عملية الخليل..
بعد أن بانت بندقية الفاعلين!
لمى خاطر
[ 21/07/2010 - 06:10 ص ]
قد لا يبدو مهماً كثيراً لبعض المتابعين التوقف عند المحطة الأخيرة من تداعيات عملية الخليل البطولية التي نُفذت الشهر الماضي وقُتل فيها شرطي صهيوني وأصيب اثنان آخران بجراح، هذه المحطة كشف فيها جهاز الشابك الإسرائيلي عن هوية الفاعلين، الذين أصبحوا معتقلين لديه، ونَسب لهم إضافة لتنفيذ العملية هذه عمليات إطلاق نار عديدة جرت في منطقة الخليل مؤخراً.
أبطال العملية الفدائية تبين أنهم ينتمون لحماس، وهذا ليس غريباً بحال على مسامع من يدرك كنهَ حماس ويبصر مواضع خطوها المقاوم، ويقدّر طاقتها الفريدة على الاستمرار في المقاومة حتى في أحلك الظروف وأشدها تعقيداً وصعوبة.
حماس، الأكثر استهدافاً في الضفة هي وحدها تقريباً من يصدر عنها فيها فعل مقاوم بين الحين والآخر في ظل واقع يشهد انحساراً حاداً في العمل العسكري بشكل عام، وهي فقط من تُكتشف لها خلايا في طور الإعداد لمقاومة المحتل، وهي من يقتسم جيش الاحتلال وأجهزة أمن فتح اعتقال خلاياها الحديثة والتنكيل بها وتبادل أفرادها في بعض الأحيان، وهي من ترسَل لأجل رسم المزيد من خطط استئصالها البعوث الأمنية الأمريكية، بينما غيرها من الفصائل الأقل استهدافاً لا نسمع منها ولا يصدر عنها سوى بكائيات مفتعلة على المقاومة لا رصيد لها في الميدان.
والأهم من كل هذا أن حماس هي وحدها تقريباً من ترتضي أن تعمل بصمت ودون إعلان، بينما يتسابق الطارئون على المقاومة والمتاجرون بها للإعلانات الكاذبة عن تنفيذها، وينشغلون بالاتصال بالفضائيات ووسائل الإعلام لتثبيت مسؤوليتهم المزعومة عن عمليات حمساوية الأصل والفصل، فيصدقهم الجهلة والسفهاء، ويستدل بعض الناطقين الإعلاميين المفلسين بتلك الادعاءات للتشدق على الفضائيات بالقول إن فتح لا تزال تقاوم، بدليل إعلان ما يسمى كتائب الأقصى عن العملية كذا!
وعملية الخليل ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد التي تنفذها حماس في الضفة منذ انحسار موجة انتفاضة الأقصى، فعلى مر السنوات الأخيرة تم تنفيذ عمليات متفرقة خرجت بصعوبة بالغة في ظل حالة التنسيق الأمني المحموم، وكلها تمت دون إعلان، ليتبين لاحقاً وبعد اعتقال الفاعلين أن حماس هي من تقف خلفها.
المتتبع للحراك الحمساوي، والمتابع لتداعياته إعلامياً لن يصعب عليه أن يقف على حقيقة أن المقاومة لا تزال تتصدر أولويات الحركة، وأن كل ما مسّها من أذى وإقصاء وعمليات اجتثاث متصاعدة لم يحملها على الانكفاء أو إيقاف مسيرتها المقاومة، بل إن الإبداع النضالي الفعلي واجتراح آليات تناسب الظرف المعقد هي أمر لا نكاد نجده عند غير حماس، فإخراج عملية تأخذ بعين الاعتبار حالة استهداف المقاومة على جبهتين ليس بالأمر الهين، ومثله تجاوز القيود الأمنية الفتحاوية والتي بات يستحيل معها مجرد التفكير بإخراج مقاومة عسكرية انطلاقاً من ساحة الضفة التي يشهد لها جنرالات الاحتلال بأنها غدت واحة للأمن لدرجة حملتهم على التفكير برفع الحظر عن دخول الإسرائيليين لمناطق السلطة فيها!
عملية الخليل لم تنصف حماس فقط، ولم تقدم دليلاً إضافياً على أنها ما تزال رأس حربة المقاومة ووقودها، بل قدمت كذلك الدليل على أن حماس حركة حية ومتجددة، وأن النوم عن الجهاد يتنافى مع فطرتها كما هو مجافٍ لاسمها، وأن الثوابت عندها ليست شعارات إعلامية تستحضرها لمداعبة خيال جمهورها كما يفعل من يقارف جريمة الحرب على المقاومة ثم يخرج أمام جماهيره بادعاءات وقوفه على ثغرها!
