أرى في التفاصيل التي أوردها الأساسات التي بنيت عليها نكبة الأمة في فلسطين .. لهذا ألتمس العذر منكم في الإطالة ..
ولسوف نعود بإذن الله لنضع تفاصيل وأخرى ومواقف تأريخية كانت لها أهميتها القصوى في تلك الحقبة التأريخية ..
نحن هنا لا نعلق أوزار النكبة على شماعة بعينها ..
بل نحاول تلمس طريقنا وسط ظلام دامس وتعتيم قاتل .. محاولات متعددة الأطراف لطمس الحقيقة .. والعودة باللائمة على الشعب الذي نُكِبَ وتبعثر على البسيطة .. ودمغه بالانهزامية والهرب والبيع وووووو.
أرجو أن تأخذوني بروية وتأن وطول بال وسعة صدر حفظكم الله ورعاكم
أسامة
ثالثاً: تطور موقف الأمم المتحدة
عندما أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين فإنها أوكلت تنفيذه إلى اللجنة الخماسية التى نص عليها ذلك القرار، وكان من المقرر أن تعمل هذه اللجنة بدعم من مجلس الأمن وتحت إشرافه.
وبدأت اللجنة الخماسية أعمالها بدعوة كلٍّ من اللجنة العربية العليا لفلسطين والوكالة اليهودية وحكومة الانتداب لتعيين مندوبين عنهم لمساعدتها والتشاور معها، إلا أن اللجنة العربية العليا رفضت هذه الدعوة على أساس عدم اعترافها بشرعية قرار التقسيم، أما الوكالة اليهودية فقد أرسلت مندوبها وحرصت على التعاون مع اللجنة، كما أرسلت حكومة الانتداب مندوباً عنها، إلا أنها رفضت أن يكون لها دور إيجابي في تنفيذ قرار التقسيم امتداداً لسياستها السلبية تجاه ذلك القرار، وأصرت على رفض قيام اللجنة بمهمتها أو التعاون معها حتى موعد انتهاء انتدابها رسمياً في 15 مايو، بل إنها رفضت السماح للجنة بدخول فلسطين بدعوى خوفها على سلامتها.
وإزاء رفض العرب والبريطانيين التعاون معها عجزت اللجنة الخماسية عن القيام بمهامها لترتيب نقل السلطة من حكومة الانتداب وإنشاء الميلشيات العربية واليهودية، بالإضافة إلى رسم الحدود والإعداد للإتحاد الاقتصادي للدولتين المقترحتين، وعلى ذلك بقيت اللجنة في نيويورك اكتفاءاً بإرسال مندوب عنها إلى فلسطين، كما تباطأ مجلس الأمن في تنفيذ التزاماته طبقاً لما جاء في قرار التقسيم، ولم يتناول قضية فلسطين بشكل جاد إلا في 24 فبراير عندما ناقش التقرير الأول للجنة الخماسية التى اتهمت فيه العرب بمحاولة تعديل قرار التقسيم باستخدام القوة، وطالبت المجلس بتزويدها بالمساعدة العسكرية للنهوض بمسؤولياتها ومنع إراقة الدماء فور جلاء القوات البريطانية عن فلسطين.
وإزاء تفجر القتال بين اليهود والعرب وإعلان الأخيرين تصميمهم على مقاومة التقسيم بالقوة، وإصرار الحكومة البريطانية على رفض استخدام قواتها لفرض قرار التقسيم، أصبحت الإدارة الأمريكية أقل تمسكاً بذلك القرار الذي ظنت أنه يمكن تنفيذه دون اللجوء إلى استخدام القوة، وقد ساعد على هذا التحول في الموقف الأمريكي تزايد العداء العربي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية لدورها في إصدار قرار التقسيم ودعمها الكامل للمطامع الصهيونية، وتخوف الإدارة الأمريكية من التهديدات العربية بالتدخل في تدفق البترول إلى الغرب في الوقت الذي تزايد فيه ضغط السوفيت في أوروبا والشرق الأوسط[1].
وعندما اجتمع مجلس الأمن القومي الأمريكي في 17 فبراير 1948 لمناقشة الورقة التى قدمها جهاز التخطيط في وزارة الخارجية بشأن التخلي عن قرار التقسيم أوضح الجنرال "ألفريد جرونتر" أن فرض التقسيم يتطلب إرسال ما بين 80 ألف و 160 ألف جندي إلى فلسطين، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحالة أن تعلن التعبئة الجزئية، وهو ما لم تكن الإدارة الأمريكية مستعدة لتنفيذه.
وهكذا نجحت وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكية في التغلب مؤقتاً على الضغوط التى يواجهها الرئيس ترومان من المؤسسات الصهيونية والمشايعين لها من أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية، ومن ثَمَّ رفضت الولايات المتحدة الأمريكية استخدام القوة لفرض التقسيم وأوضح "وارين أوستن" ـ رئيس الوفد الأمريكي ـ يوم 24 فبراير في مجلس الأمن أن ميثاق الأمم المتحدة لا يمنح المجلس صلاحية فرض قرار التقسيم، واقترح أن يقوم ممثلو الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالاتفاق على ما يجب عمله بعد ذلك، وبالرغم من تصويت مجلس الأمن بالموافقة على اقتراح "أوستن"، إلا أن ممثلي الدول الخمس لم يتوصلوا إلى اتفاق جماعي بالرغم من تقديم ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية والصين الوطنية وفرنسا مذكرة للمجلس أوضحوا فيها أنه لا يمكن تنفيذ التقسيم بطريقة سلمية.
وعندما تبين للصهيونيين تآكل المساندة الأمريكية لقرار التقسيم، قاموا وأنصارهم بحملة ضغط شديدة على الإدارة الأمريكية ، وخلال أسبوع واحد من فبراير تلقت الخارجية الأمريكية 22 ألف برقية بشأن فلسطين، وخلال أسبوعين كان قد تم جمع 35 مليون دولار من يهود الولايات المتحدة الأمريكية لدعم مشروع الدولة اليهودية، في الوقت الذي اشتد فيه النقد للتحول الجديد في الموقف الأمريكي تجاه فلسطين، والذي وصفته جريدة "نيويورك تايمز" بأنه استسلام واضح أمام التهديد باستخدام القوة، كما وصفه بعض الأمريكيين بأنه "انتصار لسياسة النفط وتهدئة مُخزيَة للعرب".
وبالرغم من الضغوط السابقة، فقد استمر تمسك الإدارة الأمريكية بموقفها الجديد من قرار التقسيم، وأعلن "أوستن" في 19 مارس أن مجلس الأمن لا يستطيع أن يفرض بالقوة مشروعاً لا يمكن تنفيذه بالطرق السلمية، وأن المجلس غير مستعد للمضي في جهوده الرامية إلى تنفيذ قرار التقسيم في ظل الظروف القائمة، مشيراً إلى أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد توصيات، ومن ثَمَّ اقترح رئيس الوفد الأمريكي قيام هدنة مؤقتة بين الجانبين العربي واليهودي، ووضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة إلى أن تُعقَد دورة خاصة ثانية للجمعية العامة بهدف إجراء مزيد من الدراسة لمستقبل فلسطين.
وإزاء هذا الموقف كثَّفَت المنظمات الصهيونية جهودها وضغوطها على الرئيس الأمريكي نفسه، الذي سرعان ما أعلن في الخامس والعشرين من مارس أن مشروع الوصاية المقترح ليس بديلاً عن مشروع التقسيم، وإنما هو تدبير مؤقت لتنظيم الإدارة في فلسطين بعد انتهاء سلطة الانتداب البريطانية وجلاء قواتها عن تلك البلاد.
وفي الثلاثين من مارس قدَّم "أوستن" في مجلس الأمن مشروع قرار يدعو زعماء العرب واليهود في فلسطين إلى إرسال مندوبين عنهم إلى مجلس الأمن لمناقشة قيام هدنة بين الجانبين كما يدعو الطرفين إلى التوقف فوراً عن أعمال العنف، كما كرر "أوستن" طلب الولايات المتحدة الأمريكية عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة نظام الحكم الذي يجب إرساؤه في فلسطين بعد انتهاء الانتداب.
وفي أول أبريل قرر مجلس الأمن ـ بناءاً على اقتراح أمريكي ـ دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لعقد دورة خاصة تبحث فيها من جديد مستقبل الحكم في فلسطين، كما اتخذ المجلس في 17، 13 أبريل قرارين آخرين: الأول يدعو إلى وقف الاشتباكات وإقرار هدنة بين طرفي الصراع في فلسطين، والثاني يدعو إلى إنشاء لجنة هدنة تتكون من قناصل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبلجيكا في القدس لمراقبة أي هدنة يتفق عليها.
قرار رقم 46 ( 1948 ) بتاريخ 17 نيسان ( إبريل ) 1948.
