من هذا الذي يفتي بإعدام القرضاوي، وما كان أحد يعرفه قبل عامين، كما يفتي بإعدام الرئيس الذي صدق على تعيينه، ثم خانه مع الخائنين؟ ألم يكن هؤلاء الأعلام الثلاثة العظام ممن اختاروه مفتيا ضمن هيئة (كبار العلماء)، حتى جعلوه عضوا معهم في تلك الهيئة، ولم يكن له من قبل ذكر؟ من هذا الأزهري الذي لا يعرف إمامة القرضاوي في فقه القضايا المعاصرة، وكتبه لا تخلو منها مكتبه، وآراؤه لا يخلو منها نقاش علمي، وحضوره في مجالس الإفتاء ومجامع الفقه أظهر من أن يتكلم فيه؟
ومن هذا الذي يطعن في شيخ العقل والنقل إلا الأراذل، كما قال أبو يعرب المرزوقي؟ من هذا الذي يتحدث في جمعه بين وظيفتين، أو يتهجم بوقفه عن العمل بجامعه وداره؟ وأين شيخ الأزهر مما يجري لشيخه وكبير مستشاريه؟ ألا يستحق وقفة كوقفة الصكوك، أو وقفته حين تستدعي الظروف أو السلطة؟ هل كان ترؤسه مجمع الخالدين سراً مكتوماً ثم أصبح خبراً معلوما؟ وماذا عمن يعملون هنا وهناك، لكنهم في ركاب الأسياد؟ وماذا عمن يتقاضون الأموال القارونية من الإعلام والإعلان والبيزنس والاستشارات الخائبة وعرض الخبرات الكاذبة؟
"من المتلون؟ ومن المنقلب؟ ومن الذي يتلاعب بالدين؟ ويتآمر على البلاد؟ ويضل العباد؟"وبأي دم بارد يحول الدكتور عمارة إلى نيابة أمن الدولة العليا بهذه التهمة؟ عمارة المواجه للتبشير والتنصير صار مزدريا للأديان؟ فماذا نقول لمن يزدرون الإسلام وعلمائه وعلومه وآيات القرآن وأحاديث النبي وسيرته العطرة وتاريخ المسلمين، كل يوم بلا وازع ولا رادع؟ ماذا يقول هؤلاء لمن يقول إن لدى المسلمين أفكاراً منذ مئات السنين، ونصوصا دينية هي سبب البلاء، وأن المسلمين هم الذين أتعبوا الدنيا، ويريدون التخلص من البشرية؟ أليست هذه مضادة للإسلام؟ أليس ازدراء للمسلمين ومقدساتهم؟ ماذا عمن يرون المسلمين ضيوفاً عليهم في مصر، ويرددون هذا الكلام في كل مقام؟ ماذا عمّن يرون مصر دولة مسيحية، وأن الإسلام احتلال غاشم؟ ثم ماذا ستفعلون في السنوات التي قضاها عمارة يدير تحرير مجلة الأزهر، ويشهد له الأزاهرة بالأمانة والتفوق في هذا المقام؟ أرى أن تصادروا أعداد المجلة بأثر رجعي.. بالمرة!
من المتلون؟ ومن المنقلب؟ ومن الذي يتلاعب بالدين؟ ويتآمر على البلاد؟ ويضل العباد؟ حقا إذا لم تستح فاصنع ما شئت!
نشأنا، يا قوم، على علم هؤلاء العلماء وفكرهم وتنويرهم.. نشأنا نراهم ينيرون طريق الأمة، نشأنا نراهم ينافحون عن الدين الصحيح والدنيا الصالحة ضد الشبهات والمطاعن والهجمات الخبيثة في الداخل والخارج.
إن كبر سنهم وطول مسيرتهم، حفظهم الله تعالى، يتضافر مع كبر رسالتهم وعلو هامتهم وهمتهم، ومن يحاول النيل منهم من الأمنجية والمستثقفين عليه أن يعرف أنه يحارب: الاعتدال والوسطية الحقيقيين، لا وسطية إلهام شاهين ولا اعتدال فاطمة ناعوت. الأزهر والعلم الشرعي الصادق، لا علماء السلطان والمفتين تحت الطلب. الفكر الإسلامي الحر المجدد المستنير، لا فكر التبديد كالذي يدعو إليه المنقلب باسم التجديد كذبا وزوراً، وهو لا يملك حتى النزر اليسير من الثقافة الإسلامية. رموز الإسلام التي يجتمع عليها الأغلبية، ويرجع إليها الناس من العامة والخاصة عند الملمات (سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلت/ وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر).
إن "فقه البيادة الراهن"، المنافق المداهن، لن ينال ممن أخذ الله عليهم الميثاق ليبيّنوه للناس، ولا يكتمونه، فبيّنوا وما كتموا: بيناتهم عن الأحداث معروفة مشهورة، وبراءاتهم من الدماء مرئية ومسموعة واضحة ومعلومة. أما الآخرون، فيعلم الله ما في قلوبهم، ونعظهم ونقول لهم: كتمتم الحق وفرطتم فى حرمة الدماء واستبحتم النفوس، وسكتم حيث وجب عليكم الموقف الصادق والكلام، وتكلمتم نفاقا أو خوفا من أهل السلطان، سكتم وتواطأتم، بل وشاركتم في إهانة هؤلاء وقمعهم، وهم بحق المجددون والمجتهدون العالمون العاملون، عينكم على أهل السلطان والطغيان والاستبداد، صرتم علماء السلطان، وتغافلتم عن سلطان العلماء.
إذا أردتم أن تعلموا وتتعلموا من هؤلاء من علماء الأمة ممن يحملون همها، ويمثلون همتها، فانظروا إلى هؤلاء وعلمهم، والتمسوا صدقهم في عملهم، أي جريمة اقترفها الانقلابيون وعلماؤهم في حق هؤلاء، بيان مقامهم ليس لمثلي، إنها قمم العلم وقيم الأمة وقامات الاجتهاد والجهاد، فكيف تجرأ هؤلاء الذين انقلبوا على كل شيء في محاولاتهم اغتيال أمة باضطهاد الأئمة.