خليل الوزير.. حكاية الثورة والمقاومة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام
السادس عشر من إبريل/نيسان، ذكرى استشهاد القيادي البارز في حركة فتح ونائب القائد العام للثورة الفلسطينية في حينها كما أسموه خليل الوزير "أبو جهاد" الذي اغتاله الاحتلال سنة 1988 في تونس.
ولا يسعف شريط الذكريات الناس جميعاً ليذكروا كثيرا من التفاصيل عن رموز المقاومة، فتراهم يتحدثون عن أشهر ما صنع أحدهم وتسقط من حكاياتهم كثير من التفاصيل الهامة.
في مثل هذا اليوم اغتال الاحتلال خليل الوزير عبر عناصر من الموساد الصهيوني في بيته بتونس، وكان قائد هذه العملية وزير الجيش السابق أيهود باراك الذي قاد فرق "كوماندوز" وصلت فجر السادس عشر من نيسان، بزوارق مطاطية وغواصات إلى شاطئ تونس.
شخصية فريدة
ينقل الرجال الذين عايشوا الوزير في البلدان العربية وجبهات الثورة الفلسطينية قسطاً من حياة الرجل وصفاته الفريدة، ويقول محمود العالول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح إنه شخصية استثنائية وأحد ركائز مجموعة صغيرة فجرت الثورة.
ويضيف العالول لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام": "امتلك الوزير من بين تلك المجموعة سمات أساسية هامة، ففجر المسيرة النضالية ورافقها عبر كل تلك السنوات، أعطى كل حياته للثورة، همه الوحيد كان فلسطين، وهو شخص دمث الأخلاق، شجاع، مؤمن بحتمية النصر".
على غير اتفاق يستخدم كثيرون تلك العبارة إذا سألهم أحد عن وجهة الوزير النضالية، فيجمعون بالقول "بوصلته نحو فلسطين"، ومنهم القيادي العالول الذي عايش الوزير وعرفه، حيث يلمح إلى اجتهاده الدائم في إعادة العمل المقاوم لداخل فلسطين كلما انحرف للخارج في ظروف ما.
من خلاله تخصصه كرجل عسكري، يعرف العميد متقاعد يوسف شرقاوي "أبو جهاد" من تلك الزاوية، وهو يمتاز كما يقول بهدوء الأعصاب والشجاعة والقدرة على تحقيق النصر مع إيمانه بضرورة إيقاع خسائر في الدم للعدو لأن ذلك أكثر ما يؤلم "إسرائيل".
ويرى شرقاوي خلال حديثه لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"، أن الوزير كان يركز دائماً على نوعية العمل المقاوم، وهو على حد تقديره مع الشهيد وديع حداد أكثر اثنين قادران على فهم ومقارعة الاحتلال الصهيوني وإدارة الصراع.
العقلية العسكرية والمقاومة التي تحلى بها الوزير لم تتناقض مع المفاوضات مع الاحتلال من حيث المبدأ كما يرى العميد شرقاوي، فالثوار في الجزائر وفيتنام فاوضوا الاحتلال لكن فاوضوه والنار تخرج من تحت أقدام الغزاة، كما يقول.
أهم مواقفه
السيرة النضالية للشهيد الوزير مزدحمة بمكان لا يدع فراغاً للعثور على غير المهم، فتفرغه الكامل للعمل الوطني وتنقله بين الدول وجبهات القتال منحته كثيرا من الخبرة حتى تميز بأيديولوجية وإستراتيجية فريدة في فترة نشاطه.
ويؤكد القيادي العالول أن أشهر كلماته التي دأب على ترديدها "النصر وليد لحظة" وكثيراً ما حدث العالول ورفاقه عن قوة حركات التحرر وكيف خضع الاحتلال دائماً لصاحب الحق.
ويضيف: "كان يذكر اتفاق إيبان بين فرنسا والجزائر، وأنه لم يكن اتفاق استقلال لكن الفرنسيين لما رأوا الثوار قادمين من الجبل تسابقوا للهرب عبر البحر" .
