قالت وزارة الخارجية الإيرانية، إنّ اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اليوم الأربعاء، يمثل "فرصة لنا للكشف عن الخروقات الأميركية والأوروبية" للاتفاق النووي، مرحبة بـ"الجهود الفرنسية لإنقاذ الاتفاق"، وذلك بالتزامن مع زيارة كبير المستشارين الدبلوماسيين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طهران، لإجراء محادثات بهدف إنهاء الأزمة.
زيارة بون
ويزور إيمانويل بون، كبير مستشاري ماكرون الدبلوماسيين، إيران للقاء مسؤولين إيرانيين، مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن.
ومن المقرر أن يعقد بون، صباح اليوم، في طهران مباحثات مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، على أن يلتقي بعد الظهر بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في حوار مع وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، نشرته صباح الأربعاء، أن "مهمة بون في زيارته لطهران تقتصر على عنوانين مهمين، هما السعي لإنقاذ الاتفاق النووي، وخفض التوتر بين طهران وواشنطن".
والعنوانان متداخلان، إذ من دون تحقيق الأول لا يمكن تحقيق الثاني، كما أن إنقاذ الاتفاق النووي أيضا يمر، بحسب الرؤية الإيرانية، من بوابة تنفيذ مطالب طهران في المجالين النفطي والمصرفي، لتتراجع هي أيضا عن سياسة تقليص تعهداتها النووية، وهي مطالب تؤكد السلطات الإيرانية أن أوروبا "لم تتخذ أي خطوة جادة" خلال مهلة الستين يوما الماضية لتنفيذها، ما دفعها إلى تنفيذ المرحلة الثانية من تقليص التعهدات النووية.
وأعلن موسوي ترحيب بلاده بالجهود الفرنسية لـ"خفض التوتر" مع واشنطن و"إنقاذ الاتفاق النووي"، قائلا إن "فرنسا شريكة في الاتفاق، وجهودها تأتي في إطاره، وذلك من واجباتها للحفاظ عليه".
لكنه أكد أن بلاده "لم تلمس مؤشرات خاصة تظهر أن أوروبا بدأت بتنفيذ تعهداتها" بموجب الاتفاق النووي، لافتا إلى أن طهران تواصل سياسة تقليص تعهداتها "حفاظا على حقوقها" من دون أن تغلق أبواب الدبلوماسية.
وأشار المتحدث الإيراني في الوقت ذاته إلى أن "الساعي إلى خفض التوترات عليه أن يكون منصفا ويعالج جذورها"، التي تعتبر طهران أنها تعود إلى الحرب الاقتصادية التي تشنها الإدارة الأميركية عليها بعد انسحابها من الاتفاق النووي، رابطة الأمن والاستقرار الإقليميين بإنهاء هذه الحرب.
وفي السياق، شدد المسؤول الإيراني على أن "الذي يطالبنا بإنهاء التوترات، ينبغي أن يراجع مصدرها، أي الأميركيين"، معتبرا أن "خفض التوتر وإنقاذ الاتفاق النووي كإنجاز للدبلوماسية متعددة الأطراف يعود بالنفع لإيران والسلام والاستقرار في العالم والمنطقة".
ونفى أن يكون هدف زيارة بون إلى طهران الوساطة بينها وبين واشنطن، لكنه أكد أنها "تأتي في سياق تخفيض التوترات" بينهما.
وحول إن كان الحراك الفرنسي يتم بالتنسيق سلفا مع الإدارة الأميركية أو برسالة من جانبها إلى إيران، أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن "هذه القضايا تعود إليهم، ونحن ليس لدينا ما نخفيه"، مضيفا أن "مطلبنا هو تنفيذ اتفاق انتهكوه أو لا ينفذونه".
وجدد المتحدث ذاته التأكيد على موقف إيران بأنه "غير مطروح أي تفاوض جديد" على الاتفاق النووي، قائلا إن "المباحثات هي حول تطبيق الاتفاق وتنفيذ الدول الأوروبية الثلاث والصين وروسيا تعهداتها تجاهه".
وعلّق موسوي على أنباء عن جهود فرنسية لإعادة واشنطن إلى طاولة التفاوض واحتمالات تغيير الموقف الأميركي من الاتفاق النووي، بالقول "إننا نرحب بالجهود الفرنسية في هذه القضايا، لأن الفرنسيين هم شركاء في الاتفاق النووي، ومن واجباتهم العمل لإنقاذه".
وحول ما إن كان الرئيس الفرنسي اقترح على نظيره الإيراني حسن روحاني، خلال الاتصال الهاتفي بينهما السبت، عودة واشنطن إلى مجموعة 5+1 واللجنة المشتركة للاتفاق النووي، قال موسوي إن "هذا ما طرحته وسائل الإعلام والجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تتلق بعد مقترحا بشكل رسمي".
