من التأميم الى العدوان الثلاثي 2 -
الاتجاه إلى مصادر بديلة
بقلم
سامي شرف
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
.....
.........
غير أن أخطر ما تم العثور عليه فى عملية اختراق الكنيسة البريطانية كانت وثيقة معنونة باسم "روديو" وكانت عبارة عن وثيقة سرية للغاية تشمل خطة عسكرية بريطانية مفصلة لإعادة احتلال مصر وخاصة منطقة الإسكندرية والدلتا إذا ما دعت الضرورة ذلك ، أى أنه فى نفس الوقت الذى كانت تجرى مفاوضات الجلاء بهدف إخلاء منطقة قناة السويس من القوات البريطانية ، وإخلاء مصر كلها من أى مظاهر للنفوذ الأجنبى ، كانت هذه الخطة تعنى ـ من وجهة نظر الإستراتيجية البريطانية ـ استحالة التسليم بالواقع الجديد ، وأن مصر يجب أن تظل دائما هدفا لا يجب إسقاطه من أى تخطيط بريطانى .
وبقدر ما كانت احتمالات الجلاء البريطانى عن مصر مصدر قلق وانزعاج للمخططين والسياسيين فى دول الغرب وخاصة فى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ، فقد تسببت فى تولد الشعور بالخطر لدى المسئولين فى إسرائيل باعتبار أن انتهاء الوجود العسكرى البريطانى ـ والذى لعب الدور الأهم والأقوى فى التمهيد لقيام الدولة العبرية ـ سوف يشكل خطرا كبيرا على الوجود الإسرائيلى نفسه قبل أن يسبق الجلاء توفير أرضية ملائمة للتسوية السياسية بين مصر وإسرائيل ، كما كانت الأخيرة تتابع بقلق وترقب الاتصالات المصرية الأمريكية وتعمل على إفسادها ، وكانت أبرز محاولاتها فى هذا الشأن ما عرف بقضية " لافون " والتى تتلخص فى دفع بعض عملاء الموساد لتنفيذ سلسلة من عمليات التخريب والتفجيرات ضد عدد من مراكز التواجد الأمريكى فى القاهرة والإسكندرية وتصويرها على أنها عمليات عدائية مدبرة من الحكومة المصرية ضد الولايات المتحدة ، وقد أدى كشف هذا التدبير إلى تحويلها إلى فضيحة سارع عدد من المسئولين وفى مقدمتهم دافيد بن جوريون للتخلص منها ونفى علمهم بها .
ففى صيف 1954 وفى شهر يونيو على وجه التحديد أصدرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية أوامرها لشبكة من جواسيسها فى مصر للقيام بأعمال تخريبية ضد أهداف مدنية مصرية وأمريكية وبريطانية . وبدأ فعلا تنفيذ هذه التعليمات اعتبارا من الثانى من يوليو 1954 وكانت أول عملية هى تنفيذ انفجار قنبلة حارقة فى أحد مكاتب البريد بالإسكندرية وفى الرابع عشر من يوليو 1954 شب حريقان فى مكتبين للاستعلامات الأمريكية فى كل من القاهرة والإسكندرية بقنابل فسفورية تركهما مجهولين . وبعد حوالى عشرة أيام جرت محاولة لحرق مكتب البريد الرئيسى فى ميدان العتبة بالقاهرة ، وفى نفس اليوم كان من المقرر إجراء تفجير لسينما "ريو " بالإسكندرية لكن العملية فشلت وانكشف المخطط الإسرائيلى .
وكانت تفاصيل الحدث أنه فى الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم احترقت نتيجة لشدة حرارة الجو قنبلة فسفورية صغيرة وضعها أحد الشباب اليهود اسمه " فيليب ناتاسون " فى جيبه داخل شنطة صغيرة من الجلد كان يستخدمها لحماية نظارته الشمسية ، ولم يتمالك نفسه فصرخ واستغاث بالمارة فى الشارع الذين نقلوا للمستشفى بمعرفة البوليس وهناك اتضحت الأمور والحقائق وكانت المفاجأة التى لم تكن تخطر على بال أحد وبتفتيش منزل ناتاسون عثر على قنابل فسفورية حارقة من نفس النوع وقبل أن يعترف ناتاسون بكل ما عنده اشتعلت النيران فى محطة سكك حديد مصر بالقاهرة وفى دارين للسينما وكان ذلك فى يوم 23يوليو . وباعتراف ناتاسون تم القبض على اثنين من المشاركين معه وهما روبير داسا وفيكتور ليفى، وبعد ذلك بأيام تم اعتقال باقى أفراد الشبكة بالكامل ومنهم موسى مرزوق وكان طبيبا من أصل تونسى يعمل فى المستشفى اليهودى بالإسكندرية ، وصمويل عازار الذى كان يعمل أستاذا بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية ، وماكس بينيت من أصل مجرى ، ومارسيل نينو وكانت تعمل فى إحدى الشركات البريطانية فى مصر ، ونجح كل من أبراهام دار ، رئيس الشبكة ، فى الهرب إلى خارج البلاد ومعه يورهام سيد نبرج، الذى كان معروفا فى مصر باسم " بول فرانك "، والمعروف فى إسرائيل الآن باسم " آفرى إيلعاد " ، وذلك قبل القبض على الشبكة .
