من التأميم إلى العدوان الثلاثى
عشت معركة التأميم
سامي شرف
ـ 2 ـ
حرب فلسطين
تحديد مصدر التهديد الرئيسى
لقد ساهمت حرب 1948 فى فلسطين فى إلقاء الضوء مركزا على الواقع القائم فى الدول العربية ومدى سيطرة القوى الاستعمارية على قرارها السياسى من ناحية ، وعلى جوانب القصور فى الجبهات الداخلية وما يعترى القيادات العربية من مظاهر فساد وتردد من ناحية أخرى ، فبرغم تزايد نشاط العصابات الصهيونية فى أرض فلسطين فى حقبة الأربعينات ، وإعلان بريطانيا رسميا اعتزامها الانسحاب منها فى مايو1948 ، ووضوح الهدف النهائى الذى تعمل له العصابات الصهيونية منذ بداية القرن لم تستطع القوى الفلسطينية ، أو القوى العربية أن تنظم صفوفها وترسى خطة محكمة للمحافظة على عروبة فلسطين .
ففى داخل فلسطين ورغم بروز اسم الحاج أمين الحسينى مفتى فلسطين كرمز للمقاومة ورئيسا للهيئة العربية العليا إلا أن المقاومة الفلسطينية كانت تعتمد إلى حد كبير على الارتجال ومحاولات الدفاع المحلى عن القرى والمناطق أكثر منها حركة مخططة و شاملة .
وعلى الصعيد العربى جرت بعض المبادرات التى قادها متطوعين عرب ، ففى السادس من مايو1947 دخل البكباشى أحمد عبد العزيز فلسطين على رأس قوة من المتطوعين، كانت تضم إلى جانب المصريين الذين كان على رأسهم الصاغ كمال الدين حسين وآخرين ، وكذلك أفراد من كل من ليبيا وتونس فى حدود ألف مقاتل تقريبا لكن كان ينقصهم التدريب والسلاح الكافيين فضلا عن غياب التنسيق بينهم وبين متطوعين آخرين قدموا من دول أخرى ، بل لا أبالغ إذا قلت أن ثمة تنافس وقع بين هذه المجموعات وبعضها وانتهى الأمر باستشهاد واحد من أكثر العناصر كفاءة وإخلاصا للقضية هو البكباشى أحمد عبد العزيز .
أما على مستوى الحكومات ، فقد اجتمع فى الثانى عشر من ديسمبر1947 رؤساء الحكومات العربية الأعضاء فى الجامعة العربية للنظر فى أساليب نجدة الشعب الفلسطينى وذلك فى أعقاب صدور قرار الأمم المتحدة رقم181 فى نوفمبر1947 والخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين ، إحداهما يهودية والأخرى عربية ، وقد ظهر فى هذا الاجتماع اتجاهان :
تمثل الاتجاه الأول :
والذى تبنته كل من مصر والسعودية وأيده العراق فى الدعوة إلى عدم استخدام القوة المسلحة العربية النظامية فى المعارك الدائرة فى فلسطين ، والاكتفاء بإمداد الفلسطينيين باحتياجاتهم من الأسلحة والذخيرة وتزويدهم بالمتطوعين .
أما الاتجاه الثانى :
فقد تبنته الأردن وأيدتها كل من سوريا ولبنان وكان يصر على إشراك القوات النظامية فى الصراع ضمن حدود معينة .
وقد لقى الاتجاه الأول تأييد الحاج أمين الحسينى الذى كان يرى أن الفلسطينيين قادرين على مواجهة الموقف بأنفسهم إذا ما تم تزويدهم بالسلاح والمتطوعين علاوة على توفير التدريب اللازم لهم .
لكن المؤتمر انتهى إلى التدخل بالقوات النظامية العربية فى 15مايو1948 ، والملفت للنظر هنا أن الملك فاروق قد أصدر أوامره بدخول القوات المصرية المعركة يوم13مايو1948 أى قبل التاريخ المحدد بيومين كنوع من المزايدة على باقى الدول العربية إلا أن اللواء أحمد المواوى قائد هذه القوات لم يتسلم أوامر القتال إلا فى اليوم التالى أى يوم 14مايو1948 أى أن التحرك قد بدأ دون صدور أوامر القتال .
كانت هذه القوات المصرية عبارة عن مجموعة لواء يتراوح عددها بين ألف وألف وخمسمائة جندى ، ولحقت بها بعض المجموعات الرمزية من كل من السعودية والسودان لا يتجاوز عدة مئات ، وكانت قوات ينقصها السلاح والتدريب مثلها مثل باقى القوات العربية التى بلغ مجموع عددها فى فلسطين فى 15مايو1948 حوالى 14ألف جندى بينما كانت القوات الصهيونية فى حدود سبعة آلاف جندى يخضعون لقيادة موحدة وعلى درجة عالية من التدريب وخدم أغلبهم فى صفوف جيوش أجنبية مما دعم كفاءتهم القتالية ، والأهم أنهم يعملون وفقا لهدف سياسى واضح ويؤمنون به إلى حد التعصب .
وكانت النتيجة الطبيعية هو فشل التدخل العسكرى العربى فى تحقيق أى من أهدافه اللهم إلا الاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة كمناطق عربية وارتكاز الصراع على المواجهة بين إسرائيل والعرب ككل ، وما ينطوى على ذلك من تشابك عميق مع أوضاع منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة .
على أن النتيجة الأهم فى سياق هذه المذكرات هو دور هذه الحرب فى تفتيح أذهان الضباط الذين أسسوا تنظيم الضباط الأحرار فى مصر وشاركوا فى هذه الحرب فلم تضع أيديهم على مصدر الخطر الحقيقى فقط كما عبر عنه جمال عبد الناصر عندما كان محاصرا فى الفالوجة: " بأن المشكلة ليست هنا فى فلسطين وإنما فى القاهرة . . " ، بل وبدرجة أكبر فى بلورة الفكرة القومية فى إدراك قادة يوليو واقتناعهم الكامل بأن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمن الأمة العربية ولا يمكن الفصل بينهما بأى حال .
فالمشكلة الكامنة فى القاهرة التى عبر عنها جمال عبد الناصر كانت تبدأ بالتغيير وتنتهى إلى عدة أهداف جوهرية كالتالى :
تحرير القرار المصرى من السيطرة الأجنبية ، ومن ثم فإن قضية الجلاء يجب أن تتصدر كل الأولويات بعد التخلص من النظام الملكى مع بناء جبهة داخلية متماسكة تكون خير سند للقرار .
بناء القوات المسلحة المصرية إلى الدرجة التى تجعلها قادرة على الدفاع عن أهداف الثورة وحماية مكتسباتها .
وضع برنامج للتنمية الداخلية فى المجالين الإقتصادى والاجتماعى يتيح المجال للاستفادة بأقصى درجة ممكنة من الموارد الذاتية لمصر وقبول الاستعانة بأية موارد خارجية بعيدا عن التبعية والخضوع للهيمنة الأجنبية .
بناء جبهة عربية داعمة لأهداف الثورة المصرية وأهداف الأمن القومى العربى بوجه عام مع إتباع سياسة التحرر من الاستعمار ليس فقط على مستوى الوطن العربى ، وإنما فى كل دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية .