هو مش المفروض لو العلم تعارض مع الدين نبقى مع العلم لأن العلم دقيق وحقائق لكن الدين آراء وغيبيات .... ولا ايه ولا انا مش فاهم
هو تقريبا انت مش فاهم :)
أولا: العلم ليس كله حقائق ولا كله دقيق، ولو كنت خريج كلية علمية أو لك اتصال بالمجال العلمي لعرفت أنه حافل بالفروض والنظريات التي تحاول فهم المجهولات والغوامض، وكلما اكتشفت نظريات جديدة كلما طرحت تفسيرات جديدة لهذه المجاهيل، وهذا كله في أمور يمكن فحصها ودراستها.. أما عالم الغيب وما وراء الطبيعة (كما يسمونها) فأمر ليس للعلم إليه سبيل.
ثم إن في العلم ما يُسمى "نتائج معملية" أي أن المعامل أعطت لنا نتيجة معينة لا نملك عليها دليلا ولا برهانا ولا حتى نستطيع إثباتها رياضيا، والعلم حافل بالتقريب والتوقع وتجاهل بعض العوامل لمحاولة الوصول إلى نتيجة ممكنة.. وهذا -كما أكرر- في أمور مادية كلها تحت الفحص، وهناك من الأمور ما لا يخضع للفحص بنفس الدرجة كالظواهر الطبيعية وبعض ظواهر الأحياء، وما يزال باب الأسرار أكبر.
ثانيا: والدين ليس كله آراء وغيبيات، بل الدين حقيقة إنسانية ونفسية واجتماعية وله آثاره الواضحة في حياة البشر، حتى إن واحدا من أبرز مؤرخي وفلاسفة الحضارات مثل كريستوفر داوسون يجزم بأن "الحضارات الكبرى تأسست على الأديان الكبرى"، ومشهور جدا القول المنسوب إلى بلوتارخ حول المدن التي وجدت بلا أسوار ولا قصور لكن لم توجد مدن بلا معابد.. بل ولا ينكر جماعة من الماديين أن حياة الناس مع الدين هي أفضل من حياتهم بلا دين، وأن من مصلحة الناس أن يسود بينهم الاعتقاد بدين وإلا فستنتهي الحياة، وقال فولتير: لو لم يكن الله موجودا فعلينا اختراعه.
فالواقع أن الدين حقيقة في نفسه وفي آثاره على حياة البشر.
أما السؤال هنا: ماذا لو تعارض الدين مع العلم؟
فهذا سؤال أفاض فيه العلماء، وخلاصة قولهم فيه وإن تعددت عباراتهم ومعانيها كالآتي:
1. حقائق العلم وحقائق الدين لا يمكن أن تتعارض بحال
2. الحقيقة في العلم أو في الدين مقدمة على الظن والرأي في العلم أو في الدين
3. الرأي في الدين مقدم على الرأي في العلم
ولا نعرف حتى الآن حقيقة علمية صريحة صحيحة صادمت نصا صحيحا صريحا.
أصل المشكلة بوضوح أننا نعيش في حضارة قامت على التصادم مع الدين، ونشأ عنها تيار مادي يريد إثبات عدم وجود الخالق، هذا توجه مبدئي فلسفي وانحياز حضاري طُلب إلى العلم أن يثبته، والعلم أداة فلسفية في النهاية وليس حقائق صلبة متعالية على التوجه والانحياز الفلسفي والحضاري.
ولهذا احتفت الحضارة الغربية بأبحاث داروين احتفاءا عظيما لأنه يقربها من إثبات وجود الخلق دون خالق، بينما لم تعط نفس هذا الاحتفاء لمندل وقد كان في ذات الزمن، ذلك أن أبحاث مندل كانت تقول بإمكانية تحسين السلالات دون تطويرها إلى أنواع أخرى من الكائنات.
وأهون ما يُقال في الداروينية أنها نظرية تعاني من فجوات، وقد ملئت هذه الفجوات بتوقعات وفروض، ولم تكن نظرية مبنية على برهان رياضي يُمكن وصفه بالحقائق ولا اختباره في المعامل.. وسائر ما في نظريات نشأة الكون والإنسان مساحة الفروض فيها أوسع بكثير من مساحة الحقائق المثبتة بالبراهين العلمية، ولم يكن ليوجد لها كل هذا الرواج لو لم تولد في سياق حضارة مادية تريد إزالة الدين من الحياة.
محمد الهامي