تحليل قيم جدا يستحق القراءة إلى آخر سطر
**************************************
الانقلاب العسكري ..انتكاسة أم نهاية ؟؟
رفيق حبيب
وقع الانقلاب العسكري، لتحقق الثورة المضادة أول انتصار لها على الثورة المصرية، وتصبح الثورة المصرية، بل والربيع العربي كله في خطر. فالانقلاب العسكري، أعاد النظام السابق للحكم، بعد أن أسقطته ثورة يناير. فهل يعد هذا الانقلاب انتكاسة في مسيرة الثورة المصرية، أم نهاية لها؟
وهل هو انقلاب عسكري، أم ثورة جديدة؟ هو فعليا انقلاب عسكري بدعم من قطاع من المجتمع، أي أنه انقلاب حظي بدعم شعبي من قطاع من المجتمع. لذلك يصبح من المهم، تشريح مكونات الكتل الداعمة للانقلاب العسكري، وأسبابها.
المؤيدون للانقلاب
الشرائح التي خرجت في مظاهرات تطالب بانتخابات رئاسية قبل موعدها الدستوري، ثم أيدت الانقلاب العسكري، لا تتفق في الهدف، وبعضها لا يعرف أهداف الكتل الأخرى، التي شارك معها في دعم الانقلاب العسكري.
والكتلة الأولى، والتي مثلت الواجهة السياسية للانقلاب، هي الكتل العلمانية، أو الكتل المؤيدة للحل العلماني، والرافضة للمشروع الإسلامي، والرافضة أيضا للهوية الإسلامية. وتلك الكتل لديها مشكلة مع أي ديمقراطية، تأتي بهوية إسلامية للدولة، وبالتالي لديها مشكلة أيضا مع الثورة، إذا نتج عنها نظام سياسي يقوم على المرجعية الإسلامية. لهذا، فإن هذه الكتل اندفعت لتأييد كل دعاوى الخروج عن المسار الديمقراطي، وفي النهاية أصبحت من أشد المؤيدين للانقلاب العسكري. ولكن هذه الكتل، هي الأصغر من حيث وزنها الجماهيري، بين الكتل التي خرجت داعمة للانقلاب على الديمقراطية.
الكتلة الثانية، هي المؤيدة للنظام السابق، والمعادية للتحول الديمقراطي، والمعادية أيضا للثورة. وهي تمثل أنصار النظام السابق، بمختلف شبكاتهم، بدأ من شبكات الدولة العميقة، حتى شبكات رجال الأعمال، وحتى شبكات تنظيم البلطجية. وهذه الكتلة، كانت هي الكتلة الأكبر، وأيضا الكتلة الحاسمة، أي الكتلة التي استطاعت الحفاظ على حجم واضح من الحشد الجماهيري، وكانت الأكثر تنظيما، وربما يأتي بعدها من حيث التنظيم الكتلة المسيحية، والتي تمثل جزءا من الكتل الداعمة للحل العلماني. ويلاحظ أن الكتل أو الشبكات المؤيدة للنظام السابق، تتركز معركتها أساسا على خصومتها مع الثورة والتحول الديمقراطي، والعداء للقوى الإسلامية، ولكن أغلبية هذه الكتل، لها توجه إسلامي.
الكتلة الثالثة، وهي الكتل الغاضبة من تردي الأحوال المعيشية، والتي تم حشدها على أساس استغلال المشكلات الموجودة، والتي تسبب فيها النظام السابق، حتى تخرج من أجل التغيير. وهذه الكتل ليس لديها مشكلة مع الثورة، ولا مع التحول الديمقراطي، ولا مع الهوية الإسلامية، ومشكلتها الأساسية تنحصر في المشكلات الحياتية التي تعاني منها، وقد خرجت من أجل التغيير، ظنا منها أن تغيير الرئيس يحل تلك المشكلات سريعا بمجرد حدوث التغيير. ولهذا فهذه الكتل، هي التي خرجت من أجل أسباب مختلفة، وسرعان ما ستدرك أن خرجت مع أخرين، لهم أسباب أخرى، وأن خروجها سوف يساهم في نتائج لا توافق عليها.
الانقلاب المخطط
هل كان الانقلاب عفويا، ويمثل غضبة شعبية، من قطاع أو قطاعات في المجتمع؟ الواضح أنه كان انقلابا مخططا، استغرق تنفيذه والاعداد له فترة ليست بقليلة، كما أنه يمثل استمرارا لمخططات سابقة فشلت ولم تنجح. والمخطط الداخلي في كل الحالات، كان النظام السابق. فهل كان الانقلاب العسكري نتيجة الحشد في المظاهرات؟ من الواضح أيضا، أن قرار الانقلاب العسكري، كان قد أتخذ بالفعل، قبل المظاهرات، وبعد رفض الرئيس محمد مرسي الاستقالة من منصبه، أو البقاء والتنازل عن كل سلطاته لحكومة من المعارضة العلمانية.
والنظام السابق، هو الذي يملك القدرات والامكانيات التي تمكنه من التخطيط والتنفيذ، كما أن الدولة العميقة، أي شبكات النظام السابق المسيطرة على الدولة، خاصة أجهزتها المركزية في الشرطة والجيش والقضاء، وأجهزة الأمن والتحريات والرقابة، هي التي تستطيع توظيف كل أجهزة الدولة من أجل الانقلاب. وبدون دور النظام السابق، والدولة العميقة، ما حدث الانقلاب العسكري، وبدون دور النظام السابق أيضا، ما حدثت مظاهرات حاشدة.
وإذا كان النظام السابق، هو الذي خطط ونفذ، وبدون دوره ما كان الانقلاب يحدث، إذن فإن من يدير المشهد بعد الانقلاب هو النظام السابق نفسه، وهي المرة الأولى منذ الثورة، الذي يصبح فيها النظام السابق، هو السلطة الحاكمة بقوة الانقلاب العسكري، بعد أن ظل القوة المسيطرة على الدولة والتي تقاوم التغيير، وتعرقل مسيرة الديمقراطية؛ أي أن النظام السابق خرج من مربع القوى المعارضة للثورة، إلى القوى الحاكمة، بعد أن أجهض الثورة مرحليا، وأنجح الثورة المضادة، بدعم من قطاعات شعبية، بعضها يريد الحكم العسكري، إذا كان البديل الوحيد لحكم الإسلاميين، وبعضها لا يريد هذا الحكم، ولكنه لم يعرف أنه شارك في إعادة النظام السابق للحكم.
وقد قامت خطة الانقلاب على عدة محاور، منها:
.1عرقلة أي جهود من الرئيس والحكومة لحل المشكلات، لدرجة أن مخططات العرقلة لم تركز على الجهود قصيرة أو متوسطة الأجل، وركزت فقط على الجهود العاجلة، حتى تعمق الأزمات الموجودة، وتشيع حالة من اليأس والإحباط، وكان هدفها توفير قاعدة من الغضب الشعبي، اللازمة لتحقيق مخطط الانقلاب.
. 2التركيز الواضح على أزمات السولار والبنزين والكهرباء، باعتبارها أزمات يمكن أن تشل العديد من جوانب الحياة، وتؤدي إلى نتائج سلبية متراكمة، خاصة وأن أزمات البنزين والسولار، تغلق الطرق. واستهدف من ذلك، عرقلة أي حل للمشكلة، ثم تعظيم هذه المشكلة تدريجيا، ولأن تعظيم المشكلة يمثل خطرا، لذا تم تعظيم مشكلة السولار والبنزين في الأيام السابقة لمظاهرات 21 يونيو، لتصل لذروتها قبل المظاهرات. ونظرا لخطورة هذه المشكلة، لأنها تقطع عمليا كل الطرق، لذلك تم حلها سريعا بعد خروج الناس للمظاهرات. ليظهر للجميع، حجم المشكلة الطبيعي، والحجم المفتعل. ويلاحظ أيضا، أن أنصار النظام السابق استخدموا هذه الأزمات مرارا بعد الثورة، وأثناء الانتخابات الرئاسية، أي أن أزمات الوقود أصبحت أداة النظام السابق، للتأثير على الرأي العام.
.3عملت آلة بث الاشاعات والتوجيه المعنوي، للتأثير على الرأي العام، بصورة واضحة منذ الثورة. ثم أصبحت آلة بث الاشاعات تعمل بكثافة في الانتخابات الرئاسية، وبعد فوز الرئيس محمد مرسي، بدأت آلة بث الاشاعات والتوجيه المعنوي، تعمل بكثافة غير مسبوقة، وأصبح لها دور مهم في توجيه الرأي العام، بل لا أبالغ إذا قلت، أن هذه الآلة وصلت لمرحلة السيطرة شبه الكاملة على الرأي العام، أو على الأقل أصبحت قادرة على بث حالة من التوتر في المجتمع، والسيطرة على الرأي العام، من خلال حالة التوتر التي تبثها فيه.
.4 كان من أهم أدوات مخطط الانقلاب، هو شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، من خلال تزييف صورتها بالكامل، ووضع صورة مختلقة لها، لا علاقة لها بالحقيقة، وإلصاق التهم لها، وبث الأكاذيب والاشاعات عليها. لدرجة جعلت الجماعة متهمة بالقتل، رغم أن القتيل منها. وأصبحت متهمة بكل اعتداء يقع عليها. والحقيقة أن التركيز على جماعة الإخوان المسلمين، بهذه الكيفية، له عدة أسباب، أهمها أنها الجماعة الأكثر تنظيما، لذا أصبحت محاولة تحجيم جماعة الإخوان المسلمين ضرورية، حتى يمكن التحول بعد ذلك إلى القوى الإسلامية الأخرى. فالهدف النهائي، للنظام السابق، هو تقليص دور الحركات الإسلامية، لأنه يعرف أنها الأكثر شعبية، وأنها المنافس الوحيد له.
.5 قام الإعلام التابع للنظام السابق، والذي يعمل أساسا لخدمة الثورة المضادة، ومعه الإعلام العلماني، بحملات إعلامية لتزييف الوعي، بصورة غير مسبوقة. وأيضا قام بحملات إعلامية لبث الكراهية، وتحويل الخصومة السياسية إلى عداء وكراهية سياسية واجتماعية، بصورة أظن أن مصر لم تعرفها بهذا الشكل من قبل. وهي محاولة تهدف أساسا لتعميق حالة نزاع أهلي، تكون مبررا لعودة النظام السابق، وهو ما تحقق بالفعل، من خلال انقلاب عسكري، يبرر نفسه بحالة نزاع أهلي، يفترض أن الانقلاب العسكري، جاء كحل لهذه الحالة. وتم ذلك، من خلال بث الكراهية ضد الرموز والملامح الإسلامية، وإشعال معارك ومشاجرات، ونشر لاستخدام العنف بغطاء إعلامي يبرره، ويخفي من يقوم به، ونشر حالة من السباب والقذف، تخرج المجتمع عن تقاليده، وتدخله في حالة مشاحنات اجتماعية واسعة، حتى تتشكل حالة من النزاع الأهلي.
.6 قامت وسائل إعلام بالسيطرة على الصورة، بشكل جعلها قادرة على تزييف الصورة بالقدر الضروري، وأيضا إخفاء أي جانب من الصورة لا تريده، مما جعلنا أمام واقع على الأرض، وواقع آخر على شاشات الفضائيات، واستطاعت وسائل الإعلام السيطرة على قطاعات من المجتمع، لتكون هي مصدر الصورة بالنسبة لها، وتوجهها كيفما شاءت. والحقيقة أن وسائل الإعلام، لا تضيف جديدا بالنسبة لمن يوافق على موقفها، وإن كانت تزيده حدة وتطرفا، ولكنها تحاول أن تجذب قطاعات أخرى، حتى تتمكن من توسيع دائرة الحشد ضد الرئيس، وهو ما استخدم كمبرر للانقلاب العسكري.