وفي الذاكرة مالا تمحه الأيام - قصة لم تكتمل - الصفحة 2 - منتديات المطاريد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) "الزخرف"

منتديات المطاريد | الهجرة الى كندا | الهجرة الى استراليا

 


DeenOnDemand


BBC NEWS

    آخر 10 مشاركات

    Arabic Discussion Forum with a Special Interest in Travel and Immigration

    Immigration to Canada, Australia, and New Zealand

    Egypt and Middle East Politics, History and Economy

    Jobs in Saudi Arabia, USA, Canada, Australia, and New Zealand

    العودة   منتديات المطاريد > إعلام وثقافة وفنون > الرواية والقصة القصيرة

    الرواية والقصة القصيرة فكرة: tafshan

    الرواية والقصة القصيرة

    وفي الذاكرة مالا تمحه الأيام - قصة لم تكتمل


    الهجرة إلى كندا والولايات المتحدة واستراليا

    مواقع هامة وإعلانات نصية

    إضافة رد
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    قديم 1st May 2013, 02:28 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 11
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    أشكر لكما إطلالتكما الكريمة

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st May 2013, 03:31 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 12
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي





    حديث نفس

    على مهل فضت اللفافة الأولى، أزالت باقة الورد الصغيرة والشريط والورق الملون عن الصندوق الجميل الذي وجدت بداخله ما أنبأه به حدسها، انه ثوب السهرة المصنوع من الحرير الخالص بلونه اللازوردي وقد طرزت عليه لوحة فنية شكل لونه معها قمة في الإبداع ..
    رقص قلبها مرحا بهذه الهدية الثمينة، ألهذا الحد تبلغ قيمتي عند ربيع، أم أنه الكرم الذي جبل عليه وجعل منه فارسا غاية في الشهامة ..

    التفتت نحو اللفافة الثانية، ليست من نفس المحل، أو على الأقل هكذا بدا من طريقة التغليف الرائعة .. امتدت يدها تزيل الغلاف عن الصندوق وعينها تسبقها تطفلا ..
    ما هذا؟!!
    فراء!!
    معطف يخطف الأبصار مصنوع من فراء المنك المتناسق الألوان ..

    لم يسعفها خيالها في استيعاب ما يجري من حولها .. فقد أثقلت هدايا ربيع كاهلها بما لا تملك لمبادلته .. فالولاعة الذهبية التي اختارتها هدية له سبقها السائق بتسديد ثمنها ببطاقة الائتمان التي تركها معه ربيع لتغطية مشترياتها ..
    كان من الممكن أن تتقبل الثوب الحريري الذي خلب لبها، فكيف لها أن تستوعب هذا المعطف الثمين ..

    لا شعوريا امتدت يدها صوب الهاتف:
    -
    كثيرٌ هذا يا سيد ربيع .. لقد تجاوزت بما أسلفت سقف أحلامي واليوم أفاجأ بك تُحَلِّق بي في عالم الأساطير .. فعلا انا كلي خجل مما أرى ..
    -
    أيتها الأميرة الغالية .. لم أجد ما يليق بك فأتعشم أن تتعطفي وتقبلي ما اخترته على عجل، فقد كنت أخشى أن تتركي السوق قبل لقائي
    -
    أنت تخجلني فعلا .. ولا أدري كيف أعبر لك عن الحال الذي أوصلتني إليه .. أ
    -
    لا تكملي سيدتي فلو شعرت للحظة أنني أجاملك أو أبتغي ...
    -
    توقف أرجوك .. فما خطر ببالي شيء مما تفكر فيه .. إن هي إلا طبيعتي المتناهية في البساطة منذ الصغر.. إنها تأبى علي تقبل مالا أقدر عليه .. الثوب الحريري فوق طاقتي .. فما بالك بالمعطف!! أرجو ألا تسئ الظن بما أقوله الآن .. يجب أن تعيد المعطف للمحل الذي ابتعته منه .. فأنا لا أستطيع تقبله ..
    كان الدمع ينهمر من عينيها وهي تختنق بالكلمات التي سجلت بها موقفها، وشعر ربيع بحرج الموقف وبأنها قد اجهشت بالبكاء فألقى بسماعة الهاتف وانطلق صوب غرفتها بسرعة .. فتحت له الباب فيما كانت تكفكف دمعها باذلة قصارى جهدها في السيطرة على عواطفها في هذا الموقف البالغ الحرج ..

    -
    سيدتي .. ما شجعني على هذا هو كرمك الزائد معي .. قلبي الذي لم يخفق منذ شبابي وجدته يرتعش كطائر ذبحته النظرات الحميمية التي باحت له بما اطبقت عليه شفتاك .. وقلبي أبدا لا يخطئ .. وكلما دنى منك شعرت به يكاد يقفز من بين أضلعي ليرتمي تحت أقدامك .. فلا تخذلي قلبك بموقف في غير محله ..
    باغتت الكلمات الرقيقة الحانية أقفال ركن قد انغلقت عليه منذ سنين .. شعرت وهي تنظر في عينية بنبل مشاعره وبذلك الحس المرهف الذي يُبَطِّنَها .. تجمدت الكلمات على شفتيها المرتعشتين .. وقد تحول الدمع في عينيها إلى حبات لؤلؤ كبيرة التصقت برمشها السفلي وقد أحست بروحها قد شارفت على مغادرتها ..

    شعر ربيع بما يصطرع بين ضلوعها .. فصدرها الناهد قد بدأ يعلو ويهبط بتسارع ملحوظ ..
    كان عليه أن ينهي الموقف بأي شكل .. لكن الكلمات لم تسعفه .. فقد انشغل بكل وجدانه بمتابعة الأحاسيس التي عجزت الكلمات عن التصريح بها ..
    -
    حنان .. تعلمين بأنني أتعايش مع ما لديك من إباء وشمم .. وكلي حرص على تلمس دربي محاذرا السلوك في مضمارهما.. وأنت أغلى عندي من كنوز الدنيا جميعها .. لكن .. نحن اليوم نعيش حالة غاية في الخصوصية .. وما استجد علينا أرى فيه ما يفسح لي مساحة أكبر من الثقة والطمأنينة .. فلا تفسدي أحلاما نعيشها سوية .. أتمنى عليك ألا يطغى ذلك الإباء وعزة النفس على ما يختلج في صدرك ..
    قالها وانفلت من أمامها ليدلف إلى غرفته قبل أن تنبت ببنت شفة .. فما ستقوله إن لم يكن إيجابيا فسيعكر عليهما صفو الحلم اللذيذ ..

    تعشق كارمن كثيرا .. كم من مرة شاهدت عروضها لمختلف الفرق .. لكن مشاهدتها اليوم سوف تكون مختلفة .. فالفرقة عالمية مشهورة وقد طعمت بنجوم مشهود لها من مختلف أرجاء المعمورة .. سواء في الأداء الأوبرالي أو الموسيقي ..

    للمكان والزمان وعالمية الفرقة دخل كبير في الاستعداد النفسي والوجداني لكارمن، فكارمن تمثل لها العنفوان والتمرد على المألوف، فيها كثير من الإيحاء بانفلات الفرس البرية الأصيلة وتمردها على ساستها وبيئتها، الحب الجارف حتى الجنون، الكثير الكثير في كارمن يجعل منها حلما ناعما لدى حنان .. كل هذا يأتي قيراطا أمام ما يختلج في حشاشة قلبها من انفعالات طارئة ظنت أن عامل الزمن قد أدخلها في سبات عميق إن لم يكن قد بددها تماما ..
    ربيع تسلل إلى حياتها على حين غرة، في غفلة من عقلها أم هو وجدانها الذي تمرد على العقل أم ماذا .. لا تدري كنه ما يجري فقد استمرت علاقتهما على رتابتها لأعوام خلت، صداقة .. احترام متبادل .. لم تكن فيها أية علامات أنثوية .. خيل لها لأكثر من مرة أنها تتقمص دور رجل في مبادلته الرأي والفكر، لم تشعر يوما بحرج من التحدث إليه عبر المسنجر، أهو المسنجر الذي يسلب من الكلمات ما فيها من روح، أم هو الخوف الكامن بين أحرف لوحة المفاتيح مسيطرا على مخارج الحروف فيمتص منها طلاوتها ويخرجها جافة لا طعم ولا لون لها ..
    لا ليست لوحة المفاتيح تلك، بل هو المسنجر .. ناقل الكلمات بين مجهولين .. إذن .. هو الخوف من المجهول وخشية مالا يحمد عقباه ..
    مسكين هو المسنجر .. شماعة تلقى عليه حالات الفشل في علاقات طالما سمعت عنها ..

    أطرق ربيع برأسه وهو جالس على اريكة صغيرة في ركن يشرف بزاوية صغيرة على البحيرة الواسعة .. ما أكثر كآبة الشجر في الأسفل بالقرب من الشاطئ وقد تعرى من اوراقه واكتسى بكامله بثلوج فضية اللون .. جال ببصرة فوق سطح البحيرة الذي خالطته الثلوج محاولة تغييبه تحتها .. ستفلح الثلوج في مسعاها .. عاصفة جليدية تهب منذ العصر .. والسماء حبلى وتكاد القِرَبُ فيها تنفجر بثقل حملها .. قِرَبٌ كبيرة تتفجر جليدا بفعل البرودة القاسية ..

    ما هذا الذي يداعب صدرك يا ربيع، أبعد هذه السن ما زال لديك قلب يخفق؟ أيعقل هذا؟ لقد صُمْتَ طويلا حتى نسيت تاء التأنيث وطمست في وجدانك بصمات جرح غائر آليت نفسك على ألا تنفض عنه التراب أبد الدهر ..
    حتى اقتحمت حنان حياتك ..
    لا ..
    حنان في حياتي منذ سنين ..
    أبدا لم تكن حنان في حياتك ..
    بل كانت دوما في البعيد
    كانت ..
    وكنت ..
    تعرفان كيف تسدلان ستارا على عواطفكما
    حتى وكأنها لا وجود لها ..
    كان هناك حاجز مسنجري صلد
    يقف حائلا بين عقلكما ووجدانكما ..

    فما هذا الذي دهمني بلا مقدمات ..
    أهو الحب يا ربيع؟
    أم تراها نزوة سرعان ما تضمحل وتتلاشى بالعودة إلى المسنجر

    لا ليست بنزوة
    لقد كبرنا على النزوات
    ألا يقولون بعودة المراهقة إلى الروح
    بعد سن معينة

    لا .. لا .. إن ما اعيشه شيء مختلف
    لطالما مررت بنزوات
    لم يكن أسهل علي من التخلص منها

    هذه حنان
    شيء مختلف تماما
    لم أعايش لها مثيلا من قبل

    بل إن حياتي على جفافها قد جرى فيها أكسير غريب
    للهواء معها عبق فريد
    أحس بروحي تهفو عليها بحنين عذب
    قلبي يخفق مع رنات ضحكاتها ..

    ترى ..
    بم تشعر حنان الآن
    لقد احرجتها كثيرا
    بتهافت هداياك عليها
    أي غباء هذا
    أفلا تصبر
    تتمهل
    وهل يعرف الخافق التمهل
    لقد أردت أن املكها كل الدنيا بما فيها
    فقد ملكت حشاشة قلبي واستلبت ورحي

    ماذا لو أصرت بعد كل هذا على إعادة المعطف
    لسوف أحتفظ لها به
    فسيأتي يوم لا ترفضه فيه

    أواثق أنت هكذا بنفسك
    ليست نفسي
    بل هي عيناها اللتان باحتا بمكنونة وجدانها
    لم أكن واثقا بأحد مثل ثقتي بصدق عينيها .

