هـيكل وسـفينة الإنـقــاذ
آخر تحديث 21/09/2013 | 14:44
مركز الدراسات المعاصرة
عاد المفكر "القومي-الناصري-العلماني" محمد حسنين هيكل إلى الواجهة بعد أن غاب عنها، مباشرة بعد الانقلاب الذي اعتبر الأب الروحي له والمخطط الإستراتيجي إعلاميا ومعنويا، بعد أن كشفت وسائل إعلام مصرية وأجنبية عن مكوثه عشرات الساعات في شهر حزيران في الثكنات العسكرية يخطط ويهندس؛ نقول عاد مجددا إلى واجهة الأحداث بعد لقائه مع قيادات إخوانية أكدت معلومات رشحت من جانب مقرب من المؤسسة العسكرية أنها وقفت وراء هذا اللقاء.
تأتي أهمية هذا اللقاء من خلال وضعها في سياقات الواقع المصري الذي أكد على: فشل الانقلاب، تدهور سياسي غير مسبوق للدبلوماسية المصرية، انهيار اقتصاد ينذر بانتقال مصر إلى دولة فاشلة، احتقان أمني – مجتمعي غير مسبوق في مصر ينذر بدخول مصر إلى نفق "الجزأرة" (التجربة الجزائرية)، انهيار سمعة الجيش واتهامه بالعمالة للصهيونية ولواشنطن، شرخ في المجتمع المصري بين أغلبية مسلمة ساحقة تؤيد الشرعية والدستور المنتخب وأقلية علمانية – ملحدة تعتمد المساس بالدين، شرخ عميق بين تيار الإسلامية-الوسطية-السلفية وتيار الأزهر-النور-السعودية، عزلة دولية لمصر، انهيار في سيناء ينذر بحرب ساحقة مع القبائل تهلك الجيش الثاني المصري، دعاوى قضائية ضد العشرات من العسكريين والإعلاميين على دورهم في ارتكاب جرائم حرب.
في ظل هذا الفشل الذريع يأتي لقاء هيكل مع القطبين الإخوانيين محمد علي بشر وعمرو دراج بناء على طلبه، وتأتي محادثة الرئيس مرسي لأهله من معتقله مؤكدا صلابته وثباته حاملة رموزا عديدة منها ما رشح من أنَّ الذين حققوا معه أحضروا معصوبي الأعين، وفي هذا من الدلالات والإيحاءات الكثير، وتأتي هذه المقابلة في ظل مجموعة من المقترحات التي تقدم بها العديد من العقلاء لإخراج مصر من مستنقع سيفضي بها إلى فتنة عظمى، وتوافق هذا الحراك مع زيارة عاجلة لوزير دفاع واشنطن ليطمئن على مسار الانقلاب الفاشل ووضعية الأقباط التي باتت قلقة للغاية بعد افتضاح حجم الدور الذي مارسته الكنيسة وشخصيات قبطية نافذة، وفحص سبل الخروج من الأزمة... هذا كله يأتي مع دعوة العلامة المحدّث محمد عبد المقصود الجنرال السيسي إلى المباهلة، بثت على اليوتيوب وتلقاه بالقبول ملايين المصريين، بعد أن شن عتلّ إعلامي مصري يسمى وائل الأبراشي هجوما شرسا على العلامة عبد المقصود أدت إلى ردود هائلة في الشارع المصري تضاف إلى سلبيات هذه المجموعة الاستئصالية.
كانت مواقف الإخوان في اللقاء مع عراب الانقلاب شديدة الوضوح لا لبس فيها ولا غموض ولا تفسر على وجهين، وكانت طلباتهما وبوضوح: عودة الحريات وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة فتح القنوات المغلقة، وعودة الشرعية والدستور، مقابل وقف التظاهرات اليومية التي باتت تغطي الشارع المصري بمدنه وقراه ونجوعه بصعيده وسينائه وبصحرائه، بنوبه وعربه، وزاد الطين بلة الفشل الذريع لحكومة الببلاوي التي باتت تتسول دول الغرب والخليج لدفع المعاشات والأجور وتحريك عجلة الحياة التي فشلت وسقطت.
نعم، لقد سمم العسكر وبقايا العلمانية الشوفينية الحياة السياسية والمجتمعية في مصر، لكنها في الوقت ذاته كشفت عن حجم الهوة بين هويتين؛ هوية إسلامية عربية وهوية علمانية فرعونية تسيطر اليوم برسم الدبابة والمعتقلات والقتل الجماعي. وبفشلها الذريع بدأت الجولة الثانية من محاولة العسكر طي الإخوان تحت سقفهم عبر رمي فتات لهم يتمثل بالتزام العسكر بعدم إخراجهم عن القانون ورد الأموال المحتجزة ومنحهم دورا في حكومة قادمة بثلاثة وزراء، وهو ما رفضه الإخوان جملة وتفصيلا.
في الوقت ذاته أعلن حسام عقل ؛ رئيس المكتب السياسي عبر فضائية القدس أول أمس أن الحزب وقامات وطنية مصرية ستتقدم بخطة للشعب المصري لإخراج مصر من النفق الذي أدخلها العسكر إليه، ويقع في جانبين سياسي- مجتمعي وآخر اقتصادي، ويؤكد على ضرورة عودة العسكر إلى ثكناتهم معتبرا هذا الطرح الورقة الأخيرة لإنقاذ مصر.
هذا اللقاء كشف عمق الأزمة داخل العسكر والانقلابيين، وأن الأمور في مصر، إن لم يجر تداركها، تتجه نحو المجهول.. ولا يتحمل وزر ما تمر به مصر إلا العسكر والعلمانيون من شيوعيين وقوميين وليبراليين.