الدعوة إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين
إن مجلس الأمن،
بعد أن نظر في قراره رقم 43 ( 1948 ) في 1 نيسان ( إبريل ) 1948، والأحاديث التي أجراها رئيسه مع ممثلي الوكالة اليهودية لفلسطين والهيئة العربية العليا لغرض ترتيب هدنة بين العرب واليهود في فلسطين،
ونظراً إلى أنه، كما ورد في ذلك القرار، من الضرورة الملحة بمكان وضع حد فوراً لأعمال العنف في فلسطين، وإقامة الظروف الملائمة للسلام والنظام في ذلك البلد، ونظراً إلى أن حكومة المملكة المتحدة، ما دامت هي الدولة المنتدبة، مسؤولة عن صيانة السلام والنظام في فلسطين وعليها أن تستمر في اتخاذ جميع الخطوات الضرورية من أجل هذه الغاية، وأنها، في عملها هذا، يجب أن تحظى بتعاون وتأييد مجلس الأمن بصفة خاصة، وكذلك أعضاء الأمم المتحدة،
1 - يدعو جميع الأشخاص والمنظمات في فلسطين، وخصوصاً الهيئة العربية العليا والوكالة اليهودية، إلى أن تتخذ حالاً، دون إجحاف بحقوقها ومطاليبها ومواقفها، وكمساهمة منها في المنفعة العامة والمصالح الدائمة لفلسطين، الإجراءات التالية:
أ - إيقاف جميع الأعمال ذات الصبغة العسكرية أو شبه العسكرية، وكذلك أعمال العنف والإرهاب والتخريب،
ب - الامتناع من إحضار ومساعدة وتشجيع وإدخال العصابات المسلحة والرجال المحاربين إلى فلسطين، جماعات كانوا أم أفراداً، مهما كان أصلهم،
جـ - الامتناع من استيراد أو حيازة الأسلحة والمواد الحربية، ومن المساعدة أو التشجيع على استيرادها أو حيازتها،
د - الامتناع، لحين مواصلة النظر في حكومة فلسطين المستقبلة من قبل الجمعية العامة، من أي نشاط سياسي قد يجحف بحقوق أو مطاليب أو موقف إحدى الطائفتين.
قرار رقم 48 ( 1948 ) بتاريخ 23 نيسان ( أبريل ) 1948.
إقامة لجنة الهدنة لفلسطين
إن مجلس الأمن،
إذ يشير إلى قراره رقم 46 ( 1948 ) في 17 نيسان ( أبريل ) 1948، الذي يدعو جميع الأطراف المعنية إلى الإذعان لشروط معينة من أجل إقامة هدنة في فلسطين،
يقيم لجنة هدنة لفلسطين مؤلفة من ممثلين عن أعضاء مجلس الأمن الذين لهم قناصل متفرغون في القدس، ويلاحظ، مع ذلك، أن ممثل سورية أشار إلى أن حكومته ليست مستعدة للمساهمة في اللجنة. إن مهمة اللجنة ستكون مساعدة مجلس الأمن في الإشراف على تنفيذ القرار 46 ( 1948 ) من قبل الأطراف.
يطلب من اللجنة أن تقدم تقريراً إلى رئيس مجلس الأمن خلال أربعة أيام بخصوص نشاطها وتطور الوضع، وبعد ذلك أن تبقي مجلس الأمن على علم دائم بمجريات هذين الأمرين.
يحق للجنة ولأعضائها ومساعديهم ولموظفيها السفر مجتمعين أو منفردين حيثما ترى اللجنة في ذلك ضرورة للقيام بمهماتها.
سيزود الأمين العام اللجنة بحاجتها من الموظفين والمساعدة كما تراه ضرورياً، آخذاً بعين الاعتبار الحالة الملحة الخاصة بالنسبة إلى فلسطين.
تبنى المجلس هذا القرار، في جلسته رقم 287، بـ 8 أصوات
مقابل لا شيء وامتناع 3 كالآتي:
مـع القرار :
الأرجنتين، بلجيكا، كندا، الصين، فرنسا، سورية، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية.
ضد القرار :
-
امتنــاع :
كولومبيا، أوكرانيا، الاتحاد السوفياتي.
وقد استقبل العرب الموقف الأمريكي الجديد بارتياح حذر، وأعلن مندوبو الدول العربية في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية استعدادهم لدراسة اقتراح الوصاية وقبول الهدنة في فلسطين، إلا أن اللجنة العربية العليا التى كانت أقل تقبلاً لفكرة الوصاية أبلغت مجلس الأمن أنه مادامت الهجرة اليهودية مستمرة، ومادام الصهاينة ماضيين في خططهم لإنشاء دولة يهودية، فإن عرب فلسطين لن يستطيعوا التوقف عن القتال.
وعلى الجانب اليهودي أكدت الوكالة اليهودية رفضها لاقتراح الوصاية وطالبت الأمم المتحدة بتطبيق قرار التقسيم بالقوة إذا استدعي الأمر، كما أبدت استياءها من الموقف الأمريكي الجديد الذي اعتبرته خيانة لقضيتهم، في الوقت الذي تزايدت فيه حدة الدعاية والضغط الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية لاستعادة التأييد الأمريكي لقرار التقسيم، واتهمت الوكالة بريطانيا بالتواطؤ مع العرب في جهودهم للتسلل من الدول المجاورة إلى فلسطين، أما بالنسبة للهدنة، فقد أبدت الوكالة استعدادها لقبولها إذا تمَّ سحب كل المتطوعين العرب الذين دخلوا ذلك البلد، ومُنعت التحرشات العربية في المستقبل وسُمِح باستمرار الهجرة اليهودية دون قيود ولم تؤخر هذه الهدنة تحقيق الاستقلال.
وفي 17 أبريل كرَّر مجلس الأمن دعوته للعرب واليهود بإيقاف جميع الأعمال الحربية وشبه الحربية، وبعد خمسة أيام تشكلت لجنة للهدنة من قناصل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وفرنسا في القدس.
وفي 20 أبريل بدأت الدورة الثانية للأمم المتحدة مناقشة ورقة العمل الأمريكية التي اقترحت إنشاء وصاية مؤقتة تتولى فيها الأمم المتحدة سلطة الإدارة من خلال مجلس الوصاية وحاكم عام تُعيِّنه الأمم المتحدة مع السماح بهجرة خمسة آلاف يهودي شهرياً، وبالرغم من اعتراض العرب على بعض جوانب ورقة العمل الأمريكية فقد وجدوا أنفسهم مضطرين ـ إزاء ضيق الوقت المتبقي على انتهاء الانتداب ـ لأن يقبلوا مشروع الوصاية باعتباره الوسيلة العملية الوحيدة لوأد قرار التقسيم.
وخلال مناقشة ورقة العمل الأمريكية أبدى العرب قدراً أكبر من المرونة، وأيدتها الدول التى ساندتها في رفض مشروع التقسيم منذ البداية، كما بدأت بعض الدول التي صوَّتت ـ على مَضضٍ ـ إلى جانب التقسيم في 29 نوفمبر 1947 تُعرب عن استيائها أو اعتراضها الجاد عليه ورأت بعض الدول ان التقسيم كان خطأ يجب تصحيحه.
وفي الثالث والعشرين من أبريل أعلنت الهيئة العربية العُليا استعدادها المشروط للنظر في اقتراح الوصاية على أنه تدبير مؤقت فقط يرمي في النهاية إلى حل مقبول يرضى به العرب.
وعلى ضوء المناقشات السابقة أُحيل مشروع الوصاية الأمريكي إلى اللجنة الأولى، كما تقَّرر تشكيل لجنة فرعية (اللجنة رقم 9) لبحث جميع الموضوعات المتعلقة بتأسيس نظام انتقالي في فلسطين يستند على نظام الوصاية المقترح، وانتهت اللجنة الأخيرة إلى الموافقة على تعديل مشروع الوصاية وإقراره، كما وافقت على دعم جهود مجلس الأمن من أجل التوصل إلى هدنة في فلسطين، وتكليف وسيط الأمم المتحدة، الذي سيختاره الأعضاء الدائمون بالتوصل إلى تسوية سلمية.
وفي الوقت الذي كانت فيه اللجنة رقم (9) تبحث مشروع الوصاية، كثَّفت المنظمات الصهيونية ضغوطها لوأد ذلك المشروع والإبقاء على قرار التقسيم دون تعديل أو على الأقل تمييع الموقف في المنظمة الدولية حتى انتهاء الانتداب في 15 مايو.
وقبل بضعة أيام من ذلك اليوم الموعود، صرح حاييم وايزمان قائلاً: "لقد تمكنت من توطيد علاقتنا بأصدقائنا في واشنطن، وتأكدت انه سيتم الاعتراف بالدولة اليهودية في اللحظة التى يعلن فيها عن إنشاءها".
