في أزمة جديدة تطال حرية الصحافة المصرية، أعلن موقع "التحرير"الإخباري المؤيد للنظام العسكري الحاكم عن توقفه عن العمل بعد حجب السلطات له منذ شهرين،على خلفية تغطيته غير المرضية للنظام لإجراءات الاستفتاء على "التعديلات الدستورية"الأخيرة.
"التحرير"،ينضم لسلسلة مواقع "البداية"، و"البديل"، و"كاتب"، و"بوابةيناير"، و"الخميس"، التي تم إغلاقها لأسباب مختلفة، والتي تم حجبهامثل "المصريون"، و"نافذة مصر"، و"مصر العربية"، و"البورصة"،وغيرها مئات المواقع المصرية والتي تعمل من الخارج.
وأعلنت مؤسسة "التحرير" الإخبارية، -تأسست في تموز/ يوليو2011- الأحد، عن توقفها بعدما أسمته "تنصل العديد من أجهزة الحكم من جريمة حجبموقع الجريدة في 9 أيار/ مايو 2019"، وعدم توضيح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلامونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الاتصالات ووزير الاتصالات وكذلك الجهات السيادية سبب الحجب.
الأزمة انتقلت من شارع الصحافة لمجلس النواب، حيث تقدم النائب هيثم الحريري ببيان لرئيس مجلس النواب بشأن استمرار حجب عدد من المواقع الصحفية بينها "التحرير"، دون سند من القانون.
ذلك الموقف يأتي استمرارا لمعاناة صاحبة الجلالة بمصر، ومواصلة لسياسةالحجب والقيود على العمل الصحفي، وحبس وفصل الصحفيين، وبعد منع مقالات للصحفي عبداللهالسناوي، وعبدالعظيم حماد، ومصادرة صحيفة "الأهالي".
"لهذه الأسباب"
ويرى الناشط والمحلل السياسي، حسن حسين، أن "أزمة "التحرير"ضمن أزمة عامة أكبر، وهى فرض الحصار على الحريات العامة، المنصوص عليها في الوثيقة العالميةلحقوق الإنسان، والوارد ذكرها بالدستور".
الكاتب الصحفي أعلن عن أسفه لـ"عربي21"، أن "أغلب الذينيتعرضون لمثل هذه الأزمات والقمع هم أحد أسباب الأزمة العامة، فمنهم من دعم النظاموسياساته، ومنهم من شاركه قمع الفصائل السياسية الأخرى، ومنهم من تجاهل ذلك كله، وتغافلعن الأساليب القمعية للدولة، وظن أنه بمنأى عنها".
وأرجع الأزمة "لغياب الرؤية السياسية الموضوعية للجميع، وأنهم يغضونالنظر عن طبيعة الدولة الاستبدادية، التي لا تقبل مجرد القبول برفض بعض سياساتها، أوعدم الموافقة على بعض مواقفها، حتى لو كانت تلك السياسات والقرارات والمواقف هامشيةوفرعية وغير هامة".
وبين المعارض السياسي أنه "ونظرا لأن بعض القوى والأفراد تعتقد أنهاأذكى من النظام المستبد، فإنها تترك لنفسها مساحة مستقلة هامشية تلعب فيها دور المعارضة،وبرغم أن ذلك يصب بمصلحة النظام، إلا أنه يرفض أن يستقل عنه أحدا، ولا يقبل بالمساحاتالهامشية، ولا المعارضات الشكلية العفوية".
وتابع حسين: "وهكذا يطيح (النظام) بمن يعتقد البعض أنهم أقرب إليهمن حبل الوريد".
وعن دور النقابة، أكد أن "النقابات المهنية أصبحت مجرد أدوات بيدالنظام، ولا تعبر عن أعضائها، وأغلب مواقفها المعارضة زائفة، ومع ذلك يعاقبها النظاملو حاولت الخروج عن الحدود المرسومة لها".
"موقف النقابة"
وفي تعليقه، أكد عضو مجلس نقابة الصحفيين، عمرو بدر، لـ"عربي21"،أنهم "لن يتخلوا عن الموقع وعن الصحفيين في هذه الأزمة، وأنهم بصدد اتخاذ بعضالإجراءات تضامنا ودعما لهم إزاء قرار الحجب الذي وصفه بـ"غير المبرر".
بدر، أرسل نص بيان مجلس نقابة الصحفيين الصادر الاثنين، لـ"عربي21"، الذي أكد فيه رفض انتهاك الدستور الذي يحظر فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام ومصادرتهاووقفها وإغلاقها.
وقال المجلس إنه سيخاطب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لتفسير سبب حجب الموقع،وإنه سيدعم بقاء واستمرار "التحرير"، وضمان الحقوق القانونية للصحفيين، مؤكداأن "الإغلاق وتشريد الصحفيين خط أحمر لن تسمح به النقابة".
"عربي21"، تواصلت مع رئيس مجلس إدارة "التحرير" الإخباري،رئيس حزب المحافظين، أكرم قرطام، كما تواصلت مع رئيس قسم الأخبار بالصحيفة، يوسف شعبان،ومع عضو مجلس إدارة التحرير، إسلام أكمل، إلا أنهم فضلوا عدم التعليق في الوقت الحالي.
"استبداد نهايته معروفة"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي بموقع التحرير، الدكتور زكي سليم: "يؤلمنيإغلاق موقع التحرير، فقد شهد مقالي اليومي لسنوات، كما أشرفت على صفحة (تجارب إنسانية)كل جمعة لمدة عام ونصف، وجمعتها بكتاب".
سليم أوضح لـ"عربي21"، أن "الصحيفة ببداياتها كانت صوتثورة يناير، وكنا نكتب بمنتهى الحرية، وبعد انقضاء زمن الثورة، تم منع الكتاب الأحرارواحدا وراء الآخر، ومن ثم منعت من كتابة مقالي اليومي، وكتابة صفحة يوم الجمعة".
عضو اتحاد كتاب مصر أكد أن "النظام الحالي لا يحتمل أي نوع من النقد،ولا يعرف معنى الحرية، ويظن أن ثورة يناير قامت لأن مبارك سمح بسنواته الأخيرة بهامشمنها، ومن ثم يصر النظام العسكري على غلق كل طاقة نور مهما كانت ضئيلة".
ويعتقد الكاتب المصري أن "هذا الاستبداد السياسي نهايته معروفةلكل من قرأ تاريخ الديكتاتوريات، خصوصا في زمننا المعاصر، حيث قضت وسائل التواصل الحديثةعلى قدرة الحكومات في تضليل الشعوب".
الكاتب الصحفي أنور الهواري، أحد الصحفيين السابقين بالتحرير، دعا عبرصفحته بـ"فيسبوك" "كل ذي سلطة في أجهزة الدولة؛ أن ينظروا بعين العدلوالإنصاف لهؤلاء الزملاء، لكي تبقى الصحافة الحرة على قيد الحياة".
وأكد الصحفي السابق بموقع "التحرير"، أحمد بكر، أن غلق التحريروالممارسات الصبيانية من مجهولي الهوية هي لمعاقبة المؤسسة على موقفها الأخير من تغطية"التعديلات الدستورية".
مزيد من التفاصيل