منتديات المطاريد - عرض مشاركة واحدة - الهويّة والحريّة ونحنُ
عرض مشاركة واحدة
قديم 19th April 2020, 12:12 AM المستشار الصحفى غير متواجد حالياً
  رقم المشاركة : 1
Field Marshal
 





المستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud of

new الهويّة والحريّة ونحنُ

أنا : المستشار الصحفى




أبدأ بالكشف عن أوراقي من غير تلعثم: في التعارض المقيم بين مقال الهوية ومقال الحرية أختار الحرية، وأنافحُ عنها وأعترض على من يضعها في المكان الثاني.
أفترضُ أن قضية الهوية، أي الخصوصية، واحدة من معطيات الحداثة، أو من الأطر الحديثة للاجتماع البشري وللشرعيات التي يقوم عليها، فلقد أدخلت الحداثة إلى شرعيات الاجتماع البشري، أي السياسي بالتعريف، مجموعةً من المعتقدات والأساطير (بالمعنى الاعتقادي للكلمة) أهمها، فيما يخصنا هنا، أسطورة ضرورة التطابق بين الدولة والهوية الجمعية لسكانها. وهي أسطورةٌ بمعنى أن التطابق المذكور، الذي سيطر على الفكر السياسي منذ أواسط القرن التاسع عشر وما يسمى عصر القوميات، لم يُثبت بعدُ، لإصلاحيته الفعلية بالنسبة للجماعات البشرية التي افتُرض أنه يعبّر عن مصالحها، أولاً، ولم يضمنْ لهذه الجماعات هُويّةً عصيّةً على التناقضات والصراعات والتمزّقات التي نشهدها اليوم في أكثر من مكان. ثانياً، إضافة إلى ذلك، من البيّن اليوم أن خطاب الهوية، في سيرورات العولمة المتسارعة، استنفد طاقته، وتوقّف عن أن يكون فاعلاً بناءً في التاريخ؛ صار قوة تفتيتٍ كما يتجلى في الحركات الانفصالية والأصوليات والعنصريات المختلفة.
ثم إن خطاب الهوية، بحيويته الملحوظة وبانتشاره الذي يتأكد مع الأيام، وقبل ذلك بتناقضاته التي ينطوي عليها كما سنرى، يبدو اليوم كما لو كان يُجسّد خصوصيات الجماعات وروحَ مطالبها في الحياة ومن السياسة. ألم تكشف حرب "الكمّامات" و"اللقاحات" عن أسوأ ما في هذا الخطاب من عنصرية وكراهية باسم أفضلية "جماعتنا" وحاجاتها الحيوية؟ ثمّ أليس خطاب الهوية هو الذي يدفع اليوم مشروع الحرية ويدحرجه إلى الغد؟ ألا يبدو هذا الخطاب اليوم كما لو كان يجدّد، بإغوائه وتسلطه وغلبته، ما كان جيلي، على سبيل المثال، فعله بخصوص أوليّة العدل الاجتماعي على الحرية، فخسر الحرية والكرامة والعدل، ولم ينجز غير دولة الاستبداد؟
والواقع أن جيلي، كله أو جلّه، لم يولِ قضية الحرية الأهمية التي تستحقها؛ وضعها في خانة المؤجّلات ودحرجها إلى "ما بعد"؛ ونصّب الهوية وقضاياها في المكان الأول، غير أنه كما هو بيّن لم ينجز لا تحرّراً للجماعة من التبعية، ومن تلاعبات القوى الكبرى في قضايانا، ولم يضمن لا نهضة ولا حرية ولا كرامة، كما هو حالنا اليوم.
