الغردقة موطن الدفء والجمال
واخيرا تلقت حنان الاتصال الذي ينبئها بانتهاء العمل في صيانة الشاليه إيذانا بالتوجه إلى الغردقة، صباح اليوم التالي استقلوا سيارة ذات دفع رباعي حملوا على سقفها حقائبهم وطرودا كرتونية احتوت على المواد التموينية التي تحرص على وجودها كل من أم ربيع وحنان، بما في ذلك ما أتحفهم به أهل الفيوم من مشلتت وزبد طبيعي وعسل نحل مشبع بحبوب اللقاح وغذاء ملكات النحل من مناحلهم الخاصة، وجبن قريش وأجبان بلدية متنوعة من صنع فلاحات العزبة وغيره مما لذ وطاب من خيرات عزبتهم والعزب المجاورة.
اختار السائق سلوك طريق القطامية الجديد من القاهرة إلى العين السخنة الجديد باعتباره أكثر امانا وراحة في الصباح حتى إذا وصلوا إلى العين السخنة توقفوا في بورتو السخنة لأخذ قسط من الراحة وتناول شاياً بالنعناع..
ومن العين السخنة انطلقوا ميممين شطر الغردقة.. وما ان غادروا المرتفعات التي تلي العين السخنة حتى لاحظ ربيع انتصاب العشرات إن لم يكن المئات من الأعمدة الشاهقة التي تحمل طواحين الهواء ثلاثية المراوح التي تمثل المرحلة الأولى من مشروع توليد التيار الكهربي باستغلال التيارات الهوائية التي تكاد لا تنقطع في تلك المنطقة قرب ساحل البحر الأحمر طوال العام ..
وهذا ما دعاه إلى التعليق قائلا:
- اتعجب من إنفاق المبالغ الطائلة على تقنية اكل الدهر عليها وشرب، تقنيات عام 1944 مازالت تنتشر رغم عقمها الشديد
- هذا هو المتاح حاليا يا أخي، والشركات الكبرى مازالت تتمسك به .. رد باسم
كان عليهم المرور على الأديرة التي تعمر بها المنطقة ما بين العين السخنة و زعفرانة
واهمها دير الأنبا انطونيوس الذي كان عليهم الانحراف عن الطريق العام وصولا إليه على بعد 16كلم حيث التقطوا بعض الصور التذكارية،
دير الأنبا أنطونيوس
اول دير في التاريخ
اكملوا بعدها طريقهم إلى زعفرانة ومن ثم تحركوا صوب رأس غارب، تلك المناطق الغنية بالنفط تعج بحركة عربات نقل الوقود التي تترك آثار تسربه على الأسفلت عند المنعطفات فتهضم أطرافه بشكل مخيف.
بعد العصر بقليل كان الركب يحط رحاله في فيلا وئام المتوسطة الحجم بحديقتها الخضراء الواسعة، فقد كانت تقع في واحدة من اوائل ما شيد في الغردقة من قرى سياحية استثمارية، فاتسمت البساطة الجميلة في شكلها الخارجي الذي لا يوحي بشيء من ذلك البذخ الذي اشتمل على مضمونها الداخلي من حيث استغلال امثل للمساحات المتاحة في تصميم غرف النوم الثلاث التي ألحق بكل منها حماما واسعا ضم بين جدرانه جاكوزي متوسط، كما توسع في الشرفات المحيطة بالفيلا من جميع جوانبها وذلك على حساب الصالة الرئيسة حيث كان تركيزه على استغلال المساحات الخارجية بشكل أساسي نظرا لطبيعة المناخ المعتدل في المنطقة طوال العام. الجميل في الفيلا أنها كانت مكونة من طابق واحد
كان على باسم مشاركة والدته في غرفة النوم الرئيسة بينما انفرد ربيع وحنان كل في غرفة بجوارها، وقد حولت حنان غرفة المكتب الصغيرة إلى صالة معقولة للطعام.
فيما انطلق باسم مع السائق في جولة استطلاعية للمدينة وجوارها مستفيدا من انشغال الآخرين في الاستحمام والراحة من عناء الطريق الطويل، خصوصا الوالدة التي كان الطريق بالنسبة لها الأطول الذي تقطعه خلال يوم واحد في حياتها ليعود في المساء محملا بالفواكه والخضروات الطازجة وبعضا من المكسرات المحلية.
ما ان التأم الجمع تحت عريشة جميلة في الحديقة حتى اطل عليهم حازم شقيق حنان وحرمه قادمان من منزلهم القريب وقد جلبا معهما عشاءً كاملا عملا على إعداده في البيت فور علم حازم بوصولهم.
- ما كان عليك ان تتجشم عناء الوقوف في المطبخ يا أستاذ حازم، أما وقد فعلت، فلا بأس في الفتك بما أعددت فالأمعاء تستنجد وقد بدأت تتخبط جوعا .. رحب باسم بالوافدين على طريقته المحببة
- كنت أعلم بأنك لن تصبر على الجوع طويلا، وأكاد أشك في تهريبة خارجية استقرت في معدتك سرا ، فقد شاهدت السيارة وهي تنطلق بك والسائق عقب وصولكم بقليل
- يا الله، أنت لا يخفى عليك شيء، أم ان حاسة الشم لديك تعمل بكامل طاقتها
ورددت جنبات الحديقة أصوات ضحكاتهم فيما كانوا قد باشروا في إعداد مائدة سريعة تحت العريشة..
- ما هذا يا عم حازم؟ نقطع خمسمائة كيلومتر كي تعشينا صيصان محشوة!
- من لا يعرف الصقر يشويه .. مثل خليجي انطبق عليك اليوم يا باسم، صيصان! ما بالك لم تعد تميز بين الزغاليل والدجاج!! رد ربيع متعجبا
- لا تعتب علي يا أخي، فانا غريب عن هذه البلاد، في بلادنا الحمامة في حجم الحمامة، لم أكن اعلم بأن الحمام عندكم لا حدود لنموه، كيف يمكنه الطيران بهذا الوزن؟! أم انكم تربونه كطائر البطريق، يمشي على الأرض متخايلا، لكن والشهادة لله، حمامكم أشهى وأطيب مذاقا من أي حمام طعمته من قبل، سموا بالله واهجموا قبل أن يطير من امامكم وانتم تنظرون
ومرة أخرى ينفجر الضحك حتى كاد حازم ان يقع على الأرض..