ومع اقتراب الانتداب البريطاني من نهايته بدأت جهود الضغط والإغراء الصهيوني تؤتي ثمارها مرة أخرى[2]، فقد تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن مشروع الوصاية في الوقت الذي فقدت فيه معظم الدول في الجمعية العامة حماسها لذلك المشروع، خاصةً وأن الحكومة الأمريكية لم تُبد أي استعداد للمشاركة في تنفيذه، وعلى ذلك لم يكن غريباً أن يفشل مشروع الوصاية في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لإجازته عند التصويت عليه في الجمعية العامة يوم 14 مايو.
ولم تنتظر الوكالة اليهودية انتهاء الانتداب البريطاني في الساعة الثانية عشرة من مساء ذلك اليوم، فقد بادرت بعقد اجتماع للمجلس الوطني اليهودي الذي أُعلن في الساعة الرابعة من بعد ظهر 14 مايو قيام الدولة اليهودية في فلسطين باسم "إسرائيل"[3].
انظر: (اُنظر ملحق تقريري القائمقام حافظ بكري عن اجتماعات رؤساء أركان حرب الجيوش العربية (1 و10 مايو 1948))
https://www.moqatel.com/openshare/Beh...44.doc_cvt.htm
وفي الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم (بتوقيت نيويورك والحادية عشرة بتوقيت فلسطين) – قبل ساعة واحدة من انتهاء الانتداب البريطاني على ذلك البلد – اجتمعت الجمعية العامة لمناقشة مشروع قرار أمريكي مُعدل كانت اللجنة الأولى قد أجازته على عجل في ذلك اليوم لتدارك الموقف بعد رفض مشروع الوصاية، وقد تضمَّن ذلك المشروع ما يلي:
1. اختيار الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وسيطاً يمثل الأمم المتحدة.
2. استخدام وسيط الأمم المتحدة مساعيه الحميدة مع السلطات والأطراف المختلفة في فلسطين لترتيب إدارة المرافق العامة الحيوية، وضمان حماية الأماكن المقدسة والعمل على التسوية السلمية للموقف في تلك البلاد.
3. انهاء مهمة اللجنة الخاصة بفلسطين.
4. تعاون كل من الحكومات والمنظمات على تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
وبينما كانت الجمعية العامة تناقش مشروع القرار السابق، أعلن في الساعة السادسة مساءً (بتوقيت نيويورك و 12 مساءً بتوقيت فلسطين) نبأ نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين وبعد ذلك بدقيقةٍ واحدةٍ كان الرئيس ترومان يعلن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة اليهودية الجديدة، دون التشاور مع وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد أثار هذا الانقلاب المفاجئ في الموقف الأمريكي لدى العرب من المرارة ضد الولايات المتحدة الأمريكية ما لم يحدث في أي وقت مضى، فقد أحس العرب أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمدت خداع الجميع حتى ينتهي الانتداب قبل أن توافق الجمعية العامة على أي قرار مضاد للتقسيم.
وبينما كان "السير آلن كننجهام" ـ المندوب السامي البريطاني ـ يغادر ميناء حيفا طاوياً آخر عهود الانتداب البريطاني في المشرق العربي كانت الأطراف العربية واليهودية تعد نفسها لجولة جديدة من الصراع الدامي.
أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد وافقت – بعد فوات الأوان – على مشروع القرار الأمريكي الذي قدمته اللجنة الأولى وكان يدعو إلى اختيار وسيط دولي. وجاءت نتيجة التصويت 31 صوتاً مقابل 7 أصوات وامتناع 16 صوتاً.
رابعاً: تطور الموقف الصهيوني في فلسطين
لتحقيق النصر على العرب وفرض الدولة اليهودية عليهم لخص بين جوريون الإجراءات الواجب عملها فيما يلي:
· التعبئة الشاملة للقوة البشرية اليهودية للعمل العسكري والاقتصادي بأفضل الطرق الممكنة مع إعطاء الأسبقية لاعتبارات الأمن.
· الإعداد لإنتاج وشراء المعدات والمهمات اللازمة للعمل العسكري في البر والبحر والجو وفقاً للتحضيرات التي تمت والتي لا تزال تجرى.
· عمل الإجراءات اللازمة لمعالجة النواحي المالية والصناعية والزراعية والصادرات والواردات، وتوزيع المواد الغذائية والمواد الخام، بحيث تعمل على دعم القوة العسكرية اليهودية دون الإضرار بالمجتمع اليهودي في فلسطين (الييشوف).
· الإعداد لوراثة حكومة الانتداب بتشكيل هيئة مركزية واحدة تمارس سلطاتها على شؤون الدفاع والصناعة والزراعة والتمويل والحكومة، على أن تتلقى هذه الهيئة الدعم الكامل من الحركة الصهيونية والشعب اليهودي في الشتات.
· التحول إلى الهجوم على طول الجبهة في الوقت المناسب، مع عدم قصر العمليات الهجومية داخل حدود الدولة اليهودية أو في فلسطين فحسب بل يجب مهاجمة العدو حيثما وُجد.
وقد مثلت الإجراءات السابقة برنامج العمل الذي سارت عليه الوكالة اليهودية والمؤسسات الصهيونية واليهودية المختلفة داخل فلسطين وخارجها لتأمين قيام الدولة اليهودية في الوقت المحدد لها.
1. التعبئة اليهودية للقوى البشرية
أ. تعبئة القوة البشرية اليهودية داخل فلسطين
على ضوء الإحصاء الذي أجرته الوكالة اليهودية في نهاية عام 1947 لوضع خطة التعبئة كان هناك 185 ألف من الذكور يمكن أن يشكلوا وعاء القوة البشرية للمجهود الحربي (97 ألف رجل تراوح أعمارهم بين 18، 35 عاماً و 78 ألف آخرين تراوح أعمارهم بين 36 و 50 عاماً، بالإضافة إلى 9500 شاب تراوح أعمارهم بين 16، 17 عاماً)، أما بالنسبة للنساء فقد كان هناك 41 ألف امرأة تراوح أعمارهم بين سن 18 و 25 عاماً بالإضافة إلى 9 آلاف فتاة.
وعلى ذلك كان وعاء التعبئة البشرية يسمح بدعم الهجناه بأعداد كافية لصد أي هجوم عربي محتمل، ومن ثم أصدر مركز الإحصاء للخدمة الشعبية في اليوم التالي لصدور قرار التقسيم أول أمر لتعبئة الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و 25 عاماً ولم يتم تأهيلهم بعد، حتى يجرى تجنيدهم وتدريبهم، ونظراً لأن المتقدمين خلال شهر ديسمبر 1847 ويناير 1948 لم يزد عددهم عن 23212 فرد، فقد أصدر مركز الإحصاء أمره الثاني في 18 فبراير 1948 يستدعي فيه الرجال غير المتزوجين والذين ليس لهم أولاد حتى سن 35 عاماً، وفي نهاية فبراير أعلنت التعبئة العامة.
وكان قد تم قبل ذلك استدعاء فئات معينة عديدة من بينها الضباط والرقباء، والذين خدموا في الجيش البريطاني وجيوش أخرى في أثناء الحرب العالمية الثانية (تقدر أعدادهم بنحو 5500 شخص)، والممرضات من جميع الأعمار (2000 ممرضة). ووصل عدد الذين تقدموا للخدمة حتى 15 مارس 1948 إلى 52000 رجل وامرأة. إلا أن إجراءات الرقابة ومناخ الحرب في ربيع عام 1948 رفعت أعداد المعبئين حتى منتصف أبريل إلى 82500 فرد، وعندما أعلن التجنيد لوحدات المعاونة النسائية في 29 أبريل ارتفعت الأعداد السابقة إلى 94500 رجل وامرأة، وفي 20 يونيه ارتفع سن التجنيد حتى سن 41 عاماً، مما أضاف أعداداً جديدة إلى الفئات السابقة.
أما في المستعمرات العمالية (الكيبوتزات) فقد جرت التعبئة وفقاً لأسلوب خاص تعود جذوره إلى الحرب العالمية الثانية، حيث حُددت نسبة 7% من العاملين في المستعمرات لأداء الخدمة بصورة كاملة، أما مستعمرات الحدود فقد أُعفيت من الخدمة الإجبارية، على اعتبار أن وجود المستوطنين في هذه المستعمرات أحد عوامل الأمن الرئيسية، كما أُعفى من الخدمة الإجبارية كل المستعمرات الزراعية التي لا يتجاوز عدد العاملين فيها 25 رجلاً ومن ضمنها كل مستعمرات النقب كما أُعفى من نفس الخدمة الأعضاء الذين يعملون في مستعمرات الموشاف. وقد جُند عملياً من المستعمرات للخدمة الكاملة 1987 فرد حتى نهاية مايو 1948.
