ومن أبرز سمات هذا النظام:
- نظام استبدادي طبقي.
- سرعة انتشار الفساد، نتيجة استبداد الجنرال، والصراع الدائم بين الأقليات، وضعف الرقابة الشعبية في ظل استبعاد الأغلبية.
- استمرار تدهور وتفكك البنى الاقتصادية والإدارية.
- سرعة انتشار السخط الاجتماعي والطائفي جراء زيادة الفوارق والتناقضات.
- كثرة الثورات والاحتجاجات التي يتعرض لها.
نثور لإسقاط حكم العسكر:
بناء عليه، فإن "تغيير النظام" يعني -بالضرورة- إسقاط حكم العسكر، قلب النظام الذي تسقط بسقوطه الرؤوس المتعددة، أو الأقليات المتساندة مهما بدت قوية، وأية إجابة أخرى تعني أننا -في أفضل الأحوال- بصدد حركة إصلاحية، تحسن الشروط ولا تغير الواقع، ولسنا في غمار ثورة.
وهكذا، فإن عبارة "يسقط حكم العسكر" ليست مجرد شعار احتجاجي، ولا هتاف هجائي، لكنها هدف ثوري، يقتضيه مطلب "الحرية" الذي يستوجب الخلاص من طغيان القبضة القوية، ويقتضيه مطلبا "العيش" و"العدالة الاجتماعية"، وتحقيقهما -مع الكرامة- يستوجب الخلاص من نظام طبقي بالضرورة، يسيطر "الجنرال" على معظم موارده، ويوزع الباقي منها على أقلياته المتساندة.
أما الشعب -في أغلبيته- فإن بقاءه فقيرا معوزا ليس مجرد ناتج حتمي من نتائج دولة الجنرال، بل أكثر من ذلك، هو مطلب من مطالب الجنرال، الذي ينفي الشعب ويحبسه في فقره ليظل مستبعدا، ما يضمن استقرار الركن الثالث من أركان النظام "استبعاد الأغلبية" وقديما قالوا "الفقر في الوطن غربة".
وقبل هذا وذاك، فإن "يسقط حكم العسكر" هدف يقتضيه مطلب التقدم، الذي لا يتحقق - مطردا- إلا في إطار دولة تحكمها مؤسسات منتخبة.
وفي هذا السياق، لا أهمية للوقوف كي نؤكد أن إسقاط "حكم العسكر" لا يعني أبدا إسقاط "العسكرية" نفسها، إذ لا بد لكل دولة من جيش يدافع عن حدودها، بالضبط كما أن إسقاط حكم "رجال الكنيسة" في أوربا لم يعن إسقاط "الكنيسة" نفسها.
لا أهمية - وربما لا قيمة - لمثل هذا التأكيد، فالمعنى واضح من جهة، والجنرال وأقلياته لن يتوقفوا عن المغالطة من جهة أخرى.
كيف نثور؟ كان الركن الثالث من أركان دولة الجنرال "استبعاد الأغلبية" ومازال هو "كعب أخيل" أو نقطة الضعف الأساسية في النظام بكامله.
هذا الركن الذي أمكن خلخلته أكثر من مرة، في كل منها كان "الجنرال" يترنح، مثل ثورة "25 يناير" وقبلها ما عرف بـ"أزمة مارس 1954"، لكن غياب الرؤية كان يمنح الجنرال الوقت الكافي لينهض من عثرته، وينجح - بمساعدة أقلياته المتساندة إضافة إلى مساندة دولية - في العودة إلى موقعه في قلب نظامه.
والواقع أن انتقال الأغلبية الشعبية من الغياب إلى الحضور، ومن الاستبعاد إلى صدارة المشهد تم في كل مرة بفضل التناقض البنيوي في طبيعة الأقليات.
فهي -على الأصل أو بمرور الأيام وكرّ الأعوام- جزء من الشعب أو مرتبطة به، وأحيانا تتوافق مصالح بعضها مع مصلحة الأغلبية، ما يجعله يتخلى عن فلك "الأقلية" الذي يدور فيه حول جنراله، أو على الأقل يضطرب مداره، ويحدث الأمر نفسه عندما تتعرض بعض الأقليات لعسف الجنرال، على نحو يدفعها بعيدا عنه.
وفي المقابل، فإن التنافر هو ما يحكم العلاقة بين الأقليات بعضها البعض، وهي تتساند فحسب، فلا هي تتماسك ولا هي تتآزر، إدراكا منها لاستحالة بقاء أي منها منفردة، لكن هذا الإدراك لا ينفي أنها تظل في حالة صراع مستمر، وإن كان خفيا في كثير من الأحوال، يعكس ما بينها من اختلافات عقائدية، واختلاف في طبيعة الدور الذي يؤديه كل منها.
وكما أن انفراط - أو اختلال - عقد الأقليات، سواء بخروجها من دوائر التساند مع بعضها، أو ميولها عن فلك الخضوع للجنرال، هدد عرش الجنرال، وفتح الطريق أمام الثورة، فإن الجنرال كان يتمكن كل مرة من استعادتها أشد خضوعا مما سبق، وذلك عبر التأكيد على الخلافات بينها وبين الأغلبية، ما ينقل جانبا من الصراع بعيدا عنه، ويضع الأقليات في مواجهة "حياة أو موت" - أو هكذا تبدو- فتدافع عن الجنرال باستماتة، وترى فيه "الأمل" و"المنقذ".
نجح "التنين" في أن يشغل "الأغلبية" بالصراع مع رؤوسه المتعددة، حتى لا تطعنه في قلبه، وكانت الرؤوس تعود للنمو، كلما قطع واحدا بعد الآخر، لينبت الرأس الجديد محملا بحقد دموي ورغبة أكيدة في الثأر من الأغلبية التي قطعته من قبل، وفي الوقت نفسه يكون قد نسي تماما خلافه مع الجنرال، الذي يتدحرج بعيدا مع كل رأس مقطوع.
وبهذا يحول الجنرال الصراع بعيدا عنه، فلا يكون (أغلبية/جنرال) بل (أغلبية/أقليات) والخطوة التالية -بعد أن يلعق جراحه- هي أن يقوم مدعيا الحكمة، ومطالبا بإنقاذ "الوطن" من "الحرب الأهلية"، إلى آخر المشهد العبثي الذي رأيناه يتكرر بتفاصيله في 1954 وفي 2013.