رحلة إلى الحرية (الإسلام والعبودية)
November 9, 2013 at 9:31pm
في مارس، آذار 1857م، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية في قضية "دريد سكوت"، قرارها الذي تلاه رئيس المحكمة روجر بى تاني، أن السود لن يتم اعتبارهم مواطنين، وليست لديهم أي حقوق من الدستور.
(1)
يقول الله في سورة النور..
(وأنكحوا الأيامى منكم. والصالحين من عبادكم وإمائكم. إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)
لاحظي، الله يقول انكحوا الصالحين من عبيدكم وإمائكم.. الأمر موجه للنساء والرجال.. لو كنت رجلا راغبا في الزواج فلا بأس أن تتزوج من أمتك. جاريتك. وبذلك قد ارتقيت بحياتها درجة كبيرة. بعد أن كانت أمة. صارت زوجة مكافئة لك. جعل بينكما مودة ورحمة وسكن. وإذا مت ترث في أموالك. وإذا طلقتها لها متاع ونفقة. وإذا أنجبت ولدا تعتق به. فتصير حرة.
أيضا قال انكحوا عبيدكم. وهو أمر موجه للنساء. وهي ملحوظة غاية الخطوة.. المرأة الثرية غير المتزوجة التي لديها عبدا قد تصطفيه ليصير كفئا مساويا يشاركها حياتها. تحافظ على بيته وشرفه وتقاسمه همومه.. تحبه وترفق به وتطيعه في كل معروف.
وهنا قال الكثير من العلماء أن المرأة الحرة الراشدة لها حق تزويج نفسها دون إذن أحد.. الله في الآية ساوى بين الرجل والمرأة.. ولم يشترط الولاية.. وبهذا قالت السيدة عائشة وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري.. ولم يأخذ أبو حنيفة بحديث (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل).. لأن من روته هي السيدة عائشة. وهي التي قامت بخلاف ما روت. حيث سمحت بزواج بنت اخيها عبد الرحمن حال سفره دون إذن منه. فأخذ الأحناف بعملها وتركوا قولها.. رغم ثبوت صحة الحديث!
الزواج أول الطريق للتقارب بين البشر. وسيلة لصهر الاجناس والطبقات لإقرار المساواة والتعايش. الله يحث، ويأمر أمرا رقيقا، ويفضل، أن يتزوج السادة من العبيد. المرأة من عبدها والرجل من أمته. شرط الصلاح والعفة.. وتلك قفزة إصلاحية تؤدي إلى تذويب الحواجز الاجتماعية والنفسية بين البشر.
العبودية وضع فرضي ظل قائما حتى مطلع القرن العشرين.. ولم تحررهم القوانين ولا النظم السياسية ولا المصلحين. بل حررتهم – بالأساس - الآلة والثورة الصناعية. حيث استغنى عنهم أصحاب الأعمال واستبدلوهم بالتروس والماكينات وقوة البخار. فصار بقاءهم عبئا فاستجابوا لدعوات التحرير.. وإن ظل وضعهم الانساني منحط إلى وقت قريب.
*
خاض أعضاء حزب العمال البريطاني. وهم رجال أحرار شرفاء مكافحون. كفاحا دام قرنا كاملا للدخول إلى مجلس اللوردات. وكانت اللوردات غاضبون. إذ كيف يجلس عامل إلى جوار لورد!
(2)
بعد أن شجع الإسلام على التقارب النفسي والاجتماعي بين الطبقات عبر منظومة الزواج لتذويب الحواجز التقليدية بين السادة والعبيد، فتح بابا ثانيا للحرية.
المكاتبة..
(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ).. سورة النور.
المكاتبة، تعاقد أو اتفاق يقضي بدفع العبد مبلغ من المال لسيده، يحصل مقابله على حريته. فيعمل ويدخر جزءا من الأجر يؤدي إلى حريته في نهاية المدة.. وتلك الطريقة جعلت للعبد ذمة مالية مستقلة يتملك فيها نتاج عمله. أيضا شخصية قانونية "أهلية" لإبرام التصرفات والتعاقدات الملزمة لأطرافها والتي تحميها الشريعة.
وبعد أن ألزمت الآية المسلمين باحترام رغبة ملك اليمين –الرجال والنساء- في الحصول على حريتهم عبر المكاتبة. انتقل إلى نقطة ثانية وهي إكرام هؤلاء الأرقاء بالمال والنفقة وعدم التضييق عليهم أو ظلمهم أو هضمهم حقهم استغلالا لظروف ضعفهم – كما نفعل كلنا – حتى لا يتمكنون من جمع مبلغ مالي مناسب للحرية.
قال الله (آتوهم من مال الله).. فنسب المال إلى ذاته كي يمنعنا الاستبداد والتعالي به. إنه ليس فضلا من أحد على أحد، وأنت، على ثرائك، لا تتفضل بما لا تملك.. ويصير السادة والعبيد شركاء بالمعروف في مال الله. (أعتقد لو أن كارل ماركس قرأ تلك الآية لما أجهد نفسه في كل هذا الديلاكتيك المادي والتاريخي ولتفرغ لدراسة سيرة أبي حنيفة ليصير شيخ عامود! كارل بن ماركس رضي الله عنه)
ومن هنا نستطيع استنباط حق العاملين في مشاركة أصحاب رأس المال في نسبة عادلة من الأرباح تحفظ توازنا في الدخل. بدلا من أن نجد مدير شركة يتقاضى 4 ملايين دولار وموظف يتقاضى بنسات قليلة. رغم عدم وجود فارق خبرة وكفاءة يسمح بهذا.
إذن، قد انتقل الله بالعبودية إلى صيغة التعاقد.. ثم وضع شروطا لهذا العقد تكفل حقا موفورا للأرقاء.. تتمثل في الحقوق المالية العادلة. والمساواة. وحق تقرير المصير.
وتلك طريقة تشبه التعاقدات الحديثة بين أفراد وهيئات.. بين لاعب كرة وناديه.. مذيع وقناة تلفزيونية.. عامل وشركة.. الخ.
بل أزعم أن قمة الثراء الرأسمالي الحديث لا يكفل هذه الحقوق للعاملين لديه. ويستنزفهم جسديا وذهنيا ولا يعطيهم سوى أقل القليل.