وقتما قرأت كتاب هيكل عن السادات الذي كنت أحترمه لا أستطيع أن أنكر أن هيكل أفلح على نحو كبير في أن يدمر احترامي للسادات، لا أدري إن كان الرجل قد افترى على السادات أو لا ، فالمسؤلية الأدبية عليه ، لكن كل قارئ لكتاب هيكل (خريف الغضب) سيقع في حدسه أنه بعيد أن يكون هذا كله كذب فلا شك أن السادات رجل سئ دنئ وعديم المبدأ ، فالرجل تبرأ من اسم والدته البلدي (ست البرّين) واسم عائلته الساداتي ونهب أموال الدولة وسهّل ذلك لكل أفراد عائلته (بالإضافة الى معلومات أخرى أخطر من هذا بكثير أعلمها عن السادات بخصوص 73 وقد انتهيت اليها من خلال تحليل شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي حيث أعتقد أن الفريق سعد الدين الشاذلي كان يريد تسوية اسرائيل بالأرض ورفض السادات وقال أنا لا أستطيع أن أحارب أمريكا التي ستتدخل حينئذ ،
وفي تعليقي على ذلك أقول أن الفكرة الشائعة عن أن أمريكا هي أم اسرائيل وأبوها هي فكرة بلا شك لها وجاهتها عندي ولكن هناك مشهد آخر من الصورة
في هذا المشهد مثلا أن الرؤوس النووية الموجودة في أمريكا تتخذ وضع الإستعداد الدائم وكل مجموعة رؤوس موجهة على دولة تمثل خطرا محتملا على أمريكا ومن هذه الدول التي قد وجهوا ترسانتهم النووية بإتجاهها هي الكيان المحتل ، ومن المشهد الآخر من الصورة أيضا أن هنري كسنجر عملاق السياسة الامريكية كان يريد لطم إسرائيل على أنفها واجبارها على الرضوخ لكامب ديفيد لتهدئة الأجواء في الشرق الأوسط وكسر الغطرسة الإسرائيلية قبل أن تتعاظم استقلالية قرارها عن أمريكا.
لا أنكر أن اللوبي الصهيوني لديه قوة ضاربة في أمريكا ومؤثرة على نحو مبالغ فيه لكن دائما في مراكز صنع القرار من يراقب ويمنع تجاوز الحدود
لكني حينما قرأت لهيكل كتابه الذي كان يعظم فيه عبد الناصر اقتنعت أثناء القراءة بكفاءة عبد الناصر (أقصد أنني اقتنعت تلك القناعة المؤقتة التي تشبه محاولة عقلك الباطن تخدير عقلك الواعي وأنت في السينما حتى تندمج مع الفيلم فلا تتذكر أثناء مشاهدته أن هذا كله تمثيل)
نعم هذا الذي يحدث معك حينما تشاهد فيلما ولو لم تقم بتركيع عقلك الواعي وعمل بلوك له لن تهنأ بالفيلم لحظة واحدة وبهذا تكون قد فعلت ما عليك لتعطي الفيلم فرصته ليكون جميلا في نظرك، ولكن أحيانا يكون المخرج على درجة من الغباء لدرجة أنه يوقظ عقلك الواعي بنفسه ليدمر الإمتاع الفني أثناء الفيلم وهذا ليس في صالحه كمخرج ، وهو يوقظ العقل الواعي حينما يطير البطل أو يمشي على الجدران أو يضرب رجلا فمن قوة الضربة يندفع المضروب عشرة أمتار للأمام ، مخرج غبي
هذا ما فعله هيكل حينما كنت أقرأ كتاب (لمصر لا لعبد الناصر)
كان الكتاب يدافع عن عبد الناصر بشكل صريح ومبالغ فيه
وعقلي الباطن على عادته قد حبس عقلي الواعي المتمرد داخل غرفة وأحكم غلقها عليه حتى أستمتع بالكتاب وبنفس طريقتنا مع الأفلام
ولكن حينما قال هيكل في كتابه أنه ذات مرة حاول الملك فيصل أن يتشفع في رجل من خاصته ، وهذا الرجل هو موضوع قضية في المحاكم المصرية ، يذكر هيكل أن عبد الناصر قال له يا هيكل ماذا أفعل ؟ أنا محرج كيف أقنع الملك فيصل أنني لا أستطيع أن أتدخل في قرارات محكمة
بالطبع دي وسعت منه جدا وهذا ما أخرج السجين الذي قد اُحكمت عليه أقفال الغرفة (عقلي الواعي الذي استيقظ مفزوعا من هول الصدمة)
ملحوظة : حينما أقول أن المسألة وسعت من هيكل ، لم أقصد أنه يحاول الإدعاء والفشخرة بأنه شديد القرب من عبد الناصر ، لا هذا ليس محل تشكك فهو صديق عبد الناصر وشديد الوفاء له وأغلب أصدقاء هيكل رؤساء دول ومنهم الرئيس الفرنسي آنذاك وهذا معروف ومسلم به ، لكن المسألة واسعة ولا يمكن تصديقها في قضية ان عبد الناصر ممكن يخاف يتدخل في قرارات محكمة على اساس انها كانت دولة مؤسسات موش دولة اوتوقراط ، وأصلا لا أعتقد ان فيصل يتشفع عند ناصر لأن الخلاف اللي بينهم كان أكبر من ذلك ، لدرجة إن فيصل كان يحاول أحيانا تحريض اسرائيل على مصر حتى يقحم ناصر في حرب تجعله ينشغل بنفسه ولا يزعج الملك فيصل بممارساته الإعلامية والسياسية المناوئة للمملكة
ولما وسعت منه حاولت أستمع الى رواية أخرى
وكانت الرواية الأخرى هي كتاب (عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا) لأنيس منصور
بالطبع أنيس منصور هو شخصية مريبة جدا بالنسبالي فبخلاف أنه يميل الى ترجمة الروايات الاجنبية الجنسية إلا أنه أيضا يقحم الجنس حتى في كتابه السياسي عن عبد الناصر موضوع حديثنا وقد ذكر في كتابه هذا مشهدا سريريا اباحيا لنابليون مع إحدى فتياته ،
هذا ما ازعجني ، أنا أتيتك ككاتب وشاهد على العصر لأستمع الى روايتك عن عبد الناصر مالي أنا بنابليون وحريمه وكيف كان يسافحهن!!
