المجموعة 39 قتال
إبراهيم الرفاعى (اسطورة العمليات الخاصة)
....
........
.....
عمليات الاستفزاز للإسرائيليين :
ويحكي علي أبو الحسن عن العمليات التي كانت المجموعة تقوم بها لاستفزاز الإسرائيليين وإحباط الروح المعنوية لديهم فيقول : في إحدي المرات كنا نريد تصوير موقع للصواريخ يقوم بضرب القوات المصرية من الضفة الشرقية للقناة وكنا لا نعرف مكانه بالتحديد فقرر الرفاعي أن يقوم بتصوير هذا الموقع في عز النهار وليس بالليل كما كنا نقوم بكل عملياتنا، وكان هدفه إحباط الإسرائيليين، وبالفعل ذهبنا بالسيارات إلي موقع كبريت وكان أكثر مناطق القناة ضيقاً ونزلنا إلي الموقع وأخرجنا أنابيب هواء وأنزلنا بالون وقمنا بملئه بالهواء حتى انتفخ وكان برج المراقبة عند الإسرائيليين علي الضفة الشرقية يرانا بوضوح ونحن في الضفة الغربية واندهشوا مما نفعل وفجأة صعد الرفاعي إلي البالون ومعه د. علي نصر ولم يجعل الرفاعي أي من المقاتلين يصعد، وكان معهما كاميرات تصوير بعيدة المدي وكنا أسفل المنطاد نمسك بالسلك الذي يربط المنطاد وكان اثنان منا مكلفين في حالة سقوط المنطاد في الضفة الشرقية مكلفين بالعبور وإرجاع الرفاعي ود. علي نصر من عندهم، وصعد البالون وبدأ الرفاعي يقوم بالتصوير وتركنا الإسرائيليين بعض الشئ وفجأة صعدت طائرات مقاتلة من عندهم وكان الطيار ينوي أن يأخذ البالون في جناح الطائرة وهو يعتقد أنه مربوط بحبل ولكن الطيار اكتشف أنه مربوط بواير سلك فصعد فوق البالون وغير اتجاهه وقام بما يسمي بحاجز الصوت فحدثت فرقعة وعندما أخذ الطيار الدورة الثانية كنا قد سحبنا البالون بسرعة بعد أن قام الرفاعي بتصوير موقع الصواريخ وتحديد مكانه، وبعد أن عاد الطيار إلي موقعه صعد الرفاعي بالبالون مرة أخري ليستفزهم أكثر وأكثر.
ممنوع دخول الفتيات :
ويضيف أبو الحين قائلاً أن الإسرائيليين كانوا كثيروا ما يحاولوا استفزاز المصريين الموجودين علي الضفة الغربية للقناة، فكان يوم السبت هو يوم الترفيه بالنسبة للإسرائيليين وكانت تحضر لهم فتيات إسرائيليات للترفيه عن الجنود وكانوا ينزلون للسباحة في القناة ليستفزوا المصريين بتصرفاتهم فقرر الرفاعي أن نأسر إحدي هؤلاء الفتيات لكي يتوقف الإسرائيليين عن إحضار فتيات لجنودهم، وبالفعل خرجنا لعمل استطلاع لمعرفة مواعيد نزولهم القناة وأثناء الاستطلاع قاد لي د. علي نصر أن هذه العملية عمليتك خطط أنت لها ونفذها، وكان لدينا أجهزة تنفس تحت الماء مفتوحة يمكن أن تنكشف من خلال الفقاقيع التي تخرج منها فذهبت إلي الإسكندرية وأحضرت أجهزة تنفس بالأكسجين مغلقة لا تنكشف وكان الإسرائيليون ينزلون إلي القناة من الساعة الخامسة إلي السادسة وكان البرد شديد في ذلك الوقت فنزلت إلي القناة قبل الساعة الخامسة وسبحت حتى وصلت إلي شمندوره تتوسط المسافة بيننا وبينهم في القناة وكانوا معتادين أن يعوموا حتى يصلوا إليها وظللت تحت الشمندوره لمدة ساعة كاملة انتظرهم وكان معي طرف حبل والطرف الآخر كان يمسك به الشهيد