-2-
( ملحوظة خاصة بموضوع البيروسول..!! : أوامر الطيران المستديمة هى أن ينام الطيار 8 ساعات للإستعداد لليوم التالى ..
وساعتين بعد الظهر فى حالة الطيران الليلى..تركيزه على الأرض يجب أن يكون 100% لأن فى الجو سيكون مابين 70 الى 75 % )
بدا النوم يداعب الجفون ...ثم صرخة مدوية.."حرس سلاح ..حرس سلاح " (وهو ندأ بحدوث هجوم على الوحدة )إنتفضنا واقفين..
وجدنا أحد ضباط الصاعقة بجوارنا..قال خدوا السلاح وتعالوا , سلمنا بنادق آلى وإنطلق ونحن وبقية الزملاء خلفه..ذهبنا
الى الحديقة المجاورة والتى جُهٍزت بخنادق و حفر برميلية ..نزلنا الى الحفر والتى كانت رطبة للغاية ( يعنى كان لازم يسقوها
النهارده...!!!) سلمنا خوذ أيضا ونزل قعد معانا...سألته إحنا معانا طبنجاتنا كمان , قال مش كفاية جت أخبار عن إبرار معادى
وإحتمال ييجو على هنا..شكرت هذا البطل اللى إتضح إنه كان من ضمن قوات الإبرار خلف خطوط العدو أثناء الإستنزاف..الوقت
يمضى ,النوم راح , الرطوبة بللت ملابسنا..(طائرة النقل التى وصلت بمهماتنا من القاعدة الأولى واقفة بلا حراك للظروف
الطارئة..) دردشنا مع ضابط الصاعقة وحكايات لا تنتهى عن مهامهم خلف خطوط العدو.. ثم تطرق عن زملائه على الجبهة الآن
وكيف أنه مثلنا متشوق جدا لعمليات أخرى..أغرب قصة كانت عن الملازم الذى كان يذبح أفرد العدو ولكى يتباهى عند عودتة عمل
عقد حول رقبته ممتلىء "بأُذن يمنى "من كل قتيل...!! طبعا أُخذ للأسف للعلاج النفسى بعد ذلك..تداعبنا جميعا وقلنا كل واحد
يخللى باله على ودانه...!! (كان لسه ما جاتش لغاليغو..!!)
كانت ليلة طين , مع آذان الفجر كنا فى الغرف , الملابس وصلت, بدأنا نتأقلم مع الواقع , رجعنا لعاداتنا القديمة الهزار
والقافيات خصوصا مع العريس الغلبان لأنه كل يوم يحاول المستحيل للإتصال بعروسته (طبعا كانت الإتصالات غيرالآن وكانت
الخطوط محجوزة كلها للعمليات فقط ) وكان يذهب أحيانا للبلد خلسة للإتصال عن طريق الترنك..
بعد طابور نظافة وإستحمام (!)أخذتنا السيارات لدشمة العمليات.. دائما يوجد تلقين ما قبل الطيران لشرح المهمة للسرب ويكون
للجميع , ثم يتم تلقين الطيارين المشتركين فى الطلعة القادمة , قبل التلقين يقوم طبيب السرب بالكشف على الجميع وكانت مهمة
السرب ( لأن طيارتنا مقاتلة قاذفة ) هى القذف الأرضى لتجهيزات العدو وقواتة البرية وذلك مع بقية اسراب المقاتلات القاذفة
وعادة ما يكون تحت حماية مظلات جوية من المقاتلات ,حيث أن ذلك يكون بعيدا عن مجال الدفاع الجوى الصديق . .
فوجىء الطبيب بأن نبضنا وصل 110 والضغط منخفض ( بسبب قلة النوم ) قلناله خليك جدع أمال ده حتى قائد السرب ما
نامش ساعة ..قال أنا بصراحة مش حقدر أقولكم حاجة إستريحوا على قد ماتقدروا..قائد السرب دخل ومعه أسماء التشكيل الذى
سيقلع بعد قليل..لم يذكر أسماء الملازمين أوائل وانا منهم ..فإعترضنا , فأجاب فيه طلعة أخرى بعد الظهر..مستعجلين على إيه ,
وفجأة صوت فرقعة شديدة لإختراق حاجز الصوت فوق القاعدة , فخرجنا من الدشمة لإستطلاع الموضوع رغم التنبيه علينا بعدم
الخروج , كانت طائرة ميراج معادية تهرب على إرتفاع منخفض , ثم إتجهت نحو الجنوب , بين طريق الإسماعيلية والسويس ,
وقفنا فوق الدشمة وفى لحظات إنفعالية أخذنا فى الصراخ :( يا بن الكلب..يا جبان.. تعالى واحنا ح نطلع....)كل الغل والرغبة فى
الإنتقام والإحساس بأن بلطجى دخل عليك بيتك وعلى أسرتك إنفجر فينا..
أخذنا نراقبها وعلى مرمى البصر أول ما بدأ الجبان فى الإرتفاع قليلا فى إتجاه الشرق إلا بوابل من الصواريخ "الإسترلا" تصيبها
وتنفجر ,ونحن نهلل و نتعانق..(علمنا بعد الحرب بشهور أن هذه الوحدة للدفاع الجوى أسقطت عدة طائرات..) نادى قائد السرب
على المشتركين فى الطلعة ليكون فى طائراتهم أول ما يسمح لهم بالإقلاع...أخذتهم السيارات الى الدشم وجلسنا فى الخارج ننتظر
إقلاعهم....أقلعت بعد فترة ثمان طائرات فى تشكيلين من اربعة...إنتظرنا واقفين فوق دشمة فى إنتظارهم..كل دقيقة ننظر فى
ساعاتنا نحن نعرف مدة الطلعة لماذا هذا التأخير..؟ وبدأت الطائرات تلوح لنا من بعيد بأزيزها المحبب..واحدة ثم إثنين ...حتى
السابعة..أين الثامنة...؟ طال الوقت وبدأنا فى القلق الشديد...فيييييين .....جاء الأخ "سامى " الثامن.. ووراؤه زيل طويل من الدخان
الأبيض المشتعل...نزل على ممر آخر بعيد عن الرئيسى , وبدأت الطائرة فى الإشتعال...لا توجد سيارة بجوارنا فجرينا نحو الممر
ووحدات الإنقاذ تهرول نحوه وكذلك الإطفاء ..و "سامى" يحاول فتح الكابينة ولكن الحرارة واضح أنها وصلت لإطارها.. وإذا
بالميكانيكية البواسل الذين كانوا أقرب له ينقض أحدهم ويفتحها وهو يصرخ من الألم وينضم الباقى لرفع سامى من داخلها
و
يذهبوا به بعيدا...أصيبت طائرتة بوابل من المدفعية النصف بوصة المجهزة بها دبابات العدو..وتسرب الوقود من كل الخزانات مما
تسبب فى إحتراقه خلف الطائرة عند المحرك..وعندما أبطأ بعد الهبوط إنتشرت النيران فيها كلها..أخذناه فى أحضانا مهنئينه
وفرحين بعودته من أول طلعة عمليات..وسامى ده عملى هسهس فى دماغى لما عرف أننى سأكون فى طلعة بعد الظهر...كان
يقترب منى ويخبط على أى شىء ويقول لى : إسمع ..تك تك تتك..ده بقى الصوت اللى حا تسمعه لما تنضرب بالمدفعية...!!! فأرد
عليه يا عم روح بقى يا مدخًن ...
بعد الظهر ..كان نصيبى فى أول طلعة لى....ح تسغرب عزيزى القارىء...والله والله والله ..كان رقم الطائرة 1613...!!!
وللذكرى بقية بإذن الله