أنـــا والقاعـــدة .... !!!!...... لــــقــاء فى الـــخـــفـــاء .....
لم تكن الأستجابة سهلة الى طلب تدوين سطورى عن القاعدة ، بعد أن إنقطعت صلاتى بهأ ...
فقد كانت آخر مواجهة لى معها منذ سنوات ... إمتلئت بالشعور الفياض ... وذكريات أيام القتال والكفاح
لم تكن الفكرة جديدة ... ولكنها إمتلأت بالعديد من التحضيرات والأستعدادات ، حتى اصل الى مكان اللقاء الموعود ...
فالعالم كله يعلم ... ما هى "القاعدة ...غير أن مواجهتها ومعى ما أحمل ، لم يكن سهلا ...
إنغمست أفكارى للحظات قصيرة فى شعور بالنصر ... وبدا لى أن أبواب العالم قد فتحت "لفترة قصيرة" كى تستقبلنى شامخة.
فرغم بعدها عن مجريات الحوادث ، ما زال الليل ينطوى عليها بعبائة المليئ بأسرارها وعندما تشرق عليه الشمس الصباح ، بعد تعديها لجبال الضباب ...
نجد أن القاعدة لم يؤثر على صمودها فى مكانها أى شيىء ، سواء الطائرات القاتلة أو المدافع الثقيلة أو الغواصات بصواريخها وحاملات الطائرات ومعداتها ...
لم يؤثر على القاعدة ، طائرات العدو وقنابلهم وصواريخهم فى حرب إستمرت مدة طويلة .. ولم تخضع القاعدة للجنسيات التى شاهدتها .. أمريكان ... بريطانيين ، فرنسيين ، ألمان ..جميع جنسيات العالم .حتى "الأمم المتحدة" وما كانت تحمل سفنهم العسكرية وحاملات طائراتهم من قنابل الموت وبضائعوالدمار أو الدول العربية ، وما كانت مخازنها تخبىء من مفاجاءات ...
القاعدة .. شامخة .. متحدية ، كل من يقرب مها أو يتعداها وما زال يحتويها ضباب السرية ...
كانت الرحلة فى الطريق اليها .. قاسية .. "الصباح الباكر" .. للحاق بالطائرة التى ستنقلنى الى أقرب مطار اليها ، فقد أغلق المطار الذى ينزلنى بالقرب منها .. بضعة كيلومترات فقط ...
كانت رحلتى بالسيارة ، الى مطار الأقلاع ، تتعدى 100 كيلومترا .. .. الطريق مظلم .. والشمس ما زالت نائمة
الأوضاع متوترة ، يكفى أن يكون شكلك شرقيا ، أو إسمك مسلما ، أو وجهة رحلتك "الشرق الأوسط" حتى تخضع لتفتيش تعسفى دقيق .. حقائبك ، ملابسك ، بل أحيانا لا بد أن تخلع حذائك
موظف الجوازات ... خلف الزجاج ... ، أخذ الجواز ، وحاولت نظراته إختراق أفكارك .. وكأنه يريد معرفة الغائب ... "هل كان يظن ، أن أفكارى ستبيح له أسرارها ... أو أنه سيستنتج أننى فى طريقى للقاعدة ..؟؟؟
.... أبدا .. لقد أخطأ ...
وضع الجواز على جهاز الكترونى ، صور صفحات هامة منه ... " للمستقبل" ... ولكن هيهات ... إن القاعدة تنتظرنى .. وأنا متلهف للقائها ...
عبرت الحاجز الأول ، ليواجهنى موظف .. طلب منى فتح حقيبتى .. " ...تسارعت أفكارى .. ... لقد قضيت نصف ليل البارحة فى تصنيف ما أحمله وترصيصه بشكل معين داخل شنطة السفر ...، وراعيت عدم تعرض بعض محتوياتها للأشعة ، أو السونار، فقد كان يعنى ذلك نهايتى ... !!! ، ونهاية مجهود فكرى وجسدى وفكرى كبير اتغرقته قبل هذا اللقاء ...
