على حساب صاحب المحل

[gameel]

الصحف المصرية والعربية

يا ترى مَن سيتحمل تكاليف إصلاح ما خربته حرب إسرائيل على غزة؟
عدد من البلدان الخليجية، السعودية أساساً، لكن أيضاً الكويت (فاكرين "بالكيماوي يا صدام"؟) والإمارات وقطر.

شيء في منتهى السوء والله، كيف؟ دعني أوضح لك: يفترض في جماعة تسعى إلى الاستقلال وتحارب من أجله، أن يكون سعيها للاستقلال هو نفسه سعي في بناء ذاتها واستشراف نوع المجتمع الذي تطمح إلى أن تكونه بعد الاستقلال. المهاتما غاندي، مثلاً، اختار أن يناضل بالطريقة التي اختارها وهاجسه الأساسي ليس الاستقلال في حد ذاته ولا الاحتلال البريطاني، بل الهند نفسها والعلاقة بين أديانها وقومياتها في مرحلة ما بعد الاستقلال. اللاعنف والتسامح الغانديان موجهان أساساً إلى الهنود وليس إلى قوات المحتل. سعد زغلول وهو يقاوم الاحتلال الإنجليزي يرفع شعاراً من نوع "الدين لله والوطن للجميع"، ما علاقة هذا بالاحتلال والاستقلال؟ الباشا سعد يناضل من أجل الاستقلال باليد اليمنى ويبني وطنه باليد اليسرى، وهذا يتداخل في ذلك إلى درجة أن يصبح الهدفان (الاستقلال وبناء أمة ما بعد الاستقلال) هدفاً واحداً، وهما بالفعل كذلك. نيلسون مانديلا، قبل وأثناء سجنه الطويل، لا يكف عن تحذير شعبه الأسود من.....الانتقام. تتعرضون لأفدح الظلم، لكن إياكم أن ترضخوا لغريزة الانتقام المهلكة، نحن طلاب عدالة ولسنا طلاب ثأر. فإذا ما تغيرت الظروف وأٌقرت العدالة، كان المجتمع جاهزاً لفتح صفحة جديدة دون أحقاد ولا ضغائن. ومن أجمل وأعمق ما قرأته عن شراسة العنف الأصولي في الجزائر (150 ألف قتيل مقابل 1200 في مصر) أن ذلك العنف يعود بأصوله إلى العنف المروع الذي اتسمت به مرحلة المطالبة بالاستقلال.

ماذا عن الفلسطينين؟ أي أفق تشير إليه حركة نضالهم فيما يخص الوطن الذي يسعون لبنائه واستقلاله؟

لا شيء. أبدى الفلسطينيون (حتى الآن) فقراً مدقعاً في المواهب والأفكار والأحلام. من ياسر عرفات الذي لم يترك خلفه فكرة أو مبدأ أو كتاب أو حتى شعار (دع جانباً حكاية "بل شهيد..شهيد..شهيييييييد) إلى الشيخ إسماعيل هنية الذي لا يصلح أكثر من مدرس في معهد أزهري ريفي، عتاده الفكري لا يزيد عن مجموعة محفوظات تراثية متقادمة من الفولكلور الديني وإن الله يحب المحسنين.

في ظرف آخر، ومع زعماء من طينة أخرى، كان من الممكن تخيل أن ينخرط الغزاويون في تنظيم أنفسهم وإعادة بناء بلدهم بجهدهم وعرقهم كخطوة على طريق بناء الوطن الكبير، وأيضاً ـ وهذا هو الأهم ـ لتأسيس الروح والسمت والثقافة التي ستمتد إلى الوطن الجديد.

لكن أبداً. ضربتهم إسرائيل وهو نيام في بيوتهم، وسيأتيهم ما يكفي من أموال لإعادة بناء ما خُرب وهم نيام في بيوتهم، وقطعاً سيأتهم الاستقلال، إذا أتاهم، وهم نيام في بيوتهم.




.