لم يؤثر الانقلاب العسكري في مصر فقط على أخلاق الذين أيدوه، فتجد في كثيرين منهم انحطاطا غريباً على أخلاق المصريين، إنما بلغ به الحد أنه أثر في أخلاق بعض الذين يرفضونه، ويعتبرونه عملاً غير صالح!
فلم يشفع لرئيس حزب "الوسط" المهندس "أبو العلا ماضي"، أنه في مواجهة الهجمة الشرسة على الرئيس المنتخب الدكتور "محمد مرسي" أن ألقى بكل ثقله، وثقل حزبه معه، ونسي خلافاً قديماً مع الجماعة التي كان ينتمي إليها، وسعى لتقريب المسافة بين الحكم وخصومه، وعندما فشل في المهمة، لأن ما اعتبره حلاً لم تأخذ به الرئاسة، لم يعتبر هذا مبرراً للقفز من السفينة، وإنما ظل في خندقه منحازاً لإرادة الناس ولخيارهم، لاحظ أن "الوسط" لم يكن من الأحزاب التي انضمت إلى ما عرف بـ "التحالف الوطني"، وهو التشكيل الذي خاض الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب "الحرية والعدالة"، في حين أن ما طلب به حزب حمدين صباحي "الكرامة" حصل عليه، سواء بالنسبة لعدد المرشحين، أو من حيث الترتيب المتقدم في القوائم، حيث يكون النجاح مضموناً!
والمعنى، أن الأمور لو صارت في طريقها الطبيعي، ولم تحدث محنة الانقلاب، لما حدث التماهي بينه وبين القوم، ولظل حزبه يمثل "الاحترام السياسي" على قلة شعبيته وانخفاض نسبة تمثيله في البرلمان، كحزب وليد حصل على الترخيص القانوني بنشأته في بداية ثورة يناير، وإن كنت أعتقد أن مستقبله كان واعداً، لأنه الحزب الوحيد، الذي يمثل الخط الفاصل بين الأحزاب الإسلامية، والأحزاب المدنية، فالذين كانوا يبحثون عن منبر حزبي، بعيداً عن العناوين الدينية الزاعقة دون اصطدام مع قيم الدين، وهم كثر، كانوا سيجدون في "الوسط" البديل، الذي لا يمثله حزب "مصر القوية" برئاسة النائب السابق لمرشد الإخوان المسلمين الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"، الذي كلما استشعر الحرج من تاريخه السابق، ذهب بعيداً، حتى أصبح حزباً بلا لون، وما يوصف به الماء، يجوز فيه بدون أدنى تجن!
ولأن "أبو العلا ماضي" الذي بدا منذ البداية حريصاً على الاستقلال وجد الفتنة تستهدف الإطاحة بالرئيس، فقد اتخذ موقفه انحيازاً له ولقيم الديمقراطية، وقد ميز بين موقع الرئاسة والانتماء السياسي للرئيس، الذي ينتمي لجماعة الإخوان التي وقع الخلاف بينها وبين "مجموعة الوسط" تركت على أثرها الجماعة لتشكل الحزب.
وكان ينبغي فهم الرجل في هذا الإطار، وأنه صاحب رؤية مختلفة، ودفع الثمن لانحيازه للحكم المنتخب الذي استمر في تأييده مع أنه لم يسمع لنصائحه، في وقت بدا كثيرون يقفزون من السفينة، خوفاً وطمعاً، وظل "أبو العلا ماضي" فيها حتى تم اعتقاله، ورفيقه في حزب "الوسط" عصام سلطان، ومن الطبيعي بعد خروجه من السجن أن تكون له رؤية مختلفة، أختلف أنا معه في مجملها، لكن في النهاية فإنه ينبغي ألا ندعو للحجر عليه، باعتبارنا نعبر عن "الاستقامة السياسية" وبحجة أن من يختلفون معه هم من "شعب الله المختار" أو من الفرقة الناجية، أولئك الذين لا يرقبون في أحد إلا ولا ذمة، ولا ينظرون إلى سوابق أعمال الناس وتضحياتهم، فكان التطاول عليه، وهو نفس ما حدث مع الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، ومحمد محسوب، بل ومع الرجل الذي يتعامل بفطرته "محمد العمدة"، لأنه عندما خرج من محبسه تحدث عن مصالحة، فكان الاتهام بأنه خرج في صفقة مع الانقلاب من أجل إطلاق مبادرته، وكأن الانقلاب يريد تسوية سياسية مع أحد، أو يريد أن يتراجع عن مخطط تصفية خصومه وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين؟!
ولم تتوقف حملة الفرقة الناجية، على "محمد العمدة" إلا بعد أن تراجع الرجل عن مبادرته التي كان وهو يطلقها واقعاً تحت تأثير المحنة من إنسان كان منقطع الصلة بالعالم في سجنه، ليتبين من أدائه الصلب أنه لم يخرج في صفقة كما تم اتهامه، ومن عجب أن من اتهموه لم يردوا له اعتباره بعد أن حصحص الحق!