مثال آخر من مواقفه وكلماته في معركة "الكرامة"، يذكره العالول: "لقد كان النقاش على انسحاب نصف المقاتلين الفلسطينيين والإبقاء على النصف الآخر، وقد حاول عرفات أن يدفعه هو للخروج، وفعل هو بالمثل، فآثر كل منهما الآخر على نفسه".
أما الإستراتيجية والأيديولوجيا التي يؤمن بها الوزير، فيلخصها العميد شرقاوي بعبارة قصيرة ويقول "الثورة تستمر وتنتصر!"، فهو يمتاز بالتخطيط الهادئ و"صوابية الفكرة" بغض النظر عن نجاح أو إخفاق أي عملية عسكرية كان يقودها.
ويتابع: "يعد الوزير من مدرسة الفكر الثوري الفلسطيني، وهو شخصية غير مسبوقة، من أبرز عملياته العسكرية عملية دلال المغربي-هجوم وزارة الدفاع الصهيونية- عملية سافوي العسكرية- معارك بطرابلس والبقاع، كان دائماً يشكل حافزاً قوياً للثوار".
الخروج من بيروت
فتحت انتفاضة الحجارة أفقا جديداً للعمل الوطني -كما يقول العميد شرقاوي- وقد كان من الممكن أن يلج العمل الفلسطيني ليحقق أهدافه في أكثر من دولة وخاصة العمل المقاوم.
العميد شرقاوي من أشد معارضي "اتفاق أوسلو" ويعتبر عقد الاتفاق بعد نجاح الانتفاضة الأولى التي قادها الوزير خطأ استراتيجياً وشركا نصبه "شمعون بيرس" الذي يصفه بـ"نبي الصهيونية الحديثة".
الاغتيال
اتبع الاحتلال كثير من وسائل التمويه لتنفيذ الاغتيال، فاختار موعد عودته من اجتماع عمل لمنزله، وبدأ في إنزال "الكوماندوز" من الشاطئ في كل مكان بسيارات أجرة.
تحركت 3 عربات من عربات الأجرة التابعة للـ'موساد' إلى منزل الشهيد الذي يبعد خمسة كيلو مترات عن نقطة النزول الأولى، ولما وصلوا منزله الكائن في شارع (سيدي بو سعيد) انفصلت الوحدة إلى أربع خلايا.
داهمت أولى خلايا الموساد البيت فجرا، وقتلوا الحارس 'نبيه سليمان قريشان' ثم داهمت الخلية الثانية حجرة 'أبو جهاد'، فسمع الأخير ضجة وكانت آخر كلمة خطتها يده هي (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة) .
أشهر الرجل مسدسه الذي لا يفارقه وذهب ليرى ما يجري، كما روت زوجته، انتصار الوزير، وإذا بسبعين رصاصة تخترق جسده ويصبح في لحظات في عداد الشهداء ليتوج أميرا لشهداء فلسطين.
ودفن 'أبو جهاد' في العشرين من نيسان 1988 في دمشق، في مسيرة حاشدة، بينما فرض الاحتلال في الضفة وغزة حظر التجول، لكن الناس خرجوا في مسيرات كبيرة وخاضوا مواجهات مع الاحتلال أصيب واستشهد فيها الكثيرون.
ويتحدث القيادي العالول عن أجواء اغتيال الوزير فيقول إن انتفاضة الحجارة التي كان يوجهها الوزير تبعتها عمليات مقاومة بإشرافه، وقد بدأت الانتفاضة أيامها تثبت قدرتها على الاستمرار.
ويتابع: "طوال حياته كان على رأس العمل في القطاع الغربي وخلف العمليات ضد الاحتلال، لذا كان ذلك دافعاً قوياً لاستهدافه، فقد استغل الاحتلال وجوده في تونس وتونس بلد مفتوح يدخله ملايين السياح فوصلوا إليه".
أما العميد شرقاوي، فيؤكد أن اغتيال الوزير كبد الثورة الفلسطينية خسارة كبيرة، لأنها فقدت فكرا استراتيجيا عسكريا لمقاتل يؤمن بحتمية النصر في النهاية.
وتحفل حياة "الوزير" بكثير من التفاصيل، وقد حرص الاحتلال على تصفيته جسديا مع عدة رموز وطنية أخرى في ذلك الوقت لإضعاف الثورة الفلسطينية وتمرير مخططه.