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st May 2013, 06:48 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 13
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي





    كارمن

    جلس في ركن غير بعيد بصالة الفندق بانتظار نزولها من غرفتها .. فنجال القهوة التركية الذي كان امامه رشف منه رشفات قلائل قبل أن ينساه في غمرة تفكيره بما مر به اليوم .. شريط طويل من الأحداث مر سريعا امام عينيه حيث توقف طويلا عند منعطفات مفصلية شعر بأنها كانت هي المؤثر الأساس في الحالة النفسية التي وجد نفسه في خضمها ..
    فجأة قفز إلى ذهنه خاطر جديد .. المؤشر الوحيد الآن سيكون فيما سوف تظهر به حنان، فإذا لبست ما اختاره لها فإنها تكون ..
    و إذا أتت بغير ذلك ؟
    لا .. لن يحدث
    رفض الاحتمال الآخر طاردا اياه من مخيلته بشدة ..

    - ليهنأ به
    - من هو؟
    قفز من مكانه على صوت حنان الذي أخرجه من أفكاره المتشابكة
    - ذلك الذي أخذ بعقلك وشغل فكرك
    - آمل ذلك من صميم قلبي
    - ما هو ذلك الذي تأمله يا ترى
    - أن تهنأ به
    - من هي .. هل لي أن أعرف
    - منية النفس التي لا تفارق فكري حتى وهي أمام عيني
    ابتسمت بدلال وقد نزلت بعينيها حتى لا تواجه نار الشوق الذي كان يشع من عينيه ..
    وقف سائد بالباب يفتحه لهما فيما تقدمت حنان تتبختر أمام ربيع حينما تنبه ربيع إلى مؤشره العتيد الذي كان قد نسيه مع سماعه لرنين صوتها في أذنيه .. إنها تضع على كتفيها قطع الفرو الجميلة وقد بدت اطراف الثوب الحريري تتدلى عند آخرها ..

    فتح لها باب السيارة وقلبه يكاد أن يقفز من بين أضلاعه بانتصاره على هاجس كاد أن يضعه على محك لا يبتغيه .. قفز خلفها إلى داخل السيارة التي انطلقت بهما على الفور.
    - ربيع .. أوَتدري ما تشتهيه نفسي الآن .. قلما فعلناها .. لكن في كل مرة أظن أنها الأولى لبهجتها
    - ماهي يا ترى
    - جلسة جميلة لدى مطعم الشبراوي في آخر الحي السابع بمدينة نصر
    - وماذا يقدم هذا المطعم بربك.
    - الجلسة بحد ذاتها بعد منتصف الليل على الرصيف في أيام الصيف هي الرائعة .. سلطاته ومخللاته تفتح شهية الشبعان ليأكل من جديد .. الطعمية الساخنة .. الفول بخلطاته المختلفة .. الباذنجان والبطاطس المقليين .. كل لك له خاصيته ..


    - حنان .. ونحن ذاهبان إلى دار الأوبرا تحنين إلى فول وطعمية ! عجيب أمرك .. فيما أنا أرتب لعشاء عرمرمي في مطعم لبناني يشتهر بمشوياته المنقطعة النظير و ....
    - أولم أقل لك أنني أعشق البساطة في العيش ..
    - لو تعشيت لدن الشبراوي هذا فستنامين من أول العرض في الأوبرا ..
    - عندك كل الحق .. فعادة ما نتناول طعامه بديلا للأقراص المنومة
    افتر ثغرها عن ابتسامة هادئة فيما كان دوي ضحكات ربيع تخترق سقف السيارة ..
    - ذكرتني بقسم اللغة الانجليزية بالكلية .. كان المدرس يشرح ويشرح والشباب ساهمون .. حتى إذا وصل إلى نقطة معينة تأكد عندها أن لا أحد منا يتابعه صرخ فينا:
    -لماذا أنتم فاغرون أفواهكم هكذا .. وكأن على رؤوسكم الطير .. أهو بفعل حبوب منع الفهم التي تتعاطونها قبل الدخول إلى الكلية؟ سأطلب من الإدارة العمل على إغلاق مطعم الفول هذا الذي يعترض طريقكم أمام المدخل
    فنغرق جميعا بالضحك بينما يعود المدرس العجوز إلى الدرس وقد استقطب اهتمامنا من جديد
    هاقد وصلنا إلى المطعم .. سأسأله إن كان لديه فول وطعمية مصريين ..
    قالها وهو ينزل من السيارة ليفتح لها الباب وقد أشرق وجهها بابتسامة خلابة
    - ربيع أمن المعقول أن تجد فولاً لديه .. مطعم مشويات وفي جنيف!!
    - من الممكن أن يضعه ضمن المقبلات

    دخلا المطعم الذي كان على كبر مساحته مزدحما بالزبائن من مختلف الجنسيات .. كانت طاولتهما محجوزة مسبقا .. كان عشاءا رائعا .. فقد كان للمطعم وصفته الخاصة في تجهيز الشواء .. خصوصا الكباب حيث يمرر السيخ على طبق مملوء بالزعتر الأخضر مما يضفي على الشواء طعم ورائحة ذكيتين ..
    لم يطل بهما المقام حتى امتلأت الطاولة بتشكيلة من الأطباق الصغيرة محتوية على المقبلات التي تمتاز بها المائدة اللبنانية الشهيرة حتى إذا ما تيقن النادل من الانتهاء منها تقدم بطبق كبير مفروش بأوراق البقدونس وقد غطتها نخبة منتقاة من مشويات اللحم الضأن والدجاج المخلي من العظم ..


    لم تكن المسافة بين المطعم ودار الأوبرا ببعيدة، بضع دقائق وكان سائد يقف بالسيارة على الباب ليترجلا منها باتجاه المدخل الرئيس حيث كان بانتظارهما مرشد من الدار قادهما إلى مقصورتهما بسرعة ..

    كانت دار الأوبرا تعج بالرواد من مختلف الأجناس والأعمار وإن غلب كبار السن من الأمراء والأميرات السابقين حتى أن المرشد وقد اعتاد على علية القوم ميز حنان بهندامها الرفيع فأسبغ عليها لقب الأميرة الشرقية ..

    دلفا إلى مقصورتهما حيث نزعت حنان عنها معطف الفراء الذي استلمه المرشد ليضعه في دولاب خاص .. ما هذا الذي تراه يا ربيع .. شمس من شموس منظومة اخرى ام درة مكنونة حفظت طويلا في علم الغيب لتتلألأ أمام ناظريك ..لم يتمالك نفسه من التحديق فيها طويلا فيما كانت ابتسامة ساحرة تغطي وجهها فتزيد طلعتها بهاءا ..الثوب الحريري بألوانه المتناسقة وقد التف حولها مبديا مفاتن لم تقع عيناه على مثيل لها من قبل .. خصلات شعرها التي لم يلحظ من قبل تسريحها الذي حررها من قيود المثبتات فبدا منسابا على كتفيها العاريتين حاضنا نخرها المرمري وقد استقرت بدلال خصلتان كبيرتان منه فوق صدرها الناهد ..
    وقف ربيع مشدوها أمام جمالها حتى خيل له أنه يراها لأول مرة .. ببطء شديد ارتفعت عيناه كي تلتقيان بعينيها .. أي سحر هذا الذي يبرق من مقلتيها بوميض فتان ..
    أخيرا تنبه ربيع إلى أنهما ما يزالان يقفان أمام مقعديهما وكأنها تنتظر منه الإذن لتجلس، أم أنها هي الأخرى قد أخذت بنظراته فأطالت الوقوف وقد سمرتها جرأة عينيه اللتان تكادان تلتهمانها بعدما لسعتها نيرانهما الجشعة ..
    افتر ثغره عن ابتسامة خجلة فيما أشار بيده إلى مقعدها
    - يا لغادتي الفاتنة .. هلا تفضلت سيدتي الأميرة بالجلوس
    خرجت الكلمات مبعثرة وكأنها تنتزع من حنجرته انتزاعا ..
    أزعجه إحساسه بقلق دفين لاحظه يتغلغل في اعماق عينيها .. نوع من عدم الارتياح .. شيء غريب لا يدري كنهه .. ذلك الذي لمحه رغم الوميض الساحر الذي خطف أبصاره منذ لحظات ..
    جلس ربيع على مقعده وقد استند إلى الجانب الأيسر من المقعد .. فيما جلست حنان متوسطة مقعدها وقد التفتت بوجهها باتجاهه .. لفت انتباهها بُعدَه بشكل ملحوظ عنها .. لم تشغل بالها بتفسير طريقته في الجلوس
    - ربيع .. ما أجمل دار الأوبرا هذه، عراقة المبنى توحي لي بتاريخ طويل من الفن الراقي، ربما كانت تلك الدار في فيينا أعرق منها وأكثر فخامة إلا أنها لا شك غاية في الروعة
    مال برأسه قليلا نحوها دون أن يحرك جسمه وهمس
    - حقيقة انهم ينفقون كثيرا على إبراز الوجه الحضاري للبلاد، النواحي الثقافية تحظى باهتمام واسع في أوروبا عموما، انظري من حولك كل شيء يكاد ينطق بآيات الفن والذوق الرفيع

    بدأت الاستعدادات للعرض مما قطع عليهما الاسترسال في حديثهما، وران الصمت عليهما فيما هما يتلفتان يمنة ويسرة يتأملان مختلف التصاميم الفنية واللوحات التي تخلب روعتها الألباب.

    ما أن بدأت الموسيقى في التسلل إلى أسماعهما حتى كان ربيع قد دخل في عالم آخر لا علاقة له بما يجري أمامه، فقد عاوده الفكر فيما أحس به في عيني حنان في اللحظات الأخيرة قبل أن يجلسا، من المؤكد أن ثمة شيء يزعجها وتحاول بابتساماتها وتحركاتها أن تطويه بين حنايا صدرها .. سبق له أن أخبرها بأن العيون مرايا صادقة لا تكذب، وحدسه يحتم على فكره بأن وراء هذا الصفو عكر ..
    ألإلحاحه عليها في مسألة المعطف الثمين دخل ياترى .. أم أنها شعرت بما لم يعجبها في تصرفاته التي تخطى فيها حواجز كثيرة في سويعات قلائل .. لكنها لبست الفراء كما طلب! قد يكون لبسها له فيه إرضاء له على حساب بعضا من ثوابتها التي حكتها له ..
    لا .. لا ..
    ليس هناك ما يزعجها .. إن هي الا اوهام وتخيلات ..
    حانت منه التفاتة نحوها فوجدها مشدودة تماما إلى المشهد الذي يؤدى، والفرح الغجري ينعكس على صفحة وجهها المتفاعل مع الألحان المرحة التي تواكب الاحتفال الغجري على المسرح ..
    لو كان هناك شيء مما تظن لما قدرت على التركيز في العرض الأوبرالي الذي استقطب حواسها ووجدانها ..
    حقيقة .. هو ليس له في الأوبرا ولا العروض الفنية الغربية الكلاسيكي منها ولا غيره .. إن سهرة مع شريط لأم كلثوم أو فريد يستهويه ويطرب له .. لكنه اختار هذه السهرة لعلمه بعشقها للأوبرا ..
    كان قد أبدل من جلسته ليرتاح بكتفه على ظهر أريكته بجانبه الأيمن، وفيما كانت يده تستقر على ذراع المقعد إذا به يشعر بها تنزلق على ملمس أملس بض، رنى بعينه نحو ما تحت ذراعه ليجد أنها قد استراحت فوق ذراع حنان التي لم تغير من جلستها ولم تبد حراكا، بهدوء شديد لم يشعر الا بيديه تتناول يدها بلطف شديد لترفعها من مكانها ويضع يده أسفلها جاعلا من ذراعه مسندا لذراعها .. التفتت نحوه بوجه حالم ونظرت إلى الوضع الجديد الذي استقرت عليه اليدين وربتت بحنان على يده .. وتشاغلت بمتابعة العرض بكل هدوء ..

    انتهى العرض وأضيئت الأنوار واستفاقا من الجو الحالم الذي كان كل منهما يعيشه على حده، التفت ربيع إلى حنان بحنو شديد وقد أحس بالحالة العاطفية التي انتهت إليها بانتهاء العرض تلك النهاية المفجعة، فقد كانت تقبض بأصابعها على ظاهر يده بشدة فيما كان رأسها قد استقر على كتفه، حتى إذا ما مالت بوجهها نحوه شاهد لؤلؤتان كبيرتان تنفصلان عن مقلتيها بصمت، بابتسامة شاحبة تجمعت فيها عصارة قلبه تناول منديلا ورقيا وراح يلتقط الدمعتان قبل أن تصلا إلى ثغرها الذي كان يحمل مشروعا فاشلا لابتسامة تلاشت مع حزنها الشديد ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 2nd May 2013, 03:05 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 14
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    في الريف السويسري

    في الصباح الباكر انطلقت بهما السيارة ميممة شطر الريف السويسري، كان ربيع قد حجز في فندق ريفي بقرية صغيرة تبعد بالسيارة عن أقرب مدينة ما يزيد قليلا عن الساعتين ..
    كان صباحا مشرقا قد سطعت فيه الشمس عندما كانا يبتعدان بسرعة عن جنيف، الثلوج تغطي كل شيء في المدى المنظور، حرارة الشمس لم تكن كافية لإذابة الجليد المتراكم على جنبات الطريق وقد خالطه الطين المتحدر بسبب الأمطار وسواد آثار عجلات السيارات وعوادمها ..


    إن هي إلا ساعة ونيف حتى وصلا إلى الفندق المنشود .. مبنى كبير نسبيا مكون من طابقين هو أشبه ما يكون ببيت عائلة كبيرة، طراز البناء وشكله يوحيان بالقدم رغم محاولات اصحابه المتواضعة لإسباغ شيء من الحداثة على مظهره الخارجي فقد بدا أنه قد تعرض لعملية صيانة منذ مدة قصيرة ...
    للوهلة الأولى، دخلا إلى صالة الفندق الواسعة بسقفها العالي .. عتمة جذابة تنبئ بالقدم يتغلب عليها ضوء خافت ينبعث من ثريا نحاسية كبيرة عتيقة تتدلى من السقف الذي ازدان بلوحات بارزة أمضى فيها الفنانون زمنا طويلا لتستقر ملتصقة في السقف طوال هذه العقود وربما القرون .. احست حنان بأنها قد انتقلت إلى عالم آخر، عالم مما قرأت في الروايات القديمة لكاتب ما، قبل ما يسمى بعصر النهضة. في منتصف الصالة وقفت سندريلا بشحمها ولحمها تحمل بيمينها ضُمَّة صغيرة من الزهور اليانعة، صبية في عمر الزهور وقد بدا الاحمرار على وجنتيها بشكل ملفت للنظر وكأنها كانت قبيل قدومهما تجلس أمام المدفأة الكبيرة في صدر الصالة ..
    تقدمت الفتاة الصغيرة بلباسها الشعبي زاهي الألوان وقد غطت صدرها بمريلة كبيرة من ذلك الطراز القديم الناصع البياض وقد زركشت اطرافه فيما وضعت على رأسها قبعة صغيرة من نفس قماش المريلة منبئة بأنه الزي الرسمي للعاملات بالفندق الصغير..
    امتدت يد الصبية بباقة الزهور وقد افتر ثغرها عن ابتسامة ترحيبية رشيقة .. وبفرنسية عذبة صاغت كلمات منتقاة للترحيب بالضيفين الكريمين وبتأدب شديد استأذنت حنان في مساعدتها بحمل معطفها الثقيل لتنطلق بخفة امامهما ترشدهما إلى غرفتيهما في الطابق الثاني ..
    السلم الخشبي متوسط العرض كان قريبا على الجانب الأيسر بالقرب من مكتب الاستقبال الصغير ..
    صدق ظن ربيع في كينونة المبنى بيتا للعائلة الكبيرة في السابق فقد وصلا إلى صالة علوية متوسطة المساحة ربما كانت تستعمل كغرفة معيشة للعائلة بينما أحاطت خمسة أبواب تفضي إلى خمس غرف هي مصدر الرزق لأصحاب هذا الفندق العائلي إضافة إلى المطعم الصغير بالطابق الأرضي ..
    فيما دخل كلٌ إلى حجرته قدم الأب يحمل حقيبة حنان فيما كان سائد يحمل حقيبة ربيع ..
    -
    سائد .. ستقيم في الغرفة المجاورة لي تماما .. نعم الجار يا بني
    -
    شرف كبير يا سيدي لست بأهل له .. سأبحث عن غرفة في الطابق السفلي حتى أكون على أهبة الاستعداد لخدمتكما
    -
    ومن قال أنك ستخدمنا .. إن هي إلا راحة واستجمام إجباريين لك بعد مشقة اليومين الماضيين معنا .. وقد اخترت لك جواري حتى اطمئن عليك وأتأكد من راحتك التامة
    طأطأ سائد برأسه خجلا من كرم ربيع الذي ما انفك يغمره بعطفه كأب حنون .. وانطلق ليجلب حاجياته القليلة من السيارة وقد وضعها في حقيبة رياضية متوسطة الحجم ..

    دخلت حنان إلى حجرتها منبهرة بما ترى، لفت انتباهها ان أرضية الغرفة تئن تحت وطأة قدميها كلما مشت فيها، فالخشب العتيق قد اكل عليه الدهر وشرب، وبتآكله قليلا قد تباعدت المسافات بين ألواحه بينما استراحت الأرضية من تحتها مما جعل لها صريرا ينبئ بتأريخ طويل .. السرير الحديدي العتيق وقد ارتفعت قوائمه لتنتصب عليها ناموسية خفيفة بزرقة السماء .. الملايات المتعددة التي اكتسى بها السرير قد أضفت عليه رونقا بما حوته من تطريز يدوي بدائي وهو ذاته قد ارتسم على الستارة المزدوجة .. الملاية العليا والستارة الأمامية من نفس القماش الثقيل الذي بدى رغم عراقته غاية في النظافة والجمال .. كل شيء في الغرفة كان نظيفا فعلا ..

    باقي قطع الأثاث توحي بضخامتها بأنها من مخلفات القرون الوسطى، فبجوار السرير يرتفع دولاب صغير إلى مستوى المرتبة الصوفية، وقد وضعت عليه مزهرية صغيرة زينتها فيها وردة حمراء وبجوارها وضع دورق ماء زجاجي وقد غطي بطبق صغير..
    في صدر الغرفة نافذة خشبية صغيرة بيضاء اللون تطل على لوحة أبدع الخالق صنعتها فالحقول ممتدة أمام النظر لا يقطع المنظر سوى بضع شجرات مترامية دون تنسيق .. بالأسفل من النافذة وضعت طاولة صغيرة وبجوارها كرسي هزاز من خشب الزان والقش، إلى اليسار باب مفضي إلى حمام واسع به حوض للاستحمام أثري يرتفع على أربعة قوائم حديدية، وبجواره حوض صغير مستدير ..
    كل ما في الحمام يعمل بكفاءة وجودة عالية ..

    فيما كانت حنان تبدل ملابسها امام التسريحة الضخمة سمعت طرقات خفيفة على الباب وتناهى إليها صوت ربيع يبلغها بنزوله إلى الطابق الأرضي حيث سيكون بانتظارها لتناول طعام الإفطار..
    هبطت حنان درجات السلم قفزا حتى وصلت إلى الصالة، كان ربيع وسائد قد أوصيا سيدة المنزل على إفطار ريفي مخصوص، اتخذت مقعدها في المطعم في مواجهة ربيع وقد جلس سائد إلى يسارها وقد بدا متشاغلا بيديه وعينه عنهما بما أمامه من أدوات الأكل .. طاقم فضي عتيق يبدو أنه يتعرض للتلميع يوميا ..
    -
    أرجو أن تكوني قد ارتحت إلى غرفتك
    -
    الحمد لله .. انتقلنا فعلا من مرحلة الأحلام إلى جو الأساطير الخلابة
    -
    فعلا يبدو أن الاختيار كان موفقا جدا .. في جو الريف يعيش الإنسان على الفطرة، فكل شيء فيه طبيعي وقد أتقنت صنعته ..
    تسرب إلى خياشيمها عبق رائحة ذكية، انها ربة البيت تقترب منهم حاملة سلة الخبز .. وباليد الأخرى كانت قد رصت على راحتها وجزء من ذراعها ثلاثة أطباق متوسطة الحجم ..

    -
    ما هذا؟ يا للروعة .. صفي لنا يا سيدتي ما تقدمين لنا
    -
    سيدتي كل ما هو أمامك هو من صنع أيدينا، كلٌ في موسمه خبز ريفي طازج من الفرن مجهز من الحبوب الكاملة .. مربى التفاح البيتي .. قطع من الزبد البلدي ناصع البياض .. شرحات من اللحم المقدد .. وكله من خزين البيت يا سيدتي ..
    -
    سيدتي، لو بقيت عندكم أسبوعا فإنني بالقطع سأحتاج إلى ملابس جديد .. إننا نفتقد هذه العراقة المنزلية فعلا
    -
    اشكرك يا سيدتي على هذا الإطراء
    انسحبت من أمامهم بهدوء وهي مشرقة الوجه لتعود بعد قليل بأطباق البيض البلدي المقلي بالزبد البلدي مع شرحات من هام البقر الرقيقة ..

    -
    بسم الله .. هنا يمكننا الاستغناء قليلا عن الإتيكيت إذ لا أظن أن معدتي ستنتظر تلقيمها لقمة لقمة
    قالها ربيع مداعبا وقد امتدت يده لتتناول كرة من الخبز الساخن ليضعها في طبق حنان معيدا الكرّة مفرغا يده في طبق سائد ..
    سحر المكان، والانتقال عبر ساعة الزمن إلى قرون غابرة، جعل من التهام الإفطار الشهي مهمة غاية في السهولة والسلاسة..
    فيما كان ربيع يضع على كتفيه معطفه الصوفي الثقيل يقترح مشروعا لجولة صباحية
    -
    لا بأس الآن في الانطلاق خارجا فالشمس الساطعة تشجع على التمشي في الخارج، لعلنا نستطلع القرية وسوقها الصغير .. فقد قيل لي أنهم يبيعون هنا منتجات يدوية غاية في الإتقان ..
    -
    هيا بنا
    نهضت حنان لتتقدم ربيع فيما استأذن سائد في الذهاب للعناية بالسيارة وترتيب مكان وقوفها وتغطيتها بشكل جيد ..

    وبينما كان ربيع يرتدي بذلة من الجوخ الثقيل، كانت حنان ترتدي بنطالا صوفيا سميكا ومعطفا من الجوخ المخمل الثقيل ..