كما أضافت عمليات الهجرة الشرعية وغير الشرعية التي تمت خلال شتاء وربيع عام 1948 دعماً جديداً للقوة البشرية اليهودية في فلسطين، وخلال تلك الفترة تراجعت الدوافع الإنسانية عند اختيار المهاجرين الذين سيتم ترحيلهم لتفسح المجال لجلب الشباب اللائقين للحرب، وكانت التعليمات التي أُعطيت لرجال مؤسسة الهجرة في تلك الفترة، هى أن يرسلوا على ظهر سفن الهجرة غير الشرعية ـ على قدر ما يستطيعون ـ شباباً مستعداً للانضمام إلى قوات الهجناه المحاربة فور نزولهم من تلك السفن، وخلال الشهور الخمسة الأولى من عام 1948 وصل إلى فلسطين أكثر من ستة آلاف فرد عن طريق الهجرة غير الشرعية ممن تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة.
ب. التجنيد من خارج فلسطين (غاحل)
في أوائل عام 1948 تقدمت مؤسسة الهجرة إلى قيادة الهجناه في أوروبا باقتراح القيام بعمل مشترك من أجل تجنيد الشباب لحمل السلاح وبناء الاقتصاد اليهودي، وكان على الهجناه أن تجند هؤلاء الشباب وتدربهم على أن تقوم مؤسسة الهجرة بنقلهم إلى فلسطين، وفي فبراير من نفس العام دُعيت مؤسسة الهجرة والهجناه إلى مؤتمر طارئ في "براغ" شارك فيه ممثلون عن حركات الشبيبة اليهودية في أوروبا، وعلى أثر هذا المؤتمر تم إنشاء مركز جديد لتنظيم عملية التجنيد.
وفي نهاية فبراير أصدرت الوكالة اليهودية أمراً صريحاً إلى قيادة الهجناه في أوروبا بالعمل خلال الأشهر الخمسة التالية على تدريب أقصى عدد من الشباب اليهودي وتشكيلهم في فصائل مع قادتهم تمهيداً لترحيلهم إلى فلسطين، وكانت الأوامر التي تلقتها قيادة الهجناه في أوروبا صريحة "بأن يأخذوا الأشخاص الملائمين مع الجهازين الآخرين (مؤسسة الهجرة ومؤسسة الهروب) بلا رحمة، فالأمن الآن أصبح قبل كل شيء".
وبناءاً على الأمر السابق قامت قيادة الهجناه في أوروبا بتنظيم عملية التجنيد والتدريب بمساعدة القوى المحلية، وشكلت لجان تجنيد في معظم دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا، ولم تكن مهمة هذه اللجان تنظيم التجنيد فحسب، وإنما أيضاً الجباية المالية لتمويل العملية، وأنشأت قاعدتان لتجهيز المجندين: الأولى في منطقة مرسيليا جنوب فرنسا والثانية في إيطاليا، كما كانت فرنسا بمثابة قاعدة لتجميع وفرز المجندين القادمين من معسكرات ألمانيا وشمال أفريقيا وإنجلترا وأمريكا في ثماني معسكرات كان أكبرها في مرسيليا يستوعب ألف فرد في الدفعة الواحدة.
وعندما بدأ العمل المنتظم في منتصف مارس 1948 كانت لجان التجنيد تُولي اهتماماً خاصاً للخبراء (مثل الضباط والطيارين وأطقم الدبابات والمدفعية ورجال البحرية والكوماندوز والفنيين في مجالات اللاسلكي والطيران والبحرية والأطباء والممرضات، حيث كان يتم فرزهم عن باقي المجندين وإرسالهم إلى فلسطين بأسرع ما يمكن، أما باقي المجندين فقد كان يتم تدريبهم لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع ثم يحولون إلى معسكرات انتقالية لانتظار دورهم في الترحيل إلى فلسطين. وحتى 15 مايو 1948 كانت حركة التجنيد خارج فلسطين قد دعمت القوة البشرية العسكرية اليهودية بعشرين ألف مجند، كان منهم عدة آلاف من الضباط والطيارين ورجال البحرية والفنيين في المجالات العسكرية المختلفة، الذين اكتسبوا خبرات الحرب العالمية الثانية.
ج. المتطوعون من خارج فلسطين (ماحل)
على التوازي من الجهود السابقة للتجنيد الإجباري لليهود داخل فلسطين وخارجها، بُذلت جهود ماثلة لتجنيد المتطوعين من المحترفين اليهود وغير اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب أفريقيا لتغطية النقص في بعض الكوادر والتخصصات العسكرية المختلفة، فمع بداية عام 1948 أُنشئ في الولايات المتحدة الأمريكية مكتب لتجنيد المتطوعين باسم Land and labor for Palestine. وقد وصل إلى فلسطين عن طريق هذا المكتب 1500 متطوع من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وفي ربيع عام 1948 جرت عملية خاصة لتجنيد المتطوعين اللازمين للسلاح الجوي التابع للهجناه ممن خدموا في السلاح الجوي الأمريكي خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وتمت هذه العملية بالتوازي مع عمليات شراء الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ظهر من تحقيق قامت به المخابرات العسكرية الأمريكية في مايو 1948، أن العقيد "أليوت نلز" ـ أخو "دافيد نلز" مساعد الرئيس ترومان ومن أكثر الناس نفوذاً في البيت الأبيض ـ قام ومعه شخص آخر يعمل في مكتب حفظ سجلات الضباط، بتصوير ستة وستين سجلاً من سجلات الضباط الصالحين للعمل لحساب الهجناه وأرسلاها إلى فلسطين، واعتبرت هذه السجلات مع ملفات سرية جداً أخرى، الأساس الذي اعتمدت عليه قيادة الهجناة في اختياراتها للضباط الذين تم تجنيدهم أو التعاقد معهم.
وكانت العروض المالية التي قُدمت للطيارين الذين سيذهبون إلى فلسطين أعلى مما كان الطيارون يتقاضونه في القوات الأمريكية آنذاك حتى يمكن إغراؤهم بالسفر، مع قيام المنظمات الصهيونية بالولايات المتحدة الأمريكية بتذليل أي مصاعب تعوق سفرهم إلى فلسطين حتى لو كانوا لا يزالون بالخدمة.
وتمت عمليات تجنيد مماثلة في جنوب أفريقيا للخدمة في القوات الجوية، وطبقاً لرواية سلوتسكي: "وصل المتطوعون الأوائل في أبريل 1948 وكان عددهم أحد عشر طيـاراً".
وقد غطت عمليات تجنيد المرتزقة والمتطوعين كلاً من كندا وبريطانيا وفرنسا وهولندا، والدول الإسكندنافية ودول أمريكا اللاتينية، وقد تزايد عدد المتطوعين حتى نهاية الحرب فوصل إلى ثماني مائة شخص في القوة الجوية. وقدر الأخوان كمش عدد الطيارين فيهم بمائة ستة وخمسين طياراً. وكان باقي هؤلاء المتطوعين والمرتزقة من الملاحين وعمال اللاسلكي والتسليح، والمهندسين. "وكانت خبرة هؤلاء المتطوعين أوسع كثيراً من خبرة زملائهم في أرض إسرائيل".
وبلغ جملة المتطوعين المحترفين الذين تم تجنيدهم خلال مراحل الحرب المختلفة نحو ثلاثة آلاف من الضباط والطيارين ورجال البحرية والفنيين والأخصائيين والأطباء. وقد شكل هؤلاء المتطوعون ما يقرب من 75% من طياري السلاح الجوي الإسرائيلي في ذروة أيام الحرب في خريف عام 1948، وما يقرب من 30% من رجال السلاح البحري و 20% من أطباء جهاز الخدمات الطبية.
2. تصنيع وشراء المعدات والأسلحة والذخائر
أ. تصنيع الأسلحة والذخائر
عندما اندلع القتال بين العرب واليهود في أعقاب قرار التقسيم كانت الصناعة العسكرية اليهودية تمر بمرحلة انتقال إلى وضع صناعي أكثر تقدماً ـ بعد النجاح الذي حققه بن جوريون في توفير معدات صنع الأسلحة خلال جولاته في الولايات المتحدة الأمريكية في صيف عام 1946 ـ في الوقت الذي كان عليها أن تمد قوات الهجناه بالعديد من الأسلحة والذخائر التي كانت في أمس الحاجة إليها، والتي لم يتم شراؤها اعتماداً على قدرة الصناعة العسكرية اليهودية على تصنيعها، مثل مدافع وقذائف الهاون والقنابل اليدوية وذخائر الأسلحة الصغيرة، وعلى ذلك بُذلت جهود كبيرة للتغلب على ذلك القصور بعمليات التصنيع المحلي.
