أسباب ثورة 23 يوليو سنة 1952
جاء البيان الأول لثورة 23 يوليو سنة 1952 محدود الأهداف، موجزًا في عبارته، ومن ثم فهو لا يلقي الضوء على الأسباب الرئيسية للثورة، وقد يكون الغرض من صدوره بهذا الإيجاز وضع خطة تشبه الخطط الحربية في كتمان خطواتها وأهدافها، وهذا الكتمان من أخص ما تمتاز به المعارك الحربية الناجحة.
استيقظ المواطنون في صبيحة يوم الأربعاء 23 يوليه سنة 1952، فوجدوا أن الثورة قد قامت، وأن قوات الجيش تحتل بعض مرافق القاهرة وشوارعها، واستمعوا في الساعة السابعة والنصف إلى محطة الإذاعة تذيع البيان الأول للثورة بلسان اللواء (محمد نجيب) إلى الشعب المصري، يقول فيه عن أسباب الثورة :
"اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد، حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم، ولابد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب، أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب وإني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردًا من أي غاية، وأنتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ إلى أعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس من صالح مصر، وإن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونًا مع البوليس، وإني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولاً عنهم، والله ولي التوفيق".
وفي اليوم التالي (24 يوليه سنة 1952) أذاع اللواء محمد نجيب البيان التالي عن أسباب الثورة وأغراضها، قال فيه :
"إخواني أبناء وادي النيل – لشدّ ما يسرني أن أتحدث إليكم مع ما أحتمله في هذه اللحظات من مسئوليات جسام لا تخفى عليكم، فقد حرصت على أن أحدثكم بنفسي لأقضي على ما ينشره خصومكم وخصوم الوطن من شائعات مغرضة حقيرة، لقد أعلنا من البداية أغراض حركتنا التي باركتموها من أول لحظة، ذلك لأنكم لم تجدوا فيها ظلمًا لشخص، ولا كسبًا لفرد، بل إننا ننشد الإصلاح والتطهير في الجيش وفي جميع مرافق البلاد، ورفع لواء الدستور، إن حركتنا قد نجحت لأنها باسمكم ومن أجلكم وبهديكم، وما يملأ قلوبنا من إيمان إنما هو مستمد من قلوبكم، بني وطني – إن كل شيء يسير على ما يرام، وقد أعددنا لكل شيء عدته، فاطمئنوا إلى نجاح حركتنا المباركة، واتجهوا بقلوبكم إلى الله العلي القدير، وسيرو خلفنا إلى الأمام، والله نسأل أن يسدد خطانا وأن يطهر نفوسنا وأن يعيننا على أن نسموا بوطننا إلى المكانة التي ننشدونها له، وأنتهز هذه الفرصة لأؤكد لكم أنكل شيء يسير على ما يرام، والسلام عليكم ورحمة الله".
وفي الإنذار الذي وجهه اللواء محمد نجيب إلى فاروق يوم 26 يوليه بالتنازل عن العرش موجز لأسباب ثورة الجيش، قال :
"إنه نظر لما لاقته البلاد في العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب، حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته، ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم في هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون في ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير، ولقد تجلت آية ذلك في حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة، وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر، مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة في العدالة، وساعد الخونة على ترسم هذه الخطى، فأثرى من أثرى، وفجر من فجر، وكيف لا والناس على دين ملوكهم، لذلك فوضني الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب إلى جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولي عهدكم الأمير أحمد فؤاد، على أن يتم ذلك في موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم (السبت الموافق 26 يوليه سنة 1952 والرابع من ذي القعدة سنة 1371) ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج ".
فهذه البيانات لا تطالعنا إلا بالأسباب الظاهرية أو الجزئية للثورة، وخلاصتها أن قادة الثورة، وكلهم من ضباط الجيش الأحرار، قد ثاروا على فساد نظام الجيش ذلك الفساد الذي كان من أسباب الهزيمة في حرب فلسطين، وأنهم اعتزموا تطهير الجيش من عوامل الفساد والرشوة والخيانة، ثم متابعة التطهير في جميع مرافق البلاد، ورفع لواء الدستور من أسباب الفساد الذي سيطر على أداة الحكم وأدى إلى الفوضى الشاملة التي عمت جميع المرافق وأساءت إلى سمعة مصر، فاعتزموا خلعه وخلعوه.
فالثورة بحبس ما يبدو من هذه البيانات كانت ثورة على الفساد، وثورة على فاروق الذي أشاع هذا الفساد في محيط الجيش وفي أداة الحكم عامة.
ويقيننا أن هذه العوامل هي بعض أسباب الثورة لا كلها، وأن أسباب الثورة أعم وأعمق من هذه العوامل، ويمكننا وقد انقضى نحو خمسة أعوام على قيام الثورة، أن نتبين حقيقة الأسباب التي دعت إليها، فهي ثورة عامة، وأسبابها أيضاً عامة، ولئن كان القائمون بها من ضباط الجيش. فإنهم في أسباب الثورة كانوا يعتبرون عن أحاسيس الشعب واتجاهاته. ويترسمون خطواته في تحديد أهدافه. ولا تختلف هذه الثورة عن الحركات الشعبية التي سبقتها، إلا في أنهم جعلوا قوة الجيش أداة العمل والتنفيذ. وقد كانت هذه القوة فعلا هي السبيل لنجاح الثورة. ولولاها لانتهت بالنكسة والإخفاق.
فلنتحدث إذن عن الأسباب العامة لثورة 23 يوليو سنة 1952. وهي أسباب عدة. منها أسباب سياسية، وأخرى اقتصادية، وثالثة اجتماعية، سنتكلم عنها بهذا الترتيب الذي اتبعناه في أسباب الثورة العرابية، وثورة سنة 1919.
بقلم/ عبد الرحمن الرافعي
"منقول من وكيبيديا الأخوان عن معارك القناة"
......................"
د. يحي ألشاعر
راجع
https://www.almatareed.org/vb/showth...=1#post3329420