وزيارة بون الجديدة إلى طهران تأتي بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الفرنسي، ليل السبت الماضي، عشية انتهاء مهلة الـ60 يوماً، بنظيره الإيراني، ووصفه مساعد الشؤون السياسية للخارجية الإيرانية عباس عراقجي، حين الإعلان عن تنفذ المرحلة الثانية من تقليص بلاده تعهداتها النووية، الأحد الماضي، بأنه "كان بنّاء"، وأنّ الرئيسين أجريا "مباحثات جيدة".
وتأتي زيارة مستشار ماكرون على وقع بدء إيران تنفيذ المرحلة الثانية من تقليص تعهداتها النووية، اعتباراً من الأحد الماضي، والتي بموجبها تخطت عتبة الـ3.67 في تخصيب اليورانيوم، وهو الحد المسموح به في الاتفاق النووي، لتعلن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، الإثنين، أنّ إيران بالفعل تجاوزت العتبة لتوصل النسبة إلى 4.5%.
وبعد تدشين المرحلة الجديدة، أطلقت إيران تهديدات "لافتة"، من خلال الحديث أن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 20%، وكذلك الانسحاب من الاتفاق النووي، قد تكون من ضمن خيارات المرحلة الثالثة من تقليص التعهدات، والتي ستبدأ، بحسب إيران، في 7 سبتمبر/ أيلول المقبل، بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً الثانية، ما لم تنفذ الأطراف الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي مطالبها المتمثلة في تسهيل بيع نفطها ومعاملاتها المصرفية مع العالم.
التجميد مقابل التجميد
وأوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنه سمع أيضا بمقترحات مثل "التجميد مقابل التجميد"، الذي تقول مصادر إعلامية إن المبعوث الفرنسي سيقترحه خلال زيارته لطهران، ويعني تجميد إيران خلال هذه المرحلة تقليص تعهداتها النووية مقابل أن توقف واشنطن عقوبات في المجال النفطي، بحيث تمنح إعفاءات لبعض مشتري النفط الإيراني.
واعتبر موسوي أن قناة "إنستكس" المالية الأوروبية "قد تكون من المواضيع التي تناقش" خلال زيارة مستشار الرئيس الفرنسي، مشيرا إلى أن بلاده "أكدت للجانب الأوروبي أن هذه القناة مقدمة لتنفيذ التعهدات الأوروبية".
وأعلنت الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أخيرا، خلال مباحثات اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في فيينا، تدشين "إنستكس" للتجارة مع إيران في "السلع الإنسانية" من دون أن تشمل السلع المحظورة أميركيا.
اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
واستبقت تصريحات موسوي، الاجتماع الطارئ للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المرتقب اليوم الأربعاء، بناءً على طلب الولايات المتحدة، لعرض ما تعتبره "انتهاكات إيران" للاتفاق النووي الذي وقّع عام 2015.
حول دعم محتمل من دول عدم الانحياز لموقف إيران خلال اجتماع الوكالة، قال إن "دول عدم الانحياز، سواء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي مجاميع أخرى، تتبع سياسة واحدة وتدافع عن الحق".
ووصف موسوي دعوة واشنطن إلى عقد هذا الاجتماع بأنها "نكتة مريرة"، لكونها انتهكت الاتفاق النووي وانسحبت منه.
وكانت الولايات المتحدة طلبت عقد الاجتماع، بعدما تجاوزت طهران الحدّ المسموح به في الاتفاق لمخزونها من اليورانيوم المخصب.
وطالبت البعثة الدبلوماسية الأميركية في فيينا بعقد هذا الاجتماع لممثلي الدول الـ35 في مجلس المحافظين، لـ"مناقشة أحدث تقرير للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، الذي أكد في وقت سابق أنّ إنتاج إيران تجاوز 300 كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب.
وشددت البعثة على "ضرورة أن يقدم المدير العام عرضاً شاملاً وواقعياً للأنشطة الإيرانية، وكل التغييرات التي تطرأ عليها".
والوكالة الدولية للطاقة الذرية مسؤولة عن التحقق من وفاء طهران بالالتزامات، التي أعلنتها حيال المجتمع الدولي في تموز/ يوليو 2015 في فيينا، عبر اتفاق يضمن الطبيعة السلمية لأنشطتها النووية.
ورداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مايو/ أيار 2018، انسحاب بلاده من جانب واحد من هذا الاتفاق، وإعادة فرض العقوبات على إيران، أعلنت طهران أنّها تعتزم الانسحاب تدريجياً من التزاماتها إذا كانت الدول الأخرى التي وقّعت الاتفاق (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا) لا تساعدها في تجنب العقوبات والخروج من عزلتها الاقتصادية.
مزيد من التفاصيل