ومع بداية استخدام طائرات السلاح الجوي الصغيرة التي تم الحصول عليها من المخلفات البريطانية قبل نهاية الانتداب، ظهرت الحاجة إلى قنابل طائرات صغيرة تناسب تلك الطائرات. وبُدئ بتصنيع قنابل طائرات مرتجلة تسلم السلاح الجوي أول دفعة منها في أبريل 1948، وحتى وصول طائرات القتال والقاذفات وقنابلها بعد انتهاء الانتداب كان قد تم تصنيع 700 قنبلة محلية.
إلا أن الإنتاج الغزير الذي تدفق على قوات الهجناه كان في الرشاشات الخفيفة، والتي بلغ ما تسلمته القوات اليهودية منها حتى مايو 1948 نحو 10404 رشاشاً. وقد بلغ إنتاج ذخائر هذا السلاح آنذاك نحو 400 ألف طلقة شهرياً، وخلال الفترة من أكتوبر 1947 حتى مايو 1948 كان قد تم إنتاج أكثر من مليوني طلقة. كما بلغ إنتاج القنابل اليدوية في نفس الفترة 77 ألف قنبلة، أما مدافع الهاون فقد أُنتج منها 31 مدفعاً خلال شهري أبريل ومايو بالإضافة إلى ما يزيد على 130500 قذيفة عيار 3 بوصة خلال الشهور الستة السابقة على تدخل الجيوش العربية. وقبل أن تغادر آخر القوات البريطانية أرض فلسطين في ربيـع عام 1948 كان هناك عشرة مصانع حربية حديثة تنتج الأسلحة والذخائر للقوات اليهودية.
ولم تقتصر صناعة الأسلحة وذخائرها على المصانع الحربية اليهودية فقد كُلفت بعض المصانع المدنية بصناعة بعض الأسلحة المضادة للدبابات مثل "البيات" والذي انتج منه 648 قطعة حتى نهاية مايو 1948، والألغام بكافة أنواعها والتي بلغ ما أُنتج منها خلال ربيع عام 1948 ما يقرب من 30 ألف لغم ضد الأفراد و2570 لغم ضد المركبات.
ب. شراء الأسلحة والطائرات
على ضوء التقدير المبكر لتدخل الجيوش العربية لوأد الدولة اليهودية عند إعلانها، كان على القيادة الصهيونية أن تعد لهذا الأمر عدته بتوفير السلاح على نطاق واسع على نحو ما سلف. إلا أن مشتريات الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية لم تتوقف عند الكميات والأنواع التي سبقت الإشارة إليها وخاصة بالنسبة لاحتياجات السلاح الجوي، فطبقاً لرواية "كاجان"[1]، فإنه بُذلت جهود مكثفة للحصول على الطائرات من كل أرجاء العالم، إلا أن الجهود الناجحة تركزت في النهاية في أربعة مصادر رئيسية هى، جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ثم تشيكوسلوفاكيا.
(اُنظر مذكرة الأدميرال ر.هـ. هيلنكوتر إلى الرئيس هاري ترومان (12 أبريل 1948 في الأسفل))
ففي جنوب أفريقيا نجحت جهود الوكالة اليهودية في الحصول على ثلاث طائرت من طراز " داكوتا C-47 " من شركة " يونيفرسال للخطوط الجوية " في أواخر عام 1947، كما قدم لها المليونير الهولندي "فان لير" ثلاث طائرات أخرى، فضلاً عن طائرتين أحضرها "بوريس سينور". كما تم شراء بعض الطائرات الأخرى من مخلفات الحرب، وقد استخدمت هذه الطائرات في أعمال النقل وقذف القنابل.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، نجح مندوبو الوكالة اليهودية في شراء عشر طائرات من نوع "كوماندو C-46"[2]، وثلاث طائرات من نوع "كونستليشن L-049" خلال شهر مارس 1948، وطائرتان من نوع "سكاي ماستر C-54" في مايو 1948، استخدمت في نقل الأسلحة والطائرات المقاتلة من تشيكوسلوفاكيا، فضلاً عن قذف القنابل.
بينما نجح أحد مندوبي الوكالة اليهودية في شراء عشرين طائرة من نوع "نورسمان C-64A" للنقل الخفيف من المخلفات الأمريكية في ألمانيا في شهر أبريل، تحت ستار شركة بلجيكية وهمية وقادها طيارون مجندون في الخارج إلى هولندا حيث تم إصلاحها، ووصلت أولى ثلاث منها إلى تل أبيب في الثاني من مايو وهى محملة بالأسلحة، بينما وصلت 14 طائرة فيما بعد إلى إسرائيل.
ويضيف "روبنشتاين" و"جولدمان"، أنه تم تزويد القوة الجوية الإسرائيلية بعشرين طائرة خفيفة (للاستطلاع والمواصلات) من نوع "بيبركب Piper Cup" وصلت إلى إسرائيل مبكراً في أوائل الصيف رغم الحظر الأمريكي، ودخلت في الخدمة فور وصولها[3].
أما في بريطانيا، فقد قام أحد عملاء الوكالة اليهودية بشراء أربع طائرات من نوع "أنسن M Ansonl 652" القاذفة في أوائل عام 1948.
وكانت الطائرات المقاتلة من نصيب تشيكوسلوفاكيا، فقد أثمرت الاتصالات السياسية مع الحكومة التشيكية علاقة خاصة، باركها الاتحاد السوفيتي، وكانت نتيجتها توفير احتياجات القوة الجوية الإسرائيلية من الطائرات المقاتلة والأسلحة، حيث عُقدت عدة صفقات كان أبرزها قبل 15 مايو 1948، صفقتي طائرات من نوع "مسر شميث" المصنعة في تشيكوسلوفاكيا تحت اسم "أفيا اس 199" "Avia S 199"، الأولى في شهر أبريل وقوامها عشر طائرات، والثانية في أعقابها وقوامها خمس عشرة طائرة.
وعلى حد قول "زئيف شيف"، "لقد تمادت تشيكوسلوفاكيا في تقديم العون ووافقت على إقامة قاعدة إسرائيلية فوق أراضيها، وأقيمت القاعدة بالقرب من بلدة "جاتتش" واشتملت على مطار، وأطلق على القاعدة في البداية اسم "زيبرا" وبعد ذلك أطلق عليها اسم "عتصيون"، وعُين يهودا بريفر "قائداً لها وأديرت القاعدة طبقاً للنظم العسكرية. وقد استخدمت هذه القاعدة لتجميع الأسلحة والعتاد والطائرات، سواء المشتراة من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل التجهيزات الفنية لها ثم إرسالها إلى فلسطين بعد ذلك.
وباستثناء طائرات النقل التي كانت تقوم بتهريب الأسلحة من الخارج إلى داخل الأراضي الفلسطينية التي كانت تسيطر عليها القوات اليهودية، وطائرات النورسمان التي وصلت إلى فلسطين قبل 15 مايو 1948 وطائرات الأوستر العشرين التي تم شراؤها من المخلفات البريطانية في فلسطين، فقد ظلت باقي الطائرات المشتراة من الخارج في مناطق تجميعها في أوروبا، انتظاراً لساعة الصفر عند انتهاء الانتداب.
مذكرة سرية
الأدميرال ر.هـ. هيلنكوتر
إلى الرئيس هاري ترمان
(12 أبريل 1948)
وكالة المخابرات المركزية
واشنطن 25 د.س
12 أبريل 1948
مذكرة إلى: الرئيس،
وزير الخارجية،
وزير الدفاع،
الموضوع: عمليات النقل الجوي السرية في أوروبا.
تتزايد عمليات النقل السرية للذخائر بواسطة الطائرات إلى مناطق أجنبية شديدة الحساسية، مثل شمال إيطاليا وفلسطين، كما أن الطائرات التي تعود ملكيتها للولايات المتحدة والطواقم الأمريكية، تشارك بشكل مباشر في هذه النشاطات، ويبدو أنه لا تتم ممارسة أية ضوابط أمريكية فعالة خارج الولايات المتحدة لمنع هذه العمليات.
تشتمل أمثلة العمليات السرية على ما يلي:
(أ) هبطت طائرة نقل من طراز C-46 تعود ملكيتها لشركة طيران أمريكية غير ُمجَدوَلَة في جنيف يوم 11 آذار (مارس)، حيث لوحظ أن محتوياتها تشتمل على أسلحة صغيرة، ثم رحلت الطائرة في اليوم ذاته متوجهة إلى روما، إلا أنه تم الإبلاغ أنها وُجدت فارغة تماماً وقد تركها طاقمها في أحد المطارات بالقرب من "بيروجيا" في إيطاليا. وكانت وزارة الخارجية قد رخصت لتلك الطائرة بالطيران إلى إيطاليا، حيث زُعِمَ أنها حُولت لاستخدام الركاب المدنيين.
