تقاسيم الوحدة في اللحن العربي

[black knight]

الصحف المصرية والعربية

في خمسينات القرن الماضي ومع تمكن الثوار المصريين من مقاليد الحكم وبسط أيديهم على زمام الأمور تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر أمتدت أبصار الزعيم الجديد خارج حدود مصر لتشمل عموم مايسمى بالعالم العربيوكبرت أحلام الرئيس والزعيم المصري ليكون زعيما قوميا . فأشتد عود ماسمي بالقومية العربية ودعى الداعي لربط الدول العربية أجمعها في رباط واحد وأمتدت الدعوة لتكوين دولة عربية قومية عظمى وراح الزعيم يلهث ذات اليمين وذات اليسار . شرقا وغربا وجنوبا أمتد أيادي الزعيم بالدعم والمساندة أحيانا وبالتهديد والوعيد حينا
فمد الزعيم يديه غربا ليساند الثوار الجدد في ليبيا والجزائر ومدد يداه وقدماه حتى غاص جنوبا في مستنقع اليمن السعيد وأحتضن وحدة وهمية شمالا مع سوريا . وفي ذات الوقت مد قبضته مهددا شرقا حيث هدد الكيانات الملكية والأميرية شرقا في بلاد الحجاز والخليج مدعيا التخلص من الأنظمة البائدة والقديمة . أراد الزعيم تصدير نموذج الثورة المصرية لكل البلاد العربية متناسيا أن الآخر قد لا يكون راضيا عن هذا النموذج وأن البعض يفضل تفصيل نموذجه الخاص. وهنا كانت الخطيئة التي تجاوزت مرحلة الخطأ . فإفتراض أن كل من ينتمي لدولة عربية يحمل نفس الخصائص والعادات والتقاليد ليس مجرد خطأ إستراتيجي بل هو خطيئة على من أفترضها أن يتحمل تبعاتها
فتحمل النظام المصري ثمن خطيئته في اليمن كما سدد فاتورة أخطاؤه في سوريا وضاع حلم الوحدة والإتحاد . بل أمتد الحساب ليدفع فاتورة باهظة في عام 56 وأخرى مذلة في عام 67 . بل مازال بعض من هذه الفواتير يتم سداده حتى الآن من قوت ودخل الشعب المصري .
والغريب العجيب أن من تم كل ذلك من أجلهم هم من عايرونا وملأت شماتتهم الدنيا ضجيجا وصخبا . ولكن جل المشكلة أن مصر هي الوحيدة في هذا الجمع الذي يتمسك بما يرفضه الأخرين ( ولو على المستوى الرسمي ) . فالقيادة المصرية كانت ومازالت تتمسك بمقولة أن مصر هي الأخت الكبرى وهي التي تمد الأيادي البيضاء ( رضي الأشقاء أم أبوا ) وياللمهذلة حين يقذف وزير الخارجية المصري بالأحذية في صحن المسجد الأقصى . وياللهوان حين تهاجم السفارة المصرية بالحجارة . ومازالت مصر تتمسك بأنها هي الأخت الكبرى ذات الصدر الواسع وأن الأخرين هم الصغار الذين لم يحن ميعاد فطامهم بعد ( ويبدو أنه لن يأت وقت هذا الفطام أبدا )
حتى القضية الفلسطينية التي حملت مصر عبئها على كتفيها وفوق ظهرانيها دائما وكأنه حدب أصابنا ولا يمكن التخلص منه ... حتى هذه القضية التي دفعت مصر في سبيلها الغالي والثمين بدءا من دماء شباب ورجال أبرار مرورا بأقتصاد تردى بداعي التسلح والحروب وإنتهاء بمواقف سياسية ومحاولات إصلاح وصلح ... كل هذا أصبح مجالا لمعايرة مصر وشعبها بل وسبة في جبينها .
والأن وبعد موقف الجزائر شعبا وحكومة وإعلاما وبعد أن ظهرت مكنونات صدور ( الأشقاء ) وظهر العدو من الحبيب ( الذي ندر وجوده ) ألم يأن أوان مراجعة النفس وتقييم المواقف ؟
ألم يأت الموعد الذي تسأل فيه مصر ( نظاما وشعبا ) إلى متى ؟
في أمثالنا القديمة يقال ( من ليس له كبير فليشتر له كبيرا ) فما بالنا بمن لا يريد كبيرا ولا دليلا ؟ فما بالنا بمن يبادلنا معروفا بكراهية ومن يعيرنا بفقر بعد غنى أفنيناه من أجلهم ؟
الآن أن الأوان لنقف وننظر وندرس وسائل تعامل جديدة بمعطيات مغايرة وبدائل كثيرة متعددة غير البديل الوحيد الذي أعتنقناه عقودا من زمن فات وندمنا عليه بعدما أصبح لا ينفع الندم