يتطلب الأمر التوضيح. لا تتأتى سلطة خطاب الهوية، أي إغواؤه وسيطرته القوية على العقول البشرية، من تبسيطيته القصوى وبنيته المثنوية فقط، بل من كونه يزرق مفهوم الهوية بفكرة الحرية، ويقوم بالتوحيد بينهما على قاعدة الاقتران السببي. والحقيقة أن استراتيجية الهوية لا تغدو ممكنة، إن لم تقترن بالضرورة بمفهومات مستمدة من العقائد الأخرى كحق تقرير المصير والعدالة والتحرّر وغير ذلك. وفي هذا الاقتران تكمن، في المقابل، المفارقة المركزية والتناقضُ الكبير الذي يستوطن مقال الهوية: حيويته وجاذبيته التعبوية الملحوظة، من جهة، وطاقته التفتيتية البينة، من جهة مقابلة.
ليس خطاب الهوية، إذن، الخطاب البسيط، حتى لو بدا، في الوهلة الأولى، كما لو كان كذلك. فما يقترحه على الجماعة البشرية التي يتوجه إليها هو في أساسه إقامة تطابقٍ يفترض وجوبَه بين هوية الجماعة "الطبيعية" وهويتها السياسية. أما القاعدة التي تجعل من هذا الافتراض يبدو منطقياً ومقبولاً فهي فكرة الحرية التي يدمجها فيه، من ناحية، وتصورٌ ماهويٌ للطبيعة يستبعد التبدل والحركة والتغير، من ناحية ثانية.
****
من البيّن أننا لا نتحدّث هنا سوى عن الهوية السياسية، وليس عما سواها من الهوّيات التي تستوطن كلّ كائن اجتماعي على الإطلاق. وفي هذا السياق، من البيّن كذلك أن سيرورات الحداثة وصلت، في مستواها الراهن، إلى النقطة التي بلغ فيها التفتيت الاجتماعي درجةً من الاستفحال، يدفع الأفراد إلى البحث عن تضامنات وهويات جديدة موازية أو مواكبة للهويات السياسية العليا، وربما في حالاتٍ وشروطٍ معينة، منافسة ومهدّدة لها. هكذا يمكن أن نفهم انتشار "الطوائف" الدينية في المجتمعات الأوروبية اليوم، وانفجار المشكلات على قاعدة المطالب الانفصالية في عدد منها؛ أو معاداة الأجانب، والإسلاموفوبيا، في دول الغرب، والتعصّب الطائفي ومعاداة اللاجئين في بلادنا. هناك ما يرجّحُ الاحتمال الذي يقول إن الأطر السياسية للحداثة غدت من حيث هي كذلك أطراً معيقة للاتجاه العام الذي تدفع إليه السيرورات الاجتماعية الراهنة، وأنها مرشحة اليوم لمواجهة أزمة عميقة ستصيبها في الصميم.
****
واحدةٌ من مفارقات مقال الهوية أنه في أُسّه معولم، عابر للقارات، يعزّزه جيش كامل من الحركات والنظم السياسية في الهند والبرازيل وأميركا وروسيا وغيرها، وفي الوقت نفسه، مناوئ للعولمة. يُعلي من شأن الهوّية والخصوصية، ويقدّم تصوراً للعالم متمحوراً حول سيادة كينوناتٍ قوميةٍ متساكنة في أفضل الحالات ومتنافسة متنافرة في مألوفها. ولو دققنا في الأمر، لما تعذّر علينا اكتشاف أن العالم الذي يرومون ليس غير عالم ما قبل العولمة، أي ما بعد الحرب الثانية: عالم هيمنة الكبار وتلاعباتهم، وتسلطهم. ولكن كورونا بيّنت أن عولمتنا شاملة كمثل الجائحة، وأنه لا رجعة عنها إلا في الرغبات.
تتقاسمُ إنسانَ العصرِ الحديث نزعتان متعارضتان، تلعبان دوراً مركزياً في قضية الهُوِّية اليوم، هما، أولاً، الرغبةُ القوية في التماثل القيمي والاندماج الاجتماعي من حيث هما طريقه إلى الحصول على المكانة الاجتماعية والاعتراف. وتتمثّل ثانيتهما في ميله العميق إلى التمايز وتأكيد الاختلاف (والتفوّق)، من حيث هما طريقه إلى الحرية، وإلى امتلاء الكائن الإنساني الذي يقطن فيه، وإلى تجاوز شرط الاستلاب والرتابة والغفل في آن. الأمر الذي يشرح ظواهر اجتماعية كثيرة نلحظها في المجتمعات الحديثة، وتتصّل بمشكلة الهوية، حفلات "كبار" النجوم الغنائية، وغير ذلك.
بيد أن الوجه الآخر للصورة يتمثل في التعبير السياسي لهذه الرغبة في الانتماء، فميلنا إلى التماثل والاندماج هو الذي يقف في أُسّ مختلف الظواهر التي تترافق مع الظاهرات المرتبطة بالانتماء: التعصّب، التعاضد، التأكيد على الفوارق بين الـ"نحن" والـ"هم"؛ .. إلخ. لا غرابة، إذن، إن كان خطابُ الهُوّية (الذي لا يستقيم من غير آخر، أو هوية أخرى "نقيضة") يولِّدُ وحداته وبالضرورة، كما تقدّم، إغواءَه. والسجالُ هنا، كما في كل حيّز آخر، ليس حول "التناقضات" التي تتلبّسُ خطابَ الآخر، مهما كانت هذه التناقضات فاحشة، بل خطابُ أصولٍ تواجهُ أصولاً، وجوهرٍ يواجه نقيضه المطلق، أو نفيه. هكذا يمكن القول إن الإغواء الكامن في مقال الهوية هو الذي يحوّلُ قضيةَ الهوية إلى واحدةٍ من كبريات قضايا الاجتماع السياسي، ومعضلاته اليوم، فالأساطير والأوهام التي ينشرها مقال الهوية بخصوص الثنائيات، ويفصح عنها عنصريو زمننا الحاضر، هي التي تكشف المفارقة المركزية التي تسود هذا المقال، وهي مفارقةُ تعذّر تعريف الهُوّية وحدّها والإحاطة بها من أنصارها ممن استوطنتهم العنصرية: وجودُ هويته مشروطٌ بآخرَ وجودُه مشروطٌ بنفيه وباستبعاده، أي بعدمِه.
***
غير أن ما يحضُّ على التأمل، ويفتح ربما آفاقاً جديدة في مآلات الفكر السياسي، ما أوضحته جائحةُ كورونا بخصوص محدوديات دولة الحداثة الليبرالية، وأن هذه الدولة غدت، كما أرجّح، من مصادر التوتر، ومن دوافع بحث الجماعة عن مصادر جديدة للتماهي تجدها، على الأغلب، في مواضع أخرى خارج الدولة وخارج الهوية السياسية التي تمثلها الدولة القومية، أي خارج دولة السيادة التي كانت شكلت، منذ ما عرف بعصر القوميات، أساساً للمطالب الاجتماعية في التحرّر على قاعدة الحق في تقرير المصير.







مزيد من التفاصيل

 

الموضوع الأصلي : الهويّة والحريّة ونحنُ     -||-     المصدر : منتديات المطاريد     -||-     الكاتب : المستشار الصحفى

 

 


 
رد مع اقتباس


Latest Threads By This Member
Thread Forum Last Poster Replies Views Last Post
تتويج العاصمة لندن بلقب أفضل مدينة للشركات... أخبار بريطانيا وأيرلندا المستشار الصحفى 0 1 28th April 2024 03:00 PM
الضرائب في بريطانيا: إليك استراتيجيات النجاح... أخبار بريطانيا وأيرلندا المستشار الصحفى 0 1 28th April 2024 03:00 PM
محامي عربي في لندن: الدفاع الأمثل والمهارة في... أخبار بريطانيا وأيرلندا المستشار الصحفى 0 1 28th April 2024 03:00 PM
PFLP says it will target British forces if they... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th April 2024 03:00 PM
US working to prevent ICC arrest warrant for... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th April 2024 03:00 PM