(ب) هبطت طائرة نقل أمريكية من طراز C-54 مجهزة بأربعة محركات، في مطار براغ يوم 31 شهر آذار (مارس)، وقامت الشرطة السرية على الفور بتطويق الطائرة وحملتها بعدد من الصناديق الثقيلة جداً، وأقلعت الطائرة دون حصولها على الترخيص المطلوب، وقام كبير ضباط الشرطة السرية بفرض سلطانه على مسؤولي المطار التشيكي، وأبلغهم أن رحلة الطائرة كانت عملية حكومية، وعندما عادت الطائرة إلى براغ في اليوم التالي حاول الطاقم الأمريكي تجنب التحقيق إلا أنه في النهاية اعترف بأنه نقل شحنة من المعدات والأدوات الطبية إلى إحدى القرى الصغيرة في فلسطين، وعلاوة على ذلك، فقد أكد الطاقم أن مالك الطائرة لم يكن يعلم بالعملية.
(ج) طلبت شركة الطيران التشيكية CSA من مكتب الحاكم العسكري الأمريكي في ألمانيا في أوائل شهر آذار (مارس) ترخيص لتشغيل رحلتين جويتين أسبوعياً لمدة ستة أسابيع كاملة إلى إيطاليا ـ عن طريق "ميونخ" و"انسبروك" ـ من أجل نقل الخشب المقطوع، وكانت الطائرة ستهبط في مطار يقع على الساحل الإيطالي بين جنوا والحدود الفرنسية. (لا يوجد في هذا المطار أي مسؤول عن الجمارك الإيطالية، كما أن الموقع يسمح نقل حمولة الطائرات إلى السفن ليتم شحنها بحراً). وعلى الرغم من أنه يبدو أن أي من تلك الرحلات الجوية لم تتم طبقاً لخطوط السير المذكورة آنفاً، فهنالك داع للاعتقاد أن عمليات عديدة قد نُفذت في شمال إيطاليا بصورة سرية. (اُنظر الملحق لمزيد من المعلومات حول الأمثلة السابقة).
ومن الواضح أن النشاطات الإضافية غير المسؤولة للطائرات التي تعود ملكيتها للقطاع الأمريكي الخاص والخطوط الجوية الأمريكية غير المجدولة (التى تقوم برحلات غير منتظمة) يمكن أن يكون لها الآثار السلبية التالية على الأمن القومي الأمريكي:
(أ) زيادة نشاط الشيوعيين الإيطاليين، وخاصة في شمال إيطاليا.
(ب) إحراج الولايات المتحدة بسبب تهريب الأسلحة لأي من الجانبين في ظل أعمال القتال الجارية في فلسطين.
(ج) اعتراضات الحكومات الصديقة.
(د) تعزيز أهداف الدول المعادية بنشاطات ليس للولايات المتحدة سيطرة عليها.
ر.هـ. هيلنكوتر
رير أدميرال، بحرية الولايات المتحدة
مدير إدارة المخابرات المركزية
ملحق
مثال (أ)
إن طائرة النقل طراز C-46 التي ذكر أنها هبطت في إيطاليا بعد رحيلها من جنيف في 11 آذار (مارس) مع شحنة من الأسلحة الصغيرة، اكتشفت في اليوم ذاته في "كاستلونيا دي لارجو" وسلم الطيار الطائرة في هذا المطار إلى شركة طيران إيطالية (شركة الطيران الإيطالية) لتحويلها واستخدامها كطائرة للركاب، وعلى الرغم من أن موظفي الجمارك الإيطاليين، الذين أرسلهم مدير الطيران المدني الإيطالي إلى المطار مقدماً، قاموا بفحص الطائرة وأوراق طاقمها، فإنه لم يرد ذكر طبيعة الحمولة، التي من المحتمل أن يكون قد تم تفريغها الآن، وصرح الطيار أنه عند وصوله إلى وجهته أكد له المسؤولون الإيطاليون بأن الإشعار المطلوب سيتم إعطاؤه للسلطات الجوية المختصة. ومن ناحية أخرى، فإن المسؤولين الأمريكيين لم يُبَلغوا بشكل رسمي عن وصول الطائرة، ووُجِد أن جميع تراخيص الطائرة والرحلة الجوية كانت مستوفاة، وقد أبلغ US MAA في روما أن جميع أفراد طاقم الطائرة كانوا من اليهود بشكل واضح، ويشك أن الرحلة الجوية قد يكون لها علاقة بالحركة السرية اليهودية، بالرغم من أنه يشير أيضاً إلى إمكانية قيام طاقم الطائرة ببيع السلع المهربة كعمل إضافي إلى جانب عمله الشرعي. وعلى الرغم من أن A-2 قد أبرق بطلب الحصول على معلومات كاملة بخصوص الشحنة، فإن MAA في روما لم يشر في إجابته إلى أنه أجرى تحقيقاً مع الطيار بخصوص هذه المسألة.
وتعود ملكية الطائرة C-46 إلى شركة نقل أمريكية غير مجدولة هي "خدمات الخطوط الجوية المتحدة" (يملكها عدد من الأشخاص الأمريكيين المحترمين مثل الرئيس "مارتن بيلي فوند" ونائب الرئيس "وليم بور الصغير" الذي كان يعمل من قبل نائباً لمدير التشغيل السابق لخط ولاية نيويورك الجوي) وتلك الطائرة هي الأولى من عدد من طائرات C-46 التي تحصل لها هذه الشركة على أذون رحلات جوية عن طريق وزارة الخارجية، لتسليمها إلى شركة الطيران الجوية الإيطالية المذكورة آنفاً. وقد ارتاب مكتب المباحث الفيدرالية في نشاطات شركة "خدمات الخطوط الجوية المتحدة" في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي أثناء التحقيق في تصدير المتفجرات بواسطة أحد الزوارق من ميناء نيوآرك" في "نيوجرسي". ويبدو أن بعض الشخصيات المتورطة في عملية التصدير غير الشرعية هذه متورطة أيضاً في تمويل نقل الأسلحة والذخائر إلى أوروبا. والشخص الرئيسي الخاضع للتحقيق هو رجل يدعي "وايزمان" وقد تم تتبع نشاطاته، حيث ظهر اسمه في شيكات عديدة بمبالغ ضخمة جداً من المال (وقد أشارت التقارير أن تحت تصرفه مبلغاً تصل قيمته إلى 2.5 مليون دولار)، وقد تم الاتصال بشركة "خدمات الخطوط الجوية" بواسطة مجموعة من الأفراد منهم "وايزمان" الذي ظهر في إحدى ليالي كانون الثاني (يناير) في مكاتب شركة "برات ـ ستيم شب" في نيويورك. وقد وافقت شركة "خدمات الخطوط الجوية المتحدة" الموجودة في "بروبانك" بكاليفورنيا على أن تُرتب مع شركة "لوكهيد" شراء وتجديد ثلاثة طائرات من طراز "كونستليشن"، كما حصلت أيضاً على مجموعة من طائرات C-46 بلغ عددها اثنتي عشرة طائرة. وفي نفس الوقت تم تأسيس شركة فرعية في باناما تحت اسم "طيران باناما" انضم عليها عدد من طائرات C-46 وواحدة من طراز "كونستليشن" سُجلت كطائرات با نامية. وقد أُبلغت سلطات الطيران المدنية الأمريكية في حينه، وتم شطب هذه الطائرات من قائمة الطائرات الأمريكية واكتسبت الآن وضعاً أجنبياً ولما كانت الحكومة الأمريكية تمنح آلياً تراخيص المرور للطائرات المسجلة في بلدان أجنبية تربطها معها اتفاقيات جوية متبادلة، فقد أصبحت شركة "خدمات الخطوط الجوية" قادرة على الحصول على مثل هذه التراخيص، والمطالبة بوقفات محددة في الولايات المتحدة في طريقها إلى أمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي أو أوروبا، كما أن بيانات الحمولة أو قوائم الشحنة لمثل هذه الطائرات تُرخص عادة دون مناقشة، فضلاً أنه لا يتم تفتيش الشحنة الحقيقية حتى في الحالات التى تتطلب وجود تراخيص بالتصدير. ويبدو أن شركة خدمات الخطوط الجوية قد استوفت جميع الإجراءات المطلوبة، فبالرغم من الإشارات العديدة لعمليات الشركة غير الشرعية فإنه يبدو أن الدليل المتوفر حاليا ليس كافياً لمحاكمتها على تلك النشاطات. ومع ذلك فإن التحقيق الذي يقوم به مكتب المباحث الفدرالية مستمر، ومن الواضح أن الحكومة الإيطالية تعاونت تعاوناً وثيقاً مع شركة "خدمات الخطوط الجوية"، إلا أن إهمال المسؤولين الإيطاليين ذوي المراتب الدنيا في التبليغ عن واقعة الطائرة C-46 إلى السلطات الأمريكية في إيطاليا قد يشير إلى أن شحنة الأسلحة قد تم ترتيبها وإفراغها بعلمهم، وربما بتواطئهم أيضاً. (يمكن توقع التعاون النشط بين الإيطاليين اليساريين وعناصر الحركة السرية اليهودية ما دام الاتحاد السوفيتي يؤيد تقسيم فلسطين).