كنت قد خبأت بعض المحتويات لكى تساعدنى فى تسجيل لحظة اللقاء مع القاعدة ... وكنت أتمنى أن أتمكن من ذلك فى كل هدوء ، دون أى مضايقة من البيئة المحيطة ... !!!
لم يكتشف الموظف ما خبأته ... وتركنى أعبر ...... الى صالة السفر ...
إقتربت أمتار من هدفى ... البعيد آلاف الكيلومترات .. ولكنهم ، أهم من بضعة ألاف .. حبث أن هذا يعنى ... "أنت فى الطريق ... للقاء ، سيسجله التاريخ يوما ما ...
وسمعت صوت دعوة الركاب لصعود الطائرة ... فبدأت دقات قلبى تسرع. وكأننى فى لقاء مع حبيبة عمرى ...
استجبت للنداء وتحركت مع بقية المسافرين فى طريقى الى البوابة ...وانقضت دقائق إنتظار ، وأنا أحمل فى قلبى "سر كبير" وفى يدى حقيبة السفر وما فيها لتسجيل هذه الحظة ...
ما كدت أتعدى حدود بوابة الصالة ، حتى دخلت جوف الطائرة ليحتوينى مع أفكارى ... وكان الليل لا يزال يطغوا على المنطقة ..
وأخيرا أقلعت الطائرة ... بعد الفجر ...
فأغلقت عيونى .. سائحا مع أفكارى ، لأفيق بعد فقرات "أو هكذا بدى الوقت لى" ، على لمسة رقيقة ، بالأستعداد للنزول ... نظرت من شباك الطائرة ، لأرى الصحراء من حولنا ، وأحسست بشعاع الشمس .. الذى تعدى حدود الدفىء ..
بدأت دقات قلبى تتسارع وتعلو لتصم آذانى ... !!!!
بعد ساعات ... "أنا والقاعدة " وأزداد إشتياقى .. وهجسى ..فلم يعد أمامى إمكانية التراجع ...وشعرت بالحيرة ..
كيف سيكون اللقاء ... ماذا ينتظرنى من مفاجأة ... ؟؟؟
لست أدرى ...!!!!!
ابتلعتنى فى داخلها سيارة التى كانت تنتظرنى ،وانطلقت تلتهب الشوارع بسرعة رهيبةمتوجهة الىطربق الصحراء لتحتوينى.ضبابها العالية على جانبى الطريق ... وتساءلت .. ماذا ينتظرنى ... ثم تركت لأفكالرى العنان .. فى محاولة لقضاء الوقت ..
.أنقضى حوالى ساعة ونصف ... لتوقفنا نقطة تفتيش ....... ، أطل جندى صارم النظرات الى داخل لسيارة .. وأخترقت نظراته زجاجها وتفحصت عيونه كل من فيها ... ثم أبتسم .. "وأشار بمواصلة الرحلة" ..
...
........
...
ماذا كان سيقول ، أذا علم بأننى فى طريقى الى لقاء مع القاعدة ...؟؟؟؟
لست أدرى .. هل كان سيسالنى .. لماذا ... ؟؟؟
هل كان سيتعجب .. كيف ، أخذت أعباء هذه المسافة الطويلة .. ورحلة الليل الطويلة والطيران رغم "العاصفة الرملية" ...؟؟؟ وكبف أننى لم أبال بخطورة الضباب ، وغموض الصحراء ...؟؟؟
كل ذلك من أجل لقاء مع القاعدة فى النهاية..
ياليته يفهم ... مـا هو معنى القاعدة .. وقيمتها فى هذه الأيام ...
لقد كانت رمزا ينظر اليه الجميع فى إرتفاعها ... والآن ... أصبحت .كتلة ... رمام ... لا معنى له ... قضى على قمتها .. وأصبحت بدون معنى ..دون من كان يمثلها .. فمضى وقتها ، رغم المحاولات العديدة ، لأعطائها نسمة هواء ، قد ترجع لها بريقها الماضى ...
..... إنتهت القاعدة للأبد ، ولا يتبقى الا النقاش عن قيمتها ماضيا ومستقبلا ...
