وفيما يلي نص التقدير الاستراتيجي
تقدير استراتيجي (76): احتمالات عقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي
تقدير استراتيجي (76) - حزيران/ يونيو 2015
الملخص:
يعيش الفلسطينيون جميعاً على أمل إنجاز صفقة جديدة لتبادل الأسرى بين حركة حماس التي أسرت جنديين إسرائيليين إبان الحرب الأخيرة صيف عام 2014، و"إسرائيل"، على غرار صفقة "وفاء الأحرار" سنة 2011.
وفي الوقت الذي لا تتوفر فيه أيّ معطيات قطعية حول مصير الجنديين المفقودين بالمصطلح الإسرائيلي، فإن المؤشرات الصادرة عن حماس والاحتلال تثير التساؤلات والشكوك حول إمكانية وجود الجنديين أو أحدهما على قيد الحياة على أقل تقدير.
وبالرغم من القانون الذي سنّه البرلمان الإسرائيلي لمنع الإفراج عن الأسرى، إلا أن حيثيات القانون وطبيعة السلوك الإسرائيلي، سياسياً وأمنياً واستراتيجياً ومجتمعياً، لا يشير إلى تغيّر استراتيجي ويُبقي الأمر في دائرته التكتيكية.
وتُراوح الأمور بين سيناريو الجمود الذي قد يمتد إلى عدة سنوات، والسيناريو الإيجابي المبني على انعطافة معلوماتية بخصوص مصير الجنديين، والكفيل بإحداث تطور دراماتيكي في ملف الصفقة، وإحراج القيادتين: السياسية والعسكرية في إسرائيل، واستثارة ضغط وحراك الشارع الإسرائيلي.
مقدمة:
يرقب الشعب الفلسطيني وآلاف الأسرى القابعين في سجون الاحتلال باهتمام بالغ، كل شاردة وواردة تتصل بالجنديين الإسرائيليين اللذين تمّ أسرهما إبان الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في صيف سنة 2014، وهما شاؤول آرون الذي تمّ أسره شرق مدينة غزة في 20/7/2014، وهدار جولدن الذي تمّ أسره شرق مدينة رفح في 1/8/2014، وما قد يترتب على ذلك من صفقة جديدة لتبادل الأسرى على غرار صفقة "وفاء الأحرار" التي تمت في 11/11/2011.
لكن الحديث عن صفقة تبادل جديدة يكتنفه العديد من التعقيدات في ظلّ وضع الاحتلال للجنديين في عداد القتلى واعتبارهما مفقوديْن، ما يمهد الطريق أمام الكثير من التساؤلات والسيناريوهات ذات العلاقة، التي نحاول الإجابة عنها ضمن ثنايا هذا التقدير.
أوضاع الأسرى:
حتى نهاية الربع الأول من سنة 2015، يتوزع قرابة 6500 أسيراً فلسطينياً وعربياً على 23 سجناً ومعتقلاً داخل إسرائيل، من بينهم 500 معتقل إداري بدون محاكمة، و300 طفل دون الـ 18، و22 أسيرة. ويبلغ عدد الأسرى المرضى 1200 أسير، من بينهم 130 حالة مزمنة كأمراض السرطان والسكري والإعاقة الكلية أو الجزئية، في ظلّ سياسة الإهمال الطبي بحقهم.
وتمارس إدارات السجون عمليات اقتحام وتنكيل متكررة بالأسرى، يتخللها عمليات تفتيش وإجراءات استفزازية وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية، وعمليات تخريب متعمدة لأقسام الأسرى، بالإضافة لسنّ قوانين واتخاذ إجراءات عقابية، مثل قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، ومشروع القانون الخاص بمنع الإفراج عن الأسرى المحكومين مدى الحياة.
وتواصل سلطات الاحتلال سياسة الاعتقالات في الضفة الغربية والقدس، حيث وصلت حالات الاعتقال خلال سنة 2014، إلى أكثر من 7000 حالة، بينما نفذ الاحتلال، خلال الربع الأول من هذه السنة، ما يزيد عن 1000 حالة اعتقال وتوقيف وتحقيق مع مواطنين فلسطينيين.