مثال (ب)
وصلت طائرة نقل أمريكية من طراز C-54 إلى براغ في الحادي والثلاثين من شهر آذار (مارس)، وقامت الشرطة السرية التشيكية بتطويقها وعزلها على الفور، وتقدمت منها شاحنتان ضخمتان نقل منهما خمسة وثلاثون صندوقاً ضخماً إلى الطائرة، ثم أقلعت الطائرة على الفور ودون إجراء التراخيص اللازمة مع مسؤولي المطار، كما قام قائد الشرطة السرية بإخماد احتجاجات هؤلاء المسؤولين على أساس أن تلك عملية حكومية. وفي اليوم التالي عادت الطائرة وقام ممثلي السفارة الأمريكية والملحق العسكري باستجواب الطيار وطاقم الطائرة. واعترف "سيمور ليرنر" صراحة أنه مسؤول عن رحلة الطائرة، وكشف النقاب أن الطائرة تعود ملكيتها إلى "رالف كوكس" من نيويورك، الذي يقوم بتشغيل رحلات جوية طارئة تحت اسم خطوط المحيط الجوية التجارية. وكانت الطائرة مؤجرة في باريس من قِبل "ليرنر" إلى شخص بريطاني يدعى "كوبر" دون علم "رالف كوكس" وإن كان وفق التفويض العام الذي منحه "كوكس" إلى "ليرنر" لنقل الحمولات من براغ إلى أماكن مختلفة. وحُملت الطائرة في براغ بحمولة وزنها أربعة عشر ألف رطل أُعلن عنها في بيان الحمولة أنها أدوات وآلات جراحية، ثم أقلعت الطائرة في رحلة بلا توقف إلى بيت "دراس" في فلسطين. وعادت الطائرة إلى براغ بعد أن أفرغت الحمولة في مكانها المحدد. ويعتقد السفير الأمريكي "ستين هاردت" أن كل ما ذكر آنفاً من حقائق صحيح في جوهره، وأن الصناديق كانت تحتوى غالباً على أسلحة صغيرة أو ذخيرة. (وقرية بيت دراس هى قرية عربية تقع على مقربة من الساحل الفلسطيني)، وطبقاً للموقف المائع القائم في المنطقة لم يُعرف ما إذا كانت الشحنة سُلمت إلى وكلاء يهود أو عرب.
إن التحقيق مع هذه الشركة الجوية في الولايات المتحدة قد كشف النقاب عن المعلومات التالية: إن خطوط المحيط الجوية التجارية تعمل من أحد المطارات في "لورينبورج ماكستون" شمال كارولينا، على بعد نحو خمسة وعشرين ميلاً من "بوب فيلد" (قاعدة جوية تابعة للقوات المسلحة الأمريكية). وأن الخطوط الجوية الأمريكية تستخدم السيد "كوكس" ومعظم الموظفين العاملين معه على أساس العمل بعض الوقت، وعندما يعمل طاقم الطائرات لحساب خطوط المحيط الجوية التجارية، فإنه يرتدي بزات تابعة للخطوط الجوية الأمريكية مع إزالة الشارات المميزة للشركة. ومن الواضح أن للشركة الجوية برنامجاً كثيفاً من التعهدات، وتقوم باستخدام طائرات من طراز C-59, DC-3 في مهمات إلى كل من أمريكا الجنوبية وأوروبا.
مثال (ج)
لم تُستلم أية معلومات مؤكدة بخصوص عمليات شركة الخطوط الجوية التشيكية في سلسلة من الرحلات الخاصة إلى "فيلانوفا دي ألبيجنا" الواقعة بالقرب من الساحل الإيطالي بين جنوا والحدود الفرنسية (كانت فيلانوفا البيجنا قد أقامت خدمة طيران إلى تريستا عن طريق ميلانو والبندقية. ويتم تشغيل الرحلات المقررة ثلاث مرات أسبوعياً). وقد ذكر مهندس طيران أمريكي أن طائرة تشيكية تحمل أحرف التعارف OAJ حلقت في اليوم الثاني من نيسان (أبريل) فوق ميونخ، ومن الواضح أنها كانت في طريقها إلى نيس في فرنسا، ولم يُطلب أو يُمنح لها أي ترخيص للتحليق فوق المنطقة الأمريكية.
3. الإعداد لوراثة حكومة الانتداب
عندما صدر قرار التقسيم في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 غمرت مشاعر الفرح والنشوة معظم اليهود داخل فلسطين وخارجها، لأن ذلك القرار قد هيأ الأسس القانونية والسياسية اللازمة لقيام دولتهم في فلسطين، وقد ساعد صدور هذا القرار على توحيد كثير من الجماعات اليهودية خلف التقسيم بما في ذلك الجماعات اليهودية التي كانت على استعداد لقبول دولة اتحادية ثنائية القومية والمجلس اليهودي الأمريكي المناهض للصهيونية السياسية.
إلا أن بعض الجماعات المتطرفة مثل "الأرجون تسفائي ليئومي" لم تكن راضية عن التقسيم لأنها كانت ترى أن الدولة اليهودية يجب أن تشمل كل فلسطين، وحذرت قيادة الأرجون من أن التقسيم لا يعني السلام وطالبت اليهود بحمل السلاح، ليس فقط لردع الهجمات العربية المحتملة بل أيضاً لتمكين اليهود من الاستيلاء على كل فلسطين.
وعلى الفور بدأت المؤسسات اليهودية في فلسطين بوضع الخطط اللازمة لإقامة الدولة اليهودية لتحل محل دولة الانتداب، فشُكلت لجنة الطوارئ، التي شارك فيها عدد متساو من الوكالة اليهودية والمجلس القومي، وبُحث موضوع الدوائر الحكومية وتقدير الأعداد المطلوبة من الموظفين، وبدأت الاتصالات بالموظفين اليهود في حكومة الانتداب والعاملين في الوكالة اليهودية، كما تم إعداد الميزانية المالية السنوية الأولى، إلا أن شكل السلطة المركزية للدولة التي ستخلف حكومة الانتداب لم يُحسم إلا في اجتماعات اللجنة التنفيذية الصهيونية التي عُقدت في تل أبيب خلال الفترة من 7 إلى 12 أبريل، حيث تقرر في هذه الاجتماعات تشكيل مجلس وطني أُطلق عليه اسم مجلس الشعب، من 37 عضواً يمثلون جميع أحزاب وتيارات التجمع اليهودي في فلسطين (الييشوف)، كما تم انتخاب ثلاثة عشر عضواً (أطلق عليهم مؤقتاً اسم المديرين) لتشكيل هيئة تنفيذية مصغرة لإدارة شؤون الدولة، سُميت بالهيئة التنفيذية لمجلس الشعب.
وخلال اجتماعات اللجنة التنفيذية الصهيونية المشار إليها تم اتخاذ الخطوة الرسمية الأولى لمعالجة الانشقاق في المجال العسكري بين الهجناة والأيتسل (الأرجون تسفائي ليئومي) بإقرار صيغة للاتفاق بين الجانبين.
وفي 20 أبريل أنتخب "دافيد بين جوريون" رئيساً للهيئة التنفيذية لمجلس الشعب، كما بدأ مديرو ذلك المجلس في تشكيل الدوائر الحكومية اليهودية ونقل ملكية مكاتب حكومة الانتداب الراحلة وممتلكاتها إلى دوائرهم، وتحولت دوائر المجلس القومي الخاصة بالتعليم والصحة والمعونة الاجتماعية إلى دوائر حكومية، كما طُلب من جميع موظفي الحكومة اليهود الاستمرار في عملهم حتى لا تتضرر الخدمات العامة مع زوال حكومة الانتداب.
وفي الثالث من أبريل تم إنشاء مكتب مركزي يهودي للتموين له فرعان في القدس وتل أبيب، كما أُنشئ بنك الدولة لتمويل الخدمات من حصيلة الضرائب، وفور تصفية دائرة البريد البريطانية في نهاية أبريل، قامت بخدمات البريد دائرة يهودية.
وقد ساعد وجود ا لعديد من المؤسسات اليهودية في عهد الانتداب، مثل المجلس القومي والوكالة اليهودية وهيئات عامة أخرى كانت تقوم بمهام رسمية في مجال الاستيطان والزراعة المالية والتربية والتعليم والصحة والدفاع على استخدام كوادر هذه المؤسسات في تسهيل عملية نقل السلطة من دوائر حكومة الانتداب إلى الدوائر اليهودية.