مبارزة ... من سخلفها فى مكانتها الماضية ... من سيقف على قمتها ... ؟؟؟
بل إن فرنسا تحاول وتبذل كل جهدها ونفوذها التدخل وكأنها في "مـسـتـعـمـرة ألـجـزائـر"... وقتها ....تتدخل بكل الطرق وتطلب مساعدة مصر فى إنقاذ ما تبقى من القاعدة ..!!!
كبف لا ... ونظرة الى أفق نيويورك ، تبين ، آثارها لكل العيون .. من الطائرة ومن البحر ...
علامة واضحة .. لن تختفى من تاريخ أمريكا ...فمن كان ينتمى الى القاعدة وأساسها .. ، وكيف أنها أنتهت بشكل أبدى ...
أخيرا .. إقتربت من هدفى ... وتوقف السائق .. وأعتذر عن عدم إمكانه الأستمرار بالسيارة ... فالدرب طويل .. والمكان محصور .. ولا بد لى من تكملة مسيرتى على الأقدام ...
تنهدت ... وفتحت باب السيارة .. واستنشقت الهواء ...
هواء غريب فى كل معنوياته ... .... إنشرح صدرى ... وغادرت السيارة ..
كنت على مسافة قريبة من هدفى ...
سألت نفسى ... هل سأكون وحدى فى هذا اللقاء ... ؟؟؟؟
هل سألتقى ببشر آخر .. لا أعلم جنسياتهم ... ؟؟؟
هل سيمكننى الجلوس والتمتع بهذا اللقاء .. ... ؟؟؟؟. ولو لحظات قليلة .. ؟؟؟؟
هل هناك من سأقابله ... بالصدفة ... وأعرفه من أيام "المقاومة السرية" ... ... ؟؟؟؟
هــل ... ؟؟؟؟ هــل .... ... ؟؟؟؟ .. هــل ... ؟؟؟؟
وبدأت السير ... فى طريق محدود ... لا يسمح للسيارات بدخوله خوفا عليها من أن يصيبها ضرر ...
كان أمامى حوالى 100 متر للسير على الأقدام ...
... كنت وحدى ... لم يكن هناك أى بشر حولى ... ولكننى أحسست ، بأن هناك نظرات خفية تتبع مسيرتى ... !!!!
نظرت من بعيد ... ورأيت ما عوض على سفرى .. ومشاق الرحلة ...
أبتسمت ... وخفق قلبى ... وزادت سرعة نبضاته ... وطغى صوتها على سمعى ...
لم أسمع سوى ... إنفجارات ...
لم أسمع سوى ... هتافات ....
لم أسمع سمى نداء عاليا تردده الجموع .... "الله أكبر ... الله أكبر ....
تحيا مصر حرة ... يعيش جمال عبد الناصر ...يسقط الأحتلال ...
ووصلت سيري لأقف أمام القاعدة ... ونظرت عاليا ... وأبتسمت ... وأحسست بقطرة دمع تنزلق على وجنتاى ......
كان ديليسبس يشير فى نفس الأتجاه .... !!!! غير أن نيتنا تختلف ....
هناك ... وقفت ...مع السيد صبحى الكومى نخطط .... إختطاف "الجنرال هيوج ستوكويل" .... قائد القوات البريطانية أو إغتياله ....... ولكن رفضت المخابرات العامة التصريح لنا بتنفيذ العملية ، لخطورة ردود الفعل
وقبل أن أغادر بورسعيد ... إستدرت لأنظر خلفى ....
وكانت هذه آخر ذكـــرى ما زالت تتعلق فى ذاكرتى ولا تتركهـــا حتى اليوم .... !!!!!
كانت هذه قصة لقائى مع القاعـــدة ........... !!!!
......... قـــاعـــدة ديـلـيسبس ......... طبعا ...
... فــكرتـم أيــــــه ... ؟؟؟
الحكاية كلها عن مواجهتى لقاعدة ديليسبس بعد سنين طويلة
ويــالـــــهـــا من ذكــريــات ...... !!!!!
د. يحى الشاعر