اللافت في أزمة حوار "أبو العلا ماضي"، مع جريدة "العربي الجديد"، أن من سلخوه بألسنة حداد، كان تركيزهم على نصيحته للدكتور محمد مرسي، بتعيين الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسي في الحكومة، وتم تجاوز حديثه الذي بدا فيه أن يريد تحسين الظروف السياسية ولو تحت حكم الانقلاب العسكري، لأن شعب الله المختار، في محاولة مضنية لتأليه الرئيس، فهو لم يخطئ أبداً، ولا يجوز له أن يخطئ فعندما تحدث الدكتور محمد محسوب عن أخطاء الحكم كان مدفوعاً للحديث فيها، بطريقة محاورة مذيع الجزيرة "أحمد منصور"، وهو يظل يدفع بمن يحاوره حتى لا يجد بداً من أن يقول ما كان ينتوي ألا يقوله.
لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع فيها عن قصة "البرادعي" و"عمرو موسي"، فلأني انشغلت في البداية بفكرة أن يكون "البرادعي" رئيساً للحكومة في عهد الرئيس محمد مرسي، فقد قمت بتتبع الخيط، وكانت "المصادر الإخوانية" تصرح بأنه تم عرض تشكيل الحكومة عليه وأنه طلب بصلاحيات واسعة تجعل الرئيس تقريباً بلا صلاحيات، ويؤسفني أن هذا لم يكن صحيحاً فلم يتم عرض الموقع عليه، ولم يطلب بالتالي بصلاحيات، والحقيقة أنه ظل إلى أن وقع الاختيار على "هشام قنديل" ينتظر الاتصال به، لكن هذا الاتصال لم يأت أبداً.
وما قاله "أبو العلا" سمعته من آخرين قالوا إن طلباً ألمانيا وأمريكيا من الرئيس أن يستعين بعمرو موسي والبرادعي، وكان دائماً يرفض، وعلمت أنه عرض منصب "نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية" على الأول مرتين وقد وافق، ويبدو أن من عرض كان يستهدف الوقوف على رغبات الناس ليعريهم أمام أنفسهم، وهو أمر أوغر صدور من تم تجريب هذا الأسلوب معهم!
و"البرادعي" نفسه، كانت مشكلته أن القوم كانوا يصرحون لوسائل الإعلام أنهم عرضوا عليه المنصب وأنه طلب بصلاحيات واسعة، في الوقت الذي لم يهاتفه أحد فاعتبرها الحرب، ورغم إقامته في الخارج لفترة طويلة، فقد تصرف على قواعد "المكايدة السياسية"، وأثبت أن العرق دساس، وكانت مشكلته مع كل من اصطفوا خلفه، وبعد الثورة وجدوا أنهم لا حاجة لهم إليه حتى الشباب الذين وجدوا الأبواب مفتوحة إلى المجلس العسكري، وإلى مكتب رئيس مجلس الوزراء، فما حاجتهم الآن إلى حماية، أو إلى كفيل!
بدأ مشوار "المكايدة" من البرادعي بدعوته المفخخة للمجلس العسكري ليحكم عامين آخرين، في وقت كانت فيه المظاهرات تخرج تطالب بإسقاط حكم العسكر، ثم انتهى به متآمراً على الحكم المنتخب، وأعطى وجوده في الانقلاب شرعية له أمام الدول والهيئات الغربية!
وأعتقد أن العسكر هم الذين حرضوا الجميع، بمن في ذلك الإخوان للابتعاد عن البرادعي، فلم تعد هناك حاجة لهم إليه، فضلا عن الحديث عن أجندته الخارجية، وفي الواقع أن المشكلة في أن العسكر كانوا يعلمون أن الرجل بطوله وبدون حزب، لا يمكنهم الانقلاب عليه، أو الحد من سلطاته، أو تمكينهم من المشاركة في الحكم، وهو ما كان يستهدفه وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي!
ولهذا فاجتماعات المجلس العسكري، التي يدعى إليها النطيحة، والموقوذة، والمتردية، لم يكن يدعى لها "البرادعي" ، وهذا موضوع آخر، فلا أعرف ما هي الجريمة التي ارتكبها "أبو العلا ماضي" عندما قال إنهم عرضوا على مرسي تشكيلا حكومياً فيه "موسى" و"البرادعي" وأنه رفض، حتى استحق أن يقال فيه ما قال مالك في الخمر؟!
فشعب الله المختار، ليس موافقاً ابتداء على وجود "البرادعي" و"موسى" في الحكومة ومن هنا ليس في كلام "أبو العلا ماضي" من رفض الرئيس لهما ما يخدش رأيهم فيه، والبعض رأى في رفض الرئيس أنه عمل رائع لأنه رفض الإملاءات الخارجية، وكأننا كنا في حالة حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا
استقيموا يرحكم الله ولا تنسوا الفضل بينكم.
سليم عزوز