    طرق القرية لا تختلف كثيرا عن الحواري الضيقة في الأحياء القديمة بمدن الشرق العربي مع فارق ملموس، هو في النظافة ..
    انطلقا سوية باتجاه منطقة السوق الصغير تحت أشعة الشمس الحانية التي لا يكادان يشعران بحرارتها، بينما كان ربيع يمشي محاولا التمهل كي تواكبه حنان بخطواتها، فإنها كانت تكاد تطير مرحا وهي تتقافز بجواره، تمشي قليلا متعلقة بكلتا يديها بذراعه الأيمن بينما يده قد اندست في جيب معطفه، ثم فجأة تتخلى عنه منطلقة بقفزات سريعة لتواجهه من امامه وتسير بظهرها لبعض الوقت ..
    -
    ها هو السوق يا منية النفس ..
    -
    ما هذا بضعة حوانيت صغيرة متراصة ! أهذا كل شيء؟
    -
    ربما يكون هناك غيره دعينا نستطلع الأمر
    وصلا أول محل في السوق ونظرا اليه من الخارج فوجدا أنه يعرض بضائعه بشكل أنيق .. تقدما من البائع فإذا به ينبري معرفا على أفخر ما لديه من حاجيات منزلية وأقمشة مزركشة زاهية ..
    تحولا إلى المحل التالي .. يعرض هدايا وتذكارات مرتبطة ببيئة المنطقة الرائعة .. عقود كبيرة الأحجار بمختلف الأشكال والألوان .. أساور وحلقان نقشت بألوان مفرحة .. حقائب يد صغيرة صنعت من القماش المطرز يدويا بألوان فولكلورية جذابة ..
    امتدت يدها تتفحص كل شيء في المحل، فيما كانت عينا ربيع قد استقرتا على أيقونة على شكل قلب نحت من حجر كالياقوت الأحمر، تناولها بكلتا يديه وراح يتفحصها بعناية حتى إذا ما ضغط بإصبعه على جانبها انفلق القلب إلى نصفين مبرزا صورة صغيرة تملأه من الداخل لفتاة شقراء بدت كممثلة مشهورة يعرفها ..




    كعادة الرجال امتدت يده إلى جيب معطفه ليتناول محفظته سائلا البائع عن ثمنها
    ..
    -
    إنها من الياقوت الأصلي يا سيدي
    -
    لا .. لا .. نحن نعرف الياقوت أيها السيد .. يبدو هذا الحجر بأنه تقليد للياقوت
    ردت عليه حنان محاولة التبخيس في البضاعة حتى لا يغالي في السعر .. ضحك ربيع جذلا وأومأ برأسه للرجل أن يجيب على ادعائها
    -
    سيدتي سأكتب لكما صكا بالبيع .. ولتأخذاها للفحص لدى الصاغة، ولو لم تكن ياقوتا فإنني سأتعرض لمساءلة قانونية أنا لست بحملها
    سأله ربيع أن يضعها في علبة هدية تكون مناسبة لها وانقده الثمن دون مناقشة للسعر فيما كانت حنان تغلي لعدم اتاحته الفرصة لها لتستعرض على البائع مهاراتها الشرائية ..
    في محل آخر وجدا تشكيلة جميلة من المصنوعات الجلدية حيث اشترت حنان معطفا من جلد الماعز الجبلي الرقيق ..
    تسكعا طويلا بين مختلف المحلات حيث أمضيا وقتا ممتعا في تفقد البضائع المعروضة وانتقاء ما يجدانه مناسبا حتى إذا ما بدأت الشمس بالانحدار نحو المغيب سلكا درب العودة قبل أن يصعقهما برد المساء القارص ..

     

     



    التعديل الأخير تم بواسطة أسامة الكباريتي ; 2nd May 2013 الساعة 03:18 AM
     
    رد مع اقتباس

    قديم 3rd May 2013, 01:58 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 15
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    !For Medical Professionals Only

    دون جيوفاني

    ما أن دخلت حنان غرفتها حتى شرعت بهمة ونشاط فاندفعت لإعداد حوض الاستحمام .. فتحت الماء الدافئ بينما كانت تنتخب عددا من قوارير الزيوت المعطرة والمرطبة لتسكبها في مزيج متجانس مع الصابون ذو الرغوة الكثيفة ..
    ما أن اكتمل الاستعداد لحمام بديع حتى كان الماء يفور في الغلاية لتملأ منه كوبها الزجاجي وقد سكبت في كمية معتبرة من الزهورات الشامية التي فاحت رائحتها لتملأ الغرفة بشذى جذاب، لا بأس في إضافة قليل من عسل السدر الجبلي الحضرمي الذي أهداه لها ربيع يوم اللقاء الأول في جنيف ..
    حمل المذياع الذي سبق لها وأن وجهته إلى قناة موسيقية محلية أنغام لحن طالما سمعته ولم تلتفت إليه يوما .. كأنه أحد ألحان خاتشودريان الشهيرة ..
    حملت كوبها بكل حرص إلى الحمام حيث استقر بالقرب من رأسها على حافة الحوض بعيدا عن مصدر المياه حيث استلقت باسترخاء في الماء الدافئ وقد أنعشتها الرائحة المنبعثة منه فأسلمت نفسها لشبه إغفاءة لذيذة هي بين النوم الخفيف واليقظة المتخدرة ..
    انتهى اللحن الجميل ليبدأ من بعده بث كونشيرتو الكمان بتموجاته و استقطاباته للوعة الروح ومداعبته للعواطف الجياشة.. أحست بخدر في أطرافها بدأ يتسلل إلى جفنيها لم يكن ليقطعه سوى صوت قطرة ماء كانت كلما انبثقت من فوهة الصنبور انزلقت محدثة لدى ارتطامها بسطح الماء صوتا كأنها تحاول لفت الانتباه لانضمامها إلى جوقة الإنعاش التي تحتضن حنان كلها إلا رأسها الصغير الذي بدا طافيا على السطح باستكانة طفولية ..
    بين الفنية والفنية يتحرك ذراعها إلى ما فوق رأسها ليتلمس كأس الزهورات الذي بدأ يفقد حرارته وكأنه يتلهف اللقاء مع شفتيها ليسكب فيهما ما اختزنه من مكنونات الطبيعة الساحرة ..

    جاذبية المياه بدفئها وعبيرها بدأت في التغلغل هادفة أعماق روح حنان مستحضرة شريطا زهريا داعب وجدانها مستعرضا ما مر بها من لحظات حالمة أسعدت قلبها الذي استفاق على دفقا سعيدا من الأحداث والتطورات في رحلة الأحلام الوردية بما صب فيها ربيع من رحيق روحه العذبة ..
    غافلها الشريط باستحضار بعضا من اللمحات التي بزغت في عمق خيالها مميطا عن خباياها ما جهد ربيع بكل حرص على ألا يبرز أغراضه منها .. حتى في اختلافاتهما النادرة كان دوما هو الفائز بشغاف قلبها البض .. لقد سيطر بفروسيته النبيلة على شغاف قلبها حتى لم يعد للمقاومة مكان فيه ..

    ببطء وتراخ استدعت ما تبقى لديها من يقظة لتفتح عينيها المتكاسلتين اللتان فوجئتا بالليل وقد اطل برأسه على نافذة الحمام في متطفلا على الوقت الذي شاغلها عن نفسه مبقيا اياها في ماء قد شابه الفتور وفقد كثيرا من الدفء فيما تبددت فقاعات الرغاوى من حول نحرها وكأنها قد انسحبت إلى باطن الماء و نسيت أن تودعها ..
    فيما كانت تلف قامتها بمنشفة كبيرة تناهى إلى أسماعها لحن مقطوعة من أوبرا موزارت الخالدة (دون جيوفاني أو دون جوان) التي تعد درة مؤلفاته ومن ابدع الالحان واجملها .. لم تتمالك نفسها إذ بدأت تجوب مختلف أرجاء الغرفة وهي تتمايل بانسجام مع اللحن وقد شدها الطرب ..

    في هذا الجو الوجداني راحت تنتقي ما سترتديه لهذه الليلة البهيجة، استعرضت ما في دولاب الملابس تمسك بكل ثوب فيه وتفكر في مناسبته للجو العاطفي الذي قد ملك عليها وجدانها ..
    فبينما كانت روحها وثابة وقد استردت فجأة من الدفق العاطفي الجياش حيوية الشباب بمرحها وانطلاقها، ظلت روح المرأة الرصينة تحلق في سماء الغرفة محاولة الإمساك بلجامها وكبح جماح تلك الفرس الشاردة في أعماقها ..
    أخيرا استقرت على ما ستلبسه، شرعت في تصفيف شعرها الطويل ثم ربطته على شكل ذيل الفرس مكبلة اياه بشريط مخملي أسود عقدته على شكل مروحة صغيرة، تناولت زجاجة عطر الورد "الطائفي" وزجاجة مسك "المتسلق" لتمرر على جسدها خليط منهما ليعبق بالرائحة الذكية عن بعد ..
    ارتدت جيبة مخملية فاحمة السواد مع قميص أزرق بلون السماء الصافية، وأحاطت خصرها بجزام رفيع قد تناثرت عليه حبات من الألماس الأبيض، وانتعلت حذاءا أسودا من الشمواه معقود على مقدمته شريط أسود يماثل في ذلك حقيبة يد صغيرة حملتها وغادرت الغرفة بعدما اكتمل هندامها ..
    ما ان فتحت الباب حتى ألفت ربيع جالسا على مقعد في الصالة يقلب صفحات جريدة عربية اصطحبها سائد معه من جنيف ..
    -
    مساء الخير يا فارس الحلام
    -
    أسعد الله مساء أميرتي الفاتنة .. ما هذا الجمال الساحر يا مُنيَةِ الروح
    افتر ثغرها عن ابتسامة تجمعت فيها السعادة الفائقة التي تعيش لحظاتها الثمينة ورنت له بعينيها في نظرة سلبت له لبه
    -
    هكذا أنت يا ربيع لا تنفك تجامل بشكل مفرط حتى تجعلني أصدق الإطراء وتسقيني كأس غرور لست أهل له
    -
    لتثكلني امي لو خالط حديثي مجاملة او شابته شائبة نفاق .. فما أنا إلا واسطة .. عيناي تنقلان ما تريانه فيصيغه قلبي باستحسان لما تشغفه به آيات الجمال الفتان .. وعليّ أن أعذره إذا ما لم يستوحي ما يناسبك من أوصاف لم ترد في قاموسه الفقير ..
    تفضلي عزيزتي تقدميني إلى قاعة الطعام فقد أجهدت سيدة البيت نفسها في الاستعداد بما لن تنسينه من أطايب ما تتفنن في إعداده ..

    تقدمت حنان منه لتحتضن يده بكلتا يديها وقد تركزت عيناها في عينه .. ما أفصح لغة العيون .. كنت تنطق بسعادة غامرة مشبعة بامتنان عظيم
    -
    ربيع .. حقيقة .. وجودي بالقرب منك قد جعل مني إنسانة أخرى .. لقد رسخت في روحي شيء اعجز عن البوح بمكنوناته .. تعجز الكلمات عن التعبير عن مدى امتناني لكل ما شملتني به ..
    -
    حنان يا عزيزتي .. أنت من صنع كل هذا بالفعل .. فالفكرة كانت قد انبثقت عنك .. وتبلورت فيما بيننا .. ولولا إيجابيتك وحيويتك وسر ساحر دفين في أعماقك لما كنا في هذا اليوم .. فالشكر والامتنان يجب أن أتوجه بهما لشخصك ..
    أعتقد أن سيدة هذا البيت سوف يتسلل الملل إلى روحها من طول انتظارنا .. أرجو أن تتقدميني ..
    قالها فيما كان يرفع يديها ليطبع عليهما قبلة حانية مفسحا لها الطريق لتتقدمه إلى السلم الخشبي الموصل إلى الطابق الأرضي ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 3rd May 2013, 03:40 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 16
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    حطام قلب

    لم يكن من السهل على سيدة البيت الاختيار بين مئات الأطباق التي يشتهر بها المطبخ السويسري العريق، حتى بعد اختصار القائمة إلى الأصناف التي تشتهر بها هذه المنطقة من الريف السويسري، ومن ثم الأكثر اختصارا بحصرها في نطاق الأكلات الشتوية التي تبعث الدفء في الأطراف في هذا الجو القاسي ..
    حساء الخضروات السويسرية بالتوابل بداية طيبة .. ما أن انتهيا منها حتى تقدمت الصبية الشقراء تدفع عربة صغيرة وضعت عليها القدر الخاص "فوندو الجبن السويسري" وتشكيلة الصلصات بجوار أصناف الجبن الشهية ..

