بثّ الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصرالله، المخاوف من سيناريو "حرب أهلية جديدة"، في كلمته المطوّلة التي خصّصها لمخاطبة المتظاهرين في تاسع أيام الحراك الشعبي، والذي قال إنه انحرف عن أهدافه، موجّهًا اتهامات بوجود "تمويل أجنبي"، و"اتصالات مع سفارات وأجهزة مخابرات أجنبية"، مطلقاً لاءات ثالثة لإسقاط العهد (في إشارة إلى عهد رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون) وإسقاط الحكومة (حكومة سعد الحريري) وإجراءات انتخابات مبكرة، مقرًّا في الوقت نفسه بأن المتظاهرين خرجوا مدفوعين بمطالب محقّة أصرّ على حصرها في الإطار الاجتماعي المعيشي، قبل أن يتحوّل ما يجري إلى مؤامرة.
وفيما رفض نصرالله في بداية كلمته توصيف الاحتجاجات في لبنان بأنها ثورة شعبية، معتبرًا إيّاها "حراك شعبي"، أشاد بخطاب رئيس الجمهورية، ميشال عون، بالأمس، الذي عرض فيه استقبال وفد من المتظاهرين والاستماع لمطالبهم، مطالبًا الحراك بانتخاب قيادة عنه للتفاوض، قائلًا إن ذلك "لا يعني ترك الساحات، وللمتظاهرين أن يتفاوضوا تحت ضغط الشارع"، داعيًا في هذا الإطار إلى القبول بورقة الإصلاحات التي قدّمتها الحكومة.
وحذر نصرالله من الوقوع في الفراغ في مؤسسات الدولة، قائلًا إنه "سيؤدي في ظل الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب، والتوترات السياسية في البلاد والإقليم، إلى الفوضى والانهيار". وتساءل: "إذا استمر البلد لمدة على هذا الوضع، فهل سيستطيع دفع المعاشات أم لا؟ حتى الجيش الذي يعتمد كحافظ للأمن ووحدة البلد والسلم الأهلي، سيأتي وقت ولا يجد معاشات ليأكل منها".
وتحدث نصرالله عن بداية وجود "فلتان"، محذرًا كذلك من "حرب أهلية"، وأبدى تخوّفه من أن يكون ثمة طرف من الأطراف "يحضر لها كما جرى في دول أخرى في المنطقة"، قبل أن يشير إلى أنّه الطرف الأقوى في المعادلة الداخلية، في حال وقعت الحرب الأهلية.
ورفض نصرالله مطالب المحتجين برحيل الحكومة والطبقة السياسية الفاسدة، معتبرًا أن ذلك معناه "الذهاب إلى الفراغ، ونحن لا نقبل بذلك"، متحديا الحراك بأن ينتخبوا ممثلين عنهم ووضع قانون انتخاب وإرساله للمسؤولين "وسنوافق عليه على بياض".
وأضاف: "نحن نحمي البلد، وديننا ووطننا وأخلاقنا يحتم علينا ذلك، نحميه بالمقاومة... وأيضا بالسياسة، نحن معنيون بحماية البلد، وندفع ضريبة الشتم والاتهام بحماية الفاسدين".
واتهم الحراك بأنه "لم يعد حركة شعبية عفوية"، مشيرًا إلى "حالة تقودها قوى سياسية معروفة، وشخصيات ومؤسسات معينة"، متحدّثًا عن وجود إدارة وتنسيق وتمويل، بالقول: "هناك أموال طائلة تنفق"، وخاطب قيادات الحراك بالظهور والإفصاح عن مصادر التمويل "كونهم يطالبون بالشفافية".
وقال إن بعض المطالب المحقة تم أخذها إلى سياق آخر، متحدّثًا عن "استخدام بعض الساحات لتوصيف المقاومة بالإرهاب والتصويب على سلاحها". وزعم أن "إحدى الجهات الفاعلة تعدّ ورقة تطالب مجلس الأمن بإخضاع لبنان للفصل السابع".
وادعى نصرالله أنه يعرف، بناء على معلومات، بوجود قيادة للحراك "غير ظاهرة للعلن، وهي لا تعلن عن نفسها لأسباب كثيرة"، مردفًا أنه "ليس ثمة قيادة واحدة؛ هناك أحزاب وتجمعات وأطر وأشخاص فاعلون".