وبعد هذا تجده يتعاطف مع المتدينين ويبدو متدينا !! سكيزوفرينيك (ما علينا)
عموما الكتاب له بعض المميزات والعيوب ، أما الأولى فمنها أنني استفدت منه بعض التفاصيل عن تلك الحقبة التي لم اشهدها
واستطعت ان اكره عبد الناصر أكثر وهذا التوجه الذي انتهيت اليه من خلال كتاب انيس منصور وجد خلفية حاضنة عندي
حيث انني لا أحب عبد الناصر ولا احترمه عقلا ولا إنسانا
وأستطيع ان أقول انني وجدت ضالتي ووصلت الى تفاصيل اكثر عن عبد الناصر وشخصيته ، إلا أن العيوب أبرزها أن الملل تطرق إلى عقلي لفترة طويلة أثناء مطالعة الكتاب وهذا من عيوب المؤلف بشكل واضح وهذا ما لن تجده عند هيكل
أنا قرأت مكتبة هيكل ومؤلفاته كاملة وفي نظري
ليس هناك كاتبا عربيا ولا حتى في العالم كله يحمل قلم هيكل ، ليس هناك مؤلفا ولا صحفيا ولا عالما يمكن أن يداني هيكلا في أسلوبه وتشبيهاته ، نعم ، أعتقد أنه يكذب أحيانا قليلة وهذا محل نظر ولست متأكد من تعمده لذلك ، لكن على أي حال هيكل أسلوبه متألق في السماء بلا شك ولهذا كانت مقالاته تنشر في اليابان وأمريكا وأوربا والشرق الأوسط ولم يُعرف أن كاتب سياسي بلغ هذا الزخم من الإحتفاء بكتاباته لدرجة أنه يفرغ من كتابة الورقة فتطير أرجاء المعمورة من توها
خلاصة تجربتي البحثية :
وفقا لأنيس منصور : عبد الناصر لم يكن رئيسا مثقفا ولا ذكيا ، لكنه كان أحمقا غبيا والأدهى أنه كان دمويا من العيار الثقيل ، يؤيد ذلك كتاب (كنت رئيسا لمصر) للرئيس محمد نجيب
وفقا لهيكل : السادات كان مجرما في حق مصر بشتى أنواع الإجرام التي لا تخرجه من إطار الوطنية وحدها بل حتى من الإنسانية وذكر أنه كان يشرب الخمور يوميا في قاعة السينما باستثناء رمضان (محاولة لإدعاء الإنصاف من هيكل)
لكن دمر هيكل في شخصية السادات كل شئ ، لو تصورنا أن شخصية السادات هي جسم بشري ، فإن هيكل نهش كل خليه بمبضع جراح قد رقّده في السم ربيعا
حكمي النهائي : بناءا على عدم كفاية الأدلة وحيث أن شاهد الإدعاء الأول (هيكل) قد ضبط متلبسا بالكذب مرارا في دفاعه عن ناصر ، فإن طعنه في السادات ليس موثوقا لعدم عدالة الشاهد ، حيث أن الكراهية للسادات التي أنكرها هيكل في كتباه مرارا ، كانت تفوح من الكتاب وتزكم الأنوف
ووفقا لعدم حيادية أنيس منصور في حكمه على عبد الناصر ولوجود إنحياز بحثي وخصومة شخصية تمنعه من موضوعية الشهادة على العصر فإن شهادته مجروحه
وقضينا ببراءة المتهمان على ما كان في صدري على البريئان من التصديق أنهما مدانين ، ولكن الأدلة غير كافية
أردت في هذا المقال أن أقدم المعلومة في ثوب سردي ممتع إذا أحببتموه فسأشارك معكم أفكاري ، وإذا كان مقالي ضيفا ثقيلا على يومكم فأعتذر وسأنسحب من الموقع في هدوء معتذرا
أخوكم أحمد : مؤلف الكتاب الإنجليزي المنشور على الأمازون : سكرتيرك الخائن الذي لم يسلمك تقريرا صادقا قط (عقلك الباطن)
Title:
your unfaithful secretary who never gives you any honest reports(your subconscious)
Subtitle:
Theory of forgery by Dr. subconscious' intramuscular injection into reality (for distortion)