    -
    حيرتني رغبتي بتقديم ما يليق بكما، وأخيرا استقريت على ما تشتهر به سويسرا الساحرة، الفوندو وهي عبارة عن قطع من الجبن المغلي كثير الدسم مع التوابل في حلة تنصب على نار هادئة وتقدم قطع الخبز الصغيرة على شكل مكعبات والتي يتم غرسها في اناء الجبن بواسطة شوكة معدنية طويلة لبرهة من الوقت ليتم التهامها ساخنة لمقاومة البرد حتى لوكان الجو صيفيا
    -
    اختيار جميل يا سيدتي خصوصا عندما تصنعينه بنفسك ..
    أجابتها حنان بامتنان فيما قامت الأم بتجهيز فوندو الجبن وفق رغبة كل منهما .. لم تبخل عليهما بما كانت تختزن من مخللات ومشهيات لذيذة ..
    ظهرت نتائج إتقان الصنعة على وجه ربيع مع اول قطعة خبز بالجبن التهمها مما جعل جعله ينظر إلى السيدة بعينين تحملان آيات الشكر ممتزجة بمحبة خاصة فيما لم تتمالك حنان نفسها فتناولت القطعة التالية بإصبعيها وهي تشهق من الطعم المتميز ..

    قبل الانتهاء من تناول ما تبقى من الجبن تقدمت منهما سيدة البيت تعرض عليهما مفاجأتها التالية
    -
    سيدتي ما رأيك في الفوندو برغينيون سأدعكما تجهزانه بنفسيكما ..
    -
    حقيقة أنا لم أسمع بها من قبل .. لكنني شديدة الرغبة بالتعلم
    -
    سأقدم لكما كل شيء وأتابع إعداد كل منكما لطبقه
    -
    كيف سنقوم بإعداده؟
    -
    الفوندو برغينيون هي من أشهر الوصفات في المطبخ السويسري
    وهي عبارة عن قطعة فيليه تزن 600 غ مقطعة كل قطعة 50غ إضافة إلى 6 أنواع صلصة 3 بارد 3 ساخن .
    وهي لا تجهز مسبقا بل توضع على الطاولة وكل شخص موجود يعمل قطعته على طريقته الخاصة سواء في القلي أو في تحديد نوع الصلصة.
    - 600 جرام كثير جدا علينا
    -
    ستتناولان ما يكفيكما بالتأكيد إنما اعطيك فكرة عن أصل المكونات بالتفصيل
    -
    هذا حسن ..
    بدأت حنان في تجهيز طبقين لهما تحت اشراف سيدة البيت في جو غاية في المرح .. شعرت بمتعة كبيرة في الأداء

    قصة الأمس
    بعد الانتهاء من العشاء انتقلا إلى الصالة العلوية ليمضيا شطرا من الليل سويا ..
    أعد ربيع فنجالي قهوة تركية كان قد أخرج لوازمها وأدواتها من غرفته لهذا الخصوص ..
    -
    ربيع .. انت وعدتني بشيء أراك قد أجلته كثيرا
    -
    لا أذكر أنني لم أوف بوعد قطعته لك
    -
    حاول ان تتذكر .. شيء تريد أن تبوح لي به
    فكر قليلا ثم فجأة تغير لون وجهه بشكل ملحوظ وخرجت الكلمات من فمه بطيئة وغير منتظمة
    -
    تلك قصة قديمة .. لا أعتقد ..... بل أجزم بانها لن تكون موضع اهتمام لديك
    -
    بل ان تأجيلها يكاد ان يوحي لي بأن وراء الأكمة ما وراءها
    -
    لا باس .. لكنها قصة طويلة نسبيا .. ولا بد من سرد خلفية تخصني حتى تستوعبيها بشكل سليم
    -
    كلي آذان صاغية .. تفضل
    -
    إنها قصة جرح غائر تعمق في قلبي كثيرا .. ولم يكن من السهل علي تجاوزه والمضي قدما في حياتي بالرغم من الأثر الدائم الذي لازمني عبر مراحل طويلة في مقتبل العمر
    تربيت في بيئة محافظة .. في البيت اعتدت أن أعزل نفسي عن أخواتي من البنات أثناء اللعب والمرح .. فكانت البنات تلعبن مع اترابهن من بنات العائلة، والأولاد يخرجون للعب في الحارة مع اترابهم ..
    عندما كبرت شقيقتي الأصغر مني مباشرة صرت أغادر البيت كله بمجرد دخول صديقة لها للبيت ..
    انهيت المرحلة الثانوية وقررت السفر إلى أمريكا للدراسة هناك، كان علي أن أمضي بعض الوقت في عمان للتقوية في اللغة الإنجليزية واداء بعض المصالح فيها .. كان ذلك في منتصف الستينيات من القرن المنصرم ..
    سافرت إلى رام الله عبر مطار قلندية القريب ..
    أمضيت بضعة أيام لدى أقارب لي هناك ..
    انتقلت إلى عمان لقيم لدى أقارب آخرين حيث شرعت في تعلم اللغة الإنجليزية في معهد لغات تابع للمركز الثقافي الأمريكي .. أبليت في الدراسة بلاءً حسنا .. وتعلمت في نفس الوقت الضرب على الآلة الكاتبة باللغتين العربية والانجليزية ..
    العائلة التي أقمت لديها كانت تتكون من قريب لوالدي وزوجه التي كانت أيضا قريبة له، وابنتاهما الصبيتين، فيما كان ولداهما الكبيرين متزوجين ومستقلين في السكن، بينما كان الابن الأصغر قد سافر إلى إحدى دول الخليج سعيا للرزق ..
    كان الأب يمتهن عمل الطهارة حيث يقوم بختان الأطفال ويقيم ببلدة الكرامة في غور الأردن ولا يعود إلى بيته إلا في نهاية الأسبوع ..
    في هذا الجو الجديد علي تماما من حيث المكان فالبيئة مختلفة تماما عن تلك التي ترعرعت وسطها .. ومن حيث المحيط السكني حيث استبدل الأهل المباشرين بأقارب من الدرجة الخامسة أو السادسة ..
    كنت اشعر بالحرج الشديد في الاستمرار بينهم، لذا قررت المغادرة فور انتهاء مرحلة الضيافة واستئجار غرفة في سكن يكون قريبا من معهد اللغات ..
    فور سماع العم أبو رجاء بطلبي البحث عن غرفة مناسبة حتى امسك بيدي وتوجه بي إلى غرفة الجلوس بالبيت حيث وضع الفراش الذي أنام عليه في ركن منه ونظر في وجهي متفرسا فيما كان يقول
    -
    ألا تعجبك هذه الغرفة يا بني، ام أن بيتنا ليس في المقام الذي يناسبك ..
    -
    أبدا يا عمي لكنني أريد أن أستقر في السكن .. فالدورة بالمعهد كما تعلم تستمر لثلاثة أشهر، وأنا قد انتهت ضيافتي، وعرفتموني مشكورين على كل الأماكن التي يلزمني التردد عليها و ..
    -
    وماذا بعد .. أتظن ان من السهولة علينا أن تخرج من تحت رعايتنا المباشرة والسهر على راحتك لتعيش جامعا بين الغربية والوحدة ..
    -
    يا عم أنا يشهد الله
    -
    وأنا أشهد الله أن إقامتك بيننا قد كانت عند قدومك عبئا ثقيلا لم أكن احتمله .. خاصة وأنا كما تعلم لا أقيم هنا طوال الأسبوع .. فيما بعد .. بعد ايام قلائل بات تغيبك لسويعات عن البيت يجعلنا نجلس أنا وخالتك ساهمين نرقب عودتك بين لحظة وأخرى ..
    -
    هذا لطف منك وقد أثلج صدري فعلا والمسه بنفسي قبل أن تصرح به ..
    -
    إذن ماذا بقي؟ يا ولد أتظن انك قد كبرت .. لا تنس أنني من قام بختانك قبل أن تكمل أسبوعك الأول .. الموضوع منتهي قبل أن يبدأ .. ويوم تشعر بالضيق منا لن أقف في سبيلك على الإطلاق ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th May 2013, 04:41 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 17
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    في الصباح الباكر كنت أستيقظ وأنا في قمة نشاطي، بينما يكون أهل البيت يغطون في سبات عميق إلا من الخالة التي كانت تستيقظ مع آذان الفجر للصلاة، ثم تعود إلى النوم من جديد ..
    تعمدت السهر والنوم متأخرا دون جدوى، الاستيقاظ المبكر لازمني طوال رحلتي في الأردن ..
    تأقلمت مع الجو، كنت اخرج من البيت مستكشفا الحي مع زقزقت العصافير التي كانت ترافقني في جولاتي المتكررة ..
    ذات يوم أصابني الملل من الجلوس وحيدا بعد أكثر من ساعة من الاستيقاظ .. قررت اقتحام عرين الأسد، غرفة النوم الوحيدة في المنزل، حيث تنام الأم وبنتيها، كان البرد شديدا في الخارج، وما أن فتحت الباب حتى دخلت معي نسمة ساقعة جدا فتحت عيني الخالة التي تبسمت في وجهي وأشارت إلي بيدها أن أرتقي السرير وأتمدد بجوارها، كيف ذلك والبنت الأكبر تنام بجوارها، هززت لها برأسي، وغادرت لا ألوي على شيء ..
    عدت إلى غرفتي الباردة، فجهاز التدفئة يتم إقفاله عند النوم توفيرا لزيت الكاز ودرءً للخطر المحتمل .. جلست على أريكة في صدر الغرفة .. وفتح الباب وأطلت الخالة التي تبعتني بابتسامتها الحانية
    - أكنت تريد شيئا
    - نعم ظننت انك لا تعودي للنوم بعد الصلاة فأحببت أن أسامرك
    - البرد شديد في الخارج .. ودفء الفراش يجتذبني للعودة إليه حيث لا شيء أفعله حتى يستيقظ الجميع
    - آسف يا خالتي .. فلقد أفسدت عليك نومك عن دون قصد
    جلست بالقرب مني تسامرني وقد طار النوم من عينيها، قصص و حواديث لا تمل تكرارها عن يوم مولدي والأوضاع في البلد وعقوق الأولاد ..
    ولم أكن لأمل تكرارها، بل أستزيد ، فقد كانت طريقتها في السرد وتعابير وجهها الطيب تجتذبني فعلا، كنت أرى فيها جدتي التي أفتقدها بشدة ..
    لم ننتبه للوقت، وعلى حين استفاقة بين قصتين انتبهت إلى الفتاتين تجلسان كقطتين صغيرتين تحت أقدامنا على الأرض وهما مستقطبتان لما تسمعان من امهما ..
    أفلتت مني ضحكة للمفاجأة الحلوة .. لقد تحولن جميعا من غرفتهم لمشاركتي مسكني بسبب حركة رعناء قمت بها .. كم أنا مزعج .. في ثوان معدودات تحولت الضحكة التي لاقت صدى لدى الجميع إلى وخز ضمير انطلقت ألهج به لإخراجهما من دفء مختزن تحت اللحاف ليجلسن من حولي بلا غطاء ..
    قررت أن أذهب لجلب طبقين من الفول الساخن والحمص بالطحينة من دكان فوال بالقرب من المنزل فيما شرعت الفتاتان في تقشير البطاطس والباذنجان لقليهما لوجبة الإفطار ..
    قررت لي الخالة أن أنضم إليها في فراشها عند استيقاظي، ولا بأس في زحزحة ليلى قليلا لتوسع لي مكانا اتمدد فيه بينهما مشاركا إياهما اللحاف ..
    منذ ذلك الحين لم أعد أشعر بوحشة سويعات الفجر كما كنت في الماضي القريب .. فقد كنت قد بدأت أشعر بالأنس بينهما مستحثا الدفء في جسدي ولا بأس في استعارة بعضه منهما في البداية .. فأراني أغط في سبات عميق من جديد لا أستيقظ منه الا حوالي الثامنة لأذهب في مشوار الفول والحمص في أغلب الأحايين .. كنت أتصرف ببراءة طفل كبير ..

