لماذا لانفكر فى حياة حرة ؟ هل علمتم الآن أين هو مصدر العبودية ؟ ليس مبارك وحبيب العادلى وعمر سليمان والسيسى رغم أنهم جميعا مجرمون. المصدر الأساسى للعبودية هو الطاغوت الأمريكى . ومن يقول : كيف نحيا بعيدا عن السيطرة الأمريكية ؟ أقول له : إن إيمانك ضعيف ، واعتمادك على الله قليل . ومن قال لك أن هذه هى السياسة قد خدعك . بل هذا يقدم المبرر لما فعله السيسى ومبارك بنا .هما أيضا يقولان : أين نذهب من أمريكا ؟
وأنا أقول لكم ماقاله رسول الله :
( قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا
إِلاَّ بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا