فيروز ده مقال عن التجريس حبيت اضيفه للموضوع
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
فضائح بلا "جلاجل" !!
بقلم:
محمد أبو كريشة
"Mabo [email protected]"
"Mabo [email protected]"
تعرفون كما أعرف أنه في سالف العصر والأوان كانت هناك عقوبة خطيرة جداً ورادعة للغاية في أمتنا اسمها عقوبة "التجريس".. كان القاضي يحكم علي السارق أو خائن الأمانة أو المختلس أو الذي يقف علي النواصي وأمام مدارس البنات للمعاكسة واصطياد الفرائس.. بأن يتم تجريسه. أي يركب حماراً بالمقلوب ويدهن وجهه بالقار أو بالجير. وتعلق في رقبته الأجراس والجلاجل ويزفه الناس ويدورون به في الطرقات والأزقة ليعلم القاصي والداني أن هذا مذنب ومجرم. فيتجنبه الأهالي كالأجرب.. ومن هنا جاءت مصطلحات مازالت متداولة حتي الآن ومنها "الجرسة.. والفضيحة أم جلاجل".. وكان القُبْقَاب علي عهد الخليفة الفاطمي المفتري عليه والذي ظلمه التاريخ الحاكم بأمر الله من وسائل التجريس للبغايا وبنات الليل.. فقد ابتكر الحاكم فكرة القبقاب لمنع خروج النساء ليلاً فأمر بأن تنتعل النساء آلة التجريس الجديدة حتي إذا خرجت البغايا وبنات الليل أمكن للعسس أو رجال الشرطة ملاحقتهن وضبطهن.
كان التجريس عقوبة قاسية للغاية.. وقد عُرفت هذه العقوبة بأشكال وبأساليب مختلفة ومتباينة منذ ظهور الإسلام.. وقد ورد التجريس في القرآن الكريم بصورة أخري في شأن الثلاثة الذين "خلفوا" أو تقاعسوا عن الغزو. وشاع أمر تخلفهم أو فرارهم فاعتزلهم المسلمون ونبذوهم وصارت فضيحتهم "بجلاجل" حتي ضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وضاقت عليهم أنفسهم. ثم تاب الله عليهم ليتوبوا بعد أن نالوا عقوبة التجريس القاسية.. وفي غزوة أخري انسحب المسلمون من المعركة. ذلك الانسحاب الذي نسميه الآن تكتيكياً.. لكن أهل المدينة قابلوهم بالتجريس وأهالوا عليهم التراب وصاحوا فيهم أو هتفوا ضدهم: يا فُرَّار.. يا فُرَّار. لولا أن رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أنقذهم من التجريس. وعرَّف مرامي انسحابهم فقال ما معناه: بل هم الكُرَّار إن شاء الله.
تخيلت أن قراراً أو قانوناً صدر في أمتنا العربية الآن بإعادة عقوبة التجريس مع تغيير وسائل دهن الوجوه وإحلال مواصلات أخري للدوران بالمذنب محل الحمار.. بأن يدهن وجه المذنبة بالروج والرميل والمانيكير والباديكير. وأن تركب سيارة مكشوفة بالمقلوب "هامر" مثلاً ويهتف خلفها الناس: "ما تيجي نرقص".. وضحكت من خيالاتي.. فلو عادت عقوبة التجريس فإنها لن تكون عقوبة.. بل ستتحول كما يحدث الآن إلي حفلات تجريس أو مسابقات تجريس. يتكالب عليها الناس ليفوزوا بالذيوع والشهرة.. فكل عربي يتمني الآن أن يكون بطلاً لحفل تجريس.. وأذكر أن حاكماً عربياً منذ سنوات ابتدع طريقة لمعاقبة من يعاكسون البنات في الشوارع تشبه إلي حد بعيد طريقة التجريس بأن أمر بتصوير المعاكسين وإرسال صورهم لتنشر في الصحف في زاوية تتحدث عن ضبط معاكسي الفتيات.. لكن الطريقة لم تؤت أُكُلها وكفَّت الصحف عن النشر بعد أن كفَّت الشرطة عن التصوير.. فقد تزاحم المعاكسون في الشوارع ولاحقوا الفتيات في كل مكان أملاً في أن يتم تصويرهم ونشر صورهم في الصحف.. وأظن أن الفتيات أيضاً طالبن بالمساواة وبأن تنشر صورهن في الصحف.. واعتبرن نشر صور الرجال تمييزاً صارخاً ضد المرأة.. ومخالفة صريحة لنصوص اتفاقية منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة..!! هذا علي فرض أن النساء والرجال في أمتي "عندهم تمييز".
* * *
ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَرَّ بجمهرة من الناس تجمعوا حول امرئ أُخذ في ريبة. أي أدين بتهمة ما لم يذكرها الرواة. وكان يتم تجريسه أو فضحه فقال: لا مرحباً بتلك الوجوه التي لا تظهر ولا تتجمع إلا في الشر.. ويقصد سيدنا عمر بذلك أن هذا الحشد الكبير من الناس لا يظهر إلا في المصائب والفضائح "أم جلاجل".. فالتجريس عقوبة معروفة في التاريخ لكنها الآن ليست عقوبة. بل نجومية وشهرة بعد أن فقدت الأمة العربية عذريتها بغاءً وانتحر فيها الحياء.. صار التجريس فضائياً.. وكل منا يتمني أن يحظي بالتجريس ليصبح تحت الأضواء وضيفاً عند "عالة".
التجريس عقوبة اجتماعية شعبية وليس عقوبة سلطوية فوقية قانونية.. وإذا عادت هذه العقوبة الآن فإنها ستصبح "مسخرة" لأنها لا تصلح إلا لمجتمع حساس بكر يشعر الناس فيه بالعار والخجل ويلفظون المخطئ والفاسد والمنحرف.. والآن لا يوجد شيء من هذا لدي العرب. فهم قوم يفلسفون العار. ويفخرون به. ويبررون الفساد. ويحملون المفسدين علي الأعناق وإلي مقاعد السلطة والبرلمان..
العرب قوم بلا كرامة.. كل شيء عندهم قابل للبيع بثمن بخس.. الأرض والعرض والوطن والقيم والأمة.. وكل شيء عندهم بفلوس.. المواقف والمصير والشرف وكل ما كنا نقول عنه زمان إنه لا يقدر بثمن..
وقوم هذه حالهم لا يمكنك تجريسهم وفضحهم لأنه ليس بعد الكفر ذنب.. وكما يقول صديقي سعد جودة مغربي: إن كل قضية إسلامية أو إقليمية أو دولية تريد قتلها وإجهاضها وإفراغها من مضمونها. فما عليك إلا تعريبها. أي جعلها عربية.. لأن العرب لا يحبون حل المشاكل وإنما يحبون إدارتها وبقاءها واللف والدوران حولها.. فهم يتسلون ويتسامرون بقضايا العراق وفلسطين والسودان والصومال.. ويريدون مزيداً من الهوان والذل والضياع ليتسلوا في قممهم وقيعانهم.. ولا يعنيهم أن المحكومين "يشربون من كيعانهم".
التجريس يحتاج إلي امرئ يخجل من فعلته ومن نفسه.. يحتاج إلي أناس يستحون. والحياء تخلي عن جنسيته العربية وفرَّ من هذه الأمة التي لم يعد هناك أي فرق بين فضائياتها وغرف نومها.. وبين صحفها وشققها المفروشة. وبين طُهْرها وعُهْرها..
للمقال بقيه لمن يحب ان يتابعه لاني وجدته طويل
المصدر |
|
|
|
|
|