وفي الثاني عشر من مايو 1948، اجتمعت الهيئة التنفيذية لمجلس الشعب لتحديد موقفها من الهدنة وإعلان الدولة اليهودية، بعد أن تزايدت عليها الضغوط الدولية، فعلى الجانب العربي كانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية قد حددت موقفها من الهدنة منذ منتصف أبريل، وعلقت موافقتها على الهدنة بإيقاف الهجرة اليهودية ومغادرة اليهود غير الفلسطينيين البلاد، في مقابل وقف التسلل العربي ومبارحة الفدائيين لفلسطين مع نزع سلاح الجانبين (الفلسطيني واليهودي).
كما كانت "جولدا مائير" قد عادت من لقاء الملك عبدالله في الليلة السابقة مؤكدة دخول جيش الأردن إلى فلسطين، على غير ما وعد الملك عبدالله خلال الاتصالات اليهودية السابقة معه في شهري يناير وفبراير من نفس العام.
ومن ناحية الولايات المتحدة الأمريكية، كان "موسى شرتوك" قد عاد منها، يحمل تحذيراً من "جورج مارشال" وزير الخارجية الأمريكية ، بصدد تأجيل قرار إعلان الدولة اليهودية، وعقد هدنة مدتها ثلاثة أشهر، وقيل لشرتوك بوضوح، إنه "إذا سار اليهود في طريقهم، فيجب ألا يطلبوا مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، في حالة حدوث غزو".
ولما كان "شرتوك" قد تلقى أيضاً تأكيداً من أصدقاء الدولة اليهودية في واشنطن بأنه سيتم الاعتراف بها فور إعلانها، فلم يكن القرار سهلاً على القياد الصهيونية، فرفض الهدنة، كان يعني تمرداً على قرارات المنظمة الدولية التي أقرت قيام الدولة اليهودية، قبل أن تكتمل شرعيتها الدولية باعتراف المجتمع الدولي بها، كما كان يعني احتمالاً لتخلي الولايات المتحدة الأمريكية عنها عند اشتعال الحرب المنتظرة بينها وبين الدول العربية، بينما كان الوعد بالاعتراف بالدولة عامل مشجع في الاتجاه نحو إعلانها، إلا أنه كان على المجتمعين أولاً أن يتأكدوا من الموقف العسكري فيما لو تدخلت الجيوش العربية. وعلى ذلك طلب المجتمعون الاستماع إلى رأي الهجناة عن الوضع العسكري واحتمال غزو الجيوش العربية بعد إعلان قيام الدولة، ودُعي إلى الجلسة كل من "إسرائيل جاليلي"، الذي كان بمثابة قائد الهجناة، و "إيجال سكونيك" (يادين) المسؤول عن العمليات.
وبالنسبة للغزو العربي المنتظر، قال يادين أن الهجناة متأهبة على أساس افتراض أن الغزو مؤكد، وبالتالي ركزت كل قواتها وأسلحتها في الأماكن المحتملة كميدان للاشتباك في المعركة الأولى، وذكر أن هناك خططاً لعمليات هجومية على الحدود وما وراءها حين حدوث الغزو، ولخص يادين رأيه في أن الدول العربية تتمتع بتفوق مطلق في السلاح والمدرعات والطيران[7]، إلا أنه بقدرة المقاتلين ومعنوياتهم والتخطيط والتكتيك الجيدين، فإنه يمكن التغلب على القوة العربية، خاصة وقد كان يرى أن العرب لم ينجحوا في تركيز قوتهم في جبهة واحدة، ومن ثم، فإن الفرص العسكرية متعادلة في الجانبين. إلا أنه ـ من وجهة النظر العسكرية ـ نصح بتوخي الحذر، نظراً لانخفاض معنويات قسم كبير من الرجال، ويحتمل انخفاضها أكثر في كل مكان تضطر فيه الهجناة للعمل ضد المدرعات والمدفعية التي تفتقر لها حتى ذلك الوقت.
أما إسرائيل جاليلي فقد تلخص رأيه، في أن نتيجة التصدي لجيوش الدول العربية مرهونة بالتغلب على المدى المتفوق لنيران العرب (المدفعية والطيران)، فضلاً عن مدرعاتهم، ولذا، فإنه لابد من بذل جهد كبير لجلب الطائرات (المقاتلات والقاذفات) والمدافع التي تم شراؤها من الخارج، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسن موقف السلاح خلال سبعة إلى عشرة أيام.
وسأل المجتمعون ممثلي الهجناة، عما إذا كانت منظمتهم معنية من الناحية العسكرية بهدنة مدتها ثلاثة أشهر، وكان جوابهما أنه من الناحية العسكرية، ستكون للهدنة ميزة كبرى، فيما إذا استغل الوقت لجلب السلاح من الخارج وتدريب المقاتلين وما شابه، "ولكن لا يمكن للهدنة أن تكون منفصلة ومقطوعة الجذور عن ظروف سياسية محيطة، يمكن أن تُفشل كل ما أنجزناه سابقاً، حتى من الناحية العسكرية".
وأشار بن جوريون إلى موقف التسلح، قائلاً: "لدينا كنوز من السلاح، لكن ليس في البلد، ولو كان جميع السلاح الذي في حيازتنا في مكان ما هنا، لاستطعنا أن نصد بقلب مطمئن ولدخلنا هذه المعركة بسهولة أكثر، حتى لو عملت مصر والعراق ضدنا".
وفي نهاية الاجتماع تم الاقتراع على الهدنة، وأسفر تصويت الهيئة التنفيذية على رفضها للهدنة بأغلبية ستة أصوات ضد أربعة[8]. ومن ثم، تقرر تلقائياً إعلان قيام الدولة اليهودية باسم "إسرائيل" مع نهاية فترة الانتداب البريطاني. وفي الساعة الرابعة بعد ظهر الجمعة 14 مايو 1948 أُعلن رسمياً قيام الدولة اليهودية.
---------------------------------------------------
[1] شهد شهر فبراير 1948 انقلاباً شيوعياً في تشيكوسلوفاكيا في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفيتي يمارس ضغوطه وتهديداته ضد النمسا وإيران وتركيا.
[2] في صباح يوم 14 مايو تمكن "كلارك كليفورد" ـ مستشار ترومان الذي كان على اتصال مستمر بالقيادات الصهيونية وزعماء الحزب الديمقراطي ـ من إقناع الرئيس الأمريكي بوجوب القيام بعمل فوري لإنقاذ ذلك الحزب من هزيمة محققة في الانتخابات القادمة، خاصة وأن قادة الحملة الانتخابية قد أبلغوه أن مشروع الوصاية الذي قدمته الإدارة الأمريكية سيؤدي بالحزب والرئيس ترومان إلى فشل ذريع، وأنه هناك ثورة داخلية في الحزب ضد الرئيس.
[3] عندما اجتمع المجلس الصهيوني العام في تل أبيب يوم 16 أبريل 1948، قرَّر إقامة مجلس وطني يهودي من ممثلين عن الحركة الصهيونية المقيمين في فلسطين والهيئات اليهودية الأخرى فيها، على أن يتكون ذلك المجلس من 37 عضواً، مع تشكيل مجلس مديرين من 13 عضواً يكون مسؤولاً أمام المجلس الوطني الذي اجتمع للمرة الأولى في 18 أبريل.
[4] الكولونيل (عقيد) "بنجامين كاجان" كان أحد المسؤولين عن مشتروات الطائرات من تشيكوسلوفاكيا عام 1948، ثم من فرنسا في الخمسينيات، وأصبح مديراً لمشتروات القوات الجوية بعد ذلك.
[5] أصيبت إحداها في حادث أثناء إقلاعها في أوروبا، واستخدم الباقي في النقل وقذف القنابل.
[6] يحتمل وصولها بعد 15 مايو أو خلال شهر يونيه 1948.
[7] قامت وزارة الدفاع الأمريكية في أوائل شهر مايو 1948 بإجراء دراسة لتقدير الموقف على ضوء الأوضاع في فلسطين، وجاء في ذلك التقدير أن القوات اليهودية كانت متفوقة على جميع القوات العربية بالرجال والسلاح والعتاد والتدريب.
[8]كان اثنان من الهيئة التنفيذية محاصرين في القدس والثالث في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك حضر الجلسة المصيرية عشرة فقط من الهيئة التنفيذية.
ملحوظة:
حقيقة أن العرب مجتمعين قد واجهوا الاستعدادات الصهيونية الموضحة بعاليه بما يتناسب معها ..
فقد رصد المجلس السياسي للجامعة العربية المنعقد في صوفر بلبنان (مصيف جميل كان الراحل الموسقار محمد عبد الوهاب يتخذ منه مقرا صيفيا له بالتبادل مع بلودان السورية .. التبولة هناك غاية في الإبداع) رصد مبلغ مليون دولار امريكي لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني والمتطوعين العرب .. يا فرحة "بن جوريون" بيعرب بن قحطان .. انظر رسالة شهيد القسطل "عبد القادر الحسيني" للأمين العام للجامعة العبرية .. آسف أقصد العربية .