    ذات صباح .. لم أذهب اليهم كما هي العادة .. بل لم أغادر فراشي .. إن هي إلا برهة وجيزة حتى ألفيت باب غرفتي يفتح بهدوء .. تسللت إلى الداخل ليلى .. ظنت في البداية أنني نائم .. لكنها لاحظت من ارتعاشة اللحاف أنني أرتعد من البرد .. بخطوة واسعة كانت تنحني فوق رأسي الذي بدأت تتلمسه .. هالها ارتفاع درجة حرارتي بشكل مخيف .. انطلقت مهرولة إلى خارج الغرفة وقد ندت عنها صرخة مرعوبة .. في ثوان معدودات كانت الخالة تجلس فوق رأسي وقد حملت معها منشفة صغيرة فيما أحضرت ليلى إناء كبير به ماء بارد ..
    - كمادات الماء البارد سوف تساعد في خفض حرارتك يا بني
    - سوف أحضر له أقراص النوفالجين يا والدتي
    دخلت الابنة الصغرى "آمنة" تحمل شريطا من النوفالجين حيث أجبرت على ازدراد قرصين منه على عجل ..
    بينما ذهبت آمنة لتجهيز كوب من الحليب الساخن، احضرت ليلى بضع ورقات من جريدة قديمة وفتحت أزرار قميص النوم لتضعها فوق صدري مباشرة
    - هذه سوف تعزل البرودة عن صدرك وتشعرك بالدفء .. إنها مجربة ..
    - لقد أتعبتكم معي .. لم اكن أعلم بأن قليلا من البرد سيشعل النشاط في البيت في هذا الوقت المتقدم
    - لقد أخافتني حرارتك العالية .. لقد كانت أسنانك تصطك بشكل مرعب
    - لقد كانت أسناني تصطك فزعا من فتح الباب .. لقد ظننتك لصا يقتحم علي الغرفة
    ارتسمت على وجهي ابتسامة متخابثة وإن علا وجهي الشحوب .. كانت عيناي حائرتين بين الخالة وليلى، فقد كانت الخالة حريصة على إبقاء الكمادات باردة .. بين الفنية والأخرى كانت تطبع على جبيني قبلة كنت أشعر بأنها تتفحص حرارتي بشفتيها الرقيقتين ..

    لم تدم الحالة طويلا، إذ سرعان ما بدأ النوفالجين يعطي مفعوله الملطف للحرارة بمساعدة الكمادات الباردة ..
    غادرت الخالة الغرفة لتأدية صلاة الفجر تاركة لليلى مسؤولية متابعة الملاحظة عن قرب .. من حين لآخر كانت تمرر راحتها على جبيني تقيس بها حرارتي التي بدأت في الانخفاض بشكل تدريجي ..
    بدأ العرق يغطي وجهي ورقبتي بغزارة بمفعول الدواء .. وتحولت العملية من التبريد إلى التجفيف .. كانت ليلى تتابع مسح العرق عن جبيني ووجنتي تارة ورقبتي وصدري تارة أخرى فيما كنت مستسلما في مكاني لا ابدي حراكا.. لكنها لم ترفع ورق الجريدة الذي تبلل بالعرق .. قمت بفتح صدري من جديد لرفع الجريدة فبدأت بتجفيف صدري بنفس المنشفة .. بدأت أتعرض لمشاعر لم أكن قد خبرتها من قبل .. كان لابد لي من التخلص من هذا الموقف الذي يكاد يعصف بي ويقلب كياني .. بكل هدوء .. امسكت بيدها وأخذت المنشفة منها وتوليت بنفسي امر التجفيف فيما كانت عيناي تنطق بالشكر والامتنان وإن كان صدري قد بدأ يخفق بشدة .. لمزيد من التحرر من إطباقها علي طلبت منها أن تجهز لي كوبا من الشاي بالنعناع ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th May 2013, 05:25 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 18
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    نتابع........... قصة الأمس

    لم تكن هناك تطورات تذكر في علاقتي بالعائلة فيما بعد، رب العائلة يأتي بانتظام حاملا معه من غور الأردن لحم الضأن البلدي الطازج والزبد الفلاحي وكل شيء يجده طبيعيا مما لذ طعمه ولا تجد له مثيلا في عمان على الإطلاق ..
    والخالة تحيطني برعايتها وعطفها وحنانها بما أنساني حضن أمي وحنان جدتي التي هي شقيقة الخالة، فقد كانت خالة والدي ..
    البنتان تحرصان على توفير سبل الراحة لي والجو الملائم للدراسة حيثما جلست، كانتا تتباريان في إعداد القهوة في مواعيدها والشاي في كل الأوقات، فكنت أبذل قصارى جهدي في الدراسة من جهة وتلبية طلبات المنزل فورا كلما كانت هناك حاجة ..

    تقدم شاب لخطبة الفتاة الصغرى، كان مناسبا من جميع الجوانب فقبلت خطبته بسرعة .. وبدأ الخطيب في التردد على البيت مما اضاف علي مسؤولية جديدة، كانت الأم تصر على تواجدي مع الخطيبين باستمرار وألا ينفردا معا بأي حال، لم أمهلها طويلا حتى أقنعتها بأن الرقابة عن بعد تعطيهما شعورا بالمسؤولية أولا وتتيح لهما التفاهم بينهما دون أية ضغوط او إحراجات .. تركتهما معا في غرفة الجلوس وخرجت بكتابي لأجلس في حوش البيت الصغير تحت الدالية، إن هي إلا دقائق معدودات حتى وجدت الشاب يتقدم مني ويتغنى بالجو الدافئ تحت الشمس والهواء العليل خارج الغرفة .. استشعر بالمسؤولية وفضل الجلوس غير بعيد عني فأكبرت فيه ذلك ..

    بدأت أتفكر في أمر ليلى، بمختلف المقاييس هي لم تبلغ العنوسة بعد لكن في مقاييس ذلك الزمان فإنها يكاد يفوتها قطار الزواج، فأترابها كلهن قد تزوجن بل صار لبعضهن أولادا .. وهي تجلس في البيت تترقب طارق لبابها لم يأت بعد ..
    بت أرقب في عينيها انكسارا خفيا ربما لم يلحظه أحد غيري، حتى كوب الشاي صارت تشيح بوجهها عني وهي تقدمه لي، وكأنها تدرك من نظرة عيناي مالم أصرح به البتة .. تجمعت في خاطري مشاعر هي خليط من العطف الممتزج بالرجاء أن تلفت انتباه احد .. أي أحد .. فهي لا ينقصها جمال ولا ادب ..
    سألت والدتها ذات مرة -وقد أفضت إلي بشجونها حول ليلى- عن سبب هذا التأخر في إدراك النصيب .. أجابتني بأنها كانت تخطب في سن مبكرة لكننا كنا نرفض لصغر سنها، فقد كانت دون السادسة عشرة وإن بدت أكبر من ذلك فالبنات تفور بسرعة وكثيرا ما تنضج البنت قبل أوانها ..

    لكل بداية نهاية، والدورة اللغوية التي كنت قد انتظمت فيها قد شارفت على الانقضاء .. أجرت لنا المدرسة الامريكية اختبارا تجريبيا هو ما قبل الاختبار النهائي فكنت الأول على الفصل الدراسي وبعلامات ارتقت إلى مرتبة الامتياز، ثم كان ان تقدمنا للامتحان النهائي الذي كانت أسئلته وزمنه ضعف الامتحان التجريبي .. انقطعت بعدها عن المعهد ..

    بدأت في الاستعداد للمغادرة ولكن ببطء .. راسلت الأهل بخصوص المرحلة القادمة .. وبدأت بالشعور بعدم الاستقرار من جديد ..

    تحركت مشاعر جديدة لتحل محل الشعور بالعطف على ليلى، اكتشفت أنه لم يكن عطفا بل شيء من عاطفة تجمعت في ثنايا صدري عبر شهور وكأنها كانت تتسلل في غفلة مني لتقض مضجعي فيما بعد .. بت أتوق شوقا للعودة إلى البيت كلما غادرته لأي سبب كان .. صار تواجدها أمام عيناي يلهب صدري ويخفق له قلبي، لكنني لا أقوى على المكوث لدقائق في غرفتي بعيدا عنها .. بدأت أفتعل الأسباب لأختلي بها، حتى إذا كنا بمفردنا اطبق فمي على لساني فلا أنبس ببنت شفة ..
    كنت اشعر من سرعة استجاباتها لحركة صغيرة من رأسي أو بطرف عيني أنها تعيش معي على نفس الوتر المشدود الذي يلهب أحشائي .. بسمة هادئة ترتسم على شفتي يشرق لها وجهها وكأنني قد اهديتها الدنيا بما فيها ..
    لم يدم السر في طي الكتمان، شعرت بعيني الخالة قد تبدلت ونظراتها باتت ذات مغزى لم يسبق لي أن خبرته فيهما، لم اكن بذلك الآبق الذي يغدر بمن أكرموه وآووه، فكان لزاما علي البوح بما يعتمل به صدري للخالة أولا، من عينيها فهمت مالم تقله، ليت هذا يصلح .. فارق السن بينكما لا يمكن تجاوزه .. أحس بعاطفتك .. وأدرك جيدا معاناتك .. الصمت الذي التزمته معها فيه من كرم الأخلاق مالا أنكره .. ربما ما تشعر به نوع من العطف عليها ..

    انتقلت بطلبي وبكل جرأة إلى الأب فور حضوره، التزمت بالدخول من الباب فاحترم فيَّ أمانتي وإخلاصي، ورفض بشدة ففارق السن وطول الانتظار حتى اتخرج من الجامعة ليسا مما يسهل تجاوزهما ..
    طال الجدال بيننا .. تحرك لساني بدفق عجيب لم أكن أتخيله .. ومكث الحاج بيننا طوال الأسبوع محاولا إقناعي بحججه، التقينا في منتصف الطريق، أو بما هو أقرب إلى جانبي، فاتفقنا على عدم الإعلان عن الأمر، وأن التزم الصمت حتى ما بعد التخرج، ثم يكون لكل حادث حديث ..
    كاد قلبي يطير فرحا بالحل الذي اعتبرته في صالحي تماما، حقيقة لا يحمل اي التزام سوى الشق الأدبي منه وهذا يرضي كل رغباتي ..

    كان هناك صديق للعائلة صاحب شاحنة اعتاد ان يوصل بضائع من الأردن وسوريا ولبنان إلى مختلف دول الخليج .. أقنعني بمرافقته في رحلته القادمة حيث يحمل بضائع إلى أبو ظبي، ولسوف أستمتع برفقته عبر الصحارى العربية ..

    وجاء يوم السفر، لم تكن ليلى بقادرة على مداراة ما اشتعل في صدرها بسبب هذا اليوم الذي لم تكن تتمناه .. فانفجرت بالبكاء وهي تشملني بعينيها الملتاعتين وقد ارتجفت شفتاها اللتان لم تفرجا عن آهة واحدة .. كنت أشعر بخضم مشاعرها التي تقاطعت مع ما يجيش في صدري .. فما أصعب الوداع .. الصامت..
    طلبت من الخالة أن تزودني بزجاجة من زيت الزيتون الممتاز الذي لديهم .. دخلت ليلى معي لمخزن المونة حيث رصت صفائح الزيت بأنواعه والسمن واكياس الحبوب .. حملت بكلتا يدي صفيحة الزيت وانحنيت إلى الأمام فيما رفعت ليلى الزجاجة بيدها وانحنت في المقابل لأصب فيها الزيت .. بينما كان الزيت ينساب ببطيء من الصفيحة تلاقت عينانا .. تبادلتا كل الأحان الملتاعة .. طال حديث العيون اللتان بدأتا في التقارب .. حتى شعرت بصفيحة الزيت تتفلت من بين يداي ..