ومن خلال التحقيقات اتضح أن أفراد الشبكة سبق أن دربوا فى إسرائيل ثم تجمعوا فى باريس ليدخلوا منها إلى مصر بجوازات سفر مزورة وبأسماء مستعارة .
وتمت محاكمة أفراد الشبكة فى ديسمبر 1954 بعد الإعلان عنها خلال شهر أكتوبر من نفس السنة وفى 5 أكتوبر على وجه التحديد . تمت المحاكمة أمام محكمة عسكرية كانت جلساتها علنية وحضرها الدبلوماسيون والمراسلون الأجانب فى مصر وأفراد الجالية اليهودية كما حضرها مندوبون عن منظمة حقوق الإنسان ومنظمات الحريات المدنية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية .
وفى أثناء المحاكمة نجح ماكس بينيت فى الانتحار، وفى أوائل سنة1955 صدرت الأحكام بإعدام موسى ليتو مرزوق وصمويل عازار ، اللذين تم فعلا تنفيذ الحكم فيهما ، كما حكم كذلك بالإعدام على الهاربين وحكم على الآخرين بأحكام بالسجن لمدد متفاوتة .
على أن ذلك لم يؤثر على استمرار المخاوف الإسرائيلية ، فقد حرص مسئولوها على تنويع مصادر دعمهم من دول الغرب والبحث باستمرار عن احتياطى إستراتيجى يمكن الاستعانة به وقت اللزوم ، وكان الطرف الجاهز لتوفير هذا الاحتياطى الإستراتيجى هو فرنسا التى وجدوا فيها ضالتهم والتقت جهودهم مع موقف فرنسى يتزايد عداءه لثورة يوليو تدريجيا .
فقد كانت مصر تحتضن الزعيم التونسى الحبيب بورقيبة لاجئا سياسيا، ومناضلا ضد الاستعمار الفرنسى لبلاده ، كما عارضت بقوة التغيير الذى دبرته فرنسا فى المغرب وأطاح بالملك محمد الخامس ، وعينت بدلا منه أحد عملائها ويدعى محمد بن عرفة ، وكانت الخطوة الأكبر عندما وصل إلى مصر فى عام 1953 رجل جزائرى أسمى نفسه " مزيادى مسعود " ولم يكن هذا الاسم إلا اسما حركيا للزعيم الجزائرى أحمد بن بلة ، الذى التقى فتحى الديب فى البداية وقدمه للبكباشى زكريا محى الدين الذى اصطحبه بدوره مع فتحى الديب لمقابلة البكباشى جمال عبد الناصر فى منشية البكرى ، ومنذ اللحظة الأولى التقت آراء وأفكار الزعيمين أحمد بن بلة وجمال عبد الناصر وارتكزت عند نقطة واحدة هى إيمان ثورة يوليو بمبدأ أساسى هو تحرير الوطن العربى من كل أشكال الاستعمار ، وفى مقدمتها حركة النضال التى يقودها الشعب الجزائرى ضد المستعمر الفرنسى الذى يعمل على شن حرب إبادة وإلغاء للهوية العربية فى الجزائر ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من الأراضى الفرنسية ، وقد صدر البيان الأول للثورة الجزائرية فى أول نوفمبر 1954 من إذاعة صوت العرب من القاهرة ، وإحقاقا للحق فقد لعب أحمد سعيد مدير صوت العرب دورا هاما فى هذا الصدد سواء على الصعيد الشخصى أو الصعيد الموضوعى .
|
|
|
|
|
|
د. يحي الشاعر