ولعل إرادة الله شاءت أن ينكشف سرّ هذه العملية سريعاً لكي يعود تأصيل الصراع على هذه الأرض إلى مساره الصحيح، ولكي تتمايز الفروق مجدداً بين نهجي المقاومة والانبطاح، ولكي تظل بوصلة الفعل تشير إلى مكانها الأصلي وإلى حيث يقف المجاهدون الحقيقيون.
ما زلت أذكر يوم حدثت عملية عتصيون أواخر 2005 والتي قتل فيها خمسة صهاينة، كيف خرج الدجالون إياهم لينسبوها لأنفسهم ويقولوا: أرأيتم كيف انشغلت حماس بالترتيب للانتخابات وطلقت المقاومة وارتضت الالتزام بالهدنة، فكان أن حملت لنا الأيام اللاحقة بعد عدة أشهر الخبر اليقين، وكُشف النقاب عن القساميين الذي نفذوا العملية، وهم الآن رهن الاعتقال، ويقضون أحكاماً بآلاف السنين! فحماس التي كانت منشغلة بالترتيب للانتخابات التشريعية حينها كانت عينها الأخرى على المقاومة، وكانت تقدم فعلاً ميدانياً أسطورياً تجلى في تلك العملية النوعية وأخرى نفذتها قبلها وبعدها، وحماس التي فازت في الانتخابات لاحقاً وواجهت تحدي تشكيل الحكومة ومجالدة قبضة الحصار، كانت في أيام فوزها الأولى تعدّ لعملية الوهم المتبدد وفاءً لأسراها الذين حمل لهم برنامجها الانتخابي عهداً بالعمل للإفراج عنهم! فهل أورد التاريخ المعاصر ذكراً لحركة امتلكت تلك المقدرة الاستثنائية على المزاوجة بين السياسة والنضال وهي تحت الاحتلال، وقبضته تفتك بها ليل نهار؟ هل فهم المتعامون عن أصالة حماس لماذا يستهدف الاحتلال ووكلاؤه سياسيي الحركة ودعاتها ومفكريها كما يستهدفون مقاوميها وقادتها العسكريين؟ ولماذا يضيق الخناق على مناصريها في كل مكان، وتلاحق رايتها الخضراء التي تذكّر بذلك النهج الفذّ الذي غير وجه فلسطين كلها ونفى من دروبها الجدب والعجز، وأرسى دعائم التحدي ومغالبة المستحيل؟!
لهذا كله يبدو التوقف مجدداً عند تفاعلات هذه العملية ملحاً ومطلوباً، ولهذا كله ينبغي أن تظل مثل هذه الأحداث حاضرة على الدوام في ذهن كل منصف من مؤيدي نهج المقاومة.. كنا نقول سابقا: إن المقاومة بخير ما زالت حماس بخير، لكن عملية الخليل أكدت عملياً أن نهج المقاومة بخير ما زالت حماس موجودة، حتى وإن كانت مثخنة بالجراح ومستنزفة حتى النخاع، وحتى وهي تحارب بسيف ذي حربتين صهيونية وفلسطينية، حماس هي سيدة المقاومة الفلسطينية بلا منازع وهي الساهرة على ثغور صونها بلا منازع أيضاً، هذا ما تؤكده الوقائع وما يسجله سفر البطولة يوماً إثر آخر، وهذا ما ينبغي أن يعيه المزاودون على اختلاف مشاربهم وسواء أزعجتهم هذه الحقيقة أم لم تزعجهم.
أما الكَذبة وكتبة بيانات التدليس والمعتاشون على فعل غيرهم، فقد غدا الخزي قرينهم وظلهم الذي لا يفارقهم بعد أن اتسع رتق افتراءاتهم على المصدقين لدجلهم، لقد باعوا بالأمس القريب سلاحهم بثمن بخس، وهذا العار لن تغسله البيانات الكاذبة ولا التسابق المسعور لنسبة فضل المجاهدين لذاتهم التي نكصت على عقبيها، والتي هي في حقيقتها ليست سوى ظاهرة صوتية بائسة!
تعقيب:
إهداء
إلى كل من سود صفحات مطولة فحواها سموم على شاكلة "حماس طلقت المقاومة" .. "حماس تفرغت للحكم وألقت البندقية" ... حماس حماس .. حماس..
ومن ثم إلى المتيقنين بالنصر القادم بحول الله وقوته .. على أيدي متوضئة ووجوه وضاءة الصائمين في النهار القائمين في رباط طوال الليل ..
زادهم قربة ماء وحفنة تمر .. وتوكل على الله ..