    غادرت المكان مسرعا تاركا ليلى تكفكف دمعها المنهمر .. وتمسح عن الأرض ما انسكب من زيت .. بعدما وعدتها بلقاء في القريب والحفاظ على العهد ..



    ليلى .....
    لحقت بي ليلى إلى باب البيت .. مدت مدها مسلمة .. وعيناها مغرورقتان بالدمع .. وأنا الذي ظنت أن دمعتي عزيزة، سكبت من الدمع الكثير قبل ذلك وأنا أقبل الخالة الغالية ..
    أفلتت يدي من يدها وقد استقرت فيها قطعة من الورق المقوى حتى إذا ما استقريت في سيارة الأجرة نظرت إلى ما أودعت في يدي فإذا بها صورة صغيرة بها كانت آخر شيء تعطنيه ليبقيها ملاصقة لقلبي ..

    رحلة السفر عبر الفيافي والفقار كانت طويلة وحافة بالمفاجآت، معظم الطريق لم يكن معبدا، وعلى الشاحنة في كثير من الأحيان ان تشق لها دربا جديدا بعدما أتلفت الشاحنات الدروب السابقة ..
    فوجئ الأهل بوصولي عصر ذلك اليوم من رمضان .. فكان لهم عيد مبكرا .. وأي عيد ..
    بعد الهدوء والصمت الجميل في عمان، عدت إلى ضجيج إخوتي وأخواتي، كان من المفترض أن يكون ذلك مؤقتا، لكن الظروف اختلفت، ولم يكن مكتوبا لي أن ألتحق بالجامعة ذلك العام، عدت للمذاكرة من جديد، فقد اتفقت مع الوالد على تقديم الثانوية العامة من جديد، وأن التحق بعد ذلك بإحدى الجامعات المصرية ..
    رغم أنني قد تقدمت لامتحان الثانوية العامة من منزلي (نظام منازل) إذ لم أكن منتظما في المدرسة الصباحية ولا المسائية، إلا أنني تقدمت الصفوف بشكل لم أصدقه، فقد كان ترتيبي الخامس على مستوى البلد ..

    التحقت عبر مكتب التنسيق بجامعة في القاهرة، وبدأت مشوارا جديدا لم يسبق لي أن سبرت غوره من قبل .. ولكنني كنت محاطا بعناية خاصة، فقد سبقني صديقان بالتسجيل في طب عين شمس وطب الأزهر .. فكانت مجرد مجاراتهما في المذاكرة ولو ليومين في الأسبوع كافية لأن أكون جاهزا باستمرار فقد كانت الدراسة في كلية التجارة أهون من الطب بمراحل ..

    في ذلك الزمان كانت وسيلة الاتصال الوحيدة بين الطالب وأهله هي المراسلة .. كنت أرقب قدوم الرسالة من والدي على أحر من الجمر، وكنت أمتع ناظري بها مرارا وتكرارا أشمها، ألثمها ثم أعيد تشنيف ناظري بحسن خط الوالد الغالي، كان خطي يشبه خطه، لكن وهو الأصل كانت كلماته ذات شكل ولون ورائحة مميزين ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 5th May 2013, 07:11 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 19
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    حَرَجْ

    ذات يوم وصلتني رسالة من والدي ينعي إلىَّ زوجة عمي الأوسط بعد الولادة بقليل .. فقد نقلت من مستشفى الولادة إلى المستشفى العام في حالة طوارئ .. وتوفيت هناك أثناء عملية جراحية عاجلة اجريت لها .. يقولون أنها لم تحتمل جرعة المخدر بسبب الربو .. رحمها الله ..
    حزنت كثيرا لفقد هذه المرأة الطيبة .. عِشرة عمر .. تذكرت أفضالها علي في طفولتي وصباي .. وذهب بي الفكر حول أطفالها ..
    قبل أن أشرع في كتابة رسالة تعزية لعمي وللأهل .. تلقيت رسالة ثانية يخبرني فيها والدي بأن عمي قد غادر إلى عمان للزواج .. فالأولاد كثر .. ولا تقدر الجدة على القيام بأعبائهم وهي في تلك السن ..
    في الصفحة الثانية كانت الصاعقة .. فوالدي يخبرني بأنهم قد رشحوا له .........
    ليلى

    من بين كل بنات حواء لم يتراءى لهم سوى من اعتلت عرش قلبي ..
    لِمَ ليلى بالذات ..
    أذهلني ما قرأت ورحت اجول بفكري لعلي أجد لي مخرجا من هذا الوضع الدقيق الذي ألفيتني أقاسيه
    ..
    أخرجت الصورة التي لم تفارق جيب القميص فوق قلبي مباشرة .. ورحت أناجيها .. ليلى أيعقل أن ترضين؟ والدك وعدني .. وأنت وَدَّعْتِني على العهد .. آخر ما لامست يدي كان دمعك الغالي .. فما تراك فاعلة؟

    خرجت من البيت لا ألوي على شئ .. بقيت هائما على وجهي ما تبقى من النهار وجانبا طويلا من الليل
    ..

    يا ليل .. داري شجوني يا ليل .. أولست سمير العشاق أيها الليل .. لِلِّيل صداقة متينة مع العاشقين .. أما أنا فقد خاصمت تلك الليلة السوداء .. أحالك سوادها أم أن عيناي تعكسان شقاء روحي .. ايها الليل البهيم أنِّى لك الإطباق على ضلوعي بهذه القسوة .. يا ليل .. ارحم مآقي فقد سالت مدامعها معتصرة قلبي المفجوع ..

    أفقت من غيبوبة روحية لأجدني اتجول في أزقة حي من أحياء القاهرة القديمة .. لم أعرف المكان .. ولم أكن احمل ساعة على معصمي .. سألت أحد المارة عن المكان والوقت .. قرابة الفجر .. في منطقة الظاهر بيبرس ..
    حبيبي أيها الفارس الهمام .. لكن قلبي الكسير قد أنهكه الفكر ..
    ليلى ستصبح زوجة عمي!!
    طبيعة العلاقة بين الأهل لا تفرق بين بيت وبيت ..
    أي انني سأكون مجبرا على دخول بيتهم في مختلف الأيام والأوقات .. وليس من المعقول أن تنفر زوجة العم من ابن الأخ وبخاصة انه أمضى لديهم شهورا طويلة
    ..

    لن تشاهد وجهي إطلاقا .. سأتحاشى بيتهم ما حييت .. لكن أيعقل أن تقبل به بعدما دار بيننا .

    أي غضب هذا .. أعقوبة إلهية .. أم ابتلاء؟

    عدت أدراجي إلى البيت .. لم يكن صديقاي قد استسلما للنوم وقد استبد بهما القلق لغيابي المفاجئ .. فكان ان انهالا علي بالأسئلة والعتاب معا .. نظرت إليهما بعينين زائغتين وانسحبت إلى غرفتي بهدوء ..
    لحقا بي وقد استبد بهما القلق .. ماذا أقول لهما ؟ وهما لا يعلمان بليلى .. وآه يا ليلى ..
    - أبدا .. حزنت كثيرا على امرأة عمي المتوفاة
    - خبر قديم والآن تذكرت أن تحزن
    - لا أحزنني عدم الوفاء .. تخيلا أن تُربتها لم تجف بعد وها هو قد ذهب للزواج من أخرى
    - لا أصدق .. كيف عرفت؟
    - من رسالة جديدة استلمتها اليوم

    لم يمض أكثر من أسبوع حتى وصلتني رسالة ثالثة من الوالد .. عمي غادر عمان إلى دمشق للبحث عن زوجة هناك ..
    زاغ بصري .. واشرأب عنقي
    وماذا عن ليلى؟
    وجد أن ليلى قد تزوجت ..
    لا شعوريا وجدتني أحمد الله على ذلك
    فلقد خلصتني بزواجها من مأزق أزلي

    خلال أشهر قلائل .. تتم خطبتها وزواجها!!
    دخلت في غيبوبة فكرية .. تجمدت أطرافي على الورقة .. الرسالة ..
    هذه المرة
    لم أبك
    تحجرت مآقي ..
    كيف لي أن أبكي على من نستني قبل أن أغادر الحدود الأردنية وربما قبل أن أغادر عمان ..
    ليسترها المولى .. فهي تستحق كل خير .. كفاها ما عانت في انتظار النصيب ..
    بالتأكيد أن والدها كان عقلانيا وواقعيا ..
    أيعقل أن يجعلها تنتظر سنين طوال على أمل في علم الغيب ..

    ربما كان والدها أو شقيقها الأكبر من وافق على العريس فورا ..

    آه يا ليلى
    بهدوء وكامل وعي
    أخرجت صورتها
    انتزعتها عن قلبي
    لم يعد من حقي الاحتفاظ بها بعد الآن ..
    بالتأكيد أنها قد تخلصت من صورتي ..
    بل ربما من كل الصور التي أخذناها سويا في البيت مع افراد العائلة
    ..

    لم أشعر بأصابعي وهي تمزق قلبي إربا إربا ..

    ومع بقايا الصورة .. نزف قلبي آخر أحاسيسه نحو حواء ..

    جفت ينابيع العاطفة في خبيئة نفسي .. ولم يعد لتاء التأنيث مكان في حياتي ..

    مررت بالجامعة وقلبي بلا حراك .. لم يستجب لأي نداء بعد ليلى

    زميلة لي ظلت قرابة العام تتقرب إلي .. لكن قلبي المقفل لم يحرك ساكنا

    حتى في عيد ميلادي .. ارسلت لي هدية اسطوانة ل "نجاة" ..

    الطير المسافر

    ولم تحرك عواطفي .. مع انها تستحق مني عكس ذلك

    حتى زملاء الدراسة والسكن أنبوني .. ردي كان جافا

    لا مكان في قلبي لغير الوطن .. أنا لا أستحقها

    دعوها بدون علمي إلى حفل رتبوه لي ..

    المرة الأولى في حياتي التي يحتفل بها أحد بيوم مولدي

    خرجت في نهاية الحفل وقد فهمت أنه لا رغبة لي

    بأي أنثى كانت ..

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 6th May 2013, 09:53 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 20
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    حضن جبل

    التفت ربيع نحو حنان وقد أنتهى من البوح بما كان يخفيه لسنين طوال، فوجئ بعينيها وقد احمرتا من كثرة البكاء، لم يكن قد تخلص بعد من لواعج قلبه التي أتعبته وهو يسرد حكايته مع حواء، فجاهد نفسه طويلا حتى استطاع أن يرسم ابتسامة حانية على وجهه ..
    - حنان .. لم أكن لأخبرك بذلك لولا حرصي على أن اكون أمينا مع نفسي
    - لقد عانيت كثيرا وأنت في مقتبل العمر .. لا شك انك أيضا قد تركت في نفس ليلى الأثر نفسه ..
    - بل كلي قناعة بأنها قد نستني فور زواجها
    - بالتأكيد أنها قد عانت بصمت ..
    - لم أسأل عنها البتة فقد ألغيتها من حياتي بعدما أصبحت في عصمة رجل آخر
    - ربما يكون هذا سبب آخر لمعاناتك دون ان تدري
    - ألا تشعرين بالنعاس .. الوقت متأخر ولا بد لك من النوم قليلا قبل أن يبزغ الفجر
    - اجل علينا ان ننام

    هب واقفا ليمد يده مساعدا حنان على النهوض متمنيا لها احلاما سعيدة وتحول الى غرفته وهو اشبه ما يكون قد افاق من كابوس مزعج حمد الله على خروجه من دخيلة نفسه ..