وأعادت سلطات الاحتلال اعتقال 74 محرراً من صفقة "وفاء الأحرار"، وأفرجت لاحقاً عن 8 منهم، بينما ما يزال 66 محرراً رهن الاعتقال، حيث أعاد الاحتلال الأحكام السابقة على 35 محرراً منهم.
تاريخ الصفقات والدروس المستفادة
بدأ تاريخ صفقات التبادل بين العرب والاحتلال بعد حرب 1948، واستمر حتى سنة 2011، حيث بلغ مجمل الصفقات 38 صفقة، وكانت البداية عربياً على يد مصر في شهر شباط/ فبراير 1949، أما آخرها فكان صفقة "وفاء الأحرار" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. وتعدُّ صفقة "وفاء الأحرار" الصفقة الأهم في تاريخ الصفقات الفلسطينية والعربية، من حيث عدد الأسرى الذين تمّ إطلاق سراحهم من ذوي المحكوميات العالية.
وبقراءة متفحصة لتجارب صفقات التبادل السابقة يمكن القول إن الاحتلال والمقاومة معاً قد استخلصا العديد من العبر، وحاولا الاستفادة قدر الإمكان من الدروس المستفادة المترتبة على هذه الصفقات، وذلك على النحو التالي:
أولا: على الصعيد الإسرائيلي:
• محاولة طيّ ملف الجنود المفقودين عبر الإعلان عن قتلهم في أثناء المعارك، وإقامة جنازات رسمية لهم، وذلك لتخفيف الضغط الجماهيري على المؤسستين السياسية والعسكرية، وحرمان حماس من تحقيق أي إنجاز.
• تكثيف العمل الأمني والاستخباراتي بغية الوصول إلى طرف خيط حول أي من الجنديين المفقودين عبر:
- قيام جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" من خلال الوحدة الإلكترونية 8200 بالإبحار في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل مع المنتديات الحوارية، حيث تضم الوحدة طاقماً مدرباً على أعلى مستوى في مجالات تقنية ونفسية للإيقاع بالشبان الفلسطينيين، بهدف الوصول إلى طرف خيط للوصول إلى الجنديين المفقودين.
- إجراء تحقيقات مكثفة مع المرضى ومرافقيهم والتجار والطلاب والزوار على معبر بيت حانون (إيرز) الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل حول الجنديين المفقودين.
- استنفار العملاء والمتعاونين ونشرهم في مختلف مناطق قطاع غزة، وإخضاع قيادة وكوادر حماس والقسام للرقابة والمتابعة، بغرض تلمّس أي معلومة أو طرف خيط يقود إلى الجنديين المفقودين.
• استدراج حماس للإفصاح عما لديها من معلومات حول مصير الجنديين المفقودين، ومن ذلك تصريحات يوفال ديسكين رئيس جهاز الشاباك السابق الذي ألمح إلى عقد صفقة تبادل قريبة مع حماس، علماً بأن المؤشرات الموضوعية لا تشير إلى وجود مفاوضات حقيقية وغير مباشرة بين الاحتلال وحماس.
• الحرص الشديد على عدم وقوع أي جندي في الأسر عبر منع توجه الجنود للمناطق الفلسطينية، وتغيير التعليمات في مناطق الحدود مع غزة.
• سنّ قانون يمنع الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
ثانيا: على صعيد حماس:
• إدارة حماس للملف الخاص بالجنديين المفقودين والحديث حول صفقة التبادل بعيداً عن وسائل الإعلام.
• التشديد على أن كل معلومة في هذا الملف لها ثمن واجب الدفع إسرائيلياً.
• تعامل كتائب القسام مع الملف بهدوء عال ونفس طويل، إذ لوحظ أن الكتائب لم تتحدث مطلقاً عن أي تفاصيل بخصوص الجنديين المفقودين.
• إدخال الحرب النفسية في ثنايا ملف الجنديين المفقودين بهدف تحريك المجتمع الإسرائيلي، وإحراج القيادتين: السياسية والعسكرية داخل "إسرائيل".
• تأكيد حماس أنها لن تعقد أي صفقة تبادل جديدة قبل التزام الاحتلال بالاتفاقيات السابقة، وخصوصاً منع إعادة اعتقال الأسرى المحررين.
يتبع.............