تشهد الساحة الفلسطينية حالة من الجدل على المستويين الرسمي والشعبي،فيما يخص تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فمن جهة تزعم السلطة بأنهابدأت بخطوات على الأرض للانفكاك التدريجي عن الجانب الإسرائيلي؛ منها وقف التحويلاتالطبية إلى المستشفيات الإسرائيلية ورفض استلام أموال المقاصة، في المقابل تشهدمدينة روابي قرب رام الله نشاطا تجاريا بين شركات (الهايتك) الفلسطينيةوالإسرائيلية برعاية من الولايات المتحدة الأمريكية.
جاء الكشف عن ذلك بعد نشر الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (BDS)،أسماء لشركات فلسطينية تعمل في مدينة روابي تتهمها بإقامة مشاريع اقتصادية وتجاريةمع دولة الاحتلال، منها مركز التطوير التكنلوجي "روابي تك هب"، وشركتيعسل وإكسولت.
وتتم العملية وفق (BDS) من خلال تعاقد الشركة الإسرائيلية- الأمريكية، ميلانوكس (Mellanox) مع مبرمجين فلسطينيينلتطوير وتصميم أنظمة وبرمجيات تكنلوجية، يستفيد منها الجيش الإسرائيلي باعتبارهأكبر زبائن شركة ميلانوكس.
بالتزامن مع ذلك برز في الأيام الأخيرة ظهور تيارات سياسية فلسطينية تناديوتؤمن بالسلام الاقتصادي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث شهدت مدينة الخليل جنوبالضفة الغربية في الأول من الشهر الجاري ميلاد حزب فلسطيني جديد تحت مسمى"الإصلاح والتنمية" يتزعمه أشرف الجعبري يدعو إلى إنعاش الاقتصادالفلسطيني والتعاون مع الإسرائيليين تحت مسمى السلام الاقتصادي.
"نشاط مريب"
من جانبه حذر منسق حركة المقاطعة (BDS) عبد الكريم عجور، منالنشاط المريب الذي تتبناه مدينة روابي، معتبرا أن "تمويل ورعاية الولاياتالمتحدة الأمريكية لأنشطة اقتصادية وتجارية مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليينفي هذه المدينة يؤسس لخلق مناخ من شأنه تهيئة الرأي العام الفلسطيني لأي خطة سلامأو تسوية مع الإسرائيليين تحت غطاء السلام الاقتصادي".
وأضاف عجور لـ"عربي21": "من المؤكد أن نموذج التعايشالسلمي في مدينة روابي، يتم بغطاء من السلطة الفلسطينية التي لم تتحرك لوقف هذهاللقاءات رغم مطالباتنا المتكررة بضرورة وضع حد لما يجري في المدينة، خصوصا وأن هذاالنموذج شجع شخصيات سياسية فلسطينية في الخليل لتطوير هذه الفكرة من التعايشالمشترك، دون أدنى اعتبار لتاريخ وتضحيات الشعب الفلسطيني مع دولة الاحتلالالإسرائيلي".
كانت مدينة روابي منذ إنشائها بقرار من السلطة الفلسطينية في العام2008، محل جدل واسع في الشارع الفلسطيني فمن جهة يصفها البعض بأنها مستوطنةفلسطينية، أنشئت لخلق مناخ جديد بعيدا عن الصراع والمواجهة مع دولة الاحتلال، فيحين يرى آخرون بأنها نموذج لمدن المستقبل بعيدا عن الزحام والحياة الصاخبة فيالضفة الغربية.
وتضم روابي المبنية على مساحة 850 ألف متر مربع 22 حيا سكنيا ومركزاتجاريا ومجموعة كاملة من المرافق العامة، ويقدر عدد قاطنيها بنحو 50 ألف نسمة،وقيمة استثماراتها تقدر بمليار دولار.
"عجز السلطة"
في حين أقر عضو المجلس الثوري لحركة فتح، تيسير نصر الله، باستحالةالسيطرة على ما يجري في روابي من قبل السلطة، لأن "مشاريع الهايتك تتم منخلال عقد إلكتروني بين المبرمجين والحاضنات التي تكون تابعة لشركات إسرائيليةوالتي قد تتسر باسم شركات أجنبية، لذلك لا يوجد أثر ملموس لهذه الجريمة يمكنتتبعها والقبض على مخالفيها من المتواطئين بهذه النشاطات".
وأكد نصر الله لـ"عربي21" أن "حركة فتح قد أعلنت عنرفضها لأي مشاريع تسوية قد تتم في الأراضي الفلسطينية بغطاء اقتصادي دون موافقةالسلطة عليها، لذلك فإن ما تشهده الضفة الغربية مؤخرا سيتم مجابهته والتصدي لهسياسيا وأمنيا إذا لزم الأمر". على حد قوله.
في المقابل يرى الباحث في مركز القدس للدراسات الإسرائيلية، علاءالريماوي، أن "ادعاء السلطة بعدم قدرتها على وقف مشاريع التطبيع الاقتصادي فيروابي يتناقض في جوهره مع توفيرها حماية أمنية وقانونية لمجلس إدارة المدينة الذينهم شخصيات وازنة في السلطة، ولديهم استثمارات مالية واقتصادية في المدنيةويتعاملون بشكل يومي مع الشركات الإسرائيلية".
وأوضح الريماوي لـ"عربي21" "أن السلطة تدعي سياسيابأنها ترفض مقترحات السلام الاقتصادي، ولكنها في المقابل لا تعارض تطبيق مثل هذهالاقتراحات على أرض الواقع، لأن التسوية السياسية لم تعد قائمة في ظل تحكم إسرائيلالمطلق بمجريات الحياة اليومية لسكان الضفة الغربية من خلال الإدارةالمدنية".
وتوقع الريماوي أن تعمم مثل هذه المشاريع في المرحلة القادمة في مدنأخرى بالضفة الغربية، لأن "نموذج روابي بات مقبولا لدى الطرفين، فمن جهةتستفيد السلطة في توفير فرص عمل للمئات من الخريجين بأموال إسرائيلية، وتستفيدالاخيرة في فرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين بما لا يسمح لهم بالتخليعنهم".
مزيد من التفاصيل