نخبة خربت بيتها بيدها
جوهر الصراع بين النخب يعود إلى غزوة نابليون (لن نعود أبعد من ذلك). قرنان من الخلاف حول من أين نبدأ ومع من نعمل. ملايين الصفحات حبرت من أجل أن نحدد هذه النقطة في الحلقة الأخيرة جاءت الثورة وقالت دعوني من صراع الهويات، ولنعمل على تحقيق الاستقلال المغدور. ونشبع الجياع ونستر العراة (بعد ستين عاما من الدولة الوطنية). لكن النخب التي عاشت من ذلك الخلاف القديم. عرفت أنْ ستفقد مصدر رزقها ووجودها ورمزيتها.
اختلفت على فلسطين وتخلت عنها، استعانت على بعضها بعدو خارجي ونسقت مع السفارات المعادية واشتكت ببعضها إلى برلمانات أوروبا. وخربت مسار التغيير بكل أشكاله فلا هي قبلت لعبة الانتخابات وصبرت على نضجها ونتائجها البطيئة. ولا هي دفعت الثورات إلى مداها بالعنف لتجهز على المنظومات القديمة. وتشرع في تأسيس مختلف على قاعدة المطالب التي وضعها الشارع على طاولة التغيير.
وكان ذلك هو الوضع المثالي للمنظومات لكي تفرض نفسها من جديد بوسائلها المعتادة. وما كان لهذه المنظومات أن تكون ثورية أكثر من الثورة. فأعادت الأمور إلى نصابها الذي يُقِرُّ لها بالحق عبر القوة والقمع والعمالة. ووجدت النخب نفسها تعود إلى مربع المركوب القصير. وضع الوسيلة التي تقوم بمهمة خيانة نفسها وأفكارها ومشاريعها التي طالما صمت بها الآذان.
كتبت هذا في لحظة مؤلمة. يقوم فيها النظام العسكري المنقلب على الثورة في مصر بإغراق غزة وقطع رزقها المسروق من تحت الأنفاق وإعادة تأليف حكومته بوزراء المخلوع مبارك. وفي الوقت الذي يسلم التونسيون أنفسهم للسفارات تحدد لهم ما ينبغي أن يكون ويجلسون إلى مديرة صندوق النقد الدولي تملي عليهم ما يفعلون بالفقراء. ويتنافسون على من يرضي رجال المنظومة القديمة فيمن يرجع لها أموالها ويعفيها من المحاسبة. بينما تحل كتائب الموت السوداء الروسية بأرض الشام لتحارب إلى جانب الأسد الجبان.
أين الخطأ ؟ أنا المواطن العربي الذي خربت روحه الأنظمة الفاسدة لمدة نصف قرن اتهم النخب العربية بكل أطيافها. لقد كانت دون شعوبها ودون طموحاتها وكانت عونا للعدو الداخلي والخارجي على نفسها وعلى أوطانها وعلى شعوبها. وأشعر أنه علي أن أبذل جيلا آخر حتى تتحلل هذه النخبة في العدم