    في تلك الليلة استغرق ربيع في النوم حتى أنه لم يشعر إلا وكف سائد تمر على جبينه وقد بدا القلق مرتسما على وجهه، فيما كان ربيع يتفرس في وجه سائد باستغراب طفق السائق الوفي بالحديث عما اعتراهم من قلق عليه
    - سيدي انها الظهيرة .. لقد كنت مستغرقا في النوم حتى أن طرقاتنا على الباب قد فشلت في ايقاظك .. ولقد انتابنا قلق شديد عليك مما دفعني إلى فتح الباب الذي لم يكن مغلقا بالمفتاح بعدما استدعيت صاحب النزل لهذا الغرض
    - لا بأس يا سائد انه الإرهاق ليس إلا .. أنا بخير والحمد لله .. بل إنني أشعر بأنني في قمة نشاطي .. فقد نمت كما لم أنم من قبل ..

    وقفت حنان بباب الغرفة وقد عادت الحياة إلى وجهها لدى مصافحة صوت ربيع لمسامعها وهي في الخارج ..
    - لقد جعلتنا جميعا نرتعد خوفا عليك
    - الحمد لله كانت ساعات نوم افتقدتها منذ زمن
    - يفترض فيك النوم جيدا هذه الأيام .. فنحن في اجازة .. راحة واستجمام
    - بل انني احرص ما استطعت على ألا أضيع وقتي بعيدا عنك
    - هيا انهض واستعد نشاطك فقد ذهب جل النهار وانت راقد

    قفز ربيع من سريره فيما كان سائد وحنان يغادران الغرفة وتوجه إلى غرفة الحمام حيث أنعش جسده بحمام دافئ على عجل ..

    عندما غادر ربيع غرفته وجدها تجلس متأهبة على حافة الأريكة وقد بدت على وجهها ملامح قلق شديد فيما كانت عيناها تقاوم دعتين تترجرجان بين جفونها
    - ما بالك يا قمري المنير .. أرى أنك لست على ما يرام .. أهناك ما يعكر عليك صفوك
    - وهل لدي غيرك يا اميري يثير الرعب في صدري وينهك تفكيري .. أثار طول رقادك في قلبي فزعا شديدا .. ألسهرتنا البارحة علاقة بهذا النوم
    - يبدو لي ذلك .. خاصة وانني قد شعرت بعد الانتهاء من سرد قصتي أنه قد انزاح عن صدري حمل غير خفيف .. حقيقة .. إنني كنت بحاجة لمن أبوح له بما كنت اطبق عليه سجل ذاكرتي .. هيا بنا لنخرج من الفندق .. سنذهب إلى قرية قريبة.. نصحني صاحب النزل بزيارتها وبتناول الغذاء هناك

    غادرا الفندق حيث كان سائد قد جهز السيارة ووقف بها بباب الفندق .. ما ان ركبا حتى انطلق إلى الطريق الذي أشار إليه رب البيت بسلوكه ..
    ما أن ابتعدوا عن القرية حتى بدأ الطريق في الارتفاع مصعدا إلى جبل قريب هو بمثابة مقدمة لسلسلة جبلية شاهقة بدت من بعيد وقد غطتها الثلوج كعروس في ليلة زفافها أو كحورية من حواري الجنة .. كان الطريق مزدوجا ولذا لزم سائد الحذر في قيادته وبخاصة انهم في نزهة ليس فيها للعجلة اي داع ..

    بعد نصف ساعة من السير في طريق يتلوى كالثعبان على خاصرة كل جبل يمرون به ثم برزت للعيان معالم قرية صغيرة بدت وكأنها قد ارتمت في أحضان جبل عريض .. كثير من الأنوار كانت قد أضيئت بسبب كثافة الغيوم التي تلبدت بها السماء حتى بدت القرية من بعيد وسط الضباب الخفيف الذي يلفها وكأنها حبات لؤلؤ تناثرت على كومة من القطن المندوف أو على صفحة ماء تجمد من شدة البرودة .
    سرعان ما اهتديا إلى ضالتهم التي كانت عبارة عن مجمع تجاري صغير وقد رصت خارجه أدوات التزلق ومعدات التخييم، وفي الداخل تنوعت البضائع في أقسام غاية في الترتيب الذي ينم عن ذوق رفيع .. فهذا قسم البقالة قد أبعد في المؤخرة حتى يمر مرتادوه على البضائع الأخرى لعل العين تقع على ما يستقطبها فيجعلها تستنزف بعضا مما في الجيوب .. وهنا قد علقت تشكيلة من الملابس النسائية بشكل جذاب وبجوارها وضعت ملابس الأطفال .. وغير بعيد كانت الملابس الرجالية ولوازم التدخين بمختلف اشكاله وانواعه ..

    في الصدر فتح باب واسع يفضي إلى قاعة المطعم المنشود .. ما ان دلفا حتى ألفياه يعج بالرواد من مختلف الجناس والأعمار ..
    - يبدو ان رب البيت كان على صواب .. فالظاهر أن المطعم من الشهرة بمكان حتى لزم أن نحجز لديه منذ البارحة
    - يبدو لي ذلك

    جلسا الى مائدة بجوار نافذة صغيرة تطل على سفح الجبل المترامي الأطراف وقد بدت الخضرة في البروز على استحياء من تحت العباءة الثلجية التي بدأت في التآكل في غير مكان من النواحي السفلية للجبل الشاهق ..
    - ما أروع المنظر يا ربيع .. لا يمكن الحصول عليه سوى في هذه الفترة من السنة حيث تجتمع أمام عينيك نصاعة بياض الثلج وبراعم زهور تستيقظ من بيات شتوي طويل وسط خضرة يانعة قاتم لونها بسبب الغيوم الكثيفة .. أي رسام يمكنه أن يبدع مثل هذه اللوحة الرائعة.
    - بديع السماوات والأرض هو الجميل لا يشبهه شيء من خلقه .. لاحظي كيف ان الضباب الذي بدا لنا كثيفا ونحن نقترب من القرية قد خف حتى لا يكاد يرى من النافذة وإن نكاد نحس به بعيوننا عبر لون الثلج المائل للزرقة أمامنا
    - كلما شعرت بالحنين إلى الخضرة ارتحلت إلى الريف حيث لنا مزرعة صغيرة يديرها لنا عم ابنتي .. أعشق رائحة الطين الأسمر والخضرة في الربيع .. وأهيم بالزهور البرية .. فأنا متيمة بالطبيعة وكل ما هو طبيعي .. في مزرعتنا طلبت منهم ألا يستخدموا فيها الا الطبيعي فقط ..
    - أحسنت فما أحوجنا إلى العودة للطبيعة الفطرية في حياتنا حيث يكون لكل شيء طعمه ورائحته المميزة ..

    تقدم منهما النادل بقائمة الطعام فخاطبه ربيع بأدب جم
    - سيدي .. أتينا الى هنا وقد جذبتنا شهرتكم في الجوار .. فهل لك أن تقدم لنا أطيب ما تتميزون به من طعام
    - لن أخذلك يا سيدي .. فلدينا طاه متميز يعشق عمله ويتفانى في تقديم ما يعتز به ويفخر .. حساء ذيل العجل لدينا متميز بما يضيفه عليه الطاهي من بهارات خاصة .. وهو يحسن اختيار الطيور التي يقدمها مشوية على الفحم مضيفا اليها صلصات خاصة من صنع يديه تضفي عليها رونقا وطعما لا يمكن ان تجدهما في المعمورة كلها .. فهذه من أسرار مطعمنا ..
    - وأي نوع من الطيور ستقدم لنا
    - انكما محظوظين يا سيدي فاليوم قد وصلنا صيد ثمين من طيور الحجل الكبيرة .. انهم يمسكون بها حية بالفخاخ .. ونحن من خيرة زبائن الصيادين الجبليين .. وسنقدم لكم شيئا من شرائح لحم غزلان طازجة
    - أحسنت الاختيار فعلا .. هلا عجلت لنا بالحساء حتى ندفئ به معداتنا الخاوية .. لا تنس ان تقدم نفس ما تقدمه لنا لسائقنا الجالس على الطاولة القريبة من الباب ..
    - أمرك سيدي

    رنت اليه حنان بعينين تشعان بالغبطة والفرح وربتت بيدها على يده الممدودة على الطاولة تعبيرا على الاستحسان والامتنان فيما بدت على وجهه علامات الرضى والحبور
    - عزيزتي .. لم يتبق لنا سوى يوم واحد في هذه البلاد .. أستطيع البقاء لبضعة أيام أخرى لو تكرمت علي بالموافقة
    فاجأها ربيع بعرضه هذا، بينما كانت ترنو اليه بعينيها طفقت تفكر في طلبه الذي يميل اليه قلبها بكل جوارحه لكنها أحست بأنه ليس سوى تأخير للحظة الفراق الحتمية
    - وبعد الأيام تلك .. ماذا سيحدث .. سوف يحين وقت الرحيل من جيد .. أولا عن آخر .. حقا انه يعز علي أن تنصرم سويعات الحلم الرقيقة .. فما كنت يوما أحلم بصحبة كريمة .. ولا بسمو أخلاق ورفعة قدر كالتي شاء لي قدري ان احظى بهم.
    - ما أسرع ما تنقضي لحظات الهناء .. حقيقة لكل بداية نهاية .. لنحسن اغتنام الوقت .. سأحلق بك بين النجوم .. دعينا نرتفع فوق الغمام على قمم الجبال الشاهقة .. غير بعيد من هنا بلدة صغيرة يتجمع فيها المتزلجون في الموسم .. الآن تجدينها قد استكانت لسكانها .. لنمضي ليلتنا فيها .. وجل نهار الغد .. يمكن لسائد ان يعود لنا بملابسنا من النزل ونرتب امرنا على سهرة جبلية لا تنسى.

     

     


     
    رد مع اقتباس

    إضافة رد

    مواقع النشر (المفضلة)

    الكلمات الدلالية (Tags)
    ماما, المدام, الذاكرة, تمده, تكتمل

    وفي الذاكرة مالا تمحه الأيام - قصة لم تكتمل

    « الموضوع السابق | الموضوع التالي »

    الانتقال السريع

    Currency Calculator
    Your Information
    RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    .Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
    (جميع الأراء والمواضيع المنشورة تعبِّر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن رأي إدارة منتديات المطاريد)
    SSL Certificate   DMCA.com Protection Status   Copyright  


    تنبيه هام

     يمنع منعاً باتاً نشر أى موضوعات أو مشاركات على صفحات منتديات المطاريد تحتوى على إنتهاك لحقوق الملكية الفكرية للآخرين أو نشر برامج محمية بحكم القانون ونرجو من الجميع التواصل مع إدارة المنتدى للتبليغ عن تلك الموضوعات والمشاركات إن وجدت من خلال البريد الالكترونى التالى [email protected] وسوف يتم حذف الموضوعات والمشاركات المخالفة تباعاً.

      كذلك تحذر إدارة المنتدى من أى تعاقدات مالية أو تجارية تتم بين الأعضاء وتخلى مسؤوليتها بالكامل من أى عواقب قد تنجم عنها وتنبه إلى عدم جواز نشر أى مواد تتضمن إعلانات تجارية أو الترويج لمواقع عربية أو أجنبية بدون الحصول على إذن مسبق من إدارة المنتدى كما ورد بقواعد المشاركة.

     إن مشرفي وإداريي منتديات المطاريد بالرغم من محاولتهم المستمرة منع جميع المخالفات إلا أنه ليس بوسعهم إستعراض جميع المشاركات المدرجة ولا يتحمل المنتدى أي مسؤولية قانونية عن محتوى تلك المشاركات وإن وجدت اى مخالفات يُرجى التواصل مع ادارة الموقع لإتخاذ اللازم إما بالتبليغ عن مشاركة مخالفة أو بالتراسل مع الإدارة عن طريق البريد الالكترونى التالى [email protected]