واستطرد قائلًا إنه ثمة فئة "يعرفها شخصيا مخلصة وهمها هم الناس"، وثمة "فئة ثانية هي أحزاب سياسية معروفة بعضها كان في السلطة واستقال، وبعضها كان في السلطة لعقود ولها تاريخها ومشروعها السياسي"، وفئة ثالثة "عبارة عن تكتلات وكيانات سياسية جديدة شاركت في الانتخابات النيابية وأنفقت أموالا طائلة وعجزت عن الوصول إلى المجلس إلا بأرقام صغيرة رغم القانون النسبي"، متحدثا أيضا عن فئة "ترتبط بسفارات أجنبية ومخابرات أجنبية"، وعن أسماء تدير الحراك "هي من أفسد الفاسدين"، قائلا إنه يعرفهم بالاسم.
وتساءل نصرالله مخاطبًا المتظاهرين: "أتريدون أن تستبدلوا فاسدا بفاسد"، داعيا إياهم إلى تقديم البديل النزيه "وسنبايعه جميعا".
واعتبر أن "الوضع في لبنان دخل في دائرة الاستهداف السياسي الدولي والإقليمي، ولم يعد موضوع مطالب اجتماعية واقتصادية"، زاعمًا أن ذلك مبني على "معلومات قاطعناها من أكثر من جهة"، قائلًا، "لا تصدقوا ما تقوله السفارات (في إشارة إلى حديث السفيرة الأميركية عن عدم تأييد بلادها سقوط الحكومة) بل صدقوا ما يفعلونه وما يخطط له السي آي إيه في الخفاء"، وتساءل: "ما معنى أن يجلب الإسرائيليون في هذا التوقيت لبنانيين من المقيمين في إسرائيل ليتضامنوا مع الحراك اللبناني على الحدود؛ نحن أهل المقاومة يحق لنا أن نتحسس من ذلك".
وقال نصرالله إنه "يعبّر بالحد الأدنى عن خشية"، مضيفًا: "نحن متخوفون من أن يكون ثمة أحد يريد افتعال توترات اجتماعية وسياسية واقتصادية ويأخذ البلاد نحو الحرب الأهلية"، قائلًا إن هذا الخوف "على البلاد وليس على المقاومة"، وأن "أقوى طرف في المعادلة اللبنانية اليوم هو المقاومة".
وخاطب بشكل مباشرما أسماها "القيادات في الحراك"، بأنها "مطالبة اليوم بطمأنة الناس، وهي مطالبة أيضًا بطمأنة المقاومة".
وكان أنصار الحزب قد استبقوا خطاب نصرالله، اليوم، باقتحام الاعتصام المركزي في ساحة رياض الصلح بالعاصمة بيروت، والاعتداء على المتظاهرين السلميين بالعصي، وفق ما أظهرت مقاطع مصوّرة من هناك، ما أدّى إلى وقوع إصابات في صفوف المحتجّين.
واشتبك أنصار الحزب، وفق ما نقلت قناة "أم تي في" المحلية في لبنان، مع القوى الأمنية التي حاولت فضّ النزاع والفصل بينهم وبين المتظاهرين، في حين أكّدت قناة "الجديد" أن المتظاهرين لم يتعرّضوا لنصرالله بالهتافات، في حين حاول أنصار الحزب نصب خيمة وسط مكان الاعتصام، بعد أن اقتحموا ساحة رياض الصلح هاتفين لنصرالله.
وكان أنصار الحزب قد حاولوا بالأمس التشويش على الاحتجاجات وسط بيروت، مستخدمين أسلوب بث الشعارات الطائفيّة، ومؤدّين قسم المرشد الإيراني علي خامنئي، في وسط ساحة رياض الصلح، ما أدّى إلى إصابة أحد المتظاهرين بعد احتكاكات مع أنصار الحزب، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام.
وتأتي تحرّكات أنصار الحزب في اتجاه تخريب الاحتجاجات، لا سيما في بيروت التي لم تتخللها إشكالات تذكر على مدار الأيام التسعة الماضية، قبيل ظهور هو الثاني لزعيم الحزب، حسن نصرالله، منذ بدء الحراك، عصر اليوم الجمعة، بعد أن رفض في خطابه الأول مطالب المحتجين بإقالة الحكومة، محذرًا في الوقت نفسه من انفجار شعبي.
وكان الرئيس اللبناني، ميشال عون، قد خرج بالأمس، في خطاب مسجل من قصر بعبدا، مخاطبًا المتظاهرين للمرة الأولى منذ بدء الحراك، طالبًا منهم تفويض وفد منهم لحمل مطالبهم والاستماع إليها، محاولًا أيضًا تبرئة نفسه من المسؤولية عن الوضع بذريعة عدم امتلاكه صلاحيّات كبيرة كرئيس للجمهورية. غير أن الخطاب قوبل بانتقادات كبيرة، ورفض واسع من الشارع، الذي يصرّ على مطلب إسقاط الحكومة ورحيل الطبقة السياسية الممسكة بزمام الأمور في البلاد.
مزيد من التفاصيل