إبراهيم الرفاعي ود. علي نصر وكان برج المراقبة عندنا يراهم بوضوح، ومن شدة البرد شعرت أن أطرافي تكاد تتجمد لإني لا أتحرك فأعطيت لنفسي مهلة 5 دقائق أعود بعدها لموقعنا إذا لم ينزلوا إلي الماء، وفجأة وجدت الرفاعي يجذب الحبل بسرعة وكان ذلك علامة علي أن الجنود الإسرائيليين نزلوا للمياه فانتظرت حتى وصلوا إلي الشمندوره وفجأة وجدتهم يعودوا للشاطئ مرة أخري، وأراد الله أن تكون هناك فتاة في نهاية الصف وبسرعة أمسكت بها ولففت الحبل حولها فبدأت في الصراخ بصوت عالي وبدأ الإسرائيليين يضربون بالرشاش حولنا حتى لا تصاب الفتاة وكان زملائي يسحبون الحبل بسرعة فصعدت إلي سطح المياه وأخذت الفتاة علي صدري حتى يتوقفون عن الضرب وسحبني زملائي حتى وصلت للشط وبدأت الفتاة تصرخ وتسبنا وتحاول خربشتنا وأخذناها كأسيرة ومن ذلك اليوم لم تجرؤ فتاة أو جندي إسرائيلي علي النزول إلي مياه القناة، وقد بادلنا الفتاة بعدد كبير من جداً من الأسري المصريين بعد ذلك "وحرمناهم" إحضار فتيات إلي جنودهم.
وأذكر في أحد المرات أن الشهيد الرفاعي كان يقوم بتصوير موقع إسرائيلي علي القناة من علي الضفة الغربية فرآه جندي إسرائيلي يقف علي الضفة الشرقية فقام بحركة سخيفة بيده لاستفزاز الرفاعي، فصوره الرفاعي وقام بتكبير الصورة وتوزيعها علينا وأمرنا أن نحضر هذا الجندي كأسير وبالفعل حفظنا شكله وبعد شهر كامل استطعنا أن نأسره عقاباً له علي فعلته.
ميناء إيلات :
ويروي علي أبو الحسن قصة دوره في ضرب ميناء إيلات الإسرائيلي فيقول : أن الضفادع البشرية المصرية دخلت ميناء إيلات وقامت بتفجيرات فيه ثلاث مرات وفي المرة الثانية كانت مجموعة منا قد دخلت إلي ميناء إيلات عن طريق الأردن وأقمنا في كنيسة بالقرب من إيلات لمدة ثلاثة أيام وقد دخلنا فلسطين بمساعدة المخابرات الأردنية ورجال منظمة التحرير الفلسطينية واستضافنا القس في الكنيسة وساعدنا كثيراً وأثناء قيام الضفادع البشرية بتلغيم الميناء كنا نحن نضرب الميناء من الخارج بصواريخ الكاتيوشا وبعد أن انتهينا من الضرب خرجنا بسرعة إلي الحدود الأردنية ومنها إلي مصر.
ليلة الفرح الكبير :
ويتذكر علي أبو الحسن ما حدث قبل حرب أكتوبر فيقول : قبل الحرب بفترة كنا نشم رائحة شئ غير عادي يحدث وفوجئنا بتكثيف التدريب الغير عادي قبلها بحوالي شهرين ولم يكن هناك أي مجال للتعب أو الاعتذار عن التدريب وتم منع الأجازات، ويوم 5 أكتوبر 1973 جاءت لنا أوامر بالنزول إلي مياه القناة وسد فتحات أنابيب النابالم التي وضعها اليهود تحت مياه القناة لإشعال سطح القناة في حالة محاولة المصريين العبور، وكان الاستطلاع قد أحضر خرائط توزيع فتحات المواسير ونزلنا بالفعل إلي القناة وقمنا بسد فتحات الأنابيب بخلطة أسمنت سريعة التجمد في الماء وذلك في المنطقة التي كنا نعمل فيها وقامت وحدات أخري من الجيش بسد باقي الفتحات في مناطق أخري، وكانت الأوامر في هذا اليوم صارمة بعدم الاشتباك مع اليهود حتى لو كان أمامنا ألف يهودي بإمكاننا قتلهم.
ويوم السادس من أكتوبر عام 1973 كنا بمقر المجموعة بالقاهرة صدرت الأوامر لنا بأن يتحرك ستة أفراد ومعني ذلك أن العملية استطلاع لأن ستة أفراد كان عدد صغير، وتحركنا بالفعل الشهيد إبراهيم الرفاعي، ود. علي نصر و النقيب فؤاد مراد والمقاتلين مصطفي إبراهيم وأحمد مطاوع وأنا وذهبنا إلي المطار فلاحظنا أن هناك إجراءات أمن غير عادية وكانت الساعة الثانية عشرة والنصف ولاحظنا أن الطيران يتحرك بكثافة داخل المطار وكنا حتى ذلك الوقت لا نعرف حقيقة الموقف، ودخلنا إلي المنطقة التي كان يقف فيها سرب الطائرات الخاص بنا وصعد الرفاعي ود. علي نصر إلي القيادة وانتظرناهم حتى عادوا لنا وقال الرفاعي : (مبروك .. النهاردة الفرح الكبير) وكانت فرحتنا لا توصف وذهبنا إلي الطائرات الهليوكوبتر وركبنا كل اثنين في طائرة وكانت الطائرات قد تم خلع أبوابها الخلفية وطارت الطائرات مسافة طويلة حتى اعتقدنا إننا ذاهبين لإسرائيل حتى هبطت الطائرات في سفاجة وكان وقت الإفطار في المغرب فأفطرنا وركبنا الطائرات مرة أخري وصدرت الأوامر بتدمير 3 حقول بترول في سيناء وكانت المسافة بين كل حقل والآخر 5 كيلو متر وكانت الأوامر في حالة عدم وجود مقاومة أن تهبط الطائرات وتقوم بلصق ألغام في الحقول إما إذا كانت هناك مقاومة أن يضرب الطيارين الحقول بالصواريخ ونقوم بضرب الأفراد بالرشاش والذخيرة.
وكان تشكيلنا علي شكل رأس سهم كانت طائرة المقدمة هي طائرة الرفاعي ويقودها الطيار جلال النادي قائد السرب الخاص بنا وكنت في الطائرة التي علي اليمين وكانت الطائرة الثالثة علي اليسار.
وقرر جلال النادي أن يقوم بخدعة فاتجه لليمين داخل أرض العدو بحيث يعود إلي الحقول وكأنه قادم من المواقع الإسرائيلية ولكن فهم الإسرائيليون الخدعة وشعرنا ((أن الدنيا تمطر صواريخ)) بالعكس من أسفل لأعلي فأخرج النادي الصواريخ وبدأنا في ضرب الحقول وحولها إلي جهنم، وكنت في الطائرة الثانية ومهمتي كانت ضرب الأفراد بالرشاش ففوجئت بكمية هائلة من النيران تدخل الطائرة حتى إني أخفيت وجهي بيدي وكنت أقفز بداخل الطائرة من شدة النيران، وفجأة لم أري الطائرة الثالثة وكانت قد أصيبت بصاروخ فدارت الطائرتين الأخرتين ثلاث دورات للبحث عن الطائرة الثالثة فلم نجدها فعدنا إلي قاعدتنا بعد أن دمرنا الحقول الثلاثة وكانت المفاجأة هي أن المصريين اعتقدوا أننا إسرائيليين لأننا ذهبنا ثلاث طائرات وعدنا أثنين كما أن جلال النادي كان يقوم بحركة تحية معينة بالطائرة عند وصوله للقاعدة فاعتقدوا أننا نهاجم الطائرة ففتحوا علينا النيران وأصيبت الطائرتان فنزلنا قبل المطار بنحو 50 كم حتى جاءت طائرات أخري لحملنا وكنا قد حولنا الحقول إلي جهنم. وبعد أن عدنا كلفت المجموعة بالعمل في خليج السويس وحتى رأس محمد وكنا كل يوم نقوم بعملية ومنها عمليات في مطار الطور وميناء الطور وكانت العمليات برمائية وجوية حتى حدثت الثغرة.
المرح في مواجهة الخطر :
ويذكر علي أبو الحسن أنه رغم كل المخاطر التي كانت المجموعة 39 تتعرض لها إلا أنهم كانوا يواجهون كل ذلك بروح المرح والسخرية ويقول : كنا نذهب إلي أي عملية وكأننا ذاهبين إلي نزهة أو رحلة ممتعة، ولم تكن كلمة الخوف موجودة في قاموسنا، وكان الرفاعي رحمه الله يقول أننا نجاهد في سبيل الله فلا يجب أن ننتظر أي مقابل وكنا مؤمنين بذلك.وأذكر كثيراً من الواقف الطريفة التي حدثت لنا في تلك الفترة، فمثلاً د. علي نصر القائد الثاني وعلي الرغم من كونه ينتمي لعائلة أرستقراطية وثرية جداً إلا أنه كانت له هواية دائمة فكان يقول لي : ((أعمل لنا يا أبو الحسن شاي في الكريستال)) وكان الكريستال هذا هو علب الفول الفارغة وكان لا يشرب الشاي إلا فيها. وأذكر في أحد المرات أننا كنا نتدرب في بحيرة قارون بالفيوم وكان موجوداً معنا خبير هولندي كان قد حضر و معه نوع جديد من القوارب لنجربه، وفي فترة الراحة ذهبنا للتمشية في المزارع القريبة من البحيرة وكان معي زميلين كانوا يسبقاني وفوجئت بهم يعودان وهم يجرون بسرعة وسألتهم عما حدث فقالوا لي ثعبان ولم أكن أتخيل أن يفعل بنا ثعبان هذا ولكني رأيته وفوجئت بثعبان ضخم طوله أكثر من أربعة أمتار وكان هناك (نمسين) يناوشان الثعبان وجرحوه مما أهاج الثعبان وحينما رآنا النمسان هربا جري الثعبان ورائنا حتى وصلنا إلي مكان التدريب ورآنا الرفاعي قادمين نجري مثل الريح وحينما لمحته تأخرت عن زميلي فسألهم الرفاعي ماذا حدث فقالوا له ثعبان فاستاء جداً أن يفعل فينا ثعبان ذلك ونحن المتعودين علي صيد الثعابين، ولم يسأل ولم يستفسر ولكنه قال جملة واحدة : ((أية ثعبان ؟ روحوا هاتوه)). وكان لابد من تنفيذ الأمر وأمسك بي الغضب من زملائي فأمسكت أحدهم وضربته من غضبي فأين سنعثر علي الثعبان وسط المزارع وبدأنا نبحث عنه حتى وجدنا ووجدنا النمسان عادوا له وتعاملنا مع الثعبان حتى تمكنا منه وقتلناه وعدنا ونحن نسحبه وراءنا ونحن فرحين وبمجر أن رآنا الخبير الهولندي ورأي ضخامة الثعبان جري مثل الريح من الخوف، وقد أقمنا وليمة من الثعبان في ذلك اليوم وأكلت منه المجموعة كلها.
ومن المواقف الطريفة التي لا أنساها أيضاً أنني قبل أن انضم للمجموعة 39 قتال كان مقر عملي في لواء الضفادع بالإسكندرية وكنا نخرج مأموريات تستمر أسبوع أو اثنان أو شهر بالأكثر، وعندما انضممت للمجموعة صدرت الأوامر لنا بعدم إخبار أي شخص من مكاننا فكنت أقول لزوجتي أنني في مأمورية، وظللت علي ذلك لمدة عامين حتى ظنت زوجتي أنني تزوجت بأخري لأن مقرنا كان في القاهرة حتى أصبت في مرة بقاذف لهب في وجهي في إحدي العمليات وحدثت حروق بوجهي وعندما عدت في أجازة وأنا مصاب أيقنت زوجتي إنني كنت في مهمة عمل خاصة أنها كانت قد رأت رؤيا لي في نفس لحظة إصابتي وانتهي شكها في أنني تزوجت بغيرها.
وبعد كل هذه السنوات أقول الحمد لله الذي أقدرنا علي أن نقدم شئ ساهم في تحرير تراب وطننا وأقول رحم الله شهدائنا العظام الذين قدموا أرواحهم فداء لوطنهم
- يتبع -
د. يحي الشاعر