إبراهيم عيسى يكتب: إللي عايز الشريعة يروح لمرسي!
لم يقدم أى حزب إسلامى، أو حركة سلفية، تسانده قائمة تضم حصرًا بالقوانين المخالفة للشريعة الإسلامية أو المواد المخالفة داخل قانون هنا أو هناك فى شبكة التشريعات المصرية.
لا حزب ولا جماعة ولا حركة ولا دعوة فعلتها أبدًا، هى تكتفى فقط بشعار المطالبة بتطبيق الشريعة، لكنها لا تتحدث إطلاقًا فى تفاصيل، لأن التفاصيل سوف تكشف أن مصر تطبق الشريعة فى كل جوانب تشريعاتها فى ما عدا اللَّمَم، حيث لا يوجد أى قانون مصرى حرّم الحلال أو أحل الحرام، وقد كانت هناك فتاوى قديمًا تحلل البيرة وهى معروفة ومنشورة، لكن -بعد المد الدينى فى السبعينيات- بات الكل مستقرا على حرمانية البيرة خصوصًا مع ظهور البيرة الخالية من الكحول، فصار الموضوع كله ثانويًّا، ولكن لم يقل أحد فى الحكم يوما، سواء فى عصر عبد الناصر أو السادات أو مبارك حتى وهو يسمح بتصنيع الخمور، إن الخمر حلال والاحتجاج دائمًا بحاجات السياحة، ولكن ليس هناك أسهل ولا أبسط ولا أكثر شعبية من منع رُخَص تصنيع وتداول الخمور فورًا، ولا أظن أن أحدًا سيعترض، بمن فيهم الأجانب والسياح، حيث لا يأتينا هؤلاء من أجل مزارع الكروم والخمر المصرى المعتَّق مثلا.
ولكن يبقى أن نعرف أن تجريم المخدرات ومنع تصنيعها وتداولها لم يقفا حائلا عن استخدامها وتعاطيها وتهريبها، فمعظم مصر تقريبا بتحشش، رغم أن الحشيش ممنوع قانونا، والشعب المصرى ينفق مليارات سنويا على المخدرات وحجم تجارتها فى بلدنا مذهل ومثير للشفقة على شعب يدَّعى التدين، بينما ربع الشعب تقريبا مخدَّر. يجب أن لا ينتابنا أى شك فى أن الخمور لن تختفى، بل لعلها تنتشر أكثر مع تجريم تداولها وأن عمليات تهريبها سوف تنافس المخدرات ودعنى أذكركم بأن تطبيق الشريعة لم يمنع وجود خمور فى عز عهد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، حتى إنه عثر على مجموعة رجال يشربون فى بيت أحدهم الخمر، ولما قرر عقابهم حاججه أحدهم بمخالفة عمر نفسه للشريعة بتجسسه على بيت الرجل واقتحامه بدون استئذان، مما أسقط العقوبة عنهم لخطأ فى الإجراءات، فضلا عن أن نجل عمر بن الخطاب، نفسه شرب الخمر وجلَده عمر بنفسه، بعد اعتراف الابن، ونظرًا إلى تردى الحالة الصحية لابن عمر فقد مات من أثر الجلد. مما يعنى أن تطبيق الشريعة لن يحول دون وجود الخمر وشربها.
وكتب التاريخ الإسلامى تحتشد بخلفاء كانوا يشربون الخمر فى قصورهم ويجلدون شاربيها خارجها، وهو ما يثبت أن تطبيق الحد لم يمنع أبدا من انتشار الجرم، لكن أهلا بالتطبيق!
أما الموضوعات الخلافية مثل فوائد البنوك فتستند إلى فتاوى، ترى هذه الفوائد حلالا، ومع ذلك فإذا انحاز التيار السائد لمنعها باعتبارها حرامًا فهو حر.
الأحزاب الإسلامية كسولة عن العمل الحقيقى فى وضع خريطة القوانين المخالفة، ووضعت كل همها فى الشعارات والهتافات دون تحويل هذا الحماس -الذى أتمنى أن يكون مخلصًا- إلى خطوات عملية، مثل حصر ما يجب تغييره من مواد وقوانين ثم التقدم به إلى جمهور المسلمين، حتى يعرف رأسه من رجله، لكن الوعّاظ والدعاة والشيوخ ربما لا يهمهم تطبيق الشريعة فعلا، والنبيه منهم يعرف أن التطبيق لن يُحدث فارقا فى الحياة المصرية وقد يُحبَط كثيرٌ من جمهورهم حين يدركون أن تطبيق شرع الله سهل قوى كده، وأنه لن ينجز تقدمًا ولا تطورًا فى حياتنا، حيث إن المسلمين يتقدمون بالعقل والعدل والإخلاص فى العمل والإتقان فى المهام وكفاءة المسؤوليات وليس بقطع يد السارق أو رجم الزانى فقط (مع التأكيد على صعوبة تصل إلى درجة الاستحالة لتطبيق هذين الحدين تحديدًا).
يبقى أن تطبيق الشريعة ليس فى حاجة إلى أى مادة جديدة فى الدستور، وأن تطبيقها فى يد شخص واحد فى مصر الآن هو السيد الرئيس محمد مرسى، ولا أفهم لماذا سيتظاهر المطالبون بتطبيقها فى ميدان التحرير، فقصر الاتحادية هو الذى يملك تطبيق الشريعة، وليس ميدان التحرير .. روحوا له!
ولّا هى مجرد مظاهرة استعراضية ليس مطلوبًا منها تطبيق شريعة ولا يحزنون، بل تهييج جمهور الإسلاميين ضد القوى المدنية التى لا تملك فى